الخميس، 8 مارس 2018

اسم هذا الكتاب : طلوع سعد السعود في أخبار وهران (الجزء الخامس  من الكتابة )


غزو المرسى الكبير ووهران
ثم جهز جيشا لوهران وغزاها فملك برج مرساها في أول ربيع الثاني سنة إحدى عشر من العاشر (1) قاله الحافظ أبو محمد عبد الله قاضي نهر بني راشد. ولما ملكوها استقروا بها إلى أن تقدموا لوهران فدخلوها في آخر المحرم سنة أربع عشر من العاشر (2) وهو العام الذي مات فيه صاحب المعيار ، قاله التغريري ، والشيخ أحمد بابا ، والمديوني ، واليفريني ، وقال الحافظان : الصباغ ، وأبو راس ، وغيرهما كان ذلك في صفر سنة خمسة عشر من العاشر ، بمداخلة يهودي غدار للمسلمين وذلك أن اليهود الذين بوهران تحت ذمة المسلمين أتى واحد منهم يقال له زاوي بن كبيسة المعروف بابن زهو بجيش النصارى للمدينة غفلة وأدخلهم لها سرا بالحيلة فقام الجيش لباب المدينة الموالي للمرسى ففتحه ليلا وأخذ العساسين وهما : عيسى بن غريب العريبي ، والغناس بن طاهر العبدلّاوي ، وصار الجيش يدخل ويخرج ونكبوا المسلمين قتلا وسبيا وكان ذلك وقت أبي قلموس الزياني. / وقد عجز عن دفاعهم عجزا كليا وإلى ذلك أشار الحافظ (ص 150) أبو راس في سينيته بقوله :
خامس عشر من عاشر أناخ بها
 

الإسبانيون أهل الشرك والرجس
 
جحافل الكفر قد حموا جوانبها
 

وعن دفاعهم عجز أبو قلمس
 
ولما مكنوهم من المدينة شرطوا عليهم برج المرسى فأنزلوهم به وفاء بالعهد وإليهم ينسب برج اليهودي الذي بهيدور وجعلوا لهم الصولة العظيمة التي لا توصف على المسلمين فكانوا يخرجون لبني عامر لقبض الضريبة كالملوك ثم تخيّل منهم النصارى بعد ثمانين سنة ما يكرهونه فأخبروا سلطانهم بذلك فأمرهم بطردهم مخافة أن يفعلوا بهم ما فعلوا بالمسلمين من الخديعة.
__________________
(1) الموافق 2 أوت 1505 م.
(2) الموافق 31 ماي 1508 وهو خطأ ، لأن الإسبان احتلوا وهران في ماي 1509 م.

غارات الإسبان على أحواز وهران
وكان طاغية النصارى بوهران اسمه دك ، ولما استقل قدمه بها صار يشن الغارات على المسلمين إلى أن دخل في طاعته كرشتل ، وبنو زيّان ، والونازرة ، وقيزة ، وغمرة ، وحميان ، وشافع ، وأولاد عبد الله ، وأولاد علي ، وغيرهم من بني عامر ولم يخرج عن طاعتهم من المجاورين لهم بوهران إلّا مخيس والرّفافة المستقرين بين البحر وجبل هيدور مع جبل قيزة. وصار الداخلون في طاعته شيعته الذين ينصرونه ويعتمد عليهم في جلب الأخبار والمسير بهم في الطرق في الليل والنهار. واتخذ منهم الجواسيس الذين يقال لهم المغاطيس ، فقويت شوكته ، واشتدت قوته وتعددت غزواته على الأقربين والأبعدين والأنزلين والأصعدين وخلا له الجوّ إلى أن صارت ملاتة وسيرات من جملة بلاده التي تحت يده وشداده ، يتردد بها في ليله ونهاره. ولا منازع له فيها باضطراره واختياره وتكرّرت غزواته على هبرة والحرب بينه وبينهم سجال ، إلى أن تلاشوا وحل بهم الاضمحلال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ، وإلى هذا أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
وعاث دك ببطحتيها مجتلبا
 

على الإيمان فلم يبل بمفترس
 
ورجّ أرجاءها لما أحاط بها
 

فأبدلت شمّ أعلامها بالفطس
 
(ص 151) / وشحنت بخنزيرهم وصلبانهم
 

مواضع الإيمان بها ذو توس
 
كم توليت بها من آية محكمة
 

فبعد طهرها قد ملئت بالنجس
 
كأنها ما حوت شمسا ولا قمرا
 

لم يدر في الناس والعالي من النّدس
 
خلا له الجوّ فامتدت يداه إلى
 

إدراك ما لم تنل رجلاه مختلس
 
عمّرها بعدنا بخبث مالقة
 

شناضيض كاليعافرة والتيس
 
وسار سيرته فينا من أعقبه
 

وكلهم مقتف آرغون وإفرانس
 
فغزوا هبرة بموضع يقال له يعلوا من جبال سيرات وذلك أن هبرة كانوا نازلين بيعلوا فغزاهم دك بها وتقاتلوا شديدا قتل من الطلابة (كذا) ثلاثون ومقبرتهم بها تسمّى للآن بمقبرة الطلبة بالطريق لأنها اندرست ومن هبرة تسعون شجاعا وانجرح أربعون. ومن إسبنيول ثلاثمائة وانجرح ثلاثون وتركوا ثقالهم وفرّوا هاربين وارتكب هبرة ظهورهم إلى حجار الروم بالجانب البحري من وادي

سيق فرجعوا عنهم. ثم غزوهم بسيدي الأخضر من بلاد حميان فكان القتال بين الفريقين شديدا وصبر لهم هبرة صبر الكرام انجلا الأمر فيه على موت مائتي شجاع من هبرة وانجراح ثلاثين وموت ما يزيد على الستين من السبنيول وانجراح ما يزيد على السبعين. ثم غزوهم بيعلوا ثانيا وكان المصاف أسفل العقبة ونشبت نار الحرب بينهما وقت الضحى فلا ترى إلا رجال هبرة كأنها أسود هائجة في القتال يكرّون عليهم الكرّة الهلالية مرة بعد أخرى وحصلت الدائرة على الإسبنيول وأعان هبرة رجال شداد من بني شقران ومع السبنيول خيول أولاد علي ، وحصلت الهزيمة في الإسبانيين بسبب أولاد علي بعد ما مات من الإسبانيين عدد كثير ومن أولاد علي ما يزيد على الخمسين وركبت هبرة وبنوا شقران أكتافهم إلى وادي سيق وغنم هبرة وبنوا شقران جميع الأثقال وذاع الخبر في ذلك اليوم بفعل هبرة بالسبنيول. ثم غزوهم بعوينت الزيتون من بلد العبيد ، الشراقة خرج لهم من مزغران غفلة / فأثخن فيهم كثيرا ومات منهم ما بين الرجال (ص 152) والنساء والذراري ما يزيد على السبعمائة فضلا عمن انجرح ، وأخذ لهم النصارى جميع ما وجدوه عندهم من الدواب وغيرها وكان ذلك بإعانة أولاد حمدان من مجاهر فصار عدد هبرة يقل. ثم غزوهم بسيدي مبارك وذلك أن هبرة كانت مفترقة في النزول ما بين سيرات الشرقية والغربية والساحل والجبال ولم يكن منهم إلا البعض من أولاد هدّاج بن هبرة بسيدي مبارك بن بخباخ فصكّهم السبنيول ومعه جيشه من قيزة ، والونازرة ، وغمرة ، وشافع ، وحميان ، وكرشتل ، وبني زيان ، وأولاد عبد الله ، وأولاد علي ، وأحاط بهم إلى أن أسرهم عن آخرهم فبلغ الخبر لأخوتهم فأتوهم مسرعين وحصل القتال بينهم وبين العدو ففكوا جميع الأسارى من يده بعد أن مات من رجالهم في ذلك اليوم ما لا يعدّ وضعف بذلك حالهم ودخلهم التلاشي فذهب السبنيول بغنيمة الأموال ورجع هبرة بأسارى أخوتهم من الصبيان والنساء والرجال. ثم غزوهم بسيدي عبد المؤمن من مزغران وكان خندقا عظيما بالطرفا وغيره فكانت الدائرة لهبرة عليهم ومنحهم الله النصر فقتلوهم مقتلا شنيعا وظفروا بهم وبأموالهم بحيث ناب للواحد من هبرة من النّاضّ (1) ما يزيد على الثلاثين ريالا كبيرا وفضلا عن غيره. ثم غزوهم به ثانيا
__________________
(1) يبدو أن الناض عبارة عن قطع ذهبية ، وفضية ذات قيمة مهمة.

من وهران بأن أتوهم مع الساحل وخرجوا لسيدي عبد الرحمن الصّماش وهبرة في غفلة إلى أن كادوا يصلونهم وهم مفترقون في النزول ولما بلغهم الخبر بغتة فزعوا لسيدي عبد المؤمن بن عبد الرحمن وأعلموه بذلك فقال لهم لا خوف عليكم هم غنيمة لكم. وكان هبرة بشرق وادي هبرة العدوّ بغربه وهو حاجز بينهم ولم يخرج السيد من خلوته فبينما هم في الرجاء والخوف وإذا بوادي الحمام أتى حاملا حملة منكرة وكذلك وادي سيق وصار العدوّ بين الوادين في الغرق فركبت هبرة ظهورهم أخذا وقتلا ولم ينج منهم إلا القليل وقد غرق أكثر الإسبانيين بالماء وأخذت هبرة دوابهم وأثقالهم ومن ثم سمي سيدي عبد المؤمن بحمّال الويدان (ص 153) للآن. ووقائع هبرة مع الإسبانيين كثيرة ومن أراد استفاءها فليراجع الكتاب / الذي اسمه : القول اليقين في وقائع هبرة مع الإسبانيين للحافظ أبي العباس أحمد ابن محمد الشقراني. وكان هبرة في القتال مع الإسبانيين وسويد غير عامرة ولذلك ضعف حالهم وتلاشا (كذا) أمرهم. وسبب مقاتلتهم مع سويد أن هبرة كانوا يتعرضون للمسلمين الفارين من الأندلس لهذه العدوة لما تغلب عليهم الإسبانيون بها وحيث ينزلون بمرسى رزيو يذهبون لهم هبرة فيأخذون ما بأيدهم حتى أنهم يشقون بطون المهاجرين ظنّا منهم أنهم يبتلعون الناض أو غيره ، فسمع بذلك ولي الله الأكبر سيدي محمد أقدار التجيني الذي ضريحه بسدّار مينا المتوفى سنة خمس وستين وألف (1) فامتلأ غيضا وحرّض أحميد العبد كبير سويد وقيل حرض ابنه أحمد بن أحمد العبد على غزو هبرة المنتهكين لحرمة المهاجرين فأتاه من السّرسو بجنود سويد ووافق ذلك ختم صحيح البخاري في يوم الجمعة فزحف إلى هبرة وكافة بطونهم بتلك الجنود الكثيرة العدد ووقع المصاف بسدار العامري المسمى الآن بالغمرى ووقعت بين الفريقين حروب عظام فانهزمت جموع هبرة وركبت سويد أكتافهم فقتلوا منهم كيف شاؤا وكان جملة من قتل من هبرة مائتان وعشرون من الأبطال فمن ثم انكسرت شوكتهم وقلّ عددهم واضمحلّ جمعهم وافترقوا في الأعراش فلم يبق بمحلهم إلا دوار واحد يسمى بهبرة للآن مع تسلط الإسبانيين عليهم أيضا. ولما تراكمت عليهم
__________________
(1) الموافق 1654 ـ 1655 م.

المحن من الإسبانيين وسويد صارت نساؤهم تجتمعن ليلا في وسط الحلل وتقلن برفع الصوت تداولا كلام فصيحهم (كذا) ويسمون ذلك بالتبواش ومن جملة كلام فصيحهم (كذا) :
فينا بين النار يا رب والنار
 

بين انصارت دك وانصارت قدّار
 
أنت المعين بالعزيز القهّار
 

يا رب علينا دبّر
 
ميتين وعشرين قعدت في مشوار
 

دوار من الملاح ما عزّه دوّار
 
الموت من الإله والسّبّ قدّار
 

لا بد الحي يفتكر
 
وهبرة هؤلاء هم على الصحيح أولاد المقداد بن مهاجر بن سويد بن عمارة ابن مالك بن زغبة بن أبي ربيعة بن هلال بن صعصعة بن معاوية بن بكر ابن هوازين بن منصور بن عكرمة بن زيد بن حفصة بن قيس ابن / غيلان بن إلياس (ص 154) ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، فهم عرب هلاليون مضريون من بطون زغبة كما في الجزء السادس من ابن خلدون في ترجمة مالك بن زغبة في شجرته. فهم سويد خلافا لابن الخطيب الحكيم التلمساني القرشي القائل بإنهم ملتقطون. وبطونهم تسعة وهم الدّعامشة أولاد دعماش بن هبرة ، والهدادجة أولاد هداج بن هبرة ، والملايلة أولاد ملّال بن هبرة ، والمكاثرية أولاد مكثر ابن هبرة ، والفطانسة ويقال لهم فطناسة أولاد فطناس بن هبرة ، والدعاعنة أولاد دعنان بن هبرة ، والصواوقة أولاد صواق بن هبرة ، والعزايزة أولاد العزيز ويقال له عبد العزيز بن هبرة ، والدواودية أولاد داوود بن هبرة ومنهم السيد محمد ابن داودءاغة الدواير وأخوه السيد عبد القادر بن داوودءاغة سعيدة وأبناؤهما فهم من أعيان المخزن وقتئذ بوهران. ثم غزا الإسبانيون بني شقران برمال عين أبوس الشرقية على يد جبور بن حسنة من أولاد سيدي محمد بن حسنة بحيث صعد لهم مع وادي فرقوق والحمام ووادي تخوارت إلى أن وصلهم فأثخن فيهم بالقتل والسبي إثخانا عظيما إلى أن أذعنوا له بالطاعة.
ثم فردينة فيليب الأول تولى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة (1) بعد خلع الذي قبله وبقي في الحكم عشر سنين وخلع ولما تولى أقرّ دكّ بوهران على حاله
__________________
(1) الموافق 1517 م.

وأمره بالغزو على المسلمين الذين بهذه العدوة فاشتدت شوكته عليهم وأبلاهم بلاء عظيما واقتدى به من أتى بعده من عمال النصارى بوهران مثل إفراسيسك (1) وابن يالبة وأجوان JUAN وغيرهم من الإسبانيين الذين لم يحضروا حفظي وقتئذ. فغزى سنة خمس وعشرين من العاشر (2) قلعة بني راشد لما سأل منه الإعانة عليها أبو قلموس وقصدها في جيش عرمرم (كذا) ما بين جيشه وجيش أبي قلموس فنزل ببراقها وهو الجبل المطل عليها من ناحية البحر ونصب به مدافعه ورمى الكور على القلعة فخرج أهلها ومعهم أميرها إسحاق الإسكندر شقيق خير الدين باشة الجزائر فسألوا الأمان فأمنوا ولما تمكن النصارى منهم قتلوهم عن آخرهم والأمر لله وحده. قال الحافظ أبو راس في الحاوي وكان (ص 155) الشيخ / سيدي محمد الشريف الزهار دفين الجزائر أحد تلامذة القطب سيدي أحمد بن يوسف الراشدي بالقلعة قبل مجيء الإسكندر والأتراك إليها يدخل المسجد حافيا ويقول أنا أنجسه قبل أن ينجسه الكفّار فلم يكن إلا قليل حتى قدم عروج والإسكندر والأتراك فذهبوا لتلمسان فبقي فيها عروج ورجع الإسكندر للقلعة فحصر بها ودخل النصارى للجامع الأعظم ونجّسوه كما قال. ثم كارلوص وهو شارل الأول تولى سنة ثلاث وثلاثين من العاشر (3) وبقي في الملك أربعين سنة واستمرت وهران في حكمه. فجهّز جيشا عظيما لغزو مزغران ففتحها عنوة في أواسط الستين من القرن العاشر (4) تحت رئاسة الطاغية الفرطاس (5) ولما سمع بذلك خير الدين باشة الجزائر (6) تألم كثيرا وجمع جيوشا من كل جهة وقصد مزغران فنزل عليها وقاتلها شديدا وأمنحه الله النصر فأثخن فيهم قتلا وأسرا وسبيا إلى أن فتحها عنوة زوال يوم الجمعة خامس عشر ذي القعدة الحرام سنة خمس
__________________
(1) يقصد فرانسيسكو.
(2) الموافق 1519 م.
(3) الموافق 1523 ـ 1524 م.
(4) الموافق 1558 م.
(5) يقصد الكونت الكوديت وكان أقرع الرأس.
(6) الحقيقة أن باشا الجزائر في هذه الفترة هو حسن بن خير الدين وليس أبوه خير الدين وهو الذي واجه الإسبان بمزغران.

وستين من العاشر (1) ولما فرغ من القتال أمر بجمع الرؤوس فجعلت تلا إلى أن رءاها (كذا) نصارى مرجاجو بوهران. وفي هذا الفتح قال بعضهم من بحر الرّجز :
فتح خير الدين مزغران
 

مرتجيا لفتحه وهران
 
في يهّ قعدة زوال الجمعة
 

سنة هرّ قصخ فاستمعه
 
وهذه القصة عند الناس
 

مشهورة بقصة الفرطاس
 
غارات الإسبان على تلمسان ومعسكر
وغزوا سابقا تلمسان سنة تسع وأربعين من العاشر (2) فدخلوها عنوة وربطوا دوابهم بجامعها الأعظم حتى خرجوا مختارين بعد إقامة نحو الثلاثة عشر يوما ويقال أن قراب الخالفي جد القراريب الذين منهم الحاج بالضيف آغة مستغانيم ومحمد ولد علي الشريف بن يوسف التحلايتي وكيل محكمة سيق هو الذي أتى بهم في الفترة الكائنة بين بني عبد الوادي والأتراك وقصته متواترة على ألسنة الناس. وغزوها أيضا سنة خمسين وإحدى وخمسين من العاشر (3) مع أميرها أبي عبد الله محمد بن المسعودي حفيد رضوان العلج في أربعة عشر ألفا فدخلوها عنوة ومكثوا بها نحو الشهرين وخرجوا مختارين. قال الحافظ أبو راس في الحاوي أن / السيد محمد الشريف الزهار المار الذكر قال للمرابط عبد الله الملقب (ص 156) إخلّال ، النصارى يأخذون تلمسان فقال له كيف وأبو مدين فيها فقال يطوّق على بطنه ونحو هذا الكلام فكان كما قال أخذوها الكفار وأسروا حرمها وأفسدوها وخربوها وقت قدوم أبي عبد الله بهم من وهران سنة خمسين وتسعمائة ه. وقد حرك لها أبو عبد الله بالنصارى على أحمد أبي زيان مرارا. ففي الأولى أتاها سنة سبع وأربعين من العاشر (4) ولم يحصل على طايل ، وفي الثانية أتاها سنة ثمان وأربعين من العاشر (5) ولما سمع به أخوه أحمد جهز لقتاله جيشا لنظر
__________________
(1) الموافق 29 أوت 1558 م.
(2) الموافق 1542 ـ 1543 م.
(3) الموافق 1543 ـ 1545 م.
(4) الموافق 1540 ـ 1541 م.
(5) الموافق 1541 ـ 1542 م.

المزوار بن غانم كبير بني راشد فنزل أبو عبد الله بمحلته بمشرع الزواش ثم بواد سنان ثم بحمام سيدي العبدلي فلقيه المزوار بجيشه وحصر محلتهم في خربة هناك ودارت بهم العرب فانهزم النصارى بعد ما مات منهم خلق كثير ورجعوا لوهران. ثم سألهم في الثالثة الحركة فأبوا فذهب لمالكهم كارلوس بإسبانيا وسأله الإعانة فأمرهم بالخروج معه فخرج بالجيوش النصرانية في سنة خمسين من العاشر (1) وذهب لتلمسان فدخلها كما مرّ وتزوّج ببنات أكابرها وخرج أحمد منها ثم رجع له حاركا ، ولما خرج أبو عبد الله لقتاله ورام الرجوع منعه أهل البلد من الدخول وقالوا له يا خذيم الروم اذهب عندهم فدخلها أحمد وفرّ هو إلى أن قتله العرب غدرا وبقي أحمد في الملك إلى أن مات فتولى أخوه حسن وكان بينه وبين صالح باشة بالجزائر محبة عظيمة ثم بعد أربعة أعوام فسد ما بينهما وسأل الإعانة من النصارى وهرب لوهران فمات بها في دار الملك بالوباء وتنصّر ولده بعده والأمر لله وحده.
وتكرر غزو النصارى لتلمسان بسبب اختلاف كلمة أمرائها حتى صار كل منهم يستعين على الآخر بالنصارى. فمن ذلك أن المزوار منصور بن غانم الحشمي. كبير بني راشد سأل من النصارى في سنة ثلاث وخمسين من العاشر (2) الإعانة وغزى بهم تلمسان بعد أن أعطاهم ولده عليا رهنا وشرط معهم شروطا فخرجت محلتهم بجيش وهران وكرشتلة ونزلوا بغبال فأتتهم العرب بالخيول المسوّمة والهدايا المقوّمة ورأى رجل أعرابي منهم اسمه برقون جيش الترك ذاهبا لتلمسان فطلب منهم الإغارة عليهم فأبوا فذهب وحده ثم اتبعوه ونشأ القتال (ص 157) فكانت الدائرة / على الأتراك ولم ينج إلّا القليل وذهب محلة النصارى بمن معها على رابطة الزواش وخيمت به ستة عشر يوما وزادت لواد سنان ولما عبرته جاءها الخبر بأن الترك خرجوا من الجزائر في الجيش العظيم لطلب الثأر فرجع النصارى وأخذوا على عرب دمليون وهم أولاد عبد الله سمّوا بذلك لأنهم كانوا يطلبون منهم العدد الكثير فيقول أحدهم للنصارى دمليون بمعنى أيها الروم
__________________
(1) الموافق 1543 ـ 1544 م.
(2) الموافق 1546 ـ 1547 م.

أعطونا عشرة ملايين (كذا) أي عددا كثيرا فيه عشرة ألف ألف ثم لإغبال ووادي تليلات وبه جاء الرسول للمزوال منصور بن عالم من عند كبير ترك تلمسان يسئله (كذا) أن يدع جيش الترك يذهب من تلمسان للجزائر ولا يتعرض له أحد وله ما شاء من المال فوافقه على ذلك ورجع لأهله بجيشه وذهبت المحلة النصرانية لمستغانم فمرت بالشيخ الزناقي ووادي هبرة وفرنكة وحلت بمزغران في ثالث عشرين جمادى الثانية تلك السنة (1) وخاب رأي كبيرها وفسد أمره ورجع لوهران ثم غزوا الرابطة والكرط على يد كبير الجيوش العربية وهو رابح بن صولة أحد أولاد علي بطن من بني عامر وأولاده يقال لهم الصوالة وهم الآن دوّار فخرجوا من وهران ومرّوا بالكرمة وبتنازات فنزلوا بأبيارها ثم صعد بهم مع وادي التفراوي إلى جبل غدالة ببلد ماخوخ ومشى على القطّارة إلى أن وصلوا لأزبوجة الكبيرة المطلة على واد للحمام المنفردة وحدها فاستراحوا بها ثم صعد بهم مع شعاب تيفرورة إلى الرابطة بأعلاها فترك بها بعض الجيش وذهب بالبعض للكرط ففعل بهاتين القريتين ما أراد الله فعله. وتكرّر غزوهم على الكرط إلى أن استاصلوا (كذا) أهله فهرب من بقي به وهم سبب خرابه إلى أن عمر بظهور الإسلام للآن ولما كبر رابح بن صولة وعمي تقعّد عن الغزو فأغار الحشم على أولاد علي فألفوه بالمراح فقتلوه. ثم غزوا فروحة بغريس أرض الشيخ سيدي محمد ابن يحيى مقري الجن فلقوا خيولا من أولاد عباد أحد بطون الحشم هنالك فاقتتلوا معهم إلى أن استشهد من أعيانهم العروسي أحد الأجواد بغريس قبلة كدية عظيمة فأخذوا رأسه وفرسه وانقلبوا لوهران. وغزوا غريسا أيضا وتخطوا فيه إلى أسفل / نسمط أرض لواتة بأراضي بني راشد. ثم في وسط الستين من (ص 158) العاشرة (2) غزوا زاوية الشيخ أبي مهدي سيدي عيسى بن موسى التجيني ثم الزنداوي وهو نازل شرقي واد التاغية فأتته قنبرة وهي القوبع وجلست أمامه وصارت تذري التراب على رأسها وتصوّت شديدا وكان الشيخ عارفا بزجر الطير فأمر زاويته وأهله بالرحيل فورا فارتحلوا وعبروا النهر ودخلوا في غيظة كبيرة يقال
__________________
(1) الموافق 21 أوت 1546 م.
(2) الموافق حوالي جوان جويلية 1553 م.

لها دار الهناء فلم يكن إلا يسير وإذا بجند النصارى واقف في حافة الواد الشرقية ومعهم بني عامر ولما لم يروا أحدا رجعوا من غير عبور للنّهر ثم أولاد سيدي العبدلي المرة بعد الأخرى ولم ينتج لهم شيء من ذلك. قال الحافظ أبو زيد عبد الرحمان الجامعي في شرحه لرجز الحلفاوي وحدثني المرابط أبو الحسن علي بن حسّون العبدلي إنهم كانوا لا يهنأ لهم نوم إلّا إذا جعلوا حارسا ومهمى (كذا) ينم أحدهم نجده يهذوا (كذا) بإغارة النصارى ويصرخ في نومه من شدة خوفهم.
غارات الإسبان على مدينة الجزائر
وقد غزوا الجزائر مرات. ففي الأولى غزوها قبل دخول الترك لها وتملكهم بها فملكوا برج مرساها الذي بوسط البحر في الجزيرة حيث برج الفنار الآن وصار لهم جباية حجيجة ، وضرائب على أهل متيجة ، وبقوا على تلك الحالة إلى أن دخلها الأتراك فنشأ معهم السيد حسن خير الدين بن المدلية أول باشة بالجزائر الحرب وأدامه معهم إلى أن فتح البرج عنوة سنة ست وأربعين من العاشر (1) وجعل في البحر طريقا تصل للبرج. وفي الثانية غزوها سنة ثمان وأربعين من العاشرة (2).
حملة شاركان الكبرى على الجزائر عام 1541 م
وسبب قدوم البلادور لها أنه كان عمّر مركبا من مراكبه وأوسقه بالمال والسعة وبعثه لوهران فأخذه رايس من رؤساء الجزائر يقال له كجك علي ودخل به للجزائر بعد ما وقع الحرب بينهما فوجد فيه رايسا (كذا) عظيما مع جملة الرؤساء ودخل في شهرة عظيمة ثم أن كجك أحضر هذا الرايس إلى حسن آغة
__________________
(1) الموافق 1539 ـ 1540 وهذا التاريخ خطأ ، لأن برج البينيون هذا أنشأه الإسبان في حدود عام 1511 ـ 1512 واستعاده خير الدين في شهر ماي 1529 م ، الموافق لرمضان عام 935 ه‍.
(2) الموافق 1541 م.

خليفة خير الدين باشا وقبّل يده وكشف عن رأسه وبقي داهشا من الهيبة فسأله حسن آغة عن أخبار بلاد النصارى فقال له الرايس أن سفينة تركتها تريد القدوم إلى بجاية لكونها كانت عامرة / بالسبنيول فعند ذلك أمر حسن آغة أن تجهز له (ص 159) أغربة فتجهزوا في أسرع وقت وساروا إلى طلبها بنواحي بجاية وكمنوا بموضع يقال له العش والمنقار وكان من جملة رؤساء الجزائر كجك علي المتقدم الذكر فطلعت لهم تلك السفينة ذاهبة لبجاية فقربوا منها وشرعوا في قتالها وكانت مستعدة للقتال في غاية الاستعداد فلم تزل مع أجفان المسلمين في أخذ ورد إلى أن وقعت فيها النار فالتهبت في أطراف السفينة وعجز الكفار عن إطفائها فألقوا أنفسهم في الماء فالتقطهم المسلمون من البحر وأطفوا النار ورجع الرؤساء للجزائر وهم فارحون (كذا) بالسفينة ودخل الجزائر في شهرة كبيرة وفرح به حسن آغة غاية الفرح وأمر بإنزال ما فيها من الغنيمة فأنزلوا الكفار وأحضروا بين يديه ومعهم رئيسهم وكانوا في حال طلوعهم إلى دار الإمارة تصفق لهم النساء والصبيان وأهل البلد ليتفرجوا فلما وصلوا بهم إلى حسن آغة أمر بهم إلى السجن المعد لذلك فلما سمع بهم صاحب إسبانيا تأسّف عليهم وكان أهل طاعته قد ضجوا إليه بالشكاية مما يفعله بهم أهل الجزائر خصوصا أهل السواحل منهم بأن قالوا للطاغية إما أن تكفينا أمر الجزائر وإلا نعطوا (كذا) الطاعة لصاحبها فشرع في الحركة للجزائر وأطلق النداء في سائر أقطاره بذلك فانحاشت إليه جيوشه أفواجا أفواجا وزخرت إليه جيوشه وعساكره أمواجا أمواجا ، فوصل خبر عمارته إلى حسن آغة خليفة خير الدين فصدّق بذلك ولم يكذّب ثم أخذ في حركة عرس ولده وعمل مفرجات عظيمات يقال إنه خرج من يده مال عظيم بسبب هذا العرس في كل ناحية يقال إن من جملة ما جعل فيه من المفرجات نصب صاريا في باب الوادي وطلاه بالشحم بحيث صار لا يقدر أحد يصعد إليه وجعل في جاموره شقة نفيسة من الملف ومعها صارة من الذهب وأباحما لمن صعد إليهما فجاء فتى من الأتراك صغير السن وبدأ في الطلوع معه ولم يزل يتلاصق الصاري شيئا فشيئا حتى وصل إليهما ونزل بهما فتعجب الناس مما شهدوا منه فلما تم هذا العرس وصار مثلا سائرا ونزاهة من نزاهة الدنيا أدار وجهه إلى تحصين المدينة / والاستعداد لمقابلة العدوّ فبنا (كذا) أسوار المدينة وأصلح ما (ص 160)

انهدم منها ونصب عليها المدافع وعلى سائر الأبراج وعين أربعمائة أسير من الكفار لهذا البناء ثم أنه بعث إلى شيخ المدينة وأمره أن يرفع إليه حساب الرجال في كل حكومة من الجزائر ففعل ذلك شيخ المدينة ومع ذلك فأخبار العمارة تتوارد عليه في كل وقت وكذا على أهل الجزائر فأمر حسن آغا بقطع أشجار البساتين كلها خوفا من النصارى أن يستتروا بها حال القتال وأول ما بدأ بقطع بستانه فلم يترك فيه شجرة واحدة فبينما هو في بعض الأيام جالس في دار الإمارة إذ دخل عليه حارس البحر الذي يقال له صاحب الناظور وأخبره بأن عمارة النصارى قد أتت وهي عمارة كبيرة أخذت وجه الماء كله وسترته وشرعت في عددها فلم أقدر وتشوّش نظري من ذلك لكثرتها فعند هذا عيّن حسن آغا حملة من الخيل فصعدوا إلى جبل أبي زريعة ليأتوه بتحقيق العمارة فرجعوا إليه وكل واحد يقول لم أقدر على إحصاء ما رأيت لأن العدد كثير لا يصل إليه الإدراك فعند ذلك أمر حسن آغا سيدي سعيد الشريف وكان هو شيخ المدينة ، أن يوجّه رجالا من أهل البلد إلى الأبراج والأسوار برسم حراستها في مقاتلة العدو منها فنهض شيخ المدينة المذكور وعيّن الرجال للأبراج والأسوار ونصبوا رايات الإسلام عليها ووزّع حسن آغا رجاله على أبواب المدينة بطوائف من العسكر فعيّن لباب عزون رجلا من أعيان العسكر يقال له الحاج مامي وكان مشهورا بالشجاعة فقام بما عين له ، وأما حسن آغا فإنه أقام بحصن من حصون الجزائر تصل مدافعه إلى العدو برا وبحرا ومعه جماعة من العسكر وطبوله تصعد أصواتها إلى الجو وألويته المنصورة تخفّق على رأسه وجعل على باب الوادي أي حصنها مدفعا عظيما يدهش الإنسان عند صيحته وتزهق النفس من دفعته ، وجعل من هذا الحصن إلى القصبة قائدا اسمه حسنا ومعه طائفة من العسكر وعيّن لحراسة باب الوادي رجلا يقال له القائد يوسف ومعه جماعة من العسكر وعيّن معه ثلاثة من (ص 161) القياد أحدهم يقال له سافر وجعله في برج من الأبراج / وثانيهم يقال له أصلان عيّنه لقاع السور وثالثهم يقال له رضمان فإنه أقامه قريبا منه في بعض النواحي ثم أقام كجك علي وحيدر ومعهما قبطان السفن أخضر وجملة من رؤساء البحر بباب الجزيرة وجعل أهل الجزائر من العسكر والأندلس والبلدية دائرين بأسوار المدينة متسلحين بالمكاحل والسيوف والرماح والنشاب كما جعل العرب ركابا ومشاتا

بخارج البلد في غاية من الحزم والضبط فبينما الناس في غاية الاستعداد للقتال سائلين من المولى جل جلاله أن يعينهم على النزال ، إذ بعمارة النصارى ظهرت لهم في يوم الأربعاء آخر جمادى الثانية بأن بقت له ثلاثة أيام سنة ثمان وأربعين وتسعمائة (1) ، ورست وقت العصر من يوم الخميس في جون تمانتفوس (2) ، الموالي للجزائر ولما رسّوا سقط لهم بعض الرايات في البحر فتفاول (كذا) المسلمون لما رأوا ذلك وعلموا أنهم منصورون (كذا) عليهم بإذن الله تعالى ، وكان نزولهم للبر في يوم الأحد قبل الزوال بشيء قليل ولما نزل سلطان إسبانيا دارت به عساكره. فيقال إن عدتهم تسعين ألفا وكان المسلمون أرادوا أن يمنعوهم من النزول إلى البر فرمت عليهم السفن بالمدافع من البحر فأوسعوا لهم في المجال حتى تمكنوا من النزول وبات العدو ليلة الاثنين قرب البلد بموضع يقال له الحامة وكان زعيم من زعماء الترك يقال له الحاج باشا عزم أن يضرب العدوّ ليلا ففتحت له أبواب المدينة وأخذ الراية في يده وخرج في جماعة وافرة من المسلمين وكان خروجه لما بقي الربع الآخر من الليل (كذا) فلم يشعر العدو لشدّة الشتاء لكونهم وصلوا في شهر اكتوبر في أيام قاسم كون إلّا والمسلمون قد خالطوهم ورموا عليهم بالمكاحل دفعة واحدة ورشقوهم بالسهام بالسهام فحصلت بهم ضجة عظيمة فانتبه مالكهم مرعوبا من نومه وصاح برجاله وخواص وزرائه وقال هؤلاء الذين أخبرتموني عنهم أنهم لا يقومون بحربنا انظروا ما عملوا فينا هذه الليلة. ثم أن المسلمين رجعوا سالمين إلى البلد بعد ما قتلوا منهم خلقا كثيرا فلما كان يوم الإثنين تحركت النصارى إلى المدينة ومعهم الطاغية حتى قرّبوا الأسوار وهم يزعقون في انفرتهم وألويتهم منصوبة عليهم فخيل لأهل الجزائر / أنهم نمل أسود قد ملأ الفضاء وكان فيهم من الفرسان أربعة آلاف (ص 162) فارس فشرع في قتالهم من الأسوار ، بالمدافع وبنادق الرصاص والسهام وتقدم في ذلك اليوم إلى القتال رجال من الأتراك فظهرت شجاعتهم العظيمة منهم الحاج باشا والحاج مامي والحاج بكير وأخضر وغيرهم فقاتلوا قتالا شديدا إلى الليل
__________________
(1) الموافق 18 أكتوبر 1541 م.
(2) يقصد خليج تمانتفوس ، وهو برج الكيفان حاليا.

(كذا) ثم رجع النصارى إلى رأس تفورة ونزلوا بأمحالهم وأخذت تلك الوعور كلها وشرعوا في قتال المدينة وصبت عليهم مدافع المسلمين من كل جهة وخاب رجاؤهم من المدينة فصعدوا بألوية منشورة إلى الكدية المعروفة بكدية الصابون وصاروا يقاتلون المدينة منها فصار أهل الجزائر يرمون عليهم بالمدافع من كل ناحية بأصوات الصواعق وربما وصلوا الرمي على أجفانهم التي في البحر ولما كان يوم الثلاثاء أرسل الله تبارك وتعالى في آخر الليل (كذا) ريحا عاصفا فقطعت حبال أجفانهم ونشروا صواريهم خوفا من الهلاك وتزايد هذا الريح فتشوّش جنرالهم أندرية (1) من ذلك وكذلك من معه في الأجفان وساقت هذه الريح التي أرسلها الله عليهم جملة من أجفانهم إلى البرّ فعطبت على المطاحن وخرج منهم أسارى المسلمين ومالت عرب الجزائر على أهل تلك الأجفان واستاصلوهم قتلا إلى آخرهم وحين رأى الطاغية ما حصل بأجفانه من الغرق والعطب انكسرت شوكته وضعفت قوته وأخمدت ناره ، وبرد شراره وظهرت عليه مخايل الذل فخرج أهل المدينة صبيحة يوم الثلاثاء لقتالهم باجتهاد وقوة وعزم شديد وعلموا أن الله تعالى نصرهم على الأعداء فخالطوهم وقاتلوهم في تلك الأوعار فأتى وجوه العساكر إلى الطاغية وقالوا له أيها الملك قم بنفسك إلى الحرب فإن المحلة أشرفت على الأخذ فعند ذلك خرج الطاغية والتفّت عليه عساكره وأخذوا في القتال فتقهقر المسلمون عنهم نازلين رأس تفورة وجدّ الكفار في قتالهم وتكالبوا عليهم فتقهقروا أيضا إلى ملعب الكورة (كذا) ثم إلى قنطرة الأفران فلما رأى النصارى ذلك منهم تراكمت جيوشهم عليهم كالبحر الزاخر وصاحوا عليهم من كل ناحية وطالبوهم من كل دانية فتقهقر المسلمون إلى ناحية سيدي أبي التقي ثم صرخ المسلمون في وجوه الكفار صرخة واحدة وحملوا عليهم وضربوهم (ص 163) حتى بالحجارة والنشاب وكان ذلك اليوم يسيل فيه المطر كأفواه القرب ، / فتراجع المسلمون لحماية بعضهم بعضا وحملوا على الكفار من كل ناحية فردوهم على أعقابهم إلى المحلة ورجع المسلمون للمدينة ولما كان صباح يوم الأربعاء ظهر للكفار أنهم لا مطمع لهم بالجزائر وأن الغنيمة أن ينجوا بأنفسهم فقربت أجفانه
__________________
(1) يقصد به أندري دوريا الجنوي ، كبير قراصنة أروبا في هذه الفترة.

إلى البر ونزل الجنرال أندريه منها حزين فوصل إلى الطاغية في محلته وأعطاه حق المبايعة وقال له أيها الملك ألم أحذّرك عن السفر إلى الجزائر فانظر عاقبة الأمر الذي حذرتك عنه الآن قم اطلب النجاة لنفسك فإن جلّ أجفاننا عطب على السواحل فكيف يكون رجوع هذا المعسكر إلى بلادنا فها أنا أيها الملك أذهب إلى تمانتفوس وانتظرك فيها فبادر أنت ومن معك من العسكر بالرحيل لتركب في الأجفان الباقية وتخلص إلى بلادك فعند ذلك رحل الطاغية عن الجزائر ونزل على واد الحراش وكان قد أجهدهم الجوع فأكلوا أربعمائة من الخيل وباتوا تلك الليلة والمطر يتراكم عليهم والأعراب والقبائل يضربوهم بالمكاحل والأحجار وغيرها ويلتقطون في السّعي. ولما كان يوم الخميس نظر الطاغية إلى الوادي فرآه فهالته رؤيته فاستشار رجاله كيف يتحيلون على القطع إلى الناحية فعقدوا صواري سفنهم المنعطبة على الساحل وقطعوا عليهم فلما قطعوا إلى الناحية الأخرى هجمت عليهم فرسان العرب أيضا وصاحوا عليهم وحملوا نحوهم بعنان واحد وقتلوا منهم خلقا كثيرا ولم يزل الطاغية ذاهبا وفراسان العرب تطاعنوهم (كذا) إلى أن وصلوا إلى تمانتفوس وأقام بها أياما والحرب لا ينقطع عليه من المسلمين إلى أن خمد هيجان البحر فركب فيما بقي من الأجفان وسافر إلى بلاده وهو لا يصدق النجاة بنفسه وخلّف كثيرا من الأغربة والأجفان الرقاق وكثيرا من الأجفان العظام والعشريات والفرقطات ومدافع عظام وخلّف كثيرا من الرجال والنساء والصبيان التي أتى بها لأنه لم يذهب واحد منهم وعددهم ألفان وثلاثمائة وأما خيله لم يذهب منها واحد سوى الذي مات منها في الحرب أو أكلوه وحاصل ما خلفه لأهل الجزائر مال لا يحصى.
وفي الثالثة غزوها سنة سبع وستين من العاشر (1) ولم تحصل لهم فائدة ورجعوا خائبين.
__________________
(1) الموافق 1559 ـ 1560 م وهذا في إطار الحملة على جربة بتونس.

حملة الإسبان على تونس
(ص 164) / ثم غزوا تونس سنة سبع وستين من العاشر (1) فأخذوها عنوة من يد سلطانها أبي العباس أحمد بن حسن الحفصي ونبشوا ضريح سيدي محرز بن خلف البكري الصديقي فألفوه مملوءا رملا وبقيت بأيديهم إلى أن استخلصها منهم سليمان باشا التركي سنة إحدى وثمانين من العاشر (2). واستولوا بطاعة المغرب الأقصا (كذا) على حجر باديس بالريف سنة أربع وستين من العاشر (3) وهي بأيديهم للآن أعطاها لهم سلطان المغرب عبد الله الغالب السعدي لما تملّك المغرب تلك السنة ورأى مراكب الأتراك تتكرر بمرساها تخوّف منهم على ملكه واتفق مع الطاغية على قطع المدد ولما حلّوا بها نبشوا قبور أمواتها وأحرقوا عظامها بالنار وأهانوا من بها من المسلمين شديدا. وفي ولايته سنة سبعين من العاشر (4) غزى الباشا حسين بن خير الدين وهران فهو أول من غزاها من الأتراك وألحّ عليها حتى هدم حصن النصارى الأعلا (كذا) من برج المرسى وهربوا للأسفل فدخله المسلمون ليلة السبت خامس عشر رمضان تلك السنة ثم أقلع عنها. ونظم أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن موسى التلمساني في ذلك قصائد انظرها في البستان. وأهدى الشيخ أبو مهدي عيسى بن موسى العارف بزجر الطير التجيني للباشا حسين حينئذ ثوبا جيدا. وإلى هذا أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
وقيّض الله الأتراك بمزغنة
 

لحرب وهران دار الشرك والألس
 
غزاها الباشا بن خير الدين أولهم
 

وبرج مرساها قد رماه بالنّقس
 
وحسين هذا كما في الحافظ أبي راس في الخبر المعرب هو الذي غزى المغرب وبعث له ولي الله الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله اليعقوبي من أولاد يعقوب بن طلحة النقادي الذي تنسب له الزاوية التي بإزاء ندرومة ابنه
__________________
(1) الموافق 1559 ـ 1560 م وهو خطأ لأن تونس غزاها الإسبان واحتلوها عام 1535 إلى عام 1574 م وهو ما يوافق 941 ه‍.
(2) الموافق 1574 م.
(3) الموافق 1556 ـ 1557 م.
(4) الموافق 1563 م.

عبد الله ليرجع عن الغزو وهو بملوية فأبى وتمادى على غزوه فرجع خائبا ، وهذا اليعقوبي هو الذي كلم الشيخ أبا مدين في قبره على عز التّرك فقال له أبو مدين ما كان باش نبدلهم إذا أرادت أن تكون في موضعهم فذلك فقال لا. قال أبو العبّاس أحمد نزيل العبّاد ولما سمعت الكلام من الطاق (1) الفوقي الذي عن يمين الداخل دنوت فجذبني / من خلفي شيء فالتفت فلم أر شيئا ثم أردت الدنوّ (ص 165) ثانيا وثالثا فمنعت من ذلك. انظر البستان. ثم فيليب الثاني تولّى سنة ثلاثا وسبعين وتسعمائة (2) وبقي في الملك اثنين وأربعين سنة ووهران تحت حكمه. ثم فيليب الثالث تولى سنة خمسة عشر وألف وبقي في الملك ثلاثا وثلاثين سنة ودخلت مدينة العرايش بالمغرب الأقصا في حكمه سنة تسعة عشر وألف (3) بإعطاء سلطان المغرب محمد الشيخ السعدي إيّاهم فبقيت تحت حكمهم إلى أن نزعها منهم مولاي إسماعيل بن علي العلاوي سلطان المغرب سنة واحد ومائة وألف (4) بعد محاصرته لها ثلاثة أشهر بالحرب المتصل ولم يفتحها حتى جعل لها لغما هدّ به سورها واقتحمها حينئذ وقتل منهم ألفين وأسّر نحو الإثنا عشر مائة وذلك مبلغ عمارتها فلم يفلت منهم أحد وألفى بها خزائن البارود ونحو المائة وثمانين نفضا منها اثنان وعشرون نحاسا واحد يسمى الغصّاب في طوله خمسة وثلاثون قدما وزنة كورته خمسة وثلاثون رطلا يحلّق عليه بقرب خزنته أربعة رجال وقد بقيت بأيديهم اثنين وثمانين سنة. ثم فيليب الرابع تولى سنة ثمان وثلاثين وألف (5) وبقي في الملك أربعا وأربعين سنة. وفي ولايته غزى إبراهيم باشا الجزائر وهران في وسط القرن الحادي عشر ونصب عليها المدافع والبونبة (كذا) من المائدة وهي سطح جبل هيدور المطل على وهران فهو أول من فعل ذلك من الأتراك فامتنعت عليه ورجع مؤيسا (كذا) منها إلى مملكته بالجزائر وإلى ذلك أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
__________________
(1) يقصد النافذة.
(2) الموافق 1565 ـ 1566 م.
(3) الموافق 1610 ـ 1611 م.
(4) الموافق 1689 ـ 1690 م.
(5) الموافق 1628 ـ 1629 م.


أتاها باشا إبراهيم وسط حادي
 

من القرون من بعد الألف للوطس
 
قام بالمايدة حينا يزاولها
 

ثم قفا درجه من فتحهاءايس
 
ويوجد في بعض النسخ بدل هذا البيت :
قام بهيدور أياما يزاولها
 

ثم قفا درجة من عسرة الرطس
 
(ص 166) / ومن حينئذ وقع للإسبانيين الاعتناء بقلعة مرجاجو ودبّروا الحيلة في إقامته فصعب عليهم الماء فأتاهم شيخ حميان بقرب الماء لإقامته من عند قبيله. ولما أقلع إبراهيم باشا عن وهران مأيسا منها امتدت يد النصارى أيضا إلى الإسلام وصاروا معهم ما بين نفرة واستقامة ورأى الطاغية شوكة نفسه بأتباعه قويت كتب للممدود وهو عدة ولد الصحراوي رايس (كذا) الحشم بقوله إن كانت أمك عربية حرة حقيقة وتزعم أنك لا تخشى سطوتي ، ولا تلتفت لشوكتي فانزل بعربك سيرات أو ملاته ذات الوطي ترى ما يفعله بك ابن النصرانية وكان الدّال عليه بذلك ونزار العبدلاوي جد الونازرة لكونه كان جنرالا على العرب عند الإسبانيين فأنف الممدود من ذلك وارتحل بجميع الجشم الشراقة والغرابة وأهل الوادي ومن انخرط في سلكهم ونزل بوطاء سيرات من سيق إلى الغمري وتفرّغ بسيرات الشرقية والغربية وجعل عيونا وحراسا بينه وبين وهران من زبوج مولاي إسماعيل إلى المقطع واستعدّ للحرب استعدادا قويا ووافقه على ذلك هبرة والبرجية وبنو شقران ولمّا سمع الطاغية بنزوله بسيرات جمع جيشه من النصارى والعرب المتنصرة وهم كرشتل وحميان وغمرة وبنو زيان والونازرة وقيزة وشافع وأولاد عبد الله وأولاد سليمان وأولاد علي والحجز وغيرهم من بني عامر وخرج من وهران ليلا ومشى على طريق مسرقين إلى أولاد عبد الله ثم مشوا به إلى تاسّالة ثم إلى ماخوخ ومشوا به لمكرة ورجعوا به لأولاد سليمان إلى أن وصل لخشاب النصارى فكمنوا به وسمى من ذلك الوقت بخشاب النصارى ومنه طار الخبر للممدود ثم هبطوا بالطاغية مع الوادي المبطوح ولما وصل لسيق تركه الممدود إلى أن اشتغل بأخذ الأموال وقد ذهبت الناس بأنفسها (كذا) قصدا لاشتغاله بذلك وقد سدّ عليه طرق المجاز من كل جهة فقصده بجيوشه وصار يقتل ويسبي واستخلص منه جميع ما أخذه وأثخن فيه بالقتل الذريع اثخانا عظيما فلم ينج منه إلا القليل وحصلت الهزيمة فيهم وركب الممدود بجيشه أكتافهم إلى وهران

فدخلها الطاغية في فله في أرذل حالة وكتب له الممدود وهو بضواحي وهران وأرباضها كتابا يقول له فيه أخبرني أيها الطاغية لمن علو الكلمة الآن هل للعرب / أو للنصارى كلا لئن لم تنته عن فعلك الذميم ومحاربتك للمسلمين والغارات (ص 167) عليهم لأرجمنك شديدا.
ثم كارلوص الثاني وهو شارل الثاني تولى سنة اثنين وثمانين وألف (1) وبقي في الملك خمسا وثلاثين سنة فبقيت وهران تحت حكمه وفي أيامه تولى الغطريف الهمام ، والأسد الهصور الضرغام ، معزّ الدين وأهل الإيمان الزناقي السيد الباي شعبان ، أحد الأتراك الأنجاد ، وأعيانهم الأمجاد ، أيالة مازونة وغيرها من شرقي المغرب الوسط ، في حدود التسعين وألف (2) بلا شطط.
معركة كدية الأخيار واستشهاد الداي شعبان
فغزى رحمه‌الله وهران وطالت به معهم الحروب واتصلت عليهم بدولته أعظم الكروب ، ومنعهم من الخروج ، وضيّق عليهم إلى أن صاروا في أحوج المحوج ، ولازموا بيوتهم والحصون ، وصاروا لا يفارقون الجواسيس والعيون ، إلى اليوم الذي استشهد فيه حصل لهم فرج وتنوية وتنزيه. ومن خبره أنه زحف لهم في نحو أربعة آلاف فيهم نحو الثلاثة آلاف فارس وزحف النصارى مع مردة العرب وشياطينهم من بني عامر وقيزة وغمرة وكريشتل وغيرهم في أزيد من ثلاثة آلاف فيهم ألف خيل والباقي راجلة. وفي غريب الأخبار للحافظ أبي راس أن النصارى زحفوا إليه في زهاء أربعة آلاف أكثرهم راحلة وهو في أكثر من ألف كلهم خيل. قال الحافظ في عجائب الأسفار فكان المصاف في كدية الخيار وصبر الفريقان ثم انقضت جموع النصارى واختل مصافهم وقد ربط بعضهم نفسه بالأحبال وربط الآخر نفسه بالأكبال فكانوا غنيمة للمسلمين. وفيئا للموحدين ، فقتل في تلك الهزيمة أكثر من إحدى عشر مائة ودامت عليهم الهزيمة إلى أن حلّ المسلمون بقبّة برج العين فاقتتلوا به قتالا شديدا وهزمهم
__________________
(1) الموافق 1671 ـ 1672 م.
(2) الموافق 1679 م.

المسلمون ثانيا وهو أمام جيشه المنصور كالأسد الهصور إلى باب وهران فجيء عنده الوطيس وتسابقت للتقدم الفرسان. وفي تلك المعركة قتل الباي شعبان ، رحمه برحمته الرحمان ، وأمدّه رضوانه ، وأسكنه بالفردوس ميطانه. وذلك سنة ثماني وتسعين وألف (1) من هجرة من له كل العز والشرف والوصف ، فلقد كان من أسد الإسلام ، الناصر لأهله على اللئام (كذا) حتى جرى للغاية المحمودة (ص 168) فأدركها وأزعج السواكن للأجر / وحركها وكل من عمل في هذا السبيل مطيته رسميا ورملا فله الأجر لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ولا يخيّب لراجيه أملا. ولما قتل بقيت جثته بأيديهم على وجه التّراب فجزّوا رأسه وعلّقوه بالباب. وقد أخذ المسلمون الجثّة وتركوا الرأس لما لم يقدروا على الرجوع إليه ، فرأى بعض النصارى باليل (كذا) النور يسطع عليه فأخبر بطريقهم وحينئذ بعثوه للمسلمين فجعلوه مع جسده في الحين ، ودفنوه خارج وهران ، وقبره للآن يعرف بقبر سيدي شعبان. وكان على ضريحه قبّة عالية ، ولما سكن بجواره بعض النصارى الآن وملك تلك الأرض هدمها لما صارت بالية. وقال الحافظ أبو زيد عبد الرحمن الجامعي علي الحلفاوي في قوله الناير ، أنه حمل ودفن بالجزائر والله أعلم بالمراد ، وإليه الرجعا (كذا) والمعاد. ويقال أن الذي قتله هو أحد المغطسين أبو نصابية من النصاصيب الذين منهم كل ظالم وفاجر أحد بطون أولاد عبد الله من بطون بني عامر. وقيل غير ذلك والله أعلم بحقيقة ذلك. وقال الجامعي أيضا وحدثني بعض من حضر أنه تكسّر في يده يوم الاستشهاد سيفان وأنه لبس أفخر ثيابه وتحلى بأشرف حليته وركب أجود مراكبه ملأ جيوبه دنانير الذهب افتخارا على العدوّ أن بقي بأيديهم فوجدوه على تلك الحالة ه. وموته سبب لغزو إسماعيل سلطان المغرب لوهران إلى هذا أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
ءاخره شعبان الزناقي حاصرها
 

فامتنعت وشمشت أيما شمس
 
أوطى الفليق الجرار لأراضيهم
 

به هامت دمعهم من زكا وخس
 
دارت حروب عظام بينهم قد أتى
 

ءاخر أمرها باستشهاده النفس
 
__________________
(1) الموافق 1686 م.

ولما مات الباي شعبان فرح النصارى واشتدت شوكتهم على الإسلام. ورجعوا يغزونهم في البيوت والخيام ، فغزوا وليّ الله الأكبر ، وقطبه الأشهر سيدي بلاحة المهاجيء وأسروه هو وبناته الثلاثة ، وخمسين رجلا من زاويته ورجعوا لوهران وبقي بها مع بناته سنة كاملة / ثم فدى وفدى إحدى بناته أبو عزة بن حميدة (ص 169) شيخ أولاد سليمان وفدى الأخرى الشحط والد دموش شيخ أولاد علي فزوجها له أبوها لما رامت تزويجه ولم ينتج منها شيء لدعائه عليها وبقيت الثالثة بلا فداء فكثر بكاء أمها وأقلقته فخرج يوما لساحة بيته وتوضّى (كذا) ودعا الله وإذا بها مقبلة فقال لها اخرجي لابنتك فسئلت فقالت إني أمشط رأسي وإذا بطائر أبيض نقرني وصدّ أمامي فتبعته إلى وطني قاله الحافظ أبو راس في الخبر المعرب.
ويقال أن سيدي بلاحة قال لمعلم ولده الزين قبل الواقعة بيوم إذا كان في صبيحة غد خذ الزين وأمه وأصعد بهما رأس الجبل واجلس هناك للغروب ودعني وبناتي الثلاثة ليقضي الله أمرا كان مفعولا ففعل المعلم ما أمره به الشيخ فنجّاهم الله من العدو وعدّ ذلك من كراماته كإتيانه ببينة من الأسر. وولده سيدي الزين هو الذي تنسّل منه جميع أولاد سيدي بلاحة حيث كانوا.
حملة السلطان إسماعيل على وهران
ولما سمع الشريف سلطان المغرب مولاي إسماعيل بن علي العلاوي بقتل العرب المتنصرة للباي شعبان استغاظ غيظا شديدا وجمع جيشا عظيما لا يكاد يسمع بمثله من أقاصي سوس إلى بني يزناسن وجاء حاركا به على وهران سنة اثنا عشر من الثاني عشر (1) وقيل في أربعة منه وقيل في أوله فنزل بجبل هيدور ونظر إليها وحطّ كلكله عليها. ووجد حولها القبيل المديم لقتالها ، نجع مخيس أخوة سويد فاستعان بهم أيضا على نزالها ، فقاتلها مدة وأطال ذلك وبان شرره ولم يجد لها محلا يلحقها منه ضرره. لمنعها ببرج مرجاجو ، والنصارى بها هاجوا وماجوا ، فعندها صعد على المائدة ونظرها نظر ليث العريسة ، إذا دفع على الفريسة وعاين أحكامها ومنعها. وإتقانها وصنعها ، فقال هذه أفعى تحت
__________________
(1) الموافق 1700 ـ 1701 م.

حجر تضرّ ولا تضر ، وارتحل عنها مشرقا يروم المعط ، إلى أن وصل لزبوجة الوسط ، فقامت عليه الأعراب مع الأتراك إقامة الغضب ، ورجع مفلولا إلى أن وصل في فلّه إلى المغرب وإلى هذا أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
وبعد ألف ومائة في نقط يبّ
 

جهز إسماعيل لها أقاصي سوس
 
وأهل تامسنا إلى أهل ملوية
 

ووجدة ومعقل وبني زنس
 
(ص 170) / فحطّ كلكله عليها معتزما
 

على النزال فلم يجد محلّ بوس
 
قام بهيدور أياما يحتال لها
 

قد استعان بما حولها من مخيس
 
أعيته حيلتها حزما ومنعتها
 

عقاب جوّ قد ارتقى من الحرس
 
فقال هذه أفعى تحت صخرتها
 

تضرّ لا الضرّ يأتي لها من أنس
 
قد حلقت بحرس غير غافلة
 

بل يسمعون حسيس الآتي كالحسس
 
قائمة الملوك الوطاسيين والسعديين والعلويين
واعلم أن العلويين الذين منهم مولاي إسماعيل هذا أخذوا المغرب من يد الملوك السعدية وهم من يد بني وطاس وهم من يد الجوطي وهو من يد بني مرين ، وقد ذكرت المرينيين تفصيلا إلا ما ذهب عن حفظي منهم. وكون الجوطي خلع آخرهم وتولى بموضعه سنة كاملة. وخلعه بنوا وطاس فبقي المغرب بأيديهم ثمانين سنة.
وأولهم أبو عبد الله محمد الشيخ ثم ابنه محمد الغالب ، ثم أخوه المنصور ، ثم آخرهم أبو حسّون. وتولى ملك المغرب السعدية وأولهم الشريف عبد الله القائم ، ثم ابنه أحمد الأعرج ، ثم محمد الشيخ ، ثم عبد الله الغالب ، ثم أخوه المنصور أبو العباس أحمد الذهبي ، ثم ابنه زيدان وحصل بينه وبين أخوته كالشيخ وغيره الخصام ورام كل واحد منهم الخلافة حسبما ذلك مبيّن في نزهة الحادي ، والمهرة الوردية ، وقام عليه أبو العباس أحمد بن أبي محلى المساوري. ثم ابنه أحمد بن زيدان ، ثم أخوه عبد الملك بن زيدان ، ثم أخوه الوليد ، ثم أخوه محمد الشيخ الأصغر ، ثم ابنه أحمد العباس. ثم انتقل ملك المغرب لأهل الزاوية الدلائية السوسية وهم السيد أبو بكر بن محمد ، ثم ابنه السيد محمد. وقام عليهم أبو الحسن علي بن محمد السوسي بسوس. وصنوه

أبو حسّون ، ثم قام عبد الكريم بن أبي بكر الشيباني بمراكش. ثم انتقل ملك المغرب للعلويين. وأولهم الشيخ الشريف ، ثم ابنه محمد ، ثم أخوه رشيد ، ثم أخوه مولاي إسماعيل ، ثم ابنه أحمد الذهبي ، ثم أخوه عبد المالك ، ثم رجع الذهبي ، ثم أخوه عبد الله ، ثم أخوه علي وخلع ورجع عبد الله مرة ثانية ، ثم أخوه المستضيء ورجع عبد الله ثالثة ، ثم / أخوه زين العابدين وخلع ورجع عبد الله رابعة (ص 171) وخامسة ، ثم ابنه سيدي محمد بن عبد الله صاحب التئاليف (كذا) العديدة ، ثم ابنه اليزيد ، ثم أخوه مولاي سليمان ، ثم مولاي عبد الرحمن ، ثم ابنه مولاي محمد ، ثم ابنه مولاي الحسن وهو الموجود الآن. وأتيت بهذا لإتمام دول المغرب الأقصا (كذا).
منشآت الإسبان بوهران
ولما دام الملك للإسبانيين بوهران بنوا بها البناء المحكم الضخم فبنوا سورها وزادوا في بناء البرج الأحمر وبرج المرسى وبنوا مرجاج وبرجي رأس العين وبرج المرسى الثاني وبرج الحمارات والبرج الجديد وبرج الدهان وبرج الويز وبرج فراند وبرج كارلوص. وذكروا أن البرج الجديد أقامته امرأة نصرانية بتسعين ألف ريال كبيرة من خالص مالها صدقة عليها ليتقبل الله منها عملها وإنما يتقبل الله من المتقين. وأما برج اليهودي فبناه يهودي فنسب إليه والبرج الأحمر وبرج المرسى بناهما أبو الحسن المريني لكن النصارى زادوا فيهما فاتسعت دائرتهما وبرج الإصبايحية بناه الأتراك والقبة التي بالبرج الأحمر بناهما الباي محمد الكبير بن عصمان ، فاتح وهران ، وما عدا ذلك مما فيه عظمة البنيان ، فإنما بناه ملوك بني زيان.
ثم غزوا العبيد الشراقة حذو المقطع في جيش ضخم خرجوا به من وهران ومرّوا على قديل ثم رزيو ثم الصنهاجي ويقال له الزناقي أيضا إلى أن وصلوا إلى المقطع وانحدروا للشراقة وكان الخبر تقدم لهم فاجتمع معهم الغرابة وهبرة والبرجية ومجاهر فاختل المصاف على النصارى ودارت الدائرة عليهم فكان أكثرهم غنيمة للمسلمين ورجع فلّهم لوهران ومن ثم أتوا بحميان من ملاتة لهذه الأرض التي عم بها الآن ترسا بينهم وبين هؤلاء الأعراش فكان حميان تارة مذعنين وأخرى ممتنعين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

بناء شخصية  الأطفال   ...