الخميس، 8 مارس 2018


جزء الثاني من الكتاب بإسم : طلوع سعد السعود  ( الرحلة الورتلانية البجائية1 ) الجزء الثالث من الكتابة


واشتد في أرض حميان ، وتداولت الحملات من المسلمين على المحلّة من كل جانب ومكان ، وكان ذلك في فصل الصيف فاشتد على الفريقين القيظ الحار ، والمحلّة ماشية كأنها داخلة في وسط النار لكون قدور بالمخفي تقدّم إلى المرجة فأوقدها بالنار ، فكم من ميت مات في ذلك اليوم بالرصاص والنغش وكم من آخر مات بالعياء والعطش ، وأسرف جيش الأمير في تلك المحلّة بالقتل والأسر وسبي الأموال ، وهي مبادرة في مشيها للبحر ناحية المقطع بغير الانفصال واتفق الأمر أن الأدلة الذين يمشون بالمحلّة قد ذهلوا عن الطريق ، فتركوها ميسرة ومشوا ميمنة إلى أن دخلوا في المرجة فحصلت العجلات في الوحل لفقد الطريق ، وقد مسّ وقتئذ البعض من عسكر النصارى الرعب والهول ، وتضاعفت العرب واشتد لها الصول ، وهجمت على المحلّة هجوما عنيفا ، وتقدّمت لها تقدّما كثيفا ، وتسارعت لها بالقتل والنهب ، وشدة الطعن والضرب وتيسّرت لها سائر الوجوه ، وعظم الأمر على ذي العقل وأحرى المعتوه ، ودارت طواجين المنايا على رؤوس الرّاجلة والفرسان وتطايرت الرؤوس بذلك عن الأبدان ، وصارت القتلى من الجانبين تحت أرجل الخيل متداثرة ، وزهت العرب وصارت عقولها مستنيرة متكاثرة ، وقذف الله الخوف في قلوب من بقي حول العجلات ، ففرّوا هاربين لاحقين بمتقدم المحلّة من غير التفات ، إلى أن لحقوا بها بقصد المسالك وكانت المحلّة مفترقة / على ربوات هناك ، وصارت كبراء المحلّة في غم ولم يجدوا سبيلا للنجات (كذا) ، وكل من مات من النصارى قطعت العرب رأسه ، ونهبوا المحلّة ولم يمنع من قراريطها إلا واحدة ونكّس كل واحد من النصارى رأسه.
قال العلامة السيد الحاج أحمد بن عبد الرحمان الصديقي في كتابه ، وكان من الحاضرين للواقعة بغير ارتيابه ، وو الله إني رأيت الحجلة تطير يمينا وشمالا في أرض حميان ، ولا تجد منفذا ولا مسلكا حتى تنزل في حجر الراكب أو على رأسه بالعيان ، والأرنب والذئب (كذا) ليجريان كذلك ولا يجدان مأوى يخلصهما من الأسر والقتل ، حتى يقفان رأسا من غير ممسك بتحقيق النقل.
قال : ثم بعد هنيئة من الزمان حصل الكلام من كبراء النصارى لبعضهم بعض فنقرت ما لهم من الطبول ، وغنت ما لهم من المزامر بحنينها المقبول ، ونهضت المحلّة قائمة مجتمعة على ساق ، وبرزت للقتال جميعا من غير تراخ ولا

افتراق ، وامتزج فرقعة البنادق مع صوت المدافع ، فكانت موقعة بوقعات التتابع ، إلى أن أخذت العرب في القهقراء ورجع كل متقدم منهم إلى الوراء ، إلى أن بان للمحلّة صوب الذهاب ، وفرارها إلى المحل الذي لا تصاب فيه بالعطاب وهي جهة المقطع ، فعنت الربوات المتلاسقة (كذا) بالمقطع ، وجنحت بعد ذلك للبحر في المحقق ، ووصلت إلى رزيو ليلا لما أعطاها الله من الصبر وعدم الفلق ، فانجرح لها بالمرجة خمسة عشر نسمة ، ومات لها ما بين الزبوج والمقطع ستمائة نسمة ، ومات في ذلك اليوم من أعيان الغرابة البطل المفقود ، الشجاع القايد خليفة ولد محمود ، وانجرح الشجاع الباسل قدور بالمخفي ومات فرسه الأشقر ، وهو مع الأمير من جيش آغة الحاج المزاري الأفخر ، وقد صحّ في هذه الواقعة قول الشاعر :
وكم من فرقة في الحرب جأت
 

تركت كأنّها طعم السّباع
 
تركت ليوثهم في الحرب صرعى
 

على الرمضاء في تلك البقاع
 
قال واكتفى الأمير في ذلك اليوم بالغنيمة ولم يرد لحوقهم ، ولو لحقهم لفعل الله ما أراده في غيبه وترك سبوقهم.
ولمّا بلغ الخبر لوهران ، أتى الدوائر والزمالة بجيش حافل من وهران وقصدوا إلى رزيو مع الساحل ، متأسفين على عدم الحضور لتلك المعارك والمقاتل ، فرجعوا في يوم ثلاثين جوان بالخيالة وأهل المدفع والقراريط الذين وجدوهم بالمرسى مع البر لوهران ، كأنهم لم يقع بهم شيء من الهوان ، وأمّا الجنرال والأعيان وباقي العسكر ركبوا في البابور من مرسى رزيو لوهران ، فشكر الجنرال ترزيل وأعيان الدولة الذين معه فعلهم ، وقالوا لهم لمّا أتيتم بالمحلّة مع البر كأنّها لم يقع لها شيء ، وأزلتم عنهم جهلهم ، هكذا قاله بعض المؤرخين.
وقال آخران الجنرال ترزيل والعرب الذين معه صارت لهم معرة وملامة كبيرة من القبرنور (206) في التبيين ، وسمي بالأعور ، لأنه أصيب بعينه في بعض الحروب فضاعت له وصار / كالأخفر.
__________________
(206) يقصد : الحاكم العام من الكلمة الفرنسية : Gouverneur.

ولمّا جاء الأمر إلى الجنرال ترزيل بالدخول لافرانسا بالتصديق ، وذلك في ثاني عشر جليت (كذا) من السنة المسطورة بالتحقيق ، طلب منه المخزن من الدوائر والزمالة أن يجعل لهم بايا يكونون تحت أمره ونهيه بالحسن ، لكون من عليهما الاعتماد غائبين من المخزن ، وهما الحاج المزاري فإنه آغة الأمير بالمعسكر ، وعمه مصطفى بن إسماعيل فإنه بتلمسان في حكم الأمير أيضا بالمشتهر ، فجعل لهم إبراهيم أبا شناق التركي بغير المنن ، لأنه كان مستقرا بمستغانيم وقت ذهاب الباي حسن ، فذهب الجنرال ترزيل وجاء بمحلّه دارلانج (207) جنرالا بوهران ، واستقرّ بها للغزو بغاية ما كان ، ولما رأى الأمير النصر له في واقعتي الزبوج والمقطع ، ظن أن الظفر له ليس بالمنقطع ، ولم يدر أنّ الدنيا يوم بيوم ، والدهر قاض ما عليه لوم ، جاء بجيشه لوهران حاركا ، وللمكث بقاعدته المعسكر تاركا ، وحين حل بساحتها خرج لقتاله الدواير والزمالة ، لأنهم نازلين بخيامهم تحت سورها رايمين خلف ما فات من واقعة الحمّالة ، وقد أغلقت النصارى أبواب المدينة من ورائهم ، لكون بعض الوشاة المكرهين لأفعالهم وآرائهم ، قالوا لهم أنهم يريدون إدخال جيش الأمير عليكم ، ويكون إتفاق العرب بأجمعهم عليكم ، فقاتلوا وحدهم الأمير بحسب الاستطاعة ، وقاوموه مقاومة العناية لرواج البضاعة ، من أول النهار للعشية ، ورجعوا بأمواتهم ومجاريحهم بالكلية ، ولمّا رأى النصارى ذلك خرجوا بالمدافع ، وتيقنوا أن تلك شيطنة المخابع ، فقاتلوا معهم بقية اليوم ، والمخزن معهم كأنّه الطيور الحائمة على البوم ، ورجع الأمير لمحلّه ، واستقر بمكانه لكلّه ، وقد مات من المخزن في ذلك اليوم الشارف ولد خليفة الداير ، ومن الزمالة الحبيب بن شايلة ، وانجرح الحاج الوزاع بن عبد الهادي من فمه برصاصة صائلة ، ومات لمحمد ولد قدور فرسه الأزرق ، وللحاج الجيلاني بن العمري فرسه الأكحل الأسبق ، ولعلي أبي تليليس فرسه الأشهب ، ولبن سعد بالعيشوش فرسه الحماري الأركب ، ومن جيش الأمير ما لا يحصى ، ومن المخزن ما لا به نقصا.
ثم نزل الأمير في ثامن أكتبر (كذا) من تلك السنة بتليلات ، فسمع به أبو
__________________
(207) Darlange.

شناق وهو بمسرقين فدخل وهران بالإثبات ، وكان دخوله بأمر دارلانج الجنرال ، ومن الغد غزى الأمير مسرقين فحلّ بينه وبين المخزن شديد القتال ، مات فيه من جيش الأمير الكثير ، ومن المخزن اثنا عشر شجاعا منهم أبو حفص ، وسي غانم الدايران في القول الشهير ، ومحمد ولد عدة ، وقدور بوطمية الزماليان بغير التنكير ، وانجرح ثلاثون رجلا حالة التكرير ، كما انجرح فرس بن عيسى بن عودة الأشهب وهو فوقه يقاتل بالأرهب ، وذهب الأمير بأمر عسير / والمخزن في فوح كثير.
ثم بعد واقعة مسرقين ، جمع الأمير جيشه ونزل به بأغبال بالتبيين وبعث صديقه آغته المزاري البحثاوي في جيش من جملته الزين ابن عودة آغة بني عامر بقومه بالتعيين ، لأخذ مطمر الزمالة وهو مطمر أبي تليليس الذي بمسرقين ، فسمع به أبو شناق وأتاه بالمخزن حاركا من وهران إلى مسرقين ، وكان القتال بينهما شديدا ثم انفصلا بعد ذلك ورجع كل لمحلّه في الحين ، وفي هذه القضية جاء الحاج المزاري ظافرا بقلايع ، والزين بن عودة حصل في بلايع ، فاشتكى الزين للأمير المزاري ، بأنه رجع سالما بجيشه وهو ذرته المداري ، فأراد الأمير أن يتحقق بالخبر ، هل كان من المزاري الكر أو هو في الفر ، فأخبره من حضر للواقعة من الحشم والغرابة ، بأن الضرب كان شديدا من المزاري بجيشه وكان الفرار من الزين بجيشه مريدا الاسترابة ، وأنّ المزاري أتى بعدة قلائع من أبناء عمّه ، والزين أخذت منه القلائع ورجع في همّه ، فعند ذلك قال الحاج عبد القادر بن ونان آغة الغرابة للزين بن عودة غلظت في قولك يا مغرور ، كيف تنازع المزاري بقولك الذميم وتضاهيه بفعلك الرذيل وأنت وليت الأدبار ولست بصاحب السعي المشكور ، فشأنك المضاهة لي ولأمثالي ، لا للمازري يا من لست بذي المنزل العالي ، فقال الأمير لابن ونان كيف تقول هذا لخالي الزين وهو أكبر منك سنا بإعلان ، فقال له ابن ونان يا سيدي لا تنظر لسمنه فإنه كبقرة بني إسرائيل ، لأني أكبر منه سنا وإنما امتلأت بطنه من أكل مواشي بني عامر فعظمت لذلك وصار يضاهي سليل إسماعيل ، فتبسّم الأمير ضاحكا ، وقال للزين لقد صار قولك حالكا ، بهذا حدثني الفقيه السيد الحبيب بن الموفق وكان مع الأمير حاضرا ، ومن جملة الغرابة سامعا وناظرا.

وفي أوّل نونبر (208) من تلك السنة حلّ بوهران جيوش افرانسوية لحماية وهران ، وإعانة لمن بها ذات أصناف ثلاثة بالبيان ، أحدهم من علامة إحدى عشر ، وثانيهم من علامة سبعة عشر ، وثالثهم من علامة سبع وأربعين ، فذهبت من حينها ونزلت بالكرمة وجعله خندقا محيطا بها كما جعلت بيوتا من التراب في الحين ، ثم جاءت محلّة أخرى من الجزائر من علامة الاثنين ، تحت رئاسة القبطان شنقرني (209) بغير المين ، وتعاظم الجيش الفرانسوي بوهران ، وصار يريد الغزو بكل ناحية ومكان ، ولمّا نزلت الجيوش التي أتت من افرانسا بالكرمة ، ألفت بها محلّة كبيرة مخندقة على نفسها جاعلة طبابين من التراب لنيل الحرمة ، وفي نصف نوانبر (كذا) وقيل في الرابع والعشرين منه جاء المريشال كلوزيل (CLAUZEL) ومعه دوك دليان (210) من الجزائر لوهران وجيوش عددها اثنا عشر ألفا ، بقصد الغزو على المعسكر مدينة الأمير قصد اشضفاء (كذا) فعيّن له المخزن ألف جمل لحمل الأثقال ، وركبوا معه في خمسمائة فارس من الأبطال ، فاحتوت المحلّة على / ثلاثة رؤساء وهم المريشال كلوزايل والجنرال دارلانج والباي إبراهيم أبو شناق ، مع جملة الجيش العرمرم ما بين النصارى والمخزن الحذّاق ، فكان حلولهم بتليلات في اليوم التاسع والعشرين من نوانبر (كذا) من سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وألف المسيحي المشتهر ، ووقعت مقاتلة عظيمة ما بين الكرمة وتليلات ، مات فيها خلق كثير وصارت العرب تقطع رأس العاجز عن المشي من العسكر فدخله الخوف ولحق بعضه بعضا بإثبات ، وفي ثلاثين منه باتت المحلّة بسيق ، وحصل القتال الشديد بين المحلّة والبوحميدي خليفة الأمير بتلمسان بالتحقيق ، وذلك بقرب ضريح سيدي أعمر امهاج المهاجي ، وكان للخليفة الظهور فلم يعنه الأمير بالجيش لأمر حصل فيه التناجي ، وكثر باليل (كذا) على المحلّة نوح الذياب واختلست اللصوص من المحلّة ما حل به الارتهاب ، وأقامت المحلّة بسيق إلى أوّل دسانبر ، وقد قتل منها نحو المائة فرحلت ونزلت بهيرة في القول الناير ، ولما وصل الفريقان لغاية سيدي مبارك بن
__________________
(208) يقصد نوفمبر 1835 م.
(209) يقصد : الضابط شانقارني : Changarnier.
(210) يقصد : الدوق دورليان : Le Duc D'orlean.

بخباخ ، كثر القتال بينهما وظهر الوبال واشتد الصراخ ، ولم يفترقا من المقاتلة إلّا بعد الشفق ، فجاوزت المحلّة الوادي إلى الجهة الشرقية ونزلت بالرميلية أسفل مدينة باريق الآن في القول المحقق (211). قال بعض مؤرخي النصارى وانجرح المزاري في هذه الواقعة ، لكنه جرح سلامة لا جرح الصاعقة وأخذوا للأمير مدفعين وقتلوا منه كثيرا بلا مين.
كلوزيل يحرق مدينة معسكر
ثم ارتحلت المحلّة من الغد وذهبت مع طريق سجرارة ، وباتت بالعين الكبيرة مبيتة مختارة ، وصار الحرب كبيرا لما حلت بجبل البرج ، وكثر الهم ووقع الهرج ، وأمر الأمير أهل المعسكر بالانجلا (كذا) فانجلوا عنها ، ودخلها المريشال بجيوشه من الغد عند الغروب دون قتال فلم يجد بها أحدا منها ، وكان ذلك في الخامس عشر من شعبان ، الموافق لسادس دسانبر بالبيان (212) ، وأقام بها ثلاثة أيام وخرج منها مختارا ، بعد أن أخربها (كذا) وأضرمها نارا ، ورجع في راحة لمستغانيم ، مستبشرا بالفتح ونيل المغانيم ، وفي حال رجوعه اشتد البرد الشديد ، وكثر المطر العتيد ، لكون الفصل فصل الشتاء في صحيح الأقوال ، وقد مات للدوائر وحدهم في تلك الرجعة مائتا جمل فضلا عن الخيل والبغال وانقطعت محلّة دارلانج مع الكونفة (213) وغلب العدو الجيوش ، إلى أن رجع له المريشال فأطرده ، وصيّره العهن المنفوش.
الآغا المزاري ينضم للفرنسيين
ولمّا انجلا (كذا) الناس من المعسكر ، ورأى آغة المزاري أن الأمير قد غض منه البصر ، وصار لا يوافقه لا في النهي ولا في الأمر ، وسعى الوشاة بينهما
__________________
(211) يقصد : مدينة المحمدية الحالية التي سماها الفرنسيون : Perregaux وهو اسم العقيد بيريقو أحد ضباط الاحتلال.
(212) يقصد عام 1251 ه‍ الموافق 6 ديسمبر 1835 م.
(213) يقصد القافلة من الكلمة الفرنسية : Convoi

وكثر القيل والقال وتفكّر العداوة السابقة فخشى منه النكال ، مع ما سمعه يوما حال دخوله / لمجلس الأمير غفلة ، وألفى الحشم يقولون له كل شيء سألناه منك فقضيته لنا إلّا حاجة لم تقضها ولنا ولك فيها وجلة ، فقال لهم الأمير أني عارف لما تريدونه منّي ، وأجاوبكم بما تأخذونه عنّي ، فقالوا له وما الذي عملت به من قولنا ، فقال لهم إنكم أردتم قتل المزاري وقدور بالمخفي قبل تمام حولنا ، فقالوا له والله لقد اطلعت على ما في قلوبنا من الأسرار ، وإنك لأنت حقا الشريف بن المختار ، فقال لهم من الآن تيقنوا بأني لا أقتلهما ولا واحدا منهما ، ولا أتعرّض لهما بسوء ولا لواحد منهما ، وإني لأعتقد أنهما يموتان ، عليّ في المعارك ، ولا لي مدافع من غيرهما في كلّ المعارك ، فكفّوا عن قولكم فيهما ، وانتهوا عمّا تقولونه لي فيهما ، فإذا أثبت الله يقيني فلا أصغي لما يقال فيهما ، فو الله لهما عندي أعز من كل عزيز وأحبّ من كل حبيب ، وأولى من كل ولي وأقرب من كل قريب ، ولا أسمع فيهما أبدا لكل واش ، ولا للأندال والأوباش ، ولا غش فيهما ولا خديعة وأنهما لفي الحالة المرضية المطيعة ، وأنّ الخديعة والغش في غير الدواير والبرجية ، بل في جميع المخزن أهل النية الصادقة والأحوال المرضية والأفعال الجيدة المرجية ، وأنهما لعضد من أعضادي ، فلا أقطع لرضائكم أعضادي.
قائمة جنود الآغا محمد المزاري
جزم بالذهاب لمستغانيم فقصد بأهله وجيشه لبني شقران ، وكان عدة جيشه وقتذاك الذين في خدمته اثنين وتسعين مقاتلا بالبيان ، وهم قرّة عينه ولده إسماعيل وعبيده الأربعة الملازمون له في الحضر والسّفر أصحاب الحقوق ، وهم : البركة ، ومحمد ، ومسعود ، ومرزق ، وأبناء عمّه الثلاثة النافعين له في الرخاء والشدة ، وهم : قدور الأقرع ، وأخوه محمد ، والحبيب أولاد عدّة ، وأولاد بالفرّاق الثلاثة باتّفاق ، وهم : قدور ، وعلي ، وابنه محمد بالفرّاق ، وأولاد بالغول الثلاثة في صحيح المقول ، وهم : الحاج قادة وابنه محمد ، ومصطفى بالغول ، وأولاد بن عاشت الأربعة في الثابت ، وهم : قدور ، ومحمد ، والمولود ، ومصطفى بن عاشت ، والأربعة أولاد بالشيخي ، وهم : أبو زيان ، وعبد الله ،

وعبد الله أيضا ، ومحمد بالشيخ ، وشاوش آغة الحاج عدّة بالمولود ، وابنه محمد ، وصنوه محمد بالمولود ، وربيبه الحاج العربي قارولد قدور ، ومحمد الشرقي بالانتعاش ، وأولاد بن دعلاش الاثنان وهما : محمد ، ومصطفى بن دعلاش ، ومحمد بن دحّ ، وقدور الأكحل ، وعلي بن عايد ، وبن دحّ بارتفاق ، وعبد القادر بن بركات ، وعابد بن بركات ، وبن عبد الله بن صواف ، وقدور بوزيد ، والسنوسي ولد عبد الرحمان ، والحبيب ابن مقايز ، وأولاد التيجيني الاثنان وهما : محمد وصنوه عدّة بن جريرة ، والحبوشي صاحب بالغول المناهز ، والحاج قانة والرويعي بن كرّوم ، وأبو خديمي وصهره البغدادي وقويدر صهر قدور بوزيد العكروم ، وعدة بالبكوش الحمياني وخالة بن سونة وقادة بالمغني في غاية البياني ، وعلي أبو عمامة / والصايم ولد العرجة والحاج محمد بالوهراني ، والشارف بن عبيد ، والعربي بالقايد ، وصهره محمد بالضياف كثير المزاحة ، وسي المداني ، وقدور بوروبة وسليمن (كذا) بن زيدور البوشيخي وعبد الرحمان بالمصابيح ولد بن ساحة ، وقارة محمد وأخوه عدة والحاج عبد القادر بن عبد الله والحاج الهاشمي بن محلّة وخاله بن شعشوع ، وأحمد بن يخلف والبكوش وعبد القادر السّماتي والجيلاني بن الخالدي وصهره محي الدين المشنوع والشيخ بن دحّ وبالخير قهواجي الباي ، وسي التامي ومحمد ولد البرقي وبن يوسف الشرقي ، فهؤلاء السبع والسبعون كلهم من الدوائر.
ثم من الزمالة خمسة عشر بغير التدابير ، وهم سي الحبيب بوزندار الخوجة ومحمد ولد قاسم وشاوشه بن تبينة وأبو لوفة بن ونزار ومحمد ابن ونزار ، والحاج محمد ولد إبراهيم الونزاري وصهره محمد السني باشتهار ، والبشير بالزبير وبن يحيى بالزبير وأبو معيزة وحسن ابن فريحة ومحمد بالعيشوش ، ومحمد بن شملول ومحمد بونيف وعبد القادر بالعيشوش. وجدّ السير مع خليفته محمد ولد علي بن حميدة كبير بني شقران بجيشه أيضا ، إلى أن نزل بغلّال من مزارع بني شقران فبات به لكثرة المطر المتزايد فيضا ، ثم انحدر لفرقوق من تلك البلاد فخيّم به قلائل أيام ، واقتضى نظره أنه لا يليق به المكث بذلك المحل بإلزام ، فارتحل ونزل بعريش طوبال من بلاد البرجية ، فأتاه البرجية ورائسهم (كذا) قدور بالمخفي بالضيافة والهدية ، وفرحوا به بغاية الفرح والسرور ، «وقالوا الحمد لله

الذي أذهب عنا الحزن إنّ ربنا لغفور شكور» ، فاطمئنّت (كذا) نفسه لمّا حلّ بأخوته وعرشه ، ثم تشاور معهم على الانتقال لمستغانيم والإذعان للدولة لإزالة وحشه فوافقوه على ذلك وقالوا رأيك أصوب ، وتدبيرك أعز وأطرب ، لاكنّا (كذا) لا نذهب حتى نقتسموا (كذا) إبل الأمير ، فإنها بقربنا فقال لهم معاذ الله أن نفعلوا (كذا) ذلك ولا نأخذ لأنفسنا شيئا من رزق الأمير ، ثم بعث مكتوبه خفية للباي إبراهيم أبي شناق ، بمستغانيم ، وسأله الأمن له ولمن معه في حال الإذعان ونيل المغانيم ، فأجابه الباي بأهلا وسهلا ، ومرحبا بك وبمن معك وقولك أفضل وأولا (كذا) ، وكان معه من البرجية تسعة أنفار بغير التخفي وهم : قدور بالمخفي ، وابنه محمد ، وأخوه المجاهد بالمخفي ، وعبداه أبو عبدلة وباهي ، وشاوشه الحبيب بالغماري ، وأبناء عمّه الثلاثة وهم محمد ولد قيشة ، ومحمد الكعبري ، وسي محمد بالصحراوي في القول المختاري.
فارتحل بهم ليلا في العشرة الأخيرة من شعبان ، سنة إحدى وخمسين ومائتين وألف الموافقة للسنة المسيحية المسطورة (214) فانصدع عليه الفجر بمزغران ، فألفى بها من رزيو ثلاثة أنفار وهم سي محمد بالماحي ، وسي محمد بالحاج ، والربيب ، فاجتمع جيشه مائة وأربعة فيه غناء لكل محتاج ، فتلقاه الباي إبراهيم أبو شناق بالفرح والسرور ، والترحب والانبساط الكثير الحبور.
ولمّا سمع بقدومه المريشال كلوزايل وهو بوهران بعثت (كذا) الكماندار (كذا) يوسف العنّابي ليامنه (كذا) ويأت (كذا) به وهران فجاءه يوسف وذهب به وبالباي إبراهيم أبي شناق وقدور بالمخفي فلمّا حلّ الجميع بوهران ، ومثّلوا بين يدي المريشال بشّ في وجوههم وفرح بهم كثيرا وأثنى على المزاري وقدور بالمخفي / بخير وإحسان ، وجعل له راتبا سنويا مؤقّتا شهريا للإنفاق ، وصيّره آغة وطن وهران وخليفة علي الباي إبراهيم أبي شناق ، كما جعل لقدور بالمخفي راتبا يوافقه ، وولّاه آغة المزاري منصبا يطابقه ، فمنها الباي إبراهيم أبو شناق وقدور بالمخفي رجعا لمستغانيم بأمر المريشال ، ومنها آغة المزاري مكث بوهران أمدا
__________________
(214) الموافق منتصف ديسمبر 1835 م.

لترتيب الأحوال ، فأخّر من المنصب عدة ولد عثمان وجعل بدله آغة على الدواير الحاج الحبيب بالشريف الكرطي التلاوي وجعل له قائدا محمدا بالبشير البحثاوي بإتقان ، وأخّر على الزمالة من المنصب الحاج الوزاع بن عبد الهادي وجعل بدله آغة محمد بالمختار وجعل له قائدا قدور بالصحراوي المعروف بولد درباك للاشتهار.
مصطفى بن إسماعيل يستنجد بالآغا المزاري
قال فبينما هو جالس في بعض الأيام ، ويتدبر في أحوال الأمر كيف يكون لغاية الاحتكام ، وإذا برسولين أحدهما يقال له العربي بن حطاب والآخر غاب عني اسمه لكنّه من المقان على يد الحاج محمد بن عبد الهادي المقني جاءاه من عند عمّه مصطفى بن إسماعيل ، بكتاب يقول له فيه أخبرك بأن تلمسان انجلا عنها أهلها وهم باعلا (كذا) عوشبة ولم يبق فيها إلا القرغلان (215) وهو وإياهم مع الأمير في أرذل الأجاويل ، وأنّ أكثر القرغلان اتفق مع الحضر على تسليمي للأمير ، ولم يبق معي في الكلمة والنعرة والنصرة إلا أبو جنان بحومته وإني أخشى على نفسي حينئذ من فتك الأمير ، فلا بدّ من قدومك لأخذي بمن معي من غير التأخير ، كما بعث مصطفى والقرغلان كتابا للمريشال كلوزيل أيضا ، وسألوه القدوم لتلمسان فرضا ، فبعث المزاري لعمّه رسولا يعلمه بأنه قادم للإتيان به بالجد لا الهزول فأكل السّبع الرسول بشبعة اللحم قبل الوصول.
كلوزيل يغزو تلمسان
ثم ذهب للمريشال وأخبره بذلك ، فقال له قد بلغني الخبر وما تراه الآن في ذلك فقال له المزاري لا بد من الذهاب لتلمسان ولو وحدي ، وسترى إن شاء الله ما يكون في قصدي ، فإني آخذها مع غيرها عنوة ، ولا يكون إلا الفتح بإذن من به الحول والقوّة ، ففرح المريشال بكلامه وأثنا عليه خيرا وعلم أن ذلك سيكون فورا ، فجهّز المريشال محلّة من ستة إلى سبعة إلى ثمانية آلاف مقاتل ،
__________________
(215) الكراغلة هم العناصر التركية ذات الأم الجزائرية ، والأب التركي.

وكانت الإقامة على المخزن بأمر آغة الحاج المزاري وهي اثنا عشر مائة دابة ما بين الخيل والبغال والإبل لحمل المؤنة (كذا) بلا قول لقائل ، وخمسمائة من البقر وأربعون فرسا من عتاق الخيل وصحب معهم من المخزن من يعرف الطريق للسير في النهار واليل (كذا) ولمّا سمع كبراء أنقاد ومن جملتهم أولاد الشيخ بالغماري الذي قتله الأمير شنقا بالمعسكر وهم بقرب تلمسان ، بقدوم المحلّة صحبة المزاري أتوها مسرعين بقصد الإذعان ، ولمّا بلغ الخبر للأمير وهو بالمسيد من بلاد أولاد سليمان ، جمع جيشه من الحشم وبني عامر ومن في سلكهم بالإتقان ، وهجم به من الغد على أنقاد غفلة وهم بالمنصورة ، فحرق خيامهم وقتل كل من اتصل به بالقتلة المقهورة ، ولمّا سمع القرغلان ضرب البارود المترادف بناحية أنقاد الذين في حالة الكروبة ، أدركوهم للإغاثة فأتى الأمير من ورائهم وقتل منهم خمسا وسبعين مقاتلا واجترّ رءوسهم (كذا) وبعثها للمعسكر فعلّقت بالأسوار وتعرف تلك الواقعة بقصّة عوشبة.
ثم بعد ثلاثة أيام دخلت المحلّة / تلمسان ، وخيّمت بديار الحضر منها لانجلائهم لبني ورنيد وبني صميل ولم يبق بها إلا القرغلان ، وكان ذلك في اليوم الرابع عشر من رمضان من السنة العربية المقررة البيان ، الموافق لثالث عشر جانفي سنة ست وثلاثين وثمانمائة وألف بعد ما خرجت في ثامن جانفي تلك السنة من وهران ، وقتل العلامة الأفرد السيد محمد بن مزيان ، صبرا بعد الظفر به بالعيان ، وكان الدخول لتلمسان من غير قتال وجعلوا بها بايا يقال له مصطفى ولد المقلش ، إلا أنه ضعيف الرأي وحكمه في التعش.
ثم خرج المريشال (كذا) بعساكره ومعه الحاج المزاري ومصطفى بن إسماعيل كل منهما بقومه أيضا ، والباي بجيشه من الترك والقرغلان محضا ، وقصدوا الأمير وهو بالجبل الذي بين الصفصيف وعميّر ، ووقع القتال الذريع الذي للأرواح مغيّر ، انجلا فيه الأمر بفرار الأمير وسؤاله للنجات (كذا) بعد ما سبي من جيشه خلق كثير بالثبات.
واختلف مؤرخوا النصارى في عدد المخزن الحاضر لتلك الواقعة فقال بعضهم جملته أربعمائة مقاتل تحت رئاسة المزاري الذي في الحرب بمنزلة

الصاعقة ، لنظر يوسف العنّابي كثير الطعن والضرب ، وبذلك كتب المريشال في عرض حال لوزير الحرب ، قائلا له من كثرة زعامة العرب الذين معنا من الدواير والزمالة ، وخفتهم في القتال وشدتهم في الطعن ومحبّتهم في التقدم أمامنا لم يضرب أحد من عسكرنا في هذه المقاتلة رائمين للجمالة ، وقال بعضهم كان عددهم ألفا وثلاثمائة فارس مقاتل وفي أقل من لحظة العين فتكوا بجيش الأمير من غير مقافل ، وخرجت المحلّة من تلمسان صباحا ومعها المزاري ومصطفى بن إسماعيل فقطعت واد يسر ووقفت بروة (كذا) هناك ، دون قبة سيدي محمد بالأحسن لنيل المسالك ، وكانت تحت رئاسة الجنرال دارلانج ومصطفى والمزاري ، فلم تر شيئا ورجعت بغير التماري.
ثم خرج الجنرلان دارلانج وباريق (بيريقو) الذي تسميه العرب بأبي القباب ، لكونه مهمى نزل بقرب قبة إلا ويبيت بها بغير الارتياب ، والقبطان كافنياك (CAVAIGNAC) كل منهم بالمحلّة العظيمة ، وقصدوا الأمير وهو ببني ورنيد فاطردوه من هنالك بالطردة الجسيمة ، وأتوا بجميع التلمسانيين فادخلوهم لتلمسان ، وحصل منهم من وقتهم للدولة الإذعان ، وتلاقى المزاري ومصطفى في ذلك اليوم بالأمير بجيشه ، فقتلوا منه كثيرا وداموا على ذلك إلى أن هزم واتبعوه لجبل تيزي وقد أبطل من فيشه ، ورجعوا في أمن وأمان ، ظافرين بالغنائم والأسارى بلا توان.
قال وفيها اجتمع المزاري مع المريشال كلوزيل وقال له من عادتنا أن لا يتقدم الصغير مع وجود الكبير بكل الموزيل ، والآن إني خلعت نفسي لعمي مصطفى فيبقى هو الكبير بالجهة الغربية ، وأنا أرجع إلى مستغانيم كبيرا لتدويخ الجهة الشرقية ، فوافقه المريشال على ذلك الرأي السديد ، وأثنى عليه بالثناء الجميل الذي ليس عليه من المزيد وبقّى عمّه / والمريشال وأرباب الدولة على خير ، ورجع لمستغانيم فمكث بها مع الباي إبراهيم أبي شناق لإزالة كل هول وضير ، وصار تارة يجتمع مع عمّه لتدويخ الأعراش ، وتارة يبقى كل بجهته بالعز والاقتراش.

معركة تافنة
ثم خرج المريشال في أربعة آلاف رجل ومعه مصطفى في خمسمائة مقاتل من مخزنه من تلمسان لرشقون ، وكان ذلك في اليوم الرابع والعشرين من جانفي سنة ست وثلاثين وثمانمائة وألف بعد ما ترك بتلمسان محلّته تحت رئاسة الجنرال الباريق (بيريقو) الناظر بها لكل ما كان وما يكون ، وغرض المريشال أن يجعل طريقا تمر له من تلمسان ومدينة به بحرية لأنه مرسى ويسهل القدوم له من البحر وبه المراكب ترسى ، وفي الخامس والعشرين منه نزل بملتقى يسر وتافنة ، وفي السادس والعشرين منه تقاتلوا مع الأمير بكل حافنة ، وآل الأمر إلى انهزام الأمير ، بعد ما قتل المخزن من جيشه عشرين نفرا وأتى برءوسهم للمارشال (كذا) بالحال الهزير ، وكان النزول بالجهة الغربية من الوادي عشية ، وفي السابع والعشرين منه تكرّر القتال ، وتعاظم الحرب والنّزال وتيقن المريشال بعدم الخلاص ، وصارت الناس في هول كيوم الأخذ بالنواص ، فبعث للجنرال باريق (بيريقو) بتلمسان ليأتيه بالعجلة ، فجاءه في تلك اليلة (كذا) ، فألفى الأمير بقبائله وجيوشه متكاثرة وكانت المحلّة غالبة فصارت مغلوبة متداثرة ، وقد هجم مصطفى على الأمير غفلة في نصف النهار فهزمه وقتل منه كثيرا ، وأخّره من مكانه تأخيرا كبيرا ، وحازه في ذلك الوطاء بالمتوز الكبير (كذا) ولم يتيسّر للأمير عبور الوادي إلا بالتعب الكثير ، ودخلت المحلّة تلمسان بالفرح والسرور ، ولعبت العرب كعادتها بضرب البارود بغاية المسابقة والعبور ، وقبل واقعة تافنة وقعت المقاتلة بين الأمير والمحلّة ، بمحل يقال له بيدر إلى أن صار الأمير في المحلّة.
ثم ضرب المريشال (كذا) غرامة حربية على التلمسانيين الذين ظفر بهم ، وترك ستمائة مقاتل مع خمسة أو ستة آلاف ما بين تركي وقرغلي بالمشور تحت رئاسة القبطان كافنياك وزاد ستة أشهر لذلك الجيش الفرانسوي بكلهم ، وترك له المرضى وأخذ لجيشه زاد خمسة أيام ورجع لوهران ، فخرج في سابع فبري (كذا) من تلك السنة من تلمسان ، ومعه مصطفى بمخزنه ومصطفى ولد المقلش مع بعض القرغلان فمرّ بأولاد الزاير وملاتة إلى أن دخل وهران في اليوم الثالث عشر فبري (كذا) بالبيان ، ولما حلّ برجم العيساوي في حال رجوعه في عاشر فبري (كذا) المذكور ، وقعت له مقاتلة به مع الأمير في غاية ما يكون إلى أن حل

بالأمير الفرار المشهور ، فنالت المحلّة من جيش الأمير وهو لم ينل منها شيئا ، بل أخذت منه غنيمة وفيئا.
قال ، وكان المريشال معينا ثلاثة أناس من العرب ، يأتون له بالبراوات (كذا) من وهران لتلمسان مدة مكثه بها لنيل الأرب ، فاثنان منهم أكلهما السبع بجبل كريولس بالتحقيق ، والثالث صار يأتي بالبراوات (كذا) على رجليه في غاية التوفيق.
وفي التاسع عشر من فبري (كذا) المذكور ، سنة ست وثلاثين وثمانمائة وألف المسطور ، ذهب المريشال للجزائر ، وترك بمحلّه الجنرال دارلانج كبيرا على عمالة وهران للتراير / قائما مقامه في الأمور الحربية ، والتصرف بما شاء لإزالة الأمور الكربية ، وأمر الجنرال باريق بالذهاب بمحلّته لنواحي هبرة ومينة ، لكون أهل تلك النواحي طلبوا في القولة المبينة ، من الباي إبراهيم أبي شناق ، أن يذعنوا به على شرط أن تأتيهم محلّة من ناحية شلف ليزول عنهم كل شقاق ، فخرج الجنرال بريق في رابع عشرين فبري (كذا) من السنة المذكورة ، من وهران ليلا وقصد ناحية خروف في القولة المشهورة غازيا على الغرابة النازلين بوطاسيق ، وهم في غفلة من هذا الأمر الوثيق ، فوقع القتال الشديد ، والحرب الكثير العتيد ، وكان في جيش العدو وخيّالة لهم حرص كثير على القتال ، وفيهم طفل صغير السن يراهق البلوغ ، من أبناء الشيوخ أشد اجتهادا على النزال ، إلى أن أصابته رصاصة أشرفته على الهلاك ، فأخذه عبد له وحمله على سرجه وهرب به بقصد الأسلاك ، فباتت المحلّة في ذلك اليوم بسيق ، ومن الغد باتت بتليلات بالتحقيق وهجم عليها العدو في وقت السحور ، واشتبك هذا بهذا وصار القتال في غاية الأمور ودخلت المحلّة لوهران.
ثم جهز الجنرال باريق محلّة أيضا بقصد الذهاب للنواحي الشرقية للتدويخ والإذعان ، فخرج في ثالث أو رابع عشر مارس من السنة المذكورة ، ومعه مصطفى بن إسماعيل في خمس أو ستمائة فارس مقاتل من مخزنه أهل العناية المشهورة ، ومرّ بالساحل على رزيو وقديل في الأحوال الخرّاقة ، وفي اليوم الثاني وصل لفرناكة ببلاد العبيد الشراقة ، وجاءت أيضا محلّة مستغانيم تحت رئاسة

الجنرال والباي إبراهيم أبي شناق ، والشجاع الكرّار المزاري الذي لا يضاهيه كل نطّاق ، وكانت هذه المحلّة ضعيفة ، فاجتمعت بمحلّة وهران بفرناكة واندرجت فيها قولة وصيفة ، وفي الغد بينما المحلّة تحمل أثقالها قاصدة للفراطيس من بلاد البرجية بالتحرير ، وإذا بالحشم والغرابة وكافة أهل غريس أتوها سرعة وهم تحت رئاسة السيد بن فريحة بن الخضير المهاجي خليفة الأمير ، وكان مسموع الكلمة مشهورا في الحشم كأولاد سيدي قادة بن المختار ، فحصلت المقاتلة الشديدة بين الفريقين ومات من جيش الخليفة قايد القلعة السيد محمد بن الجيلاني وكان رجلا طويلا ضخما من الأخيار ، ثم انهزم جيش الخليفة واتبعه المخزن والسرسور إلى نواحي شارب الريح ، قرب مدينة بريق الآن من بلاد بني شقران في القول الصريح ، وغنم المخزن منه غنما كثيرة ، ثم في صبيحة الغد أخذت المحلّة العبيد الشراقة بجبل أبي زيري قولة شهيرة ، ومات من المخزن العربي بالقايد وانجرح محمد المحلّي ومات له فرسه ، كما مات لكل واحد من محمد ولد عدة ولد عثمان والشارف بن عبيد ومحمد ابن جريوة التجيني والعربي قار كلهم من جيش المزاري فرسه ، ثم ذهبت المحلّة بأجمعها للجهة الشرقية / قاصدة تدويخها وإذعانها بالأحوال الحقية ، فمرت بهبرة ونزلت بحاسي الغمري ببلاد بني غدّ فمكثت به للاستراحة يومين ، وزادت ليلّل ثم لمينا بغير مين ، وبها اجتمعت بمخزن شلف وهم أولاد سيدي عريبي والسحاري ، والمكاحلية ، والمحال ، فأذعنوا كما أذعن القلعية وغيرهم على ما يقال ، ولما خرجت المحلّة من أولاد سيدي السنوسي بقرب الملتقى تلاقت ببني زروال وأولاد خلوف وأولاد بورحمة في نار ما بين مينا وكلميت وحصل القتال ، فخرج مصطفى والمزاري كل بجيشه وأثخنوا فيهم غاية وعظم على العدو النّزال ، وانجرح المزاري والحبيب ولد عدة ولد عثمان ، كما مات الشجاع أبو زنبيل بغير بهتان ، وكان وصول المحلّة لمينا في ثالث عشر مارس ، ومجيء بن عبد الله ولد سيدي عريبي لها في ثالث عشرين منه في غاية البيان ، ثم رجعت المحلّة لمستغانيم ودخلت في أول إبريل لوهران ، وذهبت الجيوش للجزائر فلم يبق منها إلا ثلاثة آلاف بوهران ، ما بين المخزن والنصارى بتوضيح البيان ، وصارت الجهة الشرقية تحت المزاري تنظر للمكافحة والجهة الغربية تحت مصطفى تريد المناطحة ، ولما بلغ الخبر

للأمير بقلّة الجيش ، شرع في جمع جيشه من الجهة الغربية لإمرار العيش ، وخرج الجنرال دارلانج إلى البريدية ليجول ويطلع على الأمور فلم ينتج له شيء من الأمور الجديدية ، فجهّر العساكر التي جمعها الجنرال بريق وذهب بها في سابع إبريل من سنة ست وثلاثين المارة لأخذ حب بني عامر الذي بتاسلة وتدويخهم ، وكان جملة جيشه ألفين وأربعمائة مقاتل بتصريخهم ، ومعه من الزاد مسيرة خمسة أيام أو ثلاثة عشر بالتحقيق ، وذلك للدوران وبعد الطريق ، وقد أخذت محلّته على السبخة وقدمها له رسوخ ، فسمع الأمير بذلك واجتمع بجيشه في سبعة شيوخ ، وفي الثاني نزلت أعلا (كذا) واد الحمير بملاتة لكل عابر ، فأقامت به أربعة أيام وفي الخامس رحلت لتاسالة لتدويخ بني عامر ، والمخزن أمامها وقد أفرج له بنو عامر للجواز ، وخشية من حصول الانتهاز ، وأخذت حبّ المطمر بكل مالها ورجعت على حمّام أبي حجر إلى أن دخلت لوهران من غير متعرّض لها.
معارك واد تافنة
ثم في الثالث عشر من الشهر المذكور بالسنة ، خرجت المحلّة من وهران والمخزن أمامها إلى أن نزلت بوادي سنّان ولم تخش السّنة فكانت بالرابع عشر منه بالقطّارة ، وفي الخامس عشر منه للواد الغازر كثير العطّارة ، وبه تلاقت مع العدو خارجا من الجهة الغربية من سبعة شيوخ (216) فتقاتل معه من الصبح إلى الظهر بالقتال المزيل لليفوخ ، ومات من المخزن أكثر من ثلاثين نفرا ، ونزل الجنرال بمحلّته عشية الواقعة بمشرع مسعودة جهرا ، ومات من المحلّة خمسة عشر نسمة ، وانجرح سبعون نسمة ، وذلك في أقل من رمشة العين ، ونادى المنادي بالفراق والبين ، ثم من الغد نزلت المحلّة بشاطىء البحر يمين تافنة من غير قتال / ولا زال الأمير بسبعة شيوخ بجيشه رائما لعز وإقبال ، وكتب لطاعته بالجهة الغربية والصحراء على القدوم لديه قائلا لهم أني حصرت العدو بشاطىء البحر فلم يطق تقدما ولا تأخرا ولا ريب أتاهم منا القهرا ، فأتته النجوع بقوتها من كل
__________________
(216) سبعة شيوخ اسم قرية بالجهة.

جهة لنيل الأحور ، ونزل بهم قرب واد يسر وراء الجبل الذي بوسط الوادي المذكور.
ثم رحل الجنرال دارلانج من محله بجيشه بمخزنه قاصدا تلمسان لتبليغ المؤنة (كذا) لها بحسب الإمكان ، وكان جملة الجيش ألف مقاتل زيادة على اسكدرونين (كذا) ومدفعين ، وذلك عشية في الرابع والعشرين من الشهر المذكور بغير مين ، فصعد لموضع مرتفع بسيدي يعقوب ، ليرا (كذا) قوة العدّو وضعفه ويكون ببال في المطلوب ، فلم ير شيئا وظن أنه في أمان ، فبينما هو كذلك وإذا بالعدّو أحاط به غفلة من كل جانب ومكان ، ولم يخلص منه لا مدفع ولا بارود ، ولا قيام ولا قعود ، وتكاثرت منه الحملة ، واختلط الفريقان إلى أن أخذ الأمير مدفعا من المحلّة ، وكان مصطفى بن إسماعيل بمخزنه في جهة أخرى يقاتل العدو إلى أن دخل بجيشه في وسطه ، ولما سمع بأخذ المدفع هجم بجيشه وزاد في تقدمه إلى ردّ المدفع بعد القتال الكبير فلله (كذا) در المخزن ورايسه (كذا) مصطفى ينشطه ، وكادت محلّة الجنرال دارلانج تئول (كذا) للانهزام ، بعد انجراحه (كذا) وتفويضه الأمر للكولونيل كومب (COMB) على المحلّة خشية الانهزام ، ولو لا مصطفى بمخزنه والكولونيل كومب لحصل الفشل للنصارى جهيرا ، فإنه بعد رده للمدفع هجم بمخزنه عشر مرات وفي كلها يهزم العدو ويقتل منه خلقا كثيرا ، وكانت مدة المقاتلة أربعة سوائح (كذا) ونصف بالأقوال ذات الترجيح ، ولمّا رجع المخزن لمحلّة الكولونيل كومب أتوا معهم بثمانية وثلاثين نفرا منهم ما بين الموتى والمجاريح ، فمن الموتى المولود بن خدة وبن زايد ، وغيرهما من كل متزايد ، ومن المجاريح محمد بن الحضري والحاج بن الشريف ، والحاج الجيلاني بالعمري والصحراوي ولد علي وغيرهم مما لا يحصى اسمه للتعريف ، ومات للحاج ابن عودة ولد القادرة ومحمد بن صواق ، والصايم ولد علّال خيولهم باتفاق ، وكان العدو مهمى وجد أحدا من المحلّة طائحا (كذا) إلا ذبحه وغنم ما أراده وصبحه ، ومات من المحلّة صباحا ستون نفرا منهم ثلاثة من الأعيان ، وانجرح (كذا) مائتان وثمانون منهم سبعة عشر من الأعيان ، وهلك من جيش الأمير ما لا يحصى ، ولا يقدر عليه أحد في الاستقصى وهجم العدو في بعض اليالي (كذا) على المحلّة غفلة فأثخن فيها

إلى أن أيقنت الناس بالهلاك ، وضبط المخزن برائسه (كذا) نفسه للخلاص من ذلك والسلاك ، فدفع العدو بقدر ما له من الطاقة ، وقد ارتكب في تلك اليلة (كذا) أمورا شاقة ، ومكثت المحلّة بتافنة نحو الشهر إلى أن انقطع عنهم الزاد وقلّ ما بأيديهم لصوابهم ، فصاروا في نصف الشهر الأول قوتهم نصف الأكل وفي النصف الآخر قوتهم ربع الأكل وكذلك لدوابّهم /.
قال باش آغة السيد أحمد ولد قادي في كتابه وكان حاضرا لتلك الواقعة ذات الويل ، ثم رجعوا إلى المحلّة برشقون فمكثوا بها نحو الشهرين منحصرين حتى اضطروا لأكل لحوم الخيل ، وقال بعض مؤرخي النصارى وكان من الحاضرين للواقعة المذكورة ، وصبرت الجيوش على هذا الامتحان الذي به الواقعة المشهورة ، وفي العشية ذهبوا يلتمسون الحشيش في الموضع الذي صار فيه الحرب ، ولذلك حصلت الإقامة بتافنة حيث تكرر العطب ، وصارت الجيوش بعضها يخدم وبعضها يحارب ، وكل يوم هي في الهلاك والذهول المنجارب ، حتى ظننا ليلة من الليالي أننا هلكنا في مواضعنا ، ومن ذهب للحشيش أتى بسرعة للمحلّة ومكثنا بمواضعنا ، ومنع هيجان البحر المراكب من اتيان الزاد وتعاظم الرعد والمطر على العباد ، وضاعت المراكب بزادها ، ووقعت المشاجرة على لحوم الخيل الذين قتلهم العدو أو عطبها وتركها في نفادها وحصل الاذن في قتل خيول المدفع وتفريقة (كذا) لحمها على الجيش ، وضاعت الدواب من قلة الأكل وطالت الشدة على الجيش ، وذلك من خامس عشر إبريل ، إلى عشرين ميب (كذا) بالترتيل. ه (217).
وبعد هذه الواقعة بشهر وقع بين المخزن والأمير معركتان إحداهما ميمنة تافنة والأخرى ميسرتها تسميان بواقعتي الشباك ، لكون المعركة تقع بينهما على أخذ التبن من الاندر في الشباك ، وفي الرابع عشر من ميب (كذا) جاءهم شيء من الزاد ، وفي تلك المدة كان البعض من جيش الأمير يأتي من وراء فساطيط المخزن ويقول لهم أن نساءكم وأولادكم هم في السجن عند الأمير وما تركتمونه من أموالكم بنجعكم أخذناه وقسمناه بيننا فموتوا جوعا وحسرة لا نال منكم أحد
__________________
(217) لعله يقصد شهر ماي 1836 م.

للمراد ، وكان الكلام الصادر صحيحا ، لأن الأمير أو خليفته البوحميدي ذهب ليلا لناحية وهران وجال بشاطىء البحر جولانا صريحا ، فخرج بالحفرة والمسيلة وهجم على بعض الدواوير من الدوائر فأخذ نساءهم وصبيانهم وأموالهم ونال للوطاير ، وكانت ثلاثة دواوير بالمعتبر ، وهم أهل الموفق وأهل الحبيب بالشريف كانوا نازلين في خروبة أولاد الباي في المشتهر ، وأهل قادي كانوا نازلين بعين النعجة في الحفرة قرب العنصر ، وقد مات من أهل قادي سي زلاط بالطاوي ، ومن غيره بن عبيد بالهاشم الخضراوي ، والشيخ بوعافية بالنبي والحاج الحبيب بن عودة المعروف بولد القادرة ، ومجاهد بالسنوسي وعدة بن سعد بالمشاهرة.
قال ولنرجع بالكلام إلى الناحية الشرقية فإن أهل مينا وشلف التحتاني السابقين الذكر لما أذعنوا حصل لهم الخوف من العدو وراموا للبرقية ، سألوا من الباي وآغة المزاري أن يجعلا لهم تأويلا ، وكانا لم يكن عندهما أمر على ذلك وخشيا أيضا على أنفسهما فارتحلا من مزغران لمستغانيم وراما تجاويلا ، غير أنّ الجيش الذي عندهما ما بين النصارى والمخزن ليست فيه كفاية ، لكون أكثره ، / بالجهة الغربية من أول الأمر لأخذه وجيشها ليست به وقاية.
قال ولنرجع بالكلام على الجنرال دارلانج بالجهة الغربية فإنه بعد واقعة سيدي يعقوب أراد أن يأخذ نصف الجيش ويدخل به لوهران ويترك النصف الآخر عسة بسيدي يعقوب إلا أنه لم يأته أمر على ذلك وتشاور مع مصطفى بن إسماعيل على السفر هل بالبرّ أو البحر في حال رجوعهم لوهران ، فقال له لا أعرف لا أنا ولا مخزني البحر ومعرفتنا البرّ على ظهور الخيل ، ولا عبرة بالعدو ولو كان عدده كالسيل ، وإنما الذي يذهب في البحر الأمراض لا غير ، وكانوا مائة وأربعين فركبوا مع العسكر وسافروا لوهران في البحر بالمحقق لا ضير.
ثم جاء الخبر بقدوم أربعة آلاف وخمسمائة عسكري في البحر للحماية والنصرة ، وإدراك المراد من العدوّ وحصول الظفرة ، فذهب الجنرال فورا لوهران ، ليتحقق بالخبر وعلى ما وقع من الغرابة وكان ، لكونهم لهم تسلط على وهران عظيم ، ولا فرق عندهم بين النصارى والمخزن ولهم تلصّص جسيم ، ثم

رجع لتافنة محل الخوف ، ليزيل ما به من الرعب والخوف ، وفي سادس جوان من تلك السنة رسّ البابور بالجند القادم للنصرة وإزالة الشرور ، ففرح الناس بذلك بعد ما كانوا في أشد الجوع والتعب والألم ثلاثة من الشهور ، وكان رايس (كذا) المحلّة الواردة الجنرال بيج (218) فنزلت بتافنة لنيل الفرح والسرور ، وفي ثاني عشر جوان خرجت المحلّة من الحصار ، وزال ما بها من الضنك وفازت بقضاء الأوطار ، وبعد استراحة الجيش أياما رجعت المحلّة لوهران مع الطريق القديمة التي مرّت عليها محلّة الجنرال دارلانج المذكور ، وكان ذهابها ليلا على ولهاصة في المسطور ، فبنفس صدودها من تافنة بدأها العدوّ بالمقاتلة وكثر عليها بالواد العازر ، وفي صباح الغد تشجعت المحلّة وتجهدت للقتال ونيل الوطاير ، وبرز للعدّو الشجاع مصطفى بمخزنه وشفى بقتاله العليل وأبرد الغليل وقتل منه خلقا كثيرا بالمشاهر ، ومات (كذا) من المحلّة نحو العشرين ولا لحقها خوف ولا ضنين ، فلله درّ المخزن بأعيانهم سيما ما ولد إسماعيل ، فلقد كان العدّو بين أيديهم يتقلّب كالزروز خوفا أن يكون في العذاب الجليل ، قال ومن ذلك اليوم بدأ العدّو في النقص مما كان فيه من التزايود (كذا) ، وفي سادس عشر جوان دخلت المحلّة وهران في أمن وأمان ولم يتكلم فيها بعد ذلك وجه واحد من البارود.
ثمّ بعد يومين أمر / الجنرال بيج (بيجو) بإحضار خمس أو ستمائة دابة من المخزن لحمل الأثقال فأتته وحمل أثقاله وخرج بمحلته والمخزن أمامه من وهران ، فمرّ بالكرمة وتليلات وأولاد علي وما بعدهم من بلاد بني عامر إلى أن دخل تلمسان في اليوم الرابع والعشرين من جوان ، وألفى المحلّة التي تركها عسّة في غاية الراحة ولا يخصها إلا الزاد ، وقال مرطبلي : ألفى الثغر محصورا ولا علم لأحد بذلك في غاية المراد ، فذهب بمحلّته لتافنة ليأت (كذا) لها بالزاد ، قال مرطبلي ولا يظن أحد أن برّ الجزائر ليس به رجال ولا أبطال ، وإنما
__________________
(218) يقصد بيجو : Bugeaud. وكان من المفروض أن يكتب الواو بعد الجيم ولكنه يهمل ذلك كما في : بن يخّ ، وبني عدّ ، وحمّ. وأشرنا إلى هذا في مقدمة الكتاب ، وفي المقصد الرابع.

به ما لا يحصى ولا يعد من الأبطال والرجال ، ولولاهم لم يفسد هذا الوطن على الأمير ولا يملكه أحد بالعنان والنصال ، قلت ومراده بذلك المخزن ، الذين بهم تعز الدولة أو تهن. وفي الغد أتت المحلّة إلى يسر ، وكان يوما شديد الحر ، وهجمت في ثلث الطريق فرسان الأمير على مؤخر الجيش ، وكثر الصياح بصواعق الطيش ، وهجمنا على العدّو ومعنا مصطفى بمخزنه ، وتزايد العدّو ولا زال عن وهنه ، ولا زال القتال متزايدا بين الفريقين بغاية ما كان إلى أن دخل الجنرال بجيشه مدينة تلمسان ، وكان صدود المحلّة من تافنة لتلمسان ، في رابع جليت (كذا) من السنة المذكورة ، وفي عشية ذلك اليوم خرج جيش الأمير على ثلاث بطيونات (219) الذين في رئاسة الكولونيل كومب وشدد عليهم بأحواله المشهورة ، فارتحل الكولونيل بجيشه في أول النهار خفية وسار إلى أن نزل بسبعة شيوخ ، على مسافة نحو العشرة كيل ميتر (كذا) من موضعه الأول المرسوخ ، ولم يخلص من ذلك الجيش إلا بالمحلّة التي كانت تأتي من تافنة بالزاد المرضوخ ، فإنها وصلتهم بعد ساعة من نزولهم بسبعة شيوخ ، ومن الغد بعث ألفي فارس ليمين الواد ، ونزل هو بجيشه أسفل المحلّة نحو الأربعة كيل ميتر بتحقيق المراد ، وحصلت المقاتلة الشديدة بين الفريقين فانجرح مصطفى بن إسماعيل برصاصة من خنصر يمناه إلى أن تكسرت بغير المين.
قال باش آغة ولد قادي في حكاياته ولم يتضعضع مصطفى من ذلك بل لا زال يقاتل على ذلك الحال ، ولما همّوا بمعالجته أبى وقال الدّماء حنّاء الرجال ، وزاد العدّو في هجومه وزاد جيش الدولة في ضربه بلطومه ، إلى أن مات وانجرح من جيش الدولة ثلاثين نفرا ، وأخذ من جيش الأمير مائة وخمسون أسرا (كذا) وبعد المقاتلة جمع الجنرال المحلّة وقام فيهم خطيبا ، فمدح مصطفى ومخزنه الذي قدره أربعمائة فارس ترتيبا / وذكر في خطبته إسماعيل ولد قادي الذي جرح في خامس عشرين إبريل المار ، وكان في خامس جليت (كذا) من المتقدمين في الصف الأول إلى إتمام القتال بالاشتهار ، وقد كان السرسور موجودا فهرب العدّو وترك مجاريحه وموتاه ، وبعد القتال بعث الجنرال بيج على
__________________
(219) يقصد كتائب من الكلمة الفرنسية : Bataillions بصيغة الجمع.

عشرة من علامة الافتخار لمكافات (كذا) المخزن على جميل فعله في أوله وأخراه ، وأتى الجنرال إلى حذو سيدي أبي الأنوار ومن الغد دخل تلمسان وهو سابع الشهر المذكور ، وأمر الجنرال في ثامن الشهر المقرّر بأخذ زرع وقمح مطامير بني ورنيد لتتزود به محلّة تلمسان في المسطور ، وفي ثاني عشر ذلك الشهر مرّ الجنرال بمحلّته وأمامها المخزن على يسّر وتالوت وسائر بلاد بني عامر الذين في طريقه والجمعة ومكدرة وتليلات ، والكرمة ودخل وهران في الثامن عشر منه بعد ما أخذ حبّ جميع الأماكين (كذا) التي مرّ عليها وأتى بعدة أسارى (كذا) فبعثهم للجزائر ثم لافرانسا بإثبات ، ثم ذهب الجنرال بيج للجزائر ومنها لافرانسا لتجهيز الجيوش لاسبانيا بغير التحاير.
هذا وأنّ الأمير بعد واقعة سكّاك ذهب لقاعدته واستقر ، وذهب الجنرال بيج لافرانسا كما مرّ وترك للجنرال دارلانج الأمر ، فبقى هذا الجنرال بوهران أياما ، وأتاه الأمر بالذهاب لافرانسا إلزاما ، فذهب وخلّف بموضعه الجنرال ليطان ، فمكث أياما لاستراحة الجيوش وخرج من وهران في أول أوت ، من سنة ست وثلاثين وثمانمائة وألف في قول ثابت ، والمخزن أمامه لأنه عليه الاعتماد ، وغرضه التوجّه إلى تاسالة فمرّ بتليلات والجرف الأحمر وجنين مسكين وأخذ ما في مطمر مكدرة من حب أولاد علي أحد بطون بني عامر وصار ذلك الحب للمحلّة من جملة ما لها من الزاد ، وفي الغد حصل الكلام مع أولاد سيدي غانم وغيرهم من المرابطين ، واشترت الدولة منهم مائة ثور وكان الوطن خرابا لا راحة فيه لمسكين ، وفي هذه الغيبة أخذ الغرابة من وهران غنم البايلك ، ووهران محصورة بغاية ما هنالك ، وفسد سوقها وحلت بأهلها المصائب والكروبة وصار الخبز والدقيق واللحم والقمح والشعير والحشيش وجميع الأشياء لا تأتيها إلا من أوروبة (كذا) ومع ذلك لا يصلهم هذا الزاد إلا بشق الأنفس بالمشقة الفادحة ، ومن خشية انقطاع الزاد صاروا يبدلون الخبز بالرّوز وهم في الأحوال القادحة.
ثم بعد انصراف حرّ الصيف خرج الجنرال ليطان بمحلّته والمخزن أمامه ، وعلامة النصر وراءه وقدّامه ، فمرّ بتليلات ومكدرة وثينة ماخوخ التي ببلاد أولاد علي فأخذ كلّ من وجده في طريقه ، وبقي يجول بها اثنا عشر يوما ورجع بما غنمه مع طريقه ، وقد خرج الدواير في ثالث الأيام في فج أولاد علي على فرسان

بني عامر ، فهربت تلك الفرسان كأنّ قلوبها في جناح الطاير / ولما وصل الجنرال لوهران جهز جيشا لنظر مرطبلي لجواس غابة المسلة ، فذهب ورجع من غير ملاقات شيء بغابة المسيلة ، وفي ثاني أكتبر (كذا) من السنة المذكورة ، خرج الجنرال من وهران في ستة آلاف من العسكر ، ومعه مصطفى في خمسمائة من مخزنه المعتبر ، فمرّ بتليلات وسيق وهبرة ، واجتمع بها مع الباي إبراهيم والمزاري في محلّة لاكنها (كذا) ضعيفة في صحة الخبرة فصار هو والمخزن يمشون أمام المحلة إلى أن وصلت لماسرة باشتهار ، فأخذوا مطمر أولاد سيدي عبد الله بن خطاب ثم زادوا لمعذار ، ولما كانت المحلة بين كلميت ومعذار من بلاد مهاجر ، أتاهم الأمير في ثلاثة أو أربعة آلاف فارس فقتل منهم عشرة فوارس وزاد لموضع آخر لكونه يريد الهجوم على أهل مينا وشلف التحتاني ، الذي أذعنوا للدولة وحصل لهم التهاني ، وفي ذلك اليوم جاء الأمر للجنرال ليطان وهو بماسرة بالقوة اليقينية ، ليبعث أربع بطايونات لعنابة للمريشال كلوزيل الذي قدم من افرانسا ليذهب بهم إلى قسمطينة (كذا) فبعث له ذلك ورجع لمستغانيم ثم دخل وهران في حادي عشرين أكتوبر من السنة المقررة ، وذهب بما عنده من الجيش لتلمسان في ثالث عشرين نوانبر (كذا) ووصلها في الثامن والعشرين منه في القولة المحررة ، وأمر مصطفى بمخزنه بالذهاب لأخذ الحب القريب ، فذهب وأخذ بتمامه وأتى مسرعا في أمر عجيب ، وفي ليلة التاسع والعشرين من ليلة نوانبر (كذا) المذكور ، دخل الجنرال وادي يسر من غير متعرض له بشيء من المشهور. وفي صبيحة تلك اليلة (كذا) ألقوا بعض العدو بناحية نخلة أبي غايط ، فأخبر ذلك البعض الأمير ومعه خليفته البوحميدي ومعهما الخلق الكثير المتعايط ، فكان مصطفى بن إسماعيل بمخزنه في الجهة اليسرى للعدو ، والكولونيل كومب في الجهة اليمنى والجنرال ليطاق دار بالعدو وحصل القتال الشديد بين الكرار في الجروب مصطفى بمخزنه وبين الأمير وظهر عليه مصطفى بمخزنه غاية الظهير ، وقد وقع محمد ولد قدور البحثاوي في يد العدو فأخلصه الجنرال بجيشه ، وأطرد العدو على نحو العشرة كيل ميتر (كذا) بغرب تموشنت ورجع العدو لإمرار عيشه وبطل من عنده البارود وذهب للموضع الذي كان به نازلا ، فجاء الجنرال بكبراء المحلة إلى فسطاط مصطفى بجيشه

عاجلا ، وأثنى عليه وعلى مخزنه بما صدر منهم من الفعل الجميل والقتال الوافر في ذلك اليوم ، وأنهم من أهل الشجاعة والبسالة والنجدة والكرم لا من أهل الجبن والخوف والبخل واللوم ، وفي أول دسانبر (كذا) من تلك السنة جاء الأمر بأن المريشال قدم من عنابة للجزائر بالبيان ، ورجع الجنرال لطان من سفره في رابع ذلك الشهر لوهران ، وذهب كل من المريشال والجنرال ليطان لباريز بالاشتهار ، وجاء جنرال آخر لوهران بدلا من ليطان يقال له ابروسار وذلك في ثالث عشر جانفي سنة سبع وثلاثين وثمانمئة وألف ، موافقة لسنة اثنين وخمسين ومئتين وألف ، ومعه يهودان (كذا) أخوان / من الجزائر أحدهما اسمه مسعود بن دران كانا عدوان للمخزن وصديقان بزعمهما للأمير بحسب البيان ، لكون المخزن ألفاهما المرة بعد الأخرى بالدار البيضاء بسوائج وهران ، ذاهبين بالقراريط المشحونة بالحديد والكبريت والذكير وملح البارود وكل ما فيه الضرر للدولة بالمشاهدة والعيان ، فأخبروا الجنرال بذلك وتغافل عنهم بالسريعة. لكونه له علم بذلك ومواقفهما في الخديعة ، وكان الغرابة في بعض تسلطهم على وهران أخذوا الغنم المعينة للمحلة كما مر فاختصت المحلة للحم المورث للغبن ، فاتفق الجنرال ابروسار مع ابن دران اليهودي على أن يأتيه من عند الأمير بما يخص المحلة من الغنم وبما يخص الذين بتلمسان من الحب وغيره ويعطيه في نظير ذلك جميع أسارى سكاك الذين بافرانسا أو يدفع له إن شاء الثمن ، فنشر الأمير الخبر قبل أخذه الثمن ، ولما سمع المخزن ذلك حصل لهم القلق والهول وشدة التعسير ، وصار من ذلك الحال في الانحصار الكثير ، ولما بلغ الخبر لافرانسا أخروه عن وهران وبعثوا بدله الجنرال بيج بالبيان ، فاستراح المخزن وزال ما به من الضيق والقلق وحصل في السرور والأمان ، وأتى الجنرال بيجو معه بالجيش والزاد والخيل وستمائة بغل لحمل الأثقال في النهار والليل (كذا).
ثم في أوائل إبريل من سنة سبع وثلاثين وثمانمئة وألف ، الموافقة لعام اثنين وخمسين ومئتين وألف ذهب المريشال كلوزيل وجاء بمحله الجنرال دمريم (220) بغاية التبديل وفي أول ماي توجه الجنرال بيج بجيشه لتلمسان ، ووعظ
__________________
(220) يقصد دامرمون الذي سيقتل في قسنطينة في أكتوبر 1837 م.

العرب كثيرا على التقصير في الخدمة فلبوه بالقبول والإحسان وسار نحوها من غير رعب ولا خوف ولا هول ، بل اعتمد على جيشه ومخزنه وما رزق الله من القوة والصول ، فضاع له في اليوم الثالث من البغال خمس وسبعون بغلا لصغر سنهم ، فأفزعته تلك الخسارة الفادحة الواقعة في كنهم ، ولما حل بقرب البريج هجمت على المحلة فرسان من أولاد الزاير ، لكن هجومهم كان كهجوم الرجل الخائف الحائر ووصلت المحلة لتلمسان وواد تافنة في أمن وأمان ، وقد حصل من كبراء المحلة بعض التراخي في الطريق حال هجوم أولاد الزاير فاستوجبوا عقوبة لتقصيرهم في العمل وتفريطهم في الخدمة في صحيح المخاير ، ولما حل الجنرال بيجو بتافنة ألفى بالتحقيق قيمة ما بنيت به تلك المدينة ، وهو ستمئة ألف فرنك في القولة الصحيحة المبينة. وفي أثناء ذلك الحال بعث الجنرال الكبير / من وهران للجنرال بيجو ليقدم عنده من النواحي الغربية فقدم لديه لوهران بمحلته التي فيها ثمانية آلاف إنسان ، ولما وصله تشاورا بينهما على الصلح مع الأمير بواسطة ولدي بن دران ، الذين كانا في التجارة بين الفريقين التي ليس لليهود فيها خسران ، فبعثا معا بن دران الكبير للمعسكر فذهب وأتى معه بالمولود بن عراش آغة الشرق وسفير الأمير بكل ناحية على شان الصلح فوصلا لوهران وتكلم معه الجنرال على الصلح فأجابه بأني نائب الأمير ولا يكون الصلح إلا بالشروط التي تبان ، منها أن يكون الدواير والزمالة كغيرهم على حكم الأمير ، فعظم هذا الشرط على الدولة لكونهم من صدقائهم (كذا) وحضروا معهم للمعارك كلها قلت أم جلت وتقدموا قبلهم للموت للدفع على أنفسهم وعليهم وجاءهم من الأمر الشديد العسير ، ومنها أن الأمير لا يدع لهم يبقى على أيديهم من البلاد في عمالة وهران والجزائر إلا ما كان بسواحل البحر بالتحرير ، ففي وهران من البريدية للمقطع لمستغانيم ، وألحّ عليه في سائر الأمور.
ولما رأى الجنرال طول الأمد وأن الخبر بينهما ذاهب وآت وانتشر الخبر بأن الصلح سينعقد بين الدولة والأمير ، وسيصير المخزن تحت حكمه فيخلف منه الثأر تقلق المخزن بالتقلق الكثير ، وصار مصطفى يضحك من ذلك ويسلي مخزنه ويخاصمهم على الجزع ، وينهيهم على ما حل بهم بلا فائدة من الفزع ، خرج من وهران في الخامس عشر ماي من السنة السابقة ، ومعه مصطفى بمخزنه

بالمصاحبة ، الموافقة اللاحقة ، فنزلت المحلة بالبريدية بالتحرير ، وفي تلك الليلة (كذا) هجم الأمير على دواوير المخزن النازلين بالهايج الكبير ، فسبا (كذا) أربعة دواوير أحدهم دوار قدور بن إسماعيل محفون وكان الجنرال قد ذهب معه في تلك السفرة يهودي من وهران لتلمسان يقال له مخلوف خلفون وقد كتب هذا اليهودي للجنرال لما كان بافرانسا بأنه ألفى للصلح بابا مفتوحا أسهل من الأول بغاية الاقتدار ، ولما وصل الجنرال لتلمسان سأل منه اليهودي خلفون تسريح السي حمادي السقال قايد الحضر في أيام الأمير وقد سجنه لما ظفر به الكوماندار ، فأخرجه الجنرال من السجن وتكلم معه بواسطة خلفون على الصلح وبعثه فورا للأمير ، وهو نازل بتالوت القصبات من بلاد أولاد الميمون في القول الشهير ، فذهب الصقال فورا ورجع من الغد للجنرال برضاء الأمير بالصلح على شروط أسهل من الشروط التي حضرها اليهودي بن دران ، قال فبنفس ما وصل الخبر للجنرال بيجو ذهب للمحلة التي هي بتافنة بعد ما أرسل مرة ثانية سي حمادي الصقال للأمير بالعيان.
إبرام معاهدة تافنة وشروطها
ثم جاء الأمير ونزل بمحلته في سيدي علي الزناقي غربي تموشنت / بالتقرير ، وبعث سي حمادي السقال وخليفته البوحمدي وحبيبه الحاج محمد بلخروبي القلعي مصاحبين للوكالة عند الجنرال إلى تافنة لإبرام الصلح بغاية التشهير ، وحين تفاوضوا رضوا بالشروط التي صدرت من الجنرال إلا شرط واحد أنكره أصحاب الأمير يكون في حماية الدولة وقالوا له أن شريعة الإسلام تنهى عن هذا من غير التخيير ، وكانت الشروط المقبولة من الجانبين ثمانية ، وهي : أن تفرغ الدولة للأمير تلمسان ، وأن تفرغ له تافنة علانية ، وأن تسرح له فورا جميع أسارى سكاك. وأن يدع الأمير بيد الدولة وهران ونواحيها من طريق صلاد إلى سبخة وهران إلى المرجة إلى سيدي سعيد ومنه للبحر بغير اشتراك وأما ملاتة دايرية وزمالية فهي للأمير ، وأن يدع لها بنواحي مستغانيم ما فعله بوهران ولا حد في ذلك إلا بإذن الأمير ، وأن يدع لها ما بيدها من نواحي الجزائر وأن يكون البيع والشراء بين الفريقين في غاية التسريح ، وأن يدفع الأمير للدولة الحبوب والدواب

المباحة الأكل التي تفتقر إليه موصلة إلى محل الاحتياج بغاية التبريح ، وكانت هذه الشروط قد عزم عليها الجنرال أبروسار حال قدومه ، فذهب قبل إتمامها وصار في عدومه.
ثم اجتمع الجنرال بالأمير بفج العطش في أول جوان ، وكان الأمير معه كبراء عسكره وخلفائه الاثناعشر وجيوشه الخمسة عشر ألف بالبيان ، وهو راكب على فرسه الأدهم لابسا برنوسا أبيض جاعلا قلمونته على رأسه وعليها خيط من الوبر ، وكان فارسا شجاعا بطلا مطاعا وله أربعة عبيد تابعة له بالأثر ، فجلسا معا على الأرض وحذاءهما الترجمان أراهمشة في المضمون واليهودي مخلوف خلفون ، فذكر الجنرال ما أراده وبه فاه ، وأجابه الأمير بقوله إن شاء الله. فوقف الجنرال وقال له قد سؤت الأدب (كذا) لما لم تجاوبني وأنا وكيل الدولة ، وجذبه من يده وأوقفه بسرعة للجولة ، فاستغاظ الأمير وركب فرسه ودخل جيشه وذهب إلى سبيله ، وترك الجنرال واقفا بسبيله ففطن الجنرال لفعله وذهب لمحله بتافنة باعتبار البيان ، وفي رابع جوان المذكور رجع الجنرال بجيشه لوهران وكان هذا الصلح في ثالث عشر صفر من السنة العربية المذكورة ، ويعرف بصلح سكاك وبتافنة المشهورة ، وقد كان مصطفى بن إسماعيل لا خبرة له بهذا الصلح ولم تشاوره عليه الدولة إلا بعد إبرامه فقال لهم أنتم أعلم بما ينفعكم ويليق بكم غير أن الذي يظهر لي أنكم غلطتم كثيرا وستندموا على رأيكم والصدوق يظهر صدقه من كلامه.
ثم بعد انبرام الصلح بتافنة بعث الجنرال بيج للجنرال دمريم بوهران ، وقال له لا تبعث للمعسكر اليهودي بن دران ، لأنه في فعله يخلط ويزيد الهوان ، ولما وصلت المكاتب للجنرال الكبير بوهران ، ألفى اليهودي بن دران قد ذهب للمعسكر ، وبفور وصوله للمعسكر ، كتب للمولود بن عراش والأمير أن ينكر الصلح الذي فعله خليفته / بمن معه في المستبن لأنهم تركوا من الشروط ما شرطه الأمير على الدولة من أمر المخزن ، وكان الجنرال قال مرة أخرى للأمير انزل بمحلتك في مقطع أم الربيع نيشان العنصر بالتحرير ، لأني نازل بفم تافنة فقبل منه ذلك الأمير ولما سمع اليهودي بن دران بذلك بعث مكتوبا للمولود بن عراش يقول له فيه بالقوة والجهد ، احذر نفسك من النزول في الموضع المعين

ولا تأمن في أحد ، وحين سمع الأمير ذلك لم يرد النزول به في المشتهر ، ولما سمع الجنرال أتى بنفسه ليتحقق بالخبر ، ولما أراد الانصراف أتى المولود بن عراش بينهما ومكن للأمير بطاقة وهو مكنها من الجنرال ، وأمره أن لا يطلع ما فيها إلا إذا وصل لمحله وكان فارغا من الأشغال ، وكان الأمير شرط في تلك البطاقة على الجنرال أن ينفي اثنا عشر رجلا من المخزن ويبعدهم عن الوطن ، منهم رايسهم (كذا) بالجهة الغربية مصطفى ابن سماعيل ورايسهم (كذا) بالجهة الشرقية المزاري بغير الوهن ، واسماعيل ولد قادي ، ومحمد ولد قدور البحثاوي ، وعدة ولد عثمان ، والحاج الوزاع بن عبد الهادي ، وغيرهم ليحصل للجميع الراحة مع الأمن ، وينفي من مستغانيم إبراهيم أبا شناق ، ليكون الارتباط بينه وبين الدولة بغاية ارتفاق ، ولما أطلع الجنرال على ما في البطاقة ترك الجواب عنها وصير نفسه كأنه غفل عن حلها.
ثم بعد أيام جاء الأمر لمصطفى بأنه تسمى جنرالا ومعناه رايس (كذا) الجيوش المخزنية وكبير قسمة وهران بكلها ، ولما سمع الأمير بارتقائه لذلك المنصب ومكافأت الدولة للمخزن بإعطاء الجوامك أيس من ذلك وأمره تلف ، ولم تنقطع تلك المكافآت على خيالة المخزن إلا في المعركة الواقعة في عام خمس وأربعين وثمانمئة وألف ، وكان انبرام الصلح بالنسبة للشهور المسيحية في ثلاثين ماي المتقدم الذكر ، وفي رابع جوان من تلك السنة في القول الشهير خرج الجنرال بجيشه من تلمسان وتافنة ودخل وهران في تاسعه ودخلت تلمسان في طاعة الأمير.
الأمير ينظم دولته بعد صلح تافنة
قال مرطبلي في تاريخه وفاز الجنرال بيجو بافتخاره وهمته على سائر الأقران ، كما فاز الأمير بدين الإسلام وناربه المكان ، قال واشتد الأمير في شراء السلاح والخيل وكل ما يفتقر إليه من الآلة ، وكتب كثيرا من العسكر والخيالة ، وضبط أمره بحسب استطاعته ، فهو شجاع لكن (كذا) الخديعة في جماعته ، مع شدة رأيه العسير ، وعدم إنصاته لأهل الرأي والتدبير ، بل كان رأيه في يد بني عامر والحشم ، فهو مصغ لهم إلى أن أورثه ذلك للتلاشي والفصام ، ولو مشى

برأي السيد الحاج عبد القادر أبي كليخة والسيد الحاج محمد بن الخروبي والمولود بن عراش ، لكان مستقيم الأمر ومستديم الملك لكنه (كذا) كان مصغيا للأندال والأوباش.
وصير رعيته على تسعة أقسام ، وجعل على كل قسم خليفة عليه لتدبير الأمور والأحكام ، ونقل كرسي مملكته لمدينة تاقدمت وصيرها قاعدة ملكه لكونها بلد أسلافه بالاحتكام / وضرب بها السكة والسلاح ودام الصلح بين الفريقين أربعة أعوام وصار سلطان الفرانسيس يهاديه بأتحف الهدايا التي لديه ، وهو يبعثها لمولاي عبد الرحمن سلطان المغرب الأقصى (كذا) وصير نفسه كأنه الخليفة عليه.
قال في جوهرة الرضى :
وبدا له في نقل أهله دخره
 

لتاقدمت الغد أحل بها واستقر
 
لكونها كانت مسكنا لأسلافه
 

فصيرها دارا للتعش بها أجدر
 
وعاد بها الإيوان للخير والرضى
 

وأنواره تلوح بالعز والنصر
 
وأهل التلول والصحاري بنصره
 

تنادي جهارا رائمة نيل الوطر
 
وعدد الخلفاء لضبط أموره
 

في سائر ملكه فحق له الوقر
 
كما عدد الآغات ثم قياده
 

ورتب ملكه ترتيب من انتصر
 
وقال فيها أيضا :
ورتب جيوشا لدفع عدوه
 

من ركاب والمشاة يضبطها الدفتر
 
فركابها سيافة وخيالة
 

ومشاتها هم المسمون بالعسكر
 
وكل فريق اسم رايسه آغا
 

فحبذا من جيش وحبذا من أمر
 
قال ولنرجع بالكلام إلى اليهودي بن دران الذي كان سببا في الصلح لدخوله تحت رأس الجنرال والمكلف بتبليغ الهدايا للأمير ، فإنه قال للجنرال مرة كان اللائق بك أن تهادي أعيان دولة الأمير وأهل دائرته وحزبه كما تهادي الأمير ، لتكون كلمتك عنده وعندهم مسموعة وعالية ، وبذلك يدوم الصلح في قولة جالية ، فوافقه الجنرال على ذلك وبعث هدية من الدراهم لأم الأمير وزوجته

والحاج الجيلالي بن هاوية صاحب الأمير والحاج البخاري أبي زيد قائد المعسكر وغيرهم من أهل صحبته ، وكان هذا اليهودي انتقم الله منه سمسارا عظيما ، وجعل بين الدولة والمخزن وبين الأمير خلاطا جسيما ، من جملته أنه أتى ذات يوم إلى مصطفى والمزاري ، وصار يعطيهما في الرأي الذي نظرهما فيه أحسن ويقول لهما لو ذهبتما لبيت الله الحرام لأداء الفريضة لكان لكما أحسن من كل شيء بغير التماري ، فأجابه مصطفى بقوله أيها اليهودي قد على شأنك إلى أن صرت مدبرا لنا (كذا) اذهب في حالك عنا فإن الدولة إذا أرادت نقلنا لمحل آخر فلها ذلك ، وإني بحمد الله لمتهيء لذلك ، وأما الحج فهو من ديننا إذا يسره الله علينا / فلا أشاور فيه أحدا سوى رأسي ولا مدخل لأحد في ما هو اختياري ، ووافقه على ذلك ابن أخيه المزاري ولما لم يجد حيلة لتفريقة (كذا) بين مصطفى والمزاري والمخزن في جميع ما قد انتخب ، ذهب للحاج الوزاع بن عبد الهادي الزمالي وقال له أني وجدت لك منصبا في عمالة الجزائر إذا أردته وتستريح من مصطفى فخذه فأجابه لذلك وذهب ، وأما الباي إبراهيم أبو شناق ذو الرأي الجاير ، فإنه لما رأى ذلك سلم في الوظيف ودخل للجزائر ، ولما رأى الأمير جيشه قد زاد في القوة والكثرة واستراح ، وقع منه الاعوجاج على ما كان عليه لكونه كان لا يأخذ المكس المعبر عنه بالقمرث من الذاهبين لوهران بالمبيع والآتيين (كذا) منها به حال الصلح بانشراح ، وكل ذلك بسبب بن دران ، ليحصل له الربح بكل ما كان.
ولما رأى الجنرال بيجو كثرة الخلاط الذي سببه الجنرال بروسار رفع أمره لشريعتهم بافرانسا بالتحقيق وكان بروسار ذهب لاسبانيا ومنها رجع لافرانسا فأدخل في السجن لغاية التحقيق ، وحين سمع اليهودي بن دران بأن صاحبه في الشرع خشي أن يقر بفعله الأمير ، ويكون فيه من أهل الصدق الكثير آجر فورا رجلا من الزمالة بمائة دور وأمره أن يذهب عجلا ، للمعسكر ببطاقتين أحدهما للأمير والأخرى لبني عراش فأخذهما وذهب ليلا ، ولما سمع اليهودي عقّ أمسلم المطلع على أسرار الأمير بفعل بن دران ، وكان بينهما التنافس أخبر الدولة بالبطاقتين وما فيها قد كان.

الفرنسيون يحتلون قسنطينة
ولما شرعت الدولة في البحث على هذا الأمر في بلد بربينيا ، حصل القتال بقسمطينة (كذا) بين الدولة والباي أحمد حتمينيا ، وبها مات المرشال دمريم بالكورة في الحادي والعشرين من اكتوبر (221) من سنة سبع وثلاثين وثمانمئة وألف الموافقة لعام اثنين وخمسين ومئتين وألف وتولى بموضعه فالي مريشالا وذهب الجنرال بيج لافرانسا في السابع من ديسمبر من العام المار ، وتولى بموضعه الجنرال أوفري الذي كان بموضع الجنرال أبروسار إلا أنه لم يطل لكونه ذهب للجزائر عند المرشال في الخامس والعشرين من جانفي سنة ثمان وثلاثين من القرن المسيحي المذكور ، وتولى بموضعه ليتنة جنرال (222) وهو رفتيل الذي كان يروم إبطال الصلح إلا أنه مرض وذهب لافرانسا في أوت من تلك السنة في المشهور.
المولود بن عراش يسافر إلى فرنسا
وكان المولود بن عراش ذهب سفيرا لافرانسا في الخامس والعشرين من جويلية من تلك السنة وصحبته هدايا عظام من عند الأمير لسلطان افرانسا باشتهار ، وقد ذهب مصطفى بن إسماعيل قبله إلى مدينة بربينيا في افرانسا في الثاني والعشرين من جوان شاهدا في قضية الجنرال أبروسار ولما ذهب الجنرال رافتيل لافرانسا مريضا تولى بموضعه الجنرال فينوي / في أول ستانبر (كذا) من السنة المحاصلة ، وحين رأى الأمير غشامة الجنرال وغيبة مصطفى أخذ في الاستعداد لإبطال الصلح والشروع في المقاتلة.
تقرير ابن عراش للأمير عن حالة فرنسا
ولما رأى بن عراش افرانسا وأحوالها وجيشها وما هي عليه من القوة والتنظيم ، قال للأمير حال رجوعه أنك لا تطيق على محاربة هذا الجنس لقوته
__________________
(221) استولى الجيش الفرنسي على مدينة قسنطينة يومي 13 و 14 أكتوبر 1837 ودامرون قتل خلال هذين اليومين ، وليس يوم عشرين كما ذكر المؤلف.
(222) يقصد الليطنان جنرال رافتال : Raptel.

وما عليه من التحتيم ، وإذا أردت ذلك فينبغي لك أن لا تشرع معه في العداوة والقتال وجميع ما الأمر يؤل (كذا) إليه ، حتى تعين لنفسك وتابعك مكانا بعيدا محصلا لتمتنع به إذا غلبت وفررت إليه.
الأمير يهاجم حصن عين ماضي ويخربه
فاختار الأمير عند ذلك عين ماضي بالصحراء التي غزتها الأتراك المرة بعد الأخرى (ذا) ظنا منه أنها لبعدها من وهران وحصنها محل المنع ، فذهب لها بجيشه وحصرها ثمانية أشهر وعشرين يوما إلى أن قل ما بيده من الزاد وامتنع من النفع ، ولم يطق عليها ولا وجد سبيلا لكبيرها التيجيني ، وهو السيد محمد الصغير بن القطب المكتوم العلامة السيد الحاج أحمد بن سالم التيجيني وكان نزوله عليها في اليوم الرابع من ربيع الأول سنة أربعة وخمسين ومئتين وألف ، الموافق لسنة ثمان وثلاثين وثمان مئة ألف.
ولما لم يطق على الدخول إليها ، استعمل الحيلة التي توصله لدخولها والاحتواء عليها فبعث جماعة من العلماء والمرابطين ومعهم صهره خليفته الحاج مصطفى بن التهامي وهو الخليفة بالمعسكر ذات الانتظامي فدخلوها بالإذن من صاحبها وقالوا له أن الأمير المجاهد في سبيل الله لم يرد مقاتلتك ولا العتو عليك ، وإنما أنت أبيت من دخوله عليك ، لأن النصارى إذا سمعوا بمقاتلتكما يضحكون عليه وعليك ، وإنما أراد الملاقاة (كذا) معك للتبرك بك والاقتباس مما لديك ، لما سمع بك أنك شريف النسب ناسك متعبد وأنك موصوف بالفضل والخير وقد ستر الله عليك وعلى من معك في بلدك مما أنظم إليك ، فلذك أراد الدخول لمدينتك بجيشه ويمكث بها أياما بالتعبد والصلاة بمساجدها ، ويسأل الله (كذا) فيها أن يعينه على النصارى مع مشاركتك له في الدعاء بذلك وتأمين جيشك وجيشه عليكما بأورادها ، ثم يذهب لمقاتلة العدو ، الذي بغى عليه وشرع في العتو ، فرضي التجيني بذلك وأذن له في الدخول وذهب لموضع آخر من الصحراء وتركه دخلها في السابع والعشرين من شوال من السنة المذكورة ، الموافق للثاني عشر من شهر جانفي فاتح سنة تسع وثلاثين من المسيحية المشهورة ، وبمجرد دخولها شرع في هدم صورها وتخريبها ، فلم يطل بها بل

أخرج منها جبرا بقيام أهل الصحراء عليه مع ولد التجيني في تخريبها ، ورجع لبلده تاقدمت واستقر فيها بحسب الإمكان ، ورامى نقض الصلح بينه وبين الدولة والدخول في حالة الميدان ، فأمر خليفته البوحميدي بالذهاب للدواير والزمالة يتكلم معهم على نقض الصلح في السر والإعلان ، وذهب هو لناحية بجاية في تلك السنة في شهر جوان ، واشتغل بجمع الجيش بقصد المحلابة والافتان :
ولما رجع من الجهة الشرقية استيقض من نومه وفطن من غفلته التي بها قد كان ، واطلع يقينا على أن الخلاط الواقع إنما هو بأسره من اليهودي بن دران ، فسقاه / كأس سم بمليانة واستراح من هم اليهودي كثير البهتان ، فيا ليته لو تمادى على الصلح وتعضد بالمخزن بأجمعه من أول حاله لكان من أهل الإحسان.
نقض معاهدة تافنة
قال ولنرجع بالكلام على البوحميدي فإنه لما وصل إلى الدواير والزمالة سأل منهم الإذعان للأمير ، فلم يقبل كلامه منهم إلا من كان نازل بقرب طاعة الأمير لما واعدهم بتبليغ مرادهم لدى الأمير فممن أذعن له من الدواير الحاج قادة بالغول ويحيى بن رحو والحاج بختي ولد الحشمية ، وممن أذعن له من الزمالة السي أحمد بن مختار وبن يحيى ولد يوسف وقدور بن شايلة قولة مروية.
ثم قدم الدوك دورليان ابن سلطان فرانسا لوهران في نصف ستانبر (كذا) من سنة تسع وثلاثين وثمانمئة وألف وذهب للجزائر ، واستولت الدولة على البيبان ومزاية في ثامن عشرين أكتبر (كذا) من تلك السنة بالتصاير. وفي العيد الكبير من تلك السنة نادى منادي الأمير بالجهاد ، فاجتمعت عليه خلفاؤه وأغواته وقياده بمليانة من سائر البلاد ، ثم هجم على متيجة فقتل كل ما فيها من عسكر الدولة وأضرمها نارا ، ولم يراع لها حرمة ولم يخش عارا ، وجاء البوحميدي ثانيا بمحلته لقرب وهران ، فتقاتل المخزن معه في ناحية وفي الناحية الأخرى مع الغرابة في صحيح البيان.
وفي الثاني والعشرين من شهر جانفي سنة أربعين وثمانمئة وألف الموافقة للعام السادس والخمسين ومئتين وألف ، حصل القتال الشديد بين المخزن

وخليفة الأمير بالمعسكر وهو الحاج مصطفى بن التهامي في أبي التشيش ، فانتصر المخزن عليه وهزمه إلى أن فرد في حالة تفيش ومن ثاني فابري (كذا) إلى سادسه من السنة المتقدمة البيان ، ذهب هذا الخليفة بجيشه إلى مدينة مزغران ، فحاصرها أولا وانصرف عنها بإلزام ، ثم رجع لها في تلك المدة فحاصرها ثلاثة أيام ، ثم أقلع عنها بعد ما ضاع له الكثير من محلته على ما قيل باحتكام ، ومات من المخزن قدور بورقيبة وسي التامي ، وبلفراق دواير ، وسي محمد بالصحراوي النقايبي البرجي في قول من كان حاضرا وليس بحاير ، ومن القرغلان خمسة وعشرون نفرا منهم بن عودة ولد المازوني ومحمد بن دواجي والزواوي ولد الحاج أحمد تريكي إلى غيرهم جهرا ، ورومي فرانساوي (كذا) وعبد يقال له القرم.
وسبب قتله أنهم دخلوا دارا واشتغلوا بالقتال والذب عن أنفسهم وغيرهم إلى أن انقضى لهم البارود في القول غير المرم ، ثم رجع لها مرة ثالثة ففتك بها كثيرا ، وقتل أهلها قتلا عسيرا وذلك أن العسكر الفرانساوي دخل جامعها وصيره حصنا للقتال ، وشرع في الدفع بغاية الأحوال فمن التجأ له نجى ومن عجز أو لم يلتجأ (كذا) له قتله بتمامه ، وفاز بنيل غرضه ومرامه وكان رجل من رزيو يقال له الزبيب راميا ، فجعل بشارا إلى أن قتل من جيش الخليفة أربعة عشر نفرا قولا حافيا ولما انقضى له البرود قتل مع أمه وهو كالطود ، وقد قتل العدو امزابيا بقبر العود ، وكان العدو هجم على مستغانيم / في الخامس عشر ديسمبر من سنة تسع وثلاثين التي قبل هذه السنة ، وحصل القتال بينه وبين أهلها ولذلك جعلت الحماية بمزغران في القولة البينة ، وكانت الحماية بها في السادس عشر منه بتحقيق ، وفيها من الشجعان المزري وقدور بالمخفي وغيرهما من ذوي البأس والتوفيق ، ولولاهما لنال جيش الأمير مراده ، لكنه ذهب خائبا عن جميع ما أراده.
قال القبرنور مرطبلي (223) في تاريخه ولما رجعت من مستغانيم لوهران أتيت برجل معي من أشجع العرب وأبغضهم للأمير في غاية ما كان ، وهو الشجاع قدور بالمخفي البالغ النهاية في قتل الفرسان ، وبقينا بوهران في حصار شديد ،
__________________
(223) يقصد الحاكم من الكلمة الفرنسية : Gouverneur. ومرطبلي هذا هو مارتيمبري : Martimprey.

وضيق مساحة بما ليس من مزيد ومواشي الدواير والزمالة قد ضاعت لهم بغاية النفاذ ، لقلة الخصب والكلأ وهي تحت حيطان البلاد ، وهم معنا في الضيق الشديد ، والحصار الذي بلغ الغاية في المزيد ، وفرسانهم مع سيدهم مصطفى مكابدين على القتال ، وقد ظهرت شجاعته حال المبارزة والنزال وكان مسندنا عليه في غالب الأحوال ، فلقد شاهدناه بأنفسنا بجيشه في الغاية الصغيرة مبارزا للجيوش الكثيرة ذات الوبال ، وأعانته خيالتنا من السرسور الثاني ، وقد كان العسكر قريبا منهم ولو أحاطت بهم تلك الجيوش لهدمت لهم ساس (كذا) المباني.
وفي الثالث مارس من العام المذكور ، هجم البوحميدي خليفة الأمير بتلمسان على المشور على الدواوير وهم بقرب المرسى الكبيرة ، فلم يلحقه منه ضرر ودفعوا (كذا) عن أنفسهم بغاية التحرير وفي خامسه هجم عليهم غفلة وهم بمسرقين فلم يخلصوا منه إلا بالتعب الشديد والعذاب المهين ، وكان الكورينيل (224) يوسف العنابي بناحية تنسانمت ، فأتاهم للإغاثة واشتد القتال إلى أن مات من السبايسي خمسين ورجع الأمر للفايت.
وفي سابعه جاء البوحميدي بجيشه من الألفين إلى الأربعة آلاف حاركا لأخذ غنم الدواير والزمالة وهم بين مسرقين والمرسى الكبيرة ، وقد جمع هذا الجيش بالوادي المالح في القول الشهير ، فخرج له مصطفى بمخزنه المؤيد بالنصر وقاتله إلى أن رجعه لورائه هاربا ، وللنجاة من فتك المخزن به طالبا.
وفي عاشره جمع البوحميدي أيضا جيشا كبيرا ما بين أولاد سيدي يحيى وغيرهم ونزل به في سيدي عبد الله بن ابركان من أولاد الزاير وصار يختلس به كأنه السامت (كذا) ولم يشعر المخزن به إلى أن صبحهم في الثاني عشر من ذلك الشهر وهم بتنسانمت ، فقاتلهم شديدا واجتز منهم سبعا وأربعين رأسا ، وذهب مسرورا وترك المخزن تعسا.
وفي الرابع عشر منه جاء البوحميدي أيضا بجيوشه فاجتمع بالمحلة ومعها
__________________
(224) يقصد : الكولونيل من الكلمة الفرنسية : Colonel.

المخزن ما بين البريدية ومسرقين وكان القتال شديدا ، آل فيه الأمر إلى انهزام البوحميدي بجيشه بعد موت الكثير منه وذهب في هم وتخزين.
قال ولنرجع بالكلام إلى الجهة الجزائرية ، فإن في سابع العشرين من إبريل سنة أربعين وثمانمائة وألف أيضا الموافقة للسنة السادسة والخمسين ومائتين وألف محضا ، وقع القتال الذارع (كذا) بين الدولة والأمير بعفرون / ودخلت المدينة في يديها في سابع ماي وقيل في السابع عشر منه فيما يروون.
وفي السابع عشر منه وقع القتال الشديد بين محلة الدولة ومحلة البوحميدي بالبريدية آل فيها الأمر إلى انهزام محلة العدو بالكلية ، وفي ثامن جوان أخذت الدولة مليانة عنوة وفازت بها على الأمير وذهب هو حنوة (كذا) وفي الثامن والعشرين منه قدم البوحميدي لناحية الحفرة فمر بطريق سيدي حمادي وخرج لعين خديجة بغرب المرسى الكبير ، فلقيه في تلك الواقعة المخزن خاصة ووقع القتال الشديد من الصبح إلى نصف النهار بالتحرير بعد ما أدخلوا خيامتهم وأموالهم للبلد ، وقتلوا منه خلقا كثير لا يحصى في العدد.
قال وكان البوحميدي جاء في الرابع ماي الذي قبل هذا الشهر من سنة أربعين وثمانمائة وألف الموافقة لسنة ست وخمسين ومائتين وألف ، وهم بخنق البريدية بواسطة المسيلة ، ما بين البريدية والجبل في القولة الجليلة ، وكانت الدولة بلغها الخبر على ذلك فذهبت له في ثلاثة آلاف فارس ومعها المخزن تحت رئاسة الشجاع الكرار المزاري كثير المدارك ، فهجم على العدو في ذلك اليوم بلا أمر من الحكام ، لما هم فيه من الغيظ من تسلطه عليهم بهؤلاء الأقوام وقتلوا منه كثيرا لا يحصى في الكلام ولا ترى في القتال إلا المزاري كأنه الأسد الهصور ، أمام جيشه متقدما للطعن والضرب وفي أثره جيشه المنصور ، ففتكوا به فتكا شديدا قد خلفوا به الثأر ، وأزالوا عن أنفسهم اللوم والعار ، واشتغل المخزن بجمع السبي والخيول المتروكة من جيش العدو الغريقة في السبخة غائشة في الوحل عدة أيام بالعز والنفخة ، وأثنى حكام الدولة على المزاري ومخزنه في تلك الواقعة بالثناء الجميل ، وشكروا فعلهم بالشكر الجزيل.
ثم جاء البوحميدي إلى الدواير والزمالة وسأل منهم الإذعان للأمير وقال

لهم أنتم مؤمنون وأبناء المؤمنين ورجوعكم للأمير أفضل وأنا أعطيكم بلاد أولاد الزاير وما حاذها بالتحرير ، فوافقه على ذلك عدة أناس وذهبوا معه بخيامهم ، وجميع ما في ملكهم كدوابهم وأغنامهم ، وهم دوار أولاد بو علي والمغان رائمين بزعمهم لخيرهم ، والفراطسة ، وأولاد البهيليل ، والوشاشنة ، والكرادسة ، وغيرهم ، وكلهم دواير بالقولة التي ليست ذات الاستغرابة ، ولما رأى الزمالة ذلك سألوا من خليفة الأمير بالمعسكر أن يدعهم ينزلون بسيق بوسط الغرابة ، وهم قيزة والشوايلية والطوايلية والقدادرة والشماليل والرواونة وغيرهم بالمشتهر ، وكثر الخلاط بين الدواير والزمالة وبين الفرانسيس فغضوا عنهم البصر ، وبعد خدمتهم بالنية والصدق اتهموهم بالكثير ، وصار المخزن يذهب كل يوم فوجا فوجا عند الأمير ، ولما زال ذلك الضرر وأبطلوا عنهم الشك ألفوهم ذهب منهم عند الأمير ستة عشر دوارا من الدواير وسبعة عشر دوارا من الزمالة في قولة الخاير ومن بقي منهم بقي في الرزية الكبيرة الحالة بهم في شدة الأمور وباعوا كسبهم للمعيشة وطال بهم الحصار جملة من الشهور ، وصار المخزن من شدة / الضيق معيشتهم في طبخ الدقيق بالزيت وأكل ما لا يوافقه من أرذل العيش في قصر الصيت ، ولا زالوا على ذلك إلى أن قدم الجنرال لمرسير الذي تسميه العرب أبا هراوة لوهران ، فاستراح المخزن من ضيقه وزال ما به من الضيم والهم والأحزان.
ولما تسمى الجنرال لمرسيار بوهران في عشرين أوت سنة أربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة ست وخمسين ومأتين وألف أمر (كذا) بإبطال محلة البريدية واعتنى بأمر المخزن غاية الاعتناء وأحبه كثيرا وألفاه العمدة في كل شيء ، وصار يمونه بالمقح والشعير والحشيش للدواب وكل ما يفتقر إليه وبالزاد للسّفر ، وأمر العسكر أن يجعل عليه خندقا يمنعه من العدو فكم من مرة دخل عليهم العدوّ في الخندق المحتفر.
ولما رأى المخزن ذلك الاعتناء بهم وحصونهم في العز امتنعوا بعد ذلك من الفرار عند العدوّ ورجع الجنرال يبعث الجواسيس كل ليلة للإتيان بالخبر من كل جهة عل العدو ، والأمير محاصر لوهران بجيوشه من ناحية الغرب والقبلة ، فالبوحميدي بمحلته من جهة الغرب والحاج مصطفى بمحلته من جهة القبلة ، والغرابة في غاية ما يكون من التسلط على وهران ، ولا فرق عندهم بين النصارى

والمخزن في إرسال الذل والهوان ، وكان المخزن تحت رئاسة مصطفى وابن أخيه المزاري الذين لهما أصل جيد ولهما الحكم من أول الحال إلى آخره بغير التداوي. قال مرطبلي في تاريخه وكان مصطفى في حكمه في شد وحزم ، وضبط وعزم له تحليلات في القتال عظيمة ولم يبلغها إلا قليل من الرجال وله كلمة مسموعة جسيمة ، وكان بطلا معاندا شديد الثبات في القلب ولا يرجع على عدوه إلا بحصول الغلب ، وله توفير وشجاعة كبيرة ولا يفرق بين الموت والحياة وله معرفة كبيرة ، وكان لا يحب الانحصار في دائرة الحفير ، ويقول الفوز والعز يحصل (كذا) بالتقدم للعدو ولا بالتأخير وكذلك ابن أخيه المزاري فإنه مرادفه في الأمور ، ومضاهيه في الأحوال وربما فاقه في بعض الأمور.
قال ولما سمع الجنرال بأن البوحميدي بجيشه ومنه بني عامر ، جاء وكمن بالعين البيضاء بإزاء السبخة الكبيرة في قولة كل عامر ، يقصد ، نهب المواشي ، ولم يعلم أنه سيكون في التلاشي حاله في الرضخة ، وقد كان مصطفى توجه بمخزنه في ذلك اليوم بكرة لناحية الكرمة ورجع على ديخة ، فاجتمع بقوم الغرابة فظهر بهم وقتل منهم واجتز كثيرا من رؤوسهم ويعرف ذلك اليوم بيوم القرناع وأزال لهم ما كان بهم من الطيسة والنفخة ، وكان ذلك في ثالث اكتبر (كذا) من السنة المذكورة بالتحقيق وصار المخزن يمنع العدوّ من المجىء إليه ويدافع عن نفسه وملازم للتصديق ، وفي الثاني والعشرين من الشهر المذكور ، الموافق للخامس والعشرين من شعبان في المسطور ، خرج الجنرال بجيشه ومخزنه غفلة قبل أن يكون الخبر عند خلفاء الأمير وغزى (كذا) على دوار بن يعقوب بن سهيلة الغربي آغة الأمير وهو بجبل المحقن بنواحي جنين مسكين بغرب / مكدرة فوق تليلات ، فأخذ كل ما وجده عنده من السلاح والحلي والقش والدواب وغيرها بغاية الثبات ، وألفى بخيمته مال الأمير وهي اللزمة قدرها اثنا عشر ألف ريال بوجهه وسبا (كذا) المخزن نساءه وحلائل أولاده وكان آغة (كذا) غائبا بالمعسكر لنيل أوراده ولم يشعر العدوّ بالمحلة إلى أن دخلت وهران ، فانتشر الخبر وللناس ظهر وبان وبهذه الواقعة تشجعت (كذا) العساكر وصار للجنرال فسحة في خدمته ودخل الخوف قلوب الأعراش المجاورين لوهران وجلس كل واحد بخيمته. وفي ثامن نوانبر (كذا) من سنة أربعين وثمانمائة وألف الموافق لثالث عشر رمضان من

عام ست وخمسين ومائتين وألف ، خرج الجنرال ليلا بجيشه وأمامه مصطفى بمخزنه الأسود وهم في سيرهم كأنهم الفهود إلى أن وصل ليلا لمطمر أولاد علي الذي هو يمين وادي تليلات ، فأخذه في نصف اليل (كذا) ورجع لناحية مدينة تليلات ، فبينما الجيش سائر وإذا بالعدوّ غشى المحلة من كل جهة رائما للافتيات وكانت هناك شعبة فصلت بين عساكر المحلة فصلا كبيرا ، وأبعدتها عن بعضها بعض إبعاد كثيرا وحصل القتال الذريع والناس في القتال ما بين خائف وسجيع ، ودام القتال إلى أن صارت الناس في الهلاك ، ورجع كل واحد يطلب لنفسه النجاة. والسلاك (كذا) إلى أن مات من المحلة الكرنيل (كذا) مسيون مع ستة من أعيان السرسور ومات من المخزن إسماعيل ولد بالمختار ولد أعمر البحثاوي في المسطور ، وعدة ولد بلاحة الزمالي فيما للراوي ومات فرس محمد بالبشير البحثاوي. وتعرف هذه الواقعة بواقعة الجرف الأحمر وكدية الغندول وباتت المحلة تلك اليل (كذا) بتليلات وذلك في تاسع الشهر المذكور وفي عاشره وقع القتال الشديد بين المحلة وجيش البوحميدي في المشهور ، وذلك بموضع يقال له ديخة وذهب العدوّ مفلولا ودخلت المحلة لوهران بمخزنها في نفخة.
ثم خرجت المحلة وصحبتها المخزن بالتبيين ، إلى أن لحقت البعض من بني عامر نازلين بشعاب تمزوعة في غاية التعيين بأعلا (كذا) وطاء ملاتة في المنقول فأخذت لهم حب مطمر أبي شويشة الذي أخذوه سابقا من الدواير والزمالة ، وبهذا صار الانحصار يزول عن الدولة ومخزنها من الدواير والزمالة وظهر بيع الأشياء من العرب بسوق وهران واشتغلت الناس بالبناء في كل زمان ومكان وكان ذلك في الشهر المذكور.
ثم غزى بجيشه ومخزنه المشكور أولاد جبارة وأولاد خالفة في ثامن العشرين من نوانبر (كذا) المذكور فأخدهم ، أخدة رابية وغنمهم غنيمة جابية وكل ما ظفر به من السبي قسمه على مخزنه إلى أن خلفوا ما ضاع لهم ولم يبقى واحد منهم في مخزنه. قال ولنرجع بالكلام إلى جهة الجزائر بالقولة المبينة ، فإنها في الحادي والثلاثين من دسانبر من السنة المعينة ، حصل بينها وبين العدو قتال شديد بما لا مزيد عليه ، بين الشفة والبليدة فكان النصر لها عليه.

ثم خرج الجنرال من وهران ومعه مصطفى بمخزنه يمشي أمامه ، والنصر يلوح وراءه وأمامه ، في الثالث عشر / جانفي سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف الموافق لعشرين ذي القعدة سنة ست وخمسين ومائتين وألف ، وقائده بالطريق الحاج محمد زيدون الذي كان قاطعا للطريق بغابة مولاي إسماعيل فيما ينشدون ، وكان جملة الجيش اثنا عشر بطيون (ذا) ، وعشرة اسكدرونات (كذا) فيما يتريون فضلا عن المخزن قاصدا لغريب الغرابة بعريش سيق ، وليس مع المحلة إلا مدفع واحد كبير بالتحقيق ، فمرت بسيدي الشحم (كذا) إلى أن حلت بحسيان أبي فطيس ، وهي في غاية من الأمن والتأنيس ولما وصلت المحلة لأبي فطيس رأت كثرة النيران ، فظنت أن ذلك عسسا (كذا) لاكنها (كذا) لم يشوشها أحد في كل مكان ثم استراحت بقرب الملح من أرض الغرابة ، وهي طامعة في نيل الغنيمة وسرعة الإجابة ، ثم ركبت وسارت. وبعد مرورها بالحيرة زهت وطارت وحين فارقت المحلة ليلا مصطفى بجيشه تحيرت من ذلك ساعة ، إلى أن حصل الاجتماع رجعت طاعة ، فأشرفت على واد واسع الجهات ، وكثير الخصب والنبات ، فافترقت العساكر يمينا وشمالا بالإثبات ، وحام أمامهم قوم الدواير في فضا سيرات وكان الوصول في ثمان ساعات ، وقصدت الصبايحية لعريش سيق ، والعرب مجتمعة بقرب بلاج شلابي من ديور سيق ، فأخذتهم أخذا ذريعا بالتبيين. ورجع القوم والعسكر وغيرهم سالمين غانمين ، وسبت الدوائر في ذلك اليوم ما بين الخيل والأمهار نحو الأربعين ، وكذا السروج والسلاح والأثاث في التعيين ، وبيوت الشعر وثلاثمائة رأس من البقر ، وسبا (كذا) الصبايحية ألف وخمسمائة شات (كذا) من الغنم وستمائة من البقر ، وسبا (كذا) السرسور أربعمائة نصفها من الغنم ونصفها من البقر ، ومات من الدواير فارسين بعد الظفر بهما في المشتهر ، ثم ذهبت المحلة ونزلت بسيدي عبد الرحمان الصماش للراحة وإزالة التعب والانتقاش.
قال وكان خليفة الأمير بالمعسكر وهو الحاج مصطفى بن التهامي نازلا بمحلته ببرج شلابي ، أو ببرج الشيخ بن زيان الزياني بأعلا سيق من غير ترامي ، ولما سمع بالوقائع التي قبل هذه الواقعة خرج من برج شلابي بسيق بجيشه في اليلة (كذا) الثالثة عشر من جانفي المارة من سنة المذكورة بقصد الغزو على

المخزن بوهران ، وقد ذهب مع طريق مولاي إسماعيل وتليلات في الرواية المسطورة فأدركه الخبر بطريقه بأن المحلة غزت على الغرابة الذين بسيق وقتلت من وجدته وأخذت الأموال بالتحقيق ، وأنها نازلة بسيدي عبد الرحمان الصماش وحين سمع ذلك غلغل في سيره إلى أن تلاقا (كذا) بها بوطا (كذا) سيرات بالانتغاش ، وقد أمر جيشه بأن تلقى الفرسان العدو في المشتهر ، والعسكر ومن / انخرط فيه من المشاة يكمن بالجبال والغيب (كذا) والأودية التي بقرب سيدي الأخضر ، فحصل بعد الملاقة بين الفريقين ذريع القتال ، واشتد وكثر الضرب والنزال ، وصار الحرب بينهما سجالا ثم صار جيش الخليفة في الاضمحلال ، ومات له فيه في ذلك اليوم ثلاثمائة من العسكر ، وسبا (كذا) المخزن كثيرا فقسم الجنرال أبو هراوة السبي بين المخزن والسبايس والسرسور بالمشتهر. وأثنت الدولة على المخزن كثيرا وكافت (كذا) كثيرا منهم على ذلك اليوم الذي ظهروا فيه على العدو كفاء شهيرا ، ورجعت لوهران مع رزيو في الأمان والأمن ، وبهذه الغزوة على ما قيل انفتح باب عظيم للدولة في الوطن.
قال ولنرجع بالكلام إلى مستغانيم فإنها نزل عليها بجيشه الطيب ابن قرنية آغة القوم الحمر أمتاع الأمير في ذلك التاريخ ، وصار يقتل كل من ألفاه خارجا من المدينة أو داخلا لها إلى أن سالت الناس للصاريخ ولما رأى الكولونيل تمبور (TEMPOUR) الذي بمستغانيم ذلك الفعل خرج له بالجيش الذي عنده ومعه عدد قليل من خيالة المخزن الذين تركهم المزاري لما ذهب لوهران بالجد لا بالهزل ، وحصل بين الفريقين القتال الشديد في الفاروغ ، آل فيه الأمر إلى انهزام العدو وبعد ما قتلوا كثيرا من الشرفة وحشم داروغ ، وأثنى كل من بالمحلة على ذلك القدر القليل الذي كان معهم من المخزن ، فلقد صاروا به في قوة بعد ما وقعوا في الوهن.
ولما ذهب المريشال فالي في تاسع عشرين ديسنبر من سنة أربعين وثمانمائة وألف المتقدمة لافرانسا ، وجاء بمحلة الجنرال بيجو في اثنين وعشرين فبري سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف تحقيقا لا قياسا ، أمر الجنرال لمرسيار بالذهاب لنواحي بني عامر فذهب بجيشه ومخزنه في وسط مارس من السنة المذكورة لبني عامر فمر على السبخة شمالا إلى الواد الحيمر (كذا) ومنه صعد

لتاسالة بالتحقيق إلى أن وصل لمكرة بعد ما مر برجم العساوي وعين الحجر ثم رجع لوهران ، بعد جولته اثنا عشر يوما للتوقية ، وفي أوائل إبريل ذهبت الجيوش من وهران لتأسيس مستغانيم ، فمرت بتليلات وسيق وهبرة وماسرة إلى أن حلت بمستغانيم ، وذهب الجنرال بيجو في ثاني عشر ماي في البحر للجزائر. بقصد المقاتلة وتبليغ الزاد لأهل مليانة والمدية من غير التخاير ، لكون جيوش الأمير قد قتلت كثيرا من جيش الدولة بالغوالي ، فأفنت كثيره من الأسافيل والأعالي ، وفي سادس أو ثامن عشر منه الموافق بحسب الرواية الأولى للثالث والعشرين من ربيع الأول في الوصف ، من عام سبعة وخمسين ومائتين وألف ، خرج الجنرال بمحلته ومعها المخزن أمامها فباتت بالكرمة وفي الغد باتت بتليلات ، وفي الخامس والعشرين من العربي باتت بالسيق وفي السادس والعشرين بهبرة وفي السابع والعشرين منه باتت بيلل بإثبات وخرجت محلة مستغانيم في السابع والعشرين من العربي المذكور ، وبه باتت أيضا بيلل في القول المشهور ، ولما اجتمعت المحلتان وصارتا محلة واحدة مجهودة / رحلت في الثامن والعشرين من ربيع الأول وباتت بسيدي محمد بن عودة وفي التاسع والعشرين منه باتت بعقبة الابغال ، وفي الثلاثين منه نزلت بوادي المناصفة بالاحتفال ، وفي اليوم الأول من ربيع الأول الموافق للرابع والعشرين من ماي باتت بعين الكرمة ويقال له واد العلق وخنوق ، من بلاد فليتة فوقعت به المعركة الكبيرة بين جيش الأمر والمحلة إلى أن انجرح الشجاع قدور بالمخفي من ذراعه الأيمن ولم يبل (كذا) بذلك وهو ملازم للحقوق ، وأسر منهم المخزن سبعة رجال أخوة ، يقال لهم القرايعية بغير فهوة ، وفي اليوم الثاني من ربيع الثاني الموافق للخامس والعشرين من ماي خيمت المحلة بتاقدمت ووقع القتال بينهما وبين الأمير إلى أن قضت المحلة للفايت ثم دخلتها عنوة وخربتها وأضرمتها نارا ، وأزالت رونقها وصيرتها دثارا ، وأفسدت ما بها من معالم السلاح وتركتها خاوية على عروشها تنادي بالفواح وكان القتال بوادي القنجار وألفت المحلة بقوس البرج كلبا وقطا معلقين بالاشتهار ، إشارة من العرب إلى أن دولة الأمير كالكلب مع القط متقابلين للفتنة وتوريث القحط ، ولما حلت المحلة بتاقدمت تبين لها أن أقاليم الجزائر على ثلاثة أنواع ، تل يصلح للفلاحة والغراسة (كذا) بلا نزاع ، ووطاء عالي يليق لتربية

المواشي والحلفا ، وصحرا (كذا) محتوية على قصور لا غير هذا يلفا ، وباتت المحلة بتاقدمت في اليلة (كذا) التي دخلتها ، وجالت فيها لما وصلتها ، وفي اليوم الثالث من ربيع الثاني سنة سبع وخمسين ومائتين وألف ، الموافق للسادس والعشرين من ماي سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف ، ارتحلت المحلة من تاقدمت وباتت بمشرع الصفي. وفي الرابع منه باتت بسيدي الجيلالي بن عامر بمينة بغير التخفي. وفي الخامس منه نزلت بفرطاسة ، وفي السادس منه باتت بتغنيف التي بماوسة والعدو تابع لها جواسة. قال بعض من حضر ولما كنا بالتات أطلق الأمير علينا بجيوشه السيوح المعبر عنها بالسواقي ، ظنا منه أنها لنا مهلكة وله في التواقي ، فتلقاه المخزن وقاتله إلى أن هزمه واتبعه منهزما إلى المناور ، فرجع عنه بعد ذلك للمحلة فرسان الدواير ، قال وبتغنفين و (كذا) وماوسة تقاتل المخزن من الحشم إلى أن انهزم الحشم هزيمة شنيعة ، وصال المخزن عليهم صولة عظيمة منيعة. وفي السابع / من ربيع الثاني من عام سبع وخمسين ومائتين وألف ، الموافق لثلاثين ماي سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف وصلت المحلة للمعسكر ، ودخلتها في أول جوان بالنيل والظفر ، فألفتها خاوية على العروش ولم يبق بها إلا من أذعن للدولة ، وأنجا (كذا) نفسه من الفروش فمكثت بها يومين ثم تركت بها حامبة تحت رياسة الكماندار جيري (JERY) وارتحلت لمستغانيم فأخذت طريقا موعرة (كذا) وهي عقبة خدة من بلاد بني شقران ، وذلك في اليوم الثالث من جوان ، الموافق للعاشر من ربيع الثاني ، فوقع القتال الشديد في تلك العقبة الذي يذهب بالعيان ، وكان الأمير خرج للمحلة من ناحية البرج في القول الشهير ، فترادف القتال بين المحلة وجيش الأمير وكانت المحلة قليلة ، لبقاء جلها بالمعسكر حامية جليلة ، فعند ذلك برز الطود العظيم مصطفى بن إسماعيل بجيشه خاصة للعدو ، وقاتله قتلا شديدا آل فيه الأمر إلى انهزام الأمير لناحية المعسكر انهزاما عتيدا ، وقد مات الخلق الكثير من الفريقين ، فمن جملة من مات من المخزن الحاج عبد القادر ، ابن شاعة الزمالي بلا المين ، ولما تزايد العسكر مع المخزن زادوا في قتال العدو إلى أن انفرجت الطريق للمرور ، فانحدرت المحلة مع الطريق والقتال مستمر بين الفريقين إلى العرجة البيضا وشاطىء هبرة ، المسمى الآن بمدينة باريق في المشهور ، وباتت المحلة بباريق

ودخلت لمستغانيم في رابع جوان ، فمكثت بها ثلاثة أيام للراحة وإزالة الهتان.
ثم بعد ما نظمت الدولة جيشا عرمرما خرجت المحلة من مستغانيم في السابع من جوان تلك السنة ، وفي ثقلة عظيمة قاصدة للمعسكر المعنية ، فحلت بها في راحة كاملة ونعمة وافية شاملة وفي نصف جوان الموافق للثاني والعشرين من ربيع الثاني كلاهما من العامين المذكورين خرجت المحلة بالمخزن من المعسكر لوطا غريس فحصدت ما به من فلاحة ودرستها وحملتها حبا وتينا للمعسكر بغير المين فجعلت الحب في البيوت والتبن أندرا ، فكان زادا لها مدة بغير شراء ثم رجعت المحلة لمستغانيم فدخلتها في العشرين جوان الموافق للسابع والعشرين من الربيع الثاني ، وفي ذلك اليوم ذهب الجنرال بيجو للجزائر بالاعتبار فمكث بها أياما ثم بعث إلى الجنرال لمرسيار وأمره / أن يبعث محلة أخرى لتحصين المعسكر ، وكان القبرنور (كذا) في حال رجوعه للمستغانيم من المعسكر أخذ على البرج فوقع فيه بينه وبين العدو قتال عظيم وذلك في العشرين جوان بغير تنظيم ، ثم مر بوادي القلعة فتقبض على عدة أسارى من المسلمين وبات بحاسي الغمري في غاية التسمين. قال ثم إن الجنرال ارتحل بمحلته التي جمعها في المشتهر وذهب بها وتركها بالمعسكر ، وأمر المخزن والعسكر وجميع الجيوش بخدمة جميع الفلاحة الدائرة بالمعسكر في المشهور ، فكان ما جمعه من حب العدو وتبنه زادا كثيرا لجملة عديدة من الشهور ، وكان الكولونيل المقيم بمستغانيم قد بلغه الخبر بأن العدو وصل إلى فم الشلف فخرج بالمحلة القليلة القائمة بمستغانيم المحتوية على اثنا عشر مائة نفر وأربعين فارسا من المخزن بغير خلف ، وكان الأمير نازلا بمحلته في وطامينا ، ويحب الهجوم على محلة المعسكر قولا مبينا ولما بلغه الخبر على تلك المحلة الضعيفة ، التي خرجت من مستغانيم لجبر التليفة هجم عليها ورام أن يمحو لها الأثر ، وكان المصاف بسور كلميت في القول الأشهر ، وطالت المقاتلة بينهما يومين بالشدة والوهن ، وكان الكولونيل تمبور رايس المحلة معتمدا على تلك الأربعين فارسا من المخزن فكان يحرضهم على قتال العدو ونيل المنن ، وظهرت النجابة الكثيرة من الأربعين فارسا في ذلك اليوم ، بحيث قاتلوا قتالا كثيرا قاوموا به العدو تقويما جميلا وأزالوا عن أنفسهم وأبناء جنسهم وتلك المحلة البخس واللوم ، ولما رأى الكولونيل قوة

العدو دخل بجيشه لمستغانيم وأثنا (كذا) على تلك الأربعين فارسا من المخزن بالثناء الكثير وقال لهم لقد حزتم للمغانيم ، وكانت تلك المقاتلة في السابع والثامن من جليت (كذا) بالبيان وكان دخول الجنرال بالمحلة المتقدمة للمعسكر في الرابع والعشرين جوان.
قال ولنرجع بالكلام على الجنرال برقي دلي (225) الذي كان يقاتل بالنواحي الشرقية فإنه دخل في الثالث والعشرين من ماي لأبي غار وطازة (226) فهدمهما وكانتا معتدا (كذا) للأمير في حدود التل بكل الحيشية ، وهذه طازة قد اختطها الأمير في سنة خمس وخمسين ومائتين وألف ، ولما دخلها أشهد الله على فعله بهذه الأبيات الثلاث وأمر بكتبها (كذا) برخامة وعلقت على برجها بغير خلف :
الله يعلم هذا لم يكن
 

مني على طول الأمال دليل
 
كلا وإن منيتي لقريبة
 

مني وأصبح في التراب ذليل
 
وقصاى ما أبغي رضاء إلا هنا
 

وبقا نفعي للخلف بعدي طويل
 
وكان فتح الدولة لها في التاريخ المذكور ، من عام إحدى وأربعين المسطور قال ولنرجع بالكلام إلى ما كنا بصدده من أمور مستغانيم ، فإن الجنرال بيج بعد دخول المحلة ذهب للجزائر لنيل المغانيم وذهب الأمير بعد معركة كلميت بجيشه لناحية فرطاسة يمينا وجلس ينتظر خروج محلة المعسكر ليهجم عليها ، ويغتنم منها ما أراده إذا وفقه الله وقدره عليها ، وجاء الخبر بأن مجاهر قد راموا للطاعة وتركوا التعب وراموا / الرواج للبضاعة.
وفي ثالث عشر جليت (كذا) سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف الموافقة لعام سبع وخمسين ومائتين وألف ، هجم الخليفة الحاج مصطفى بالتهامي على الحاصدين للحب بسيدي دحوا (كذا) وخرجت له المحلة في نصف النهار وداموا على القتال ، وله لحوا إلى نصف الليل (كذا) وكان الموت من الفريقين كثيرا ، وصار الحرب عتيدا كبيرا ، ثم خرجت المحلة من المعسكر في نصف جليت
__________________
(225) يقصد : بورجولي : Bourjoly.
(226) يقصد : بوغار قرب المدية.

الموافق للثاني والعشرين من جمادى الأول ، وباتت بتلوانت في سابع عشر جليت الموافق للرابع والعشرين من جمادى الأول ، وبها هجم العدو في نصف الليل (كذا) على المحلة بغتة فتعدد منه ضرب البارود نحو ساعة ونصف ، وباروده مترادف الضرب بغير خلف ، وارتحلت المحلة من الغد ولما وصلت لسيدي المقداد بيلل بدأها جيش الأمير بالقتال ودام بقتاله بما يكون به النكل ، ولم تدخل تلك المحلة لمستغانيم إلا بعد يومين ، فدخلتها وزال ما بها من التعب والبين ، ومكثت بمستغانيم أيضا يومين بالبيان ثم ذهب الجنرال بمحلته ومعه مصطفى بمخزنه لوهران ، فمرت بحسيان الفلالي وهبرة وسيق ومنه دخلت لوهران في الخامس والعشرين جليت بالبيان ، الموافق للثالث من جمادى الثانية بغاية التبيان ، ولما ذهبت المحلة لوهران هجم الأمير على مجاهر الماكثين بشلف التحتاني ومذعنين للدولة أو رائمين الإذعان ، وأنقلهم من محلهم إلى أنزلهم (كذا) باعلا (كذا) مينا من بلاد فليتة ما بين ملعب قربوصة وغليزان ، ولم يدعهم يرجعون لمحلهم حتى أخذ منهم ثلاثمائة فرس بسروجها وبنادقها محمولة في القرابيس ، ولما رجعوا أعلموا بذلك الفرانسيس ، ثم خرج الكولونيل تمبور لمحلة مستغانيم خرجة ليست بالمامنة وهجم على أحمد بن كزداغ كبير أولاد أبي كامل والعمارنة ، فقتل منهم كثيرا وأذعن الباقي ، ونزل أسفل سور مستغانيم للتواقي وبعد مضي أيام للتفاروغ أذعن الشرفة وحشم داروغ ، ولما سمع بهم الأمير وهو بفليتة أتاهم ليردهم فألفى الأمر قد انقضا (كذا) لكون المحلة بشطوط شلف عليهم وقاية فصبر للقضا ، ولما بلغ الخبر للكلونيل تمبور خرج من مستغانيم بمحلته ومخزنه فاقتتلوا معه وكان الظفر للمخزن عليه ، وقتلوا منه كثيرا وفر بما لديه ، ولم ينج الأمير إلا بنفسه ؛ بسبب سبق فرسه وقد كاد أن يقع في الشبكة ويدخل في وسط الشبكة ، فأنقده الإلاه (كذا) الكريم فإنه السميع العليم ، ولما عبر النهر وقف بجانبه وأمعن النظر بعينيه فألفى رعيته مذعنة للدولة وهي متكالبة عليه ، تأسف ولحقته الغبينة ثم صفق بيديه.

تعيين الحاج مصطفى بن عثمان بايا على مستغانم
ولما طار الخبر للجهة الشرقية قدم المريشال من الجزائر لوهران ومنها ومعه الجنرال لمرسيار لمستغانيم بالبيان ، واتفق رأيهم أن سمّوا الحاج مصطفى ولد الباي عصمان حفيد الباي محمد الكبير بايا بمستغانيم والمعسكر وسموا المزاري آغة وذلك في تاسع أوت سنة إحدى وأربعين المارّة بالمشهر ، الموافق للسابع عشر من جمادى الثانية من تلك السنة في المتحرر ، ورجع كل من المريشال والجنرال لمحله ، وبعث / أولاد حمدان وأولاد مالك وأولاد سيدي عبد الله وأولاد أبي كامل إلى أبناء عمهم بالإذعان وليرجع كل إلى محله فأذعن مجاهر بأجمعهم في نصف ستانبر (كذا) الموافق للرابع والعشرين من رجب الفرد من السنتين المذكورتين بما هو متواتر.
ثم قدم الجنرال لموريسيار بمحلته ومعه مصطفى بمخزنة لمستغانيم في المشهور وفي اليوم التاسع عشر من سبتانبر (كذا) سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف الموافق للثامن والعشرين من رجب سنة سبع وخمسين ومائتين وألف ، قدم لمستغانيم أيضا القبرنور (كذا) واتفق الكل على الخروج لمراقبة العدو والوصول للمعسكر المعمور فانقسموا على محلتين أحدهما تحت رئاسة القبرنور ومعه المزاري والأخرى تحت رئاسة الجنرال أبي هراوة ومعه مصطفى بالقول الجاري.
فمنها محلة القبرنور (كذا) توجهت شرقا فمرت بوطا مينا وشلف وفاتت فوق يلّل فسمعت بالأمير نازلا في فليتة بسيدي طيفور ، فهجمت عليه ليلا بغتة وسبت منه نساء وصبيانا ورجالا أتوا بهم أسارى لمستغانيم في المذكور ، وقد تركت الكولونيل تمبور عسة في معذار. ومنها محلة الجنرال أخذت الزاد الكثير وذهبت به للمعسكر باشتهار ، ولما وصلت بحسيان الغمري سمعت بالأمير في جيش كثير نازلا بالعين الكبيرة من بلاد سجرارة ، يروم مقاتلة تلك المحلة الوارد جهارة. ورأى الجنرال ثقلة المحلة ووعر الطريق المعطشة ذات الشرور ، مكث بمحله وبعث فورا للقبرنور (كذا) ولما بلغه الخبر خرج عزما بمحلته واجتمع بالجنرال في سيدي المقداد بنواحي يلل ووصلوا في سابع اكتبر (كذا) للعين الكبيرة الموافق للسادس عشر من شعبان في الرواية الشهيرة ، وبالغد وهو الثامن

من اكتوبر (كذا) والسابع عشر من شعبان تلاقوا بالأمير بجيشه بقرب البرج وحصلت المعركة الكبيرة ذات البيان ، واختلط الخيالة بالسرسور ، وكثر القتل المعمر للقبور ، ودام بغاية ما يكون إلى أن حمى الوطيس ، وغاب الحاجز والأنيس ، فانجرح من المخزن آغة محمد بالبشير البحثاوي كما انجرح آغة السيد محمد بن داوود بالجرح الذي لا يفتقر فيه لضعفه للتداوي ، وقتل باش آغة (كذا) السيد أحمد ولد قادي رجلا من أعيان خيالة الأمير يقال له ولد شاقر ، الذي ضرب مصطفى بن إسماعيل ولم يصبه في قول شاهر ، وكان في الكرة الأولى هجم مصطفى بمخزنه وصحبته ابن أخيه المزاري بمخزنه على العدو أيضا ، ومعهم محلة الدولة التي كانت في اتباع المخزن فقتلوا كثيرا وانهزم العدو بجيشه وباتت المحلة بماوسة مبيتا مرضا بعد ما اتبعوا العدو إلى وادي أعبادي على ما قال ولد قادي ، وإلى واد العبد على ما قال مرطبلي في قوله الوقادي ، وقبل دخول المحلة للمعسكر بلغ الخبر للجنرال ومعه مصطفى بالبيان ، بأن البوحميدي غزى بغتة على وهران واقتحم الخندق المحيط بدواوير المخزن بناحية رأس العين من وهران وكان ذلك في اليوم الثاني من اكتوبر (كذا) الموافق للحادي عشر من شعبان وأخذ جملة من نساء المخزن والصبيان وأوصلهم إلى العامرية ثم فرقهم على دواويره الذين بتاسلة نازلين. وكانت امرأة من تلك النسوة يقال لها بدرة أبت من الذهاب / معهم وشرعت في شتمهم بغاية المبازلين ، وقالت للخليفة البوحميدي بمحضر جيشه لا تعتقد في زعمك أنك فارس شجاع وإنما أنت سارق ليل ، تأتي للنساء خفية من رجالهم فتأخذهم وتهرب بهم في الليل فالشجاع هو الذي يأتي علانية للأبطال ويكافح الفرسان والرجال وأنت لا طاقة لك على الوقوف أمام مكاحل الدواير والزمالة ، واعلم أنك حيث ما ذهبت يتبعك سيدك مصطفى بن إسماعيل بجيشه المخزن المؤيد بالنصر ويخلف منك الثأر بالقوة في نساء الدواير والزمالة ، فبعث غضبا تلك المرأة لندرومة وحيث أذعنت تلك الجهة وذهب المخزن لندرومة كان أول ما طلب مصطفى منهم ، بأن قال لهم نحبكم تأتوني ببدرة الدارية على بلغة جيدة مكفلة بالكفل المخير عندهم وفي أتباعها جميع كبراء تلك البلاد وإلا فلا ترون إلا ما يفسد للمراد.
قال وبعد ما دفنت المحلة موتاها بمواسة دخلت دخولا معلوما للمعسكر

وذلك في اليوم الثامن عشر من شعبان الموافق للتاسع من اكتوبر (كذا) وقد وقع قبل هذه الواقعة مقاتلة بالمعسكر ، ولما وصلت المحلة الزاد للمعسكر زادت إلى وادي أفكان فحل بها الحرب الكثيرة ثم انقسمت على محلتين بالبيان ، فمنها محلة القبرنور (كذا) ذهبت لناحية الزفيزف بلاد أولاد سليمان فوجدت القطارنية والشرفة فأخذتهم بتشتوين وتعرف الواقعة بالشناقير وانحدرت لناحية وادي الحمام فوصلت بالتحرير لقيطنة سيدي محي الدين في خامس عشرين شعبان الموافق لسادس عشر اكتبر (كذا) فخربتها تخريبا بليغا وأضرمتها نارا وأخذت حبها وذهبت للمعسكر ، ومعها أربعمائة وستون امرأة أسارى ما بين القطارنية والشرفة وغيرهم في المشتهر. ومنها محلة الكولونيل جيري والجنرال لفسور أتت بجميع حب مطمر نخلات وغيره ورجعت للمعسكر في المشهور واجتمعتا معا بالمعسكر في سابع اكتبر (كذا) الموافق لسادس العشرين من شعبان.
ثم صارت المحلتان محلة واحدة وذهبت من المعسكر في تاسع عشر اكتبر الموافق للثامن والعشرين من شعبان لناحية سعيدة التي هي آخر الأمكنة الباقية للأمير بآخر التل ، والمخزن أمامها يلوح نصره ولم ير شيئا من الوابل والطل ، ولما وصلت لسيدي بن مانوا وهو واد الخراريب هجم جيش الأمير على المحلة ليلا وكان القتال الشديد إلى أن وصل جيش العدو ومجامير المكاحل بغير التخاريب ، ومات من المحلة خمسة عشر نفرا وارتحل القبرنور (كذا) بتلك المحلة في الليل (كذا) جهرا ، وكان في الحادي والعشرين اكتوبر من سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف الموافق لأول رمضان من عام سبع وخمسين ومائتين وألف ، وبعد طلوع الشمس وقبل الوصول لسعيدة بأن للمحلة عجاج الدخان ، وسمعوا بأنها حرقت ولم تصلها المحلة حتى ألفتها خرابا كالدكان ، وقد ضاع للمحلة ما بين سيدي عيسى بن مانوا وسعيدة أناس في تلك الغابة العظيمة العتيدة وصار لها بها ما صار لها بتاقدمت ولما حلت بها هدمت سورها في الحين ، وذلك في الثاني والعشرين من اكتوبر (كذا) الموافق لثاني رمضان بالتبيين.
وفي الغد بعد الظهر أتى الحساسنة / وأمامهم شيخهم الخمسي وأظهروا أنهم في المضادة مع الخليفة الحاج مصطفى بغاية التقسي ، وأنهم للدولة في

غاية الإذعان والمقاتلة للأمير وسائر جيشه بغاية ما كان ، وفي عشية ذلك اليوم تفرقت جواسيس المحلة على اليعقوبية والصحراء شرقا وغربا ، بعدا وقربا ، وفي الغد غزت الحساسنة بالمحلة على واد فوفط بأشد الواد فأخذوا به قافلة حاملة للبأس على الجنس الواحد ، لاكن (كذا) القبرنور (كذا) لم تعجبه تلك الغازية ، وأنها ليست بالكافية وليست الجازية ، فصار يلوح للخمسي وفيه يلوم ، ويقول له فقد أظهرت شطارتك وأنت لا معرفة لك وتضاهي بزعمك من لهم أفلاك في البحر الكبير تعوم وحصل بين أهل الوطن مشاحنة عظيمة ، ومقاولة كبيرة جسيمة وواعدوا الدولة بإتيان الهدايا العظيمة التي لم تكن فيها لغيرهم القيمة وزادت المحلة في سيرها مع وادي فوفط إلى شرقه فنزلت بتخمارت بواد العبد وذلك في اكتبر (كذا) الموافق لرمضان بغير النقد ، وبها هجمت القوم الحمرا من جيش الأمير على المحلة غفلة ، ومنعتها من الحشيش منعة حفلة ، فلقيتهم خيالة الكولونيل يوسف العنابي والسرسور والمخزن وكان القتال شديدا بين الفريقين إلى أن قتلت المحلة بمخزنها من القوم الحمرا ما خلفت به الثأر بغير المين ، وأتت بعدة أسارى مقيدين بالأحبال ، داخلين في الويل والنكال ، ولما سمعت الأعراش بذلك أسرعت للطاعة ، ونيل المراد ورواج البضاعة ، ثم زادت المحلة لوطاء غريس بحيث أخذت ما بين واد تازوطة وكاشرو بالتحقيق.
وذهبت على سيدي علي بن عومر ليلا ، وفي تلك اليلة (كذا) جاء الخبر من عند القبطان فلسن المتريص (كذا) على العسة بأنه ظفر بآغة وهو في أسره في غاية التوثيق ، ودخلت المحلة للمعسكر ، وهي في الحالة الدالة على الفرح للمستبشر ، ثم بعث الكولونيل جيري الذي هو بجيشه عسة في كاشرو بأن الحشم تسلطوا عليه ، وقد قتل منهم ما قدره الله ووفقه إليه ، فخرجت المحلة نحوه وجاست خلال تلك الديار ، ومزارعها وبساتينها ورجعت بعد قضاء الأوطار.
قال ثم رجع الجنرال بيجو ومعه الجنرال لمرسير بمحلته والمخزن معه لناحية مستغانيم ، فأخذوا على واد الحمام طريق وهران بالتغانيم ، ومروا بالفراقة وهبرة فبينما هم بها وإذا بفارس عربي أتى ببطاقة ووضعها بخشاب وذهب خشية النفرة ، ولما وصلت بيد القبرنور ألفاها مبعوثة من عند الأمير لقايد مرسى الجزائر المشهور مضمنها : أيها الفرانسيس أنتم تحبون الخيل الذين لهم (كذا) ذيل

قصير ، فنرجوا من رمكاتنا أن تلد لنا مثل ما تحبونه فناتي بها لكم قادة علامة لإذعاننا لكم بقول بصيرة ، ودخلت المحلة لمستغانيم في خامس نوفمبر (كذا) الموافق للسادس عشر من رمضان المعتبر ، ومنها ذهب المخزن بوهران ، فوصلوها في أمن وأمان ، وفي نوفمبر (كذا) أيضا خرج الكلونيل تمبور بمحلته لكلميت فأخذته صدمة عظيمة ، وحلت بمحلته خسارة جسيمة ، ورجع مسرعا لمستغانيم ، سائلا الفوز بنجاته والتغانيم.
وكان الكلونيل الذي بوهران خرج بمحلته مغربا لناحية الواد المالح ولما وصل للبردية / خرج فيه العدو وتكالب عليه ، ولما رأى أنه لا طاقة له على العدو رجع لوهران بما لديه لكون مصطفى بمخزنه مع القبرنور غائبا ، وسيعود لوهران أيبا ، ولما دخل مصطفى لمستغانيم وصلته الرسائل ليرجع لوهران ليزيل ما بها من الكدور ، ويكون في رفقته الجنرال لفسور فذهبا بالعزم الشديد ، والسير الذي ليس عليه في العزم من المزيد ولما حلا بوهران ألفى مصطفى أمامة الجواسيس وهما الحاج الشيخ البوعلاوي ، ووديعه ، وإبراهيم ولد عدة وسي الحبيب بالزواوي ، فأخبروه بأن العدو ومن جملته الدواير المصادقين ، هم بالنزول ما بين حمام أبي حجر وسيدي عبد الله بن أبركان ، ولا علم لهم بالمحلة وهم في أمن من حالة المترافقين ، فخرج لهم الجنرال لفسور بمحلته ومعه مصطفى بمخزنه في رابع عشر نوفمبر (كذا) عام إحدى وأربعين وثمانمائة وألف الموافق لخامس العشرين من رمضان سنة سبع وخمسين ومائتين وألف ، وأخذ بشاطىء البحر إلى أن خرج على سيدي البارودي وراء جبال غمرة ، فنزل بمحلته وزاد في سيره في الليل (كذا) سير شهرة إلى أن خرج في العدو قبل الفجر في الموضع الذي ذكره له الجواسيس ، فأثخن فيهم بغتة وظفر مصطفى بعدة أناس من الدواير فقطع رؤوسهم وتركهم تصيح عليهم النواقيس ، وهم القايد المولود ولد الحساسنة وبخذة ، وابلوفة بالحاج ، وكان يحتال كثيرا على القاضي سي سليمان بالترادي والقايد الشيخ البوعلاوي ومحمد بن خليفة والعيد بالحنصالي الذين أفلتوا له هاربين وخلصوا منه في صفحة المحتاج ، ثم زاد مصطفى بالمحلة وبما بيده من السبي ليلحق المحلة التي نزلت بوادي المزمومة ثم زاد الجنرال لفسور إلى البريج أمام تلمسان المحتمة ورجع على بلاد بني عامر ودخل وهران من غير

ملاقة عدو ولا أري شيئا من القتال ، وذلك في الثالث والعشرين من نوفمبر (كذا) الموافق للرابع من شهر شوال.
ولما ذهب القبرنور (كذا) للجزائر بعث للجنرال لمرسير ليذهب للمعسكر بالمحلة ، فذهب لها في السابع والعشرين من نوفمبر (كذا) الموافق للثامن من شوال بالقولة التي ليست بذات القلة. ومعه قليل من قوم المخزن الذي عليه الاعتماد ، لمكثهم كثيرا بالمعسكر في القول المراد بعضهم من مخزن مستغانيم وبعضهم من مخزن وهران ، تحت رئاسة قدور ولد عدة ومصطفى بالضيف بالبيان وقد اتخذ الجنرال محمد بالحضري وإسماعيل ولد قادي بمنزلة فسيانين (227) معه في كل شيء ملازمين ، وأخذ رجلا جاسوسا يقال له جلول الحضري الحشمي كان بأهله في غاية الإهانة ففر لمستغانيم فاتصل بالجنرال فصيره جاسوسا على الوطن الحشمي وكانت له حيلة ومعرفة كبيرة وطول باع ، لا يحاشى أحدا من مطامير الحشم ومحل نزولهم فكان للدولة به غاية الانتفاع ، بحيث اطلعت به الدولة على سائر المطامير فأخذت ما بها من الحبوب واطلعت على الأماكن المخفية التي يكون (كذا) للحشم وغيرهم السكنى وتعد للهروب ، وأتى للدولة بالحمير وأراهم بما فيها من المنافع فكان الاعتماد عليه في الجولان وما يكون من المضار والمنافع ، وفي حال صدود المحلة من مستغانيم للمعسكر لم يكن بها شيء في الطريق إلى أن وصلت للمعسكر فألفتها في غاية ما يكون بها من الراحة الكثيرة والتوفيق وهم / في انتظار الجيش بالاشتياق لشدة ما حصل من ألم الافتراق ، وكان جلول الحضري وعد الجنرال بالاطلاع على مطمر كاشرو والمعروف بالمطمر الأبيض وشاق (كذا) الجنرال لأخذه إلى أن أخذه بالنفل والفرض ، ثم غزت المحلة على (كذا) أولاد سيدي دحّ (كذا) فأخذته أخذة شنيعة ، وصيرتهم صيرورة فضيعة ، وكان ذلك في ثامن من دسانبر سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف الموافقة لعام سبعة وخمسين ومائتين وألف ، وسبب هذه الغزوة أن جيش الأمير غزى المعسكر وأخذ لها جميع المواشي ، وأسر لينتال (كذا) مراندول (228) وتركه في التلاشي وجاء رجلان من عرش مجاهر ببطاقة
__________________
(227) يقصد ضابطين من الكلمة الفرنسية : Deux Officiers.
(228) يقصد اعتقل أسيرا برتبة ليوتنان من الكلمة الفرنسية : Lieutenant ، وهو مراندول المذكور.

للجنرال ، وباتا بأولاد سيدي دحّ فأضروا بهما إضرارا مفضيا للنكال ولما أخبرا الجنرال بذلك استغاط مع ما فيه من الغضب على ما حل بجيشه من جيش الأمير ، فغزى أولا سيدي دحّ نكاية لهم بالأمر المدير ، ثم وقع قتال شديد بين الدولة وخيالة الأمير بماوسة ، كان الظهور فيه للدولة وأسرت آغة الخيالة وهو بن عيسى بواقعة مطمر كاشرو وماسة ، كما حصل الظفر بخيالة بن عيسى وأتوا معه أسارا ، وصارت الدولة تروم البراز جهارا ، وبماوسة حصل للدولة خسران كبير ، لشدة المطر المترادف الغزير ، ثم رجعت الدولة للبرج ودخلت محلتها للمعسكر ، بعد القتال الذريع بالبرج في المشتهر ، وكان ذلك في الثامن والعشرين من دسانبر المذكور ، وأتى بالزاد من وهران الجنرال بيد (BEDEAU) للمعسكر ومعه الكولونيل طنبور : وذلك في آخر جانفي من سنة اثنين وأربعين ومائتين وألف الموافقة لعام ثمانية وخمسين ومائتين وألف ، وأخذ الجنرال جميع الأسارى وذهب لمستغانيم ، فحل به الوحل الذي مات به القبطان مرزور في خضخاض ذميم.
ثم خرجت المحلة من المعسكر وذهبت لجبل نسمطى فألفت به بارودا كثيرا مدفونا به للأمير ، فأخذته بالفرح والسرور الكثير ، وحصلت المخالطة بين الدولة والحساسنة والجعافرة بالإذعان ، حتى أن مرابطهم العربي جاء بأهله بأمر عرشيه للمعسكر وسكن في الأمن والأمان ، وبعد غازية أولاد سيدي دحّ أذعن بنوا شقران ، وسائر الأعراش الحائطة بالمعسكر وصارت في الراحة والأمان ، وعمر سوق المعسكر وغيرها وكثر البيع والشراء بين النصارى والعربان ، واستقام الخطّ الممدود من مستغانيم للمعسكر بغاية ما كان ، وكان الجنرال بيدو : غزى في اليوم الثامن من دسانبر المار الذي وقعت فيه الغازية من المعسكر على أولاد سيدي دحّ ذات الأحوال الشراقة ، غزى غزوة عظيمة على مجاهر والبرجية الذين بسرات وغيرهم والعبيد الشراقة وأذعنوا له بالطاعة إذعانا عظيما ، وتركوا الجنوح للأمير تركا جسيما ، وصارت المراسلة بين هؤلاء والجنرال ليست بمنقطعة ، ولا مبتوتة ولا منصدعة ، وكانت طاعة جل الأعراش في شهر فبري (كذا) سنة اثنين وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام ثمانية وخمسين ومائتين وألف.

ظهور الشريف محمد بن عبد الله
قال ثم ظهر بعض التشويش والتخليط ، بالنواحي الغربية بغير التعليط ، بسبب ولهاصة وترارة والغسل وبني عامر ، وذلك أنّ مولاي الشيخ بن علي الذي كان آغة وأزاله البوحميدي لمّا / تولى امتلأ غيظا ونوى الفتك به وصار يدبّر الحيلة للتوصل لإزالته من كل غامر وعامر ، فعمد إلى رجل يقال له السيد محمد بن عبد الله من أولاد سيدي الشيخ الزين بالتل كان شيخ طلبة القرآن محبوبا عند الناس متعبدا ناسكا يزور سيدي أبا مدين المغيث في كل جمعة ماشيا إليه بالحفا بمرآت الناس وقال له قم للتولية علينا فأنت المنصور ، وأنّ البوحميدي هو الذليل المحقور ، فخرج بن عبد الله ذات يوم وصار ينادي في وسط الناس كونوا لنا في الإذعان والطاعة ، فإنّ الحكم من البوحميدي وأميره قد زال وأنا إن شاء الله مولى الساعة ، ولمّا سمع البوحميدي ذلك بعث شواشه وأعوانه للتفتيش عليه ، وحين يتصلون به يأتوا به إليه ، ولمّا رأى بن عبد الله ذلك فرّ إلى ترارة وبني ريمان ، ومكث هناك بريهة من الزمان ، فجنّدت عليه الجنود ، وأتته الحشود والوفود ، وزحف له البوحميدي فلم يطق بن عبد الله على مقاومة الشقاق ، ثم أنف بقومه ، فلم يظفر به وحلّ في لومه ، ولما تضايق الأمر على بن عبد الله ولم يقدر على مقاومة كثير الشقاق ، اتفق مع أصحابه الذين نصروه وأشاروا عليه بالوفاق ، أن يتقصد بمصطفى بن إسماعيل والدولة فتصير له الوقاية ويكون من أهل الصولة ، فبعث رسولا من عنده لمصطفى بن إسماعيل بغاية الاشتهار ، ومن ولهاصة يقال له أحمد ولد مروان المكنى بأبي الأنوار ، وكان شجاعا حيولا ذا سياسة ، وتدبير ومعرفة وقنابصة (كذا) ورياسة ، ولما اجتمع بمصطفى سأل منه على لسان بن عبد الله الإعانة والنصرة ، بمخزنه وجيش الدولة على الأمير وخلفائه بغاية الرسوخ ، وقال له في مكتوبه إذا خرجت المحال فاني نجتمع بها في سبعة شيوخ ، فخرج للقائه مصطفى بن إسماعيل بمخزنه ومعه الكولونيل تنبور بمحلّته من وهران في ثالث دسانبر من السنة المذكورة ، الموافق للرابع عشر من شوال من السنة المزبورة ، ومرّ بحمّام أبي حجر ووصل ليلا لمحل الاجتماع ، فبات به وظل به من الغد ولمّا لم يظهر له خبر خشي من الخداع ، لاكنّه (كذا) لم يبرح من مكانه ، ولا خالف الوعد ، بزمانه ، فبينما هو بذلك المكان وإذا ببعض

الجواسيس أتوه من عنده وقالوا له أنه لقادم للقائك بغير التوان ، ولمّا مرّ بمديونة لم يتركوه يأتي بلا ضيافة ، فسمع البوحميدي وهجم عليه وأبطلهم من تلك الضيافة ، وحرق لهم الخيام ، ولمّ يخلص منه بن عبد الله إلا بالفرار لترارة بأشد الزام ، ولمّا سمع مصطفى ذلك انقلب راجعا لوهران ، فتلاقى به فرسان من الأغواط مذعنين له لما سمعوا به في ذلك المكان ، فبعث معهم شرذمة من مخزنه لخيامهم بأغلال من بلاد أولاد الزاير ، لينقلوهم من ذلك المحل وينزلوهم بوسط مخزن الدواير.
ثم بعث بن عبد الله مرّة أخرى للاجتماع ، فخرج له مصطفى كعادته بالمحلّة ومعه الكولونيل المذكور بلا نزاع ، في ثامن عشر دسانبر ، الموافق للتاسع والعشرين من شوال بلا مخابر ، ونزلت المحلّة بسيدي أحمد أبي كراع ، قرب حمام أبي حجر بلا نزاع ، وأذعن له بذلك المحل عدة نجوع ، ففرح بهم وذهبوا في نفوع.
ثم في ثامن العشرين من الشهر المذكور ، الموافق لتاسع ذي القعدة الحرام من الشهور ، / ذهب الكولونيل طنبور : ومعه فسيالات (كذا) ومصطفى بن إسماعيل ، بمخزنه بعد ما تركوا المحلّة بموضعها إلى كدية الدّيس ، لملاقاة بن عبد الله بقرب عين البريج في غاية التحديس ، ولمّا رآهم بن عبد الله ترك قومه في رأس الحمّار ، وأتاهم بصحبته آغته مولاي الشيخ ذو الافتخار ، وقصد مصطفى بمن معه من الدولة ، فترجّل الجميع وجلسوا حذاء دومة للاتفاق على ما يئول (كذا) للصولة ، فأتى الكولونيل وأهدى بن عبد الله هدية جليلة ، وجعله في حماية الدولة قولة جميلة ، وعيّن له خراجا سنويا يأخذه مفضوضا مشاهدة قدره ثمانية عشر ألف فرنك وبما وقع بينهما الاتفاق حصل عليه الافتراق ، فمنها الكولونيل رجع بأمر القبرنور لوهران ، ومنها مصطفى ذهب وفي صحبته بن عبد الله لناحية تلمسان ليعطيه (كذا) المحلّة التي اتفق معه عليها لقتال الأمير وأتباعه حيث كان ، وبقي مولاي الشيخ في محلّته ، متأمّرا عليها ويجول في جولته.
ثم قدم القبرنور من الجزائر ووصل لوهران في العشرين من جانفي سنة

اثنين وأربعين وثمانمائة وألف الموافق لثاني ذي الحجة من عام سبع وخمسين ومائتين وألف ، وخرجت المحلّة التي تحت رئاسته من الجزائر في الرابع والعشرين هذا الشهر من السنة المشهورة ، الموافق للسادس من ذي الحجة المار من السنة المزبورة ووصلت لتلمسان في ثلاثين من الشهر المذكور ، الموافق للثاني عشر من ذي الحجة المزبور.
ثم خرجت إلى أولاد رياح في ثاني فبري (كذا) من تلك السنة ، الموافق للخامس عشر من ذي الحجة من السنة المعنية ، وفي هذه الأيام هجم البوحميدي على بعض خيام الدواير الذين بالخندق ليلا وأخرجهم من الخندق ، وهذه بلية صارت الناس من أجلها في غاية القلق. قال ولنرجع بالكلام إلى الأمير الذي أمر خليفته الحاج مصطفى بمقاتلة النجوع التي بدائرة المعسكر ، وأتى هو لناحية تلمسان لجمع الجيوش في المعتبر ، فإنّه في رابع فبري (كذا) تلاقى بمحلّة القبرنور : فأمر القبرنور مخزنه بقتاله فانتضوا عليه كالصقور ، وأثخنوا فيه بالقتل الكثير وهزموه إلى أن بلغ لأولاد سيدي المجاهد ، وسبوا منه ستا وثلاثين فرسا وأتوا بأسارى كثيرة في المصافد ، وهذه المقاتلة قد انفرد بها المخزن وحده ، فبلغ بها الثناء الجزيل ومجده ، ودخل القبرنور : بكافة محلّته تلمسان ، واستقرّ بها برهة من الزمان.
ثم خرج القبرنور : بمحلّته من تلمسان إلى سبدو الذي هو في حدّ التل من بلاد أولاد ورياش ، لكونه من أوتاد الأمير كسعيدة وتاقدمت بعمالة وهران وطازة (كذا) بعمالة الجزائر بالارتياش ، ولمّا وصله هدمه في تاسع فبري (كذا) على مالسزياري (229) (كذا) الموافق للثاني والعشرين في ذي الحجة. وعلى ما لمرطبلي في الرابع والعشرين من الشهر المذكور ، الموافق لثامن محرم فاتح ثمان وخمسين ومائتين وألف في المسطور ، وأذعنت الناس بالجهة الشرقية إذعانا تاما من شلف للمعسكر ، ومنها لرزيو في المعتبر ولم يبق خارج عن الطاعة إلا لغرابة ، قد تحيزوا بأماكن يرون أن لا تكون لهم بها الاسترابة ، ولما رأوا الدولة قد أحاطت بهم من كل جهة ، ولم يجدوا سبيلا للوجيهة / بعثوا للقبرنور :
__________________
(229) يقصد رواية استيرازي ، في كتابه عن مخزن وهران المشار إليه سابقا.

بالإذعان ، ومعهم طرف من بني عامر والحشم وأحبّوا أن يكونوا من الدولة في الأمان ، فقبل كلامهم القبرنور : وأذعنوا ، وأزال ما بهم من الخوف وتامّنوا ، حدّثني آغة الغرابة الحاج عدّة ولد الموسوم ، أن الغرابة لما أذعنوا وصاروا من جيش مصطفى بن إسماعيل قال الحمد لله الذي جمع الخيمة التي كانت مفترقة بالرسوم ، حيث الأعراش الأربعة المخزنية صارت في قبضة واحدة وذهب ما بهم من النيّة الحائدة.
ثم بعث القبرنور : للجنرال بيدو : بمستغانيم وأمره بالذهاب لجهة تلمسان ، ليفتش على محلّة الأمير ويقاتلها حيث ما وجدها وفي أي مكان ، فذهب فورا لما أمر به ووصل لتلمسان في رابع عشرين فبري (كذا) من سنة اثنين وأربعين وثمانمائة وألف الموافق للتاسع من المحرم الفاتح لسنة ثمان وخمسين ومائتين وألف. ثم خرج على الغسل ووصل لندرومة فأذعنوا له من غير اختلاف ، ثم زاد مصطفى وابن أخيه المزاري بمخزنهما إلى قرية الكاف ، فأمر مصطفى المخزن بالنزول والدخول عليهم في الغيران ، ففعلوا وأخذوهم عن آخرهم أخذة شديدة الأحزان ، ولمّا رأت الدّشور (كذا) التي بحوائط الكاف ذلك النكال ، بادروا للإذعان من غير القتال ، ولما تولى الجنرال داربو فيل :(D'ARBOUVILLE) على مستغانيم بدلا من الجنرال بيدو الذي ارتقى لتلمسان ، جمع جيشا عرمرما وخرج به لترتيب فليتة بحسب الإمكان ، ثم ذهب لتاقدمت ولما صار بمدغوسة وقع الثلج العظيم ، فذهب لفرندة وبمروره غزى غزوة كبيرة ظفر فيها بالسّبي الجسيم ، فبينما هو كذلك وإذا بالمطر السائل كأفواه القرب تزايد فدخل محلّته للغابة لنيل الأرب ، وفلت من يده كثير السبي والأسارا (كذا) ، ومات الكثير من باقي الأسارا ، ومات له أربعون فرسا ما بين خيل الطبجية ولتران (كذا) والتجأ إلى كهوف افرندة للنجاة ، وقدم في تلك اليلة (كذا) صدامة لمحلّة دوليني وكان ليتنان (كذا) ، لكون تلف بالنهار مع بعض الخيالة ، وأرادوا التغلظ عليه ثم أذعنوا في حالة الجيالة وبقيت تلك المحلّة نصف شهر لا تأكل إلا حبوب المطامير ، ولما انجلا الحال جاءت تلك المحلّة مع طريق أم العساكير (كذا) وكان ذلك في شهر مارس سنة اثنين وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام ثمان وخمسين ومائتين وألف ، وذهب الحشم لجبل البرج في المشهور ، وذهب الغرابة والقطارنية وأولاد

سليمان لوهران لملاقات القبرنور : ولمّا اجتمعوا به سألوه أن يجعل لهم حدود النجوع ، ولا يدعها مهملة ليلا (كذا) يتولد منها بعض الصدوع.
قال ولنرجع بالكلام على بن عبد الله فإنه لما رأى أنه لا فائدة له في المقاتلة للأمير مع الدولة ، ورام أن يحصل له الثناء والمزية وحده ويفوز بالصولة وكان الأمير أراد أن يرد لنفسه من رعيته كل من أذعن للدولة ، فجمع جيشا لقتال الأمير بالنكاية ، فسمع به الأمير وهجم عليه ليلا وأخذ محلّته ففرّ هاربا لعين الحوت سائلا للوقاية ، ثم قدم عند الجنرال بيدو : فجعل له صلة بغاية الوصف ، إلى أن ذهب للحجاز في سنة ست وأربعين وثمانمائة وألف.
ثم هجم الأمير على من كان بقربه / من أولاد سيدي الخوان وأولاد عومر من الغسل فأخذ أموالهم غنما وغيرها ، ومرّ على حمام بن زمرة وتافنة غانما خيرها ، فسمع به مصطفى بن إسماعيل صباحا فلحقه بمخزنه في ذلك الوقت وفك له الغنيمة ، ولم يخلص منه بالفرار لترارة باكيا نواحا ، وكانت مدة العيبة ثلثي اليوم ، ودخل لتلمسان بتلك الغنيمة والأمير حل في اللوم.
ثم جاء السرسور لوهران لإراحة المخزن في سابع إبريل سنة اثنين وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لثاني عشر صفر سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف ، وجاء الجنرال داربوفيل : لمستغانيم كما مرّ في البيان ، فبعد أيام خرج على شلف وزاد لدار آغة بن عرّاش بالبيان ، وصحبته المزاري وقدور بالمخفي بمخزنهما جهارا فبمجرد حلوله بها خرّبها وأضرمها نارا ، وبذلك المحل أذعنت العرب من مينا لأولاد خويدم ، وأذعن للجنرال لمرسيار : بعد المحلّة الكبيرة غير ما مرة طرف من فليتة وجميع صدامة والحوارث والحشم والكثير من أهل اليعقوبية بغير عويدم.
ثم أمر القبرنور بانتظام محلّة بمستغانيم في أول يوم من ماي الموافق للسادس عشر من ربيع الأول تكون تحت رئاسته ، ليغزوا (كذا) بها على النواحي الشرقية إلى أن يربصها بسياسته. ولما سمع الجنرال أبو هراوة صمّم على الجولان بتلك المحلّة المنتظمة للقبرنور : وخرج من المعسكر لمستغانيم وجمع الزاد وأمر الأعراش المذعنين بالخروج مع المحلّة فلبّوه لذلك بغاية السرور ،

وذهب للنواحي الغربية بشلف لتدويخ العصات (كذا). وقد خرج الجنرال شانقرني :(CHANGARNIER) بمحلّته من مليانة مغربا لتدويخ البغات ، وغرضه الاجتماع بأبي هراوة بوادي الروينة الذي يحصل به الفرح حين الملاقات (كذا) وتذهب كل الغبينة ، لكون أبي هراوة كان معه قبل هذه الجولة الجيش العظيم ، الذي فيه مصطفى بن إسماعيل وابن أخيه المزاري بمخزنهما وقوم كثيرة من بني مطهر وأولاد بالغ المذعنين سابقا في القول العميم ، وجال بهم تنيرة وضاية بخراج وكرسوط ، والوهابية وأولاد سيدي يحيى وذوي ثابت وبني مريانن إلى أن دخل المعسكر في غاية البسوط ورجع مصطفى بمخزنه لحماية وهران ، وبقي أبو هراوة بالمعسكرة وظنّ شانقرني : أنّ المخزن لا زال معه مجتمعا فأتى ليراه لما يسمع عنه من بسالة الشجعان ، وفي تاسع ماي الموافق للرابع والعشرين من ربيع الأول دخلت المحلّة للمعسكر ، وجلس لمرسيار : بها وللأمر بالمنتظر.
ثم خرجت المحلّة من مستغانيم تحت رئاسة الجنرال برجلي : وفيها ثمانية فواس (كذا) من العرب تحت رئاسة قدور بالمخفي منهم بالمصابيح بن ساحة ، فجالت يمينا وشمالا ورجعت ولم تر جناحه.
ثم خرج القبرنور : في خامس عشر ماي الموافق لثلاثين ربيع الأول بالمحلّة التي كانت في انتظاره مقيمة بسيدي بالعسل ، فجال بها يمينا وشمالا ورجع لمحلّه الأول ، وفي ثامن عشر ماي الموافق لثالث ربيع الثاني ، خرج القبرنور بيج أيضا بمحلّته ومعه من المخزن ألفي / فارس تحت رئاسة الحاج المزاري ومصاحبا له قدور بالمخفي في غاية التبياني ، وذهب لتدويخ بني زروال وغيرهم من الأعراش ، الذين أذعنوا ثم حصل منهم التخالف والتشواش ، فأطاعوه قهرا ، ودخلوا في حكمه قسرا ، وانجرح بالمزاري فرسه بغير قول قال ، وتعرف هذه الواقعة بواقعة سبت بني زروال.
وأخذ المزاري في ذلك اليوم علامة الافتخار ، كما تعرف تلك الواقعة أيضا بغازية الكاف الأصفر في السر والإجهار ، وقد أثخن المخزن في العدو إثخانا عظيما ، ونال من الدولة ثناء جميلا وشكرا جسيما ، ومات من جيش الكولونيل لتورجين في تلك الواقعة خلق كثير ، وفاز بعده بالظفر الكبير ، وتمادا

(كذا) ماشيا للجهة الشرقية من غير متعرض له إلى أن وصل لجبل مزاية ، فحل به الانتقام ، وكان ذلك اليوم كبيرا مات فيه جيش كثير عزّته فيه نائحة العزاية.
ثم جاءت محلّة الجنرال بيجو لمتيجة فهدمت سورها وزادت المحلّة للبليدة وأزالت للأعداء نفورها.
قال وكان الجنرال أبو هراوة خرج بمحلّته في خامس عشر ماي سنة اثنين وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لثلاثين ربيع الأول عام ثمان وخمسين ومائتين وألف ، من المعسكر قاصدا لنواحي تيارت رائما لقضاء ما كان له في الفايت ، فمرّ بمنداس ووصل إلى تاقدمت فأضرم نوايلها نارا ، ولقى بطريقه العدو مرتين فقاتله جهارا ، فالمرة الأولى مع الأمير بخيالته فقتل المخزن من الخيالة ثلاثة أو أربعة رجال وأخذ خيولهم ، والمرة الثانية في عين الكرمة من بلاد عكرمة مع الأمير وخليفته قدور بن عبد الباقي فهدم المخزن سيولهم ، وكانت هذه الملحمة في غاية ما يكون من القتال ، مات فيها من جيش الأمير خلق كثير من خليفته بن عبد الباقي وخزندارة بن عبّ الخن من كثرة النزال ، وكان القاتل لبن عبّ آغة الزمالة محمد بن المختار ، ومنهم من يقول قتله آغة الغرابة الحاج عدة ولد المرسوم والصحيح أنهما اشتركا في قتله كما في صحيح الأخبار ، ونهب المخزن للعدو جملة من الخيول ، كما نهبت المحلّة ما أرادته من السّعي بالقول المنقول ، ومات من المخزن بن عبد الله ولد البهيليل ومسعود ابن شهيدة ، والعربي بن يحيى في القولة التي ليست برويدة ، وتمادى الجنرال سائرا بمحلّته إلى أن خرج على الكاف ، وزاد على بنيان الرومان جيهة (كذا) تيارت ثم زاد لعين تاودة بناحية الأصنام بغير الخلاف ، وقد أذعن له أولاد الشريف وأولاد الأكرد والأحرار الشراقة وحلوية في سابع عشرين ماي المذكور ، الموافق لثاني عشر ربيع الثاني بالمشهور ، ولمّا رجع بمحلّته للمعسكر بلغه الخبر في حادي ثلاثين ماي الموافق لسادس عشر ربيع الثاني ، من عند مدغوسة بأن الأمير هجم على الحشم الشراقة في واد العبد بغير التواني ، فبلغ الخبر فورا لمصطفى بن إسماعيل وهو بوهران ، فخرج بمخزنه حارجا إلى أن وصل للكرط بقرب المعسكر في ثالث جوان ، الموافق لتاسع عشر ربيع الثاني بإيضاح البيان ، وكان الجنرال أبا هراوة / ترك محلّة صغيرة بحوائط المعسكر وقاية بها بالعيان ، وزاد على سعيدة وعين الحجر

وتمطلاس وخرج في حسيان سفيد ، وبه أذعن بعض الجعافرة في القول المفيد ، وكان الأمير بذلك الوقت في غريس ، ومعه شرذمة قليلة يروم بها التخليس ، وفي ثاني عشر جوان سنة اثنين وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق للثامن والعشرين من ربيع الثاني سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف ، خرجت المحلّة من مستغانيم بقصد فليتة في الجولان ، والتقت في زمورة بخليفة الأمير الحاج مصطفى صاحب واقعة مزغران ، وحصل القتال الذريع ثم انفصل عن بعضهم بعض الفريقان ، وقد حصل الثناء الجميل في ذلك اليوم لمخزن المزاري بالغاية لكثرة قتاله وهجومه على العدوّ بما بلغ به للغاية. قال وبعد استراحة أبي هراوة بالمعسكر ثلاثة أيام ، خرج بمحلّته ومعه المخزن لنيل المرام ، وذلك في عشرين جوان الموافق لسابع رجب ، وذهب لفرطاسة وواد التات دون وصب ، ومكث به إلى خامس جليت الموافق لثاني عشرين رجب الأصم ، واشتغل جيشه بحصاد حب فليتة والحشم.
قال وأما الجنرال داربوفيل : الذي كان بنواحي شلف ، فإنه دخل بمحلّته لمستغانيم في أوائل جليت الموافق لأوائل العشرة الثالثة من رجب بغاية وصف.
ثم ذهبت محلّة المعسكر بمخزنها من فرطاسة في خامس جليت الموافق للثاني والعشرين من رجب الموصوف بالفضل والصيت ، لتلك النواحي فمرت بعرجة القطف وسيدي الجيلالي بن عمّار ، وسيدي بلقاسم إلى أن خرجت لمن أذعن من الأحرار وزادت لبلاد قجيلة التي فيها زاد الأمير وما له من السلاح ، فبحثوا عن ذلك وأخذوا ما وجدوه وهم في غاية الافتلاح ، قال ولمّا وصلوا لقجيلة تأمّل مصطفى بن إسماعيل فيها غاية ولما أعجبته تلك البلاد ، فاه متكلما بهذه الأنشاد :
يا ولاد محي الدين الكاثرين الإفساد
 

الساكنين ذا البلد الزين في السحري
 
ما تستهلوش يا سراق الهذا البلاد
 

يستاهلها الفرانسيس ونخدمهم التال عمر
 
حين وصلتهم للصحرا زولوا الانكاد
 

نقدر نموت مطرح حين خلفت ثاري
 
ومنهم من يقول أنه لم ينشد شيئا وإنما قام خطيبا بأعلا (كذا) صوته بمرآت الناس ، قائلا الحمد لله الذي خلفت ثاري من أولاد محي الدين ونحيت

ملكهم وأطردتهم عن البلاد ووصلت في أثرهم بجيش الفرانسيس إلى قجيلة ولا زلت تابعا لهم إلى أن أمحي آثارهم بالكلية ويحصل لأنفسهم الإياس ، ومن بلد قجيلة افترق المخزن مع الجنرال أبي هرواة بالبيان ، فمنها الجنرال زاد للتل ومنها المخزن رجع لوهران ، فدخلها في أوائل أوت سنة اثنين وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لأواسط العشرة الثانية من شعبان سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف ، وفي ثامن ستانبر (كذا) الموافق للسابع والعشرين من رمضان ، جمع القبرنور جنرالاته وأمرهم بالتفتيش على الأمير وجيشه والباعة أين ما كان ، فمنها / الجنرال دربوفيل : أتاه الأمر بأن يرجع لفليتة البحرية ، ويبحث في سائر أماكنها من ملعب قربوسة وغيب الشرفة من جهة العمارنة بالكلية ، ومنها مصطفى بن إسماعيل يخرج بستمائة فارس مقاتل من مخزنه ويجتمع بالجنرال أبي هراوة في السادس عشر من ستمبر سنة اثنين وأربعين وثمان مائة وألف الموافق لخامس شوال سنة ثمان وخمسين ومئاتين وألف ، في عين الكرمة ثم يخرج على الطريش وعين تاودة وواد سوسلم وقصر بن حماد إلى أن يصل إلى رأس عين طاقين ولما سمع الأمير ذلك خرج من الصحراء ودخل التل فأخذ على رهيو والشلف وهجم على أولاد خويدم وأولاد العباس الذين كانوا للدولة مذعنين ، فأخذهم كثيرا وذهب لناحية المعسكر فوصلها في ثلاثين ستانبر (كذا) الموافق لتاسع عشر من شوال وهو اليوم الذي وصلت فيه المحلة لطاقين ولما مر الأمير بالبرج أضرمه نارا ، وتركه رماد بتمامه جهارا ، بعد ما انجلا (كذا) عنه أهله لسجرارة وبني شقران ، ومنهم من وصل إلى سيرات رايمين له عدم الإذعان وفي ثامن أكتبر (كذا) الموافق لسابع العشرين شوال سمع الأمير بأن الكثير من الأحرار أتوا بأمر الجنرال لمرسيار أبي هراوة إلى مطمر أولاد الشريف المذعنين له لأخذ حبه بتمام وهم له في الاضطرار فهجم عليهم معتقدا أن المحلة لم ترجع من طاقين وكان ذلك قرب الطريش باللوحة بالتعايين فسمعت المحلة النازلة هناك وركبت بمخزنها القساور ، وهجمت عليه فنزعت له جميع ما سباه من الأحرار وقتل منه المخزن مائة نفرا في حالة المضاجر ، وغنموا له مائتين وثمانية من الخيول ، وأسروا خمسين نفرا من جيشه وأتوا بهم في الكبول وقد حاز المخزن في ذلك اليوم للثناء الجميل وشكرته الدولة بالشكر الوافر الجليل ، ولما رأى

الجنرال أبي هراوة صفاء خدمتهم وكثرة تعبهم وشدة صدمتهم أذن لهم بالرجوع إلى وهران ، للراحة وإزالة الأوساخ والأدران وذلك في اثنين وعشرين اكتبر (كذا) سنة اثنين وأربعين وثمانمائة وألف الموافق للحادي عشر من ذي القعدة الحرام سنة ثمان وخمسين ومائتين وألف ، وزادت المحلة إلى فليتة ومنداس وهجم الأمير أيضا على فليتة أيضا الغربية والشكالة وحلوية ، والكرايش وبني نسلم بغير التباس ، وذلك ما بين جانفي وفبراير من سنة تلات وأربعين وثمانمائة وألف الموافق لشهر صفر من عام تسع وخمسين ومائتين وألف وهجم في مارس الموافق لربيع الأول على شرفة فليتة ولم يدع لهم تفليتة ، ولما سمع بدخول محلة الجزائر بالقوة المعينة افترق على جبال وانسريس وشلف والظهر بجيشه وأقام مدة الشتاء ما بين جديوية وواد الروينة.
ثم تلاقت المحلة التي هي في مستغانيم تحت رئاسة الجنرال جانتي مع العدو في أولاد خلوف ، وحصل القتال الذريع فيه بين الفريقين المفرق بين الألف والمألوف ، وشمر فيه المزاري وصحبته قدور بالمخفي والمخزن عن ساعد الجد وصال على العدو إلى أن أذاقه النكال وأزال ما به من القوة والجد ، وهزم العدو هزيمة شنيعة وقع بها في الفلل ، وهذه الواقعة تسمى بواقعة سيدي الأكحل / وذلك في عشرين مارس سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف الموافق لثاني عشر ربيع الثاني سنة تسع وخمسين ومائتين وألف وكثر القتل في بني زروال ، ورأوا من المخزن غاية العذاب والنكال ففاز المخزن في تلك الواقعة بالثناء الجميل والشكر الكثير الجليل وهو آغة بالجهة الشرقية تولاها في تاسع أوت سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف تولى بايا بمستغانيم مصطفى ابن عصمان وتولى أخوه إبراهيم خليفته بالمعسكر بالقولة الفرقية. قال ولنرجع بالكلام إلى نواحي تلمسان فنقول وبالله الاستعان ، أن الجنرال بيدو الذي كان مترئسا بتلمسان ، خرج في شهر نوفبر (كذا) بجيشه فجاس بلاد بني عامر ، ورجع لتلمسان في حالة زاهر ، ثم خرج أيضا في مارس وإبريل من السنة المذكورة الموافقين لربيع الثاني وجمادى الأول من السنة المسطورة وجاس غربي تلمسان ، لجيال بني سنوس وبني أبي سعيد ولما وصلت المحلة للمحل المسمى بشجرة برّافراف تكلم فيها وجوه البارود من مخزن الأمير ولم تكن فيهم فائدة بكل ما

كان ، وفي خامس إبريل الموافق للثامن والعشرين من ربيع الثاني اجتمع الجنرال بيدو بقائد وجدة واتفق معه على الصلح وجعل الحدود فأبى ذلك المغاربة وقاموا على قائد وجدة ورموا المقاتلة مع المحلة بالشدود ولما رأى الجنرال ذلك الخلاط وكونه فوق مقدور القائد ترك ذلك لوقت آخر خشية من بعض العياط.
قال ولنرجع بالكلام على القبرنور فإنه بعد المقاتلة في السنة المذكورة بالاتزام ذهب بمحلته إلى بلاد الأصنام ، وذهب الجنرال أبو هراوة إلى تيارت. وكانت محلة معسكر تجمعوا في خدمة البناء بها بالقول الثابت.
ثم خرج الأمير من محل الشتاء ومر لمحلة قبرنور ثم زاد للجعافرة وأولاد إبراهيم واليعقوبية في المشهور ثم انحدر لوطاء غريس في ألف وثمان مئة فارس ، وهجم على الحشم في تاسع عشر أبريل الموافق لثاني عشر جمادى الأول من غير حادس. ولما سمعت الدولة بذلك بعثت لمصطفى بن إسماعيل بوهران ، ليقدم بمخزنه ومعه المحلة تحت رئاسة الكلونيل جيري لناحية المعسكر لدفع العدو عن الأعراش المذعنة لها بغاية الإذعان ، ولما وصل ذلك المعسكر ترك الجنرال أبو هراوة الكولونيل جيري بذلك المكان وذهب بالمخزن لليعقوبية عند أولاد خالد والحساسنة بالعيان ، ثم زاد قاصدا لتيارت ، ولما وصل إلى أسفل فرندة في الحادي والعشرين من أبريل الموافق للرابع عشر من جمادى الأولى بالنقل الثابت ، مكث هنالك لتلحقه المحلة الثانية من المعسكر ، وفي ذلك اليوم هجم الأمير على صدامة وخلافة في مدغوسة في القول المشتهر ، فاجتمع العرشان على قتاله إلى أن لحقتهم المحلة للإعانة فقتلوا من جيشه خمسين فارسا في حال الإعانة ، ثم ذهب ونزل فوق وادي مينة ، وهو في حالة الكربة والغبينة ، وبعد أيام افتقر للزاد فخرج على المناصفة بناحية منداس ، وذهب إلى فليتة الفواقة المذعنين للدولة بغاية اقتباس ، فقاوموه عتيدا ، وقاتلوه شديدا إلى أن قتلوا منه ثلاثين فارسا / وغنموا منه ستة وخمسين فارسا حارسا. وكان من جملة القتلى سياف جيشه علي بن عومر وأتوا للمحلة برأسه مجزوزا ، وذلك بقرب سيدي محمد بن عيسى قولا مفروزا. وأما آغة بن رباح فقد أسر باللوحة وهذان الرجلان قد اجتمع (كذا) بالجنرال أبي هراوة بوادي التاغية بنية الصلح مع الأمير في شهر جانفي سنة اثنين وأربعين وثمانمائة وألف بالتحرير.

وفي رابع ميب (كذا) سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لسابع والعشرين من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين ومائتين وألف (230) خرج الجنرال لمروسيال ومعه الكولونيل جيري والمخزن من المعسكر إلى واد العبد بمحض اختيار ، وحيث سمع بمقاتلة صدامة وخلافة أولا وفليتة ثانيا للأمير ومقاومتهم له فرح كثيرا وتحقق بأن الرعية أذعنت للدولة وقال الآن علمت ببغض العرب للأمير. وفي سابع ميب المذكور ، الموافق لثلاثين جمادى الأولى المسطور (231) خرج من سيدي الجيلالي بن عمار صباحا ووصل إلى الأحرار وهم بأعلا (كذا) مينة. وكان صدامة وخلافة مجتمعين ولهم قوة على محاربة الأمير من غير افتقار لمعينة. وبعد ذلك ذهب لناحية الدوك دومال (232) (LE DUC D'AUMAL) المقاتل للعدوّ غربي ذلك المكان بغير محال وذلك في عاشر ماي الموافق لثالث جمادى الثانية (233) كما ذلك محقق في السر والعلانية. وفي ثلاث عشر ماي الموافق لسادس جمادى الثانية (234) وصل للناظور بالتعين ، وبعد المقاتلة الكثيرة دخل للوسخ والرغاي بناحية طاقين وحاز العدو لجبل العمور ، ولما خشي الجنرال على محلته من انقلاب العدو عليه ويحل به بعض الألم رجع على أعين سيدي منصور. وفي الرابع عشر من ماي الموافق لسابع جمادى الثانية (235) تلاقى الجنرال جانتي (GENTIL) بمحلته بالعدو والذي تحت رئاسة الحاج محمد ابن الخروبي في سيدي راشد ، فوقع بين الفريقين القتال الشديد المتزايد.
__________________
(230) 27 جمادى الأولى 1259 ه‍. يوافقه 25 جوان 1843 م وهو خطأ على ما يبدو.
(231) 30 جمادى الأولى 1259 ه‍ يوافقه 28 جوان 1843 م.
(232) هو ابن الملك الفرنسي لويس فيليب.
(233) 10 ماي 1843 م يوافقه 10 ربيع الثاني 1259 ه‍ وليس جمادى الثانية.
(234) 13 ماي 1843 م يوافقه 13 ربيع الثاني 1259 ه‍ وليس جمادى الثانية.
(235) 14 ماي 1843 م يوافقه 14 ربيع الثاني 1259 ه‍ وليس جمادى الثانية.

معركة عين طاقين ونتائجها على الأمير
قال وفي ليلة عشر ماي (236) الموافق لثاني عشر جمادى الثانية جاء الخبر وهو بتيارت ، بأن دائرة الأمير أخذها الدوك دومال بطاقين في عاشر ماي الموافق لثالث جمادى الثانية في القول الثابت وذلك أن عبدا من أهل الدائرة المأسورين هرب وقبض فأخبر الجنرال وهو بتيارت وأن خلقا كثيرا من الحشم هربوا وذهبوا للكرايش بنهر واصل. ولما سمع الجنرال ذلك ركب بمحلته ومخزنه فورا وسار إلى أن لحق بهم بالخميس على مسافة أربعين كيلومتر (كذا) من تيارت بالتواصل فصار القتال الشديد بين الفريقين بالتشريد وغنم منهم إبلا وغنما وزادا كثيرا ونزل بمحلته في ذلك اليوم بعين التريد. ومن الغد وهو اليوم الثالث والعشرون من ماي الموافق للسادس عشر من جمادى الثانية نزل بمحلته في التات ، ومن ذلك المحل انقسمت المحلة فذهب قليلها للمعسكر ودخلها بالإثبات وذهب الجنرال لمحلته إلى تيارت بحالته الزينة.
مقتل مصطفى بن إسماعيل
وأراد مصطفى بن إسماعيل بمخزنه المرور على فليتة إلى أن يصل لوطا مينة ، فذهب على جبال المناصفة وله الزهو ، ولما وصل واد تامدة خرج له العدو وكان مخزنه في غاية الثقل بما سباه من الحشم. فقاتلوا العدوّ إلى أن أخروه عنهم بالعزم ثم تمادى مصطفى بمخزنه إلى أن وصل وقت العصر ما بين المناصفة ومينة فخرج العدو عليه في ضيقة العقبة البيضاء المورثة للغبينة وكثر ضرب البارود في أول محلته / فأخذ مكحلته (كذا) وتقدم لير (كذا) ما بمحلته. وبفور وصوله لوسط العدو أصابته رصاصة في صدره من عند العدو فسقط ميتا في الحين وافترقت محلته شغر بغر (كذا) وبقيت جثته في يد العدو بالتبين. واشتغل العدو بأخذ السعي من المحلة الفارة عن ما كان بيدها. وخلفت رايسها (كذا) منفردا وحيدا بيدها ، ولم يعلم أحد من العدو بأن الجثة هي جثة مصطفى
__________________
(236) 19 ماي 1843 م يوافقه 19 ربيع الثاني 1259 ه‍ وليس جمادى الثانية. وزمالة الأمير أخذت منه يوم 16 ماي 1843 م وليس يوم 10 كما ذكر المؤلف.

أصلا إلى أن سمع قربوصة بالمقاتلة وأتوا لمحل المعركة ونظروا للجثة فعرفها رجل أجنبي من الشرفة وأخبرهم بأنها جثة مصطفى بن إسماعيل الذي كان كهفا وصولا وأراهم الجرح الذي بيمناه الحال به في واقعة سكاك بالتحرير ، فجزوا رأسه ويده اليمنى وذهبوا بهما للأمير فلم يقبل منهم الأمير ذلك ، وقالوا لقد فعلتم عظيما بذلك ، فإني لا أحب أن يكون مصطفى بهذه الحالة وإنما أحببته أن يأتيني على فارسه حيا مزيل عنا للنكالة. ثم أمر الأمير بدفن الرأس واليد بعد التقسيم والتكفيف لهما والصلاة عليهما. وتأسف كثيرا من ذلك وعاتبا فليتة بما صدر منهم ومال إلى ناحية الرأس واليد متأسفا ملتفتا إليهما وكان موته في الثالث أو الرابع والعشرين من ماي سنة ثلاث وأربعين وثمان مائة وألف الموافق للسادس أو السابع عشر من جمادى الثانية سنة تسع وخمسين ومائتين وألف (237). وبقيت جثته مدفونة هنالك إلى أن جاء ابن أخيه الحاج المزاري من الحج فنقلها بالتحقيق ودفنها بمقبرة سيدي البشير بوهران في النقل الحقيق. وتوفي وهو ابن ثمانين سنة وقلما يوجد بوقته من الرجال ولا يضاهيه أحد من الشجعان الأبطال ورثاه الكواش أبو عبد الله محمد ولد قدوير (كذا) الزمالي بقصيدة من الملحون فقال (238) :
محمد شاش يا باب بين القومان يبكي يبكي ما شافشي صاف يجري لهفان
اخرج محمد الداني رأس امحاني يلقي مرباع الأعياني عوده عرينان
قال لهم يا اعموميا وين بويا عز المضيوم بابا يا فيكم ما بان
في بالي مات لا شكا زين الحركا روح للدايم بركا زهو العربان
روح للدايم دنش ذا المتفحشش وأبقيت أنا الاندفش بين الأقران
ظنيت اطفا ومصباح عز املاح والحق رفاقته راح تحت المدران
دبلوني ارفاقته جاح ضاع أسلاح بين الويدان يلتاح رهبت الأعيان
سيد ما بانش حزني واخبروني يا ناس اللوم ما جاني سرطة ثعبان
نبكي حزني على بابا مولا الرهبا زين التحزام والركبا غيب ما بان
قالوا له ناس بكايا واعموميا لا تحزن يا بن خويا ربي رحمان
__________________
(237) 23 ـ 24 ماي 1843 م يوافقه 23 ـ 24 ربيع الثاني 1259 ه‍.
(238) يقصد ولد قويدر كما يتضح في آخر القصيدة.

صفا نبكوه بالدمعا عام وساعا ما دام الناس مجتمعا والله رحمان
واجب نبكوه بالجملا يا رجالا من موته جاتنا غفلا رد البيان
/ كلي ما شافته عيني يا مقواني يهمر في القوم سيسني يوم الميدان
ما شفت اليوم ما نحكي كانك شبكي تراني ها ابني نبكي بكي الحيران
يركب ما لدوب بالخفا ثم يلفا وتجيه القوم بالعلفا تلغا باعنان
اركب ازرق مزغتم باعلامه ثم طيفيل اخداه تتحزّم مثل العقبان
اركب اكحل سوداني سرجه تغني تحلف تقول ذاجني ولا ثعبان
روح الفاس بالكلما وازها ثما واجلس مع الكرما طيب الإحسان
عرفوه أصلان من جدّ ثم شدّ وأعطاه امكافته وحد عبد الرحمان
زاده قدات ينقاد وابلا عود واعمل معاه مراد تسريح أمان
أعلاه القوم ملتما قلت زعما تخلف صاحب القيما من دار الشان
منه الناس مهتما زين الهما واعشر الالحاد في الظلما تحت المدران
أفليت يا بني طاغو راهم زاغوا قتلوا المشنوع بافراغوا ناس البهتان
صفا قتلوه بالزهدا قوم الاعدا أرذال الناس ذي نكدا كثرت الامحان
حين أن قتلو لنا صفا قالوا كفا فرحا وسرور ووفا بذا الثعبان
قطع راس مع يد بهم صدّ لابن الزهرا وميعاد يبغوا الإحسان
لما وصلوا البشّرا لابن الزهرا حصلت له يا بن عبرا وابقى زعفان
حين أوصل رأسه ويد زاد اكماد وابقى مردوف تنهد هذا السلطان
قاللهم ما هنا صنعا في الطمعا أفليت يالخداعا غير أبلامان
ما عندي ربح في موت كون أهديت مصطفى حين وجيت به تعيان
لو جيت لي البحثاوي حي مساوي نفرح ونزيد الازهاوي يحصل الأمان
وتعود الناس في خوا به الدوا ويزول الهم بالسوا وتزول أحزان
وتصير الناس في شرحا زهو وفرحا واقلوب الناس منطرحا جاهم رمضان
ويعود الصلح والفدا لا تحيذا ويكون الخير من وجدا لأرض الزبان
واطيع الناس مجموعا غيرا بساعا والحكم يكون بالصنعا تطفا النيران
والنصارى ايخاوونا ويهنونا والصلح يكون بيننا في كل امكان
الله الحد ذي شمتا قوم فليتا تقتل عالم النهتا صفا السجعان
حزني حزني على صفا زين الصفا ولد اسمعين ما يخفا ساكن مدران
كلي ماعش في الدنيا رهج العديا ما شاف أتراك ونديا هم الأعيان
حزني حزني على الرقبا مولا الرهبا صفا صنديد بوعذبا عز الفرسان

عز الفرسان ما جاني راه أهداني أكثر همي وتشطاني من ولد فلان
/ من بوعرنين بوهدبا وقعت غلبا من موته يا بني صعبا رحمه رحمان
ابقا عرش مع ناس في تدناس واقراره كامل انطمس كلي مكان
مركاح الناس في الشدا سور العمدا مولا النطحا مع الهدا سبع الافتان
صفا صفا ابن الوكدا ناس الشدا أهل أقواطين مقصودا ناس الزنزان
ضيمي ضيمي على سبعي يا تبوعي صفا المشنوع بالنفع وامس دكان
ضيمي ضيمي على الرقبا زين الركبا صفا قلاع للغلبا منه حيران
ضيمي ضيمي على صفا زين العلفا إذا هو ابني يلفا تبقي دكان
ضيمي ضيمي على الجيد رآه المرمد ولد اسماعيل بو والجد عاش مدران
أفليت به كشاعوا عاد ارتفعوا قتلوا صفا الي سمعوا عابوا ما كان
الله الحد مادرت يا من جيت ولصفا قاع خليت بيد العديان
امحمد يالمزاري زهو أبصاري عمك متروك في القفر نحك ما كان
طل طل المزاري يا جبار خلاص انقام متحذري رهبت الأعيان
ارجع بركاك من حجك واعمل جهدك واقطع الكل لا تترك حتى النسوان
في افليت حط باوتاقك يا بن عمك واخلص الثار من عمك يا عال الشان
محمد يا بن يشكر ولد اقويدر ناس الخصلا أهل الحيمر عز العربان
محمد شاش يا بابا بين القومان يبكي ما شافشي صافا يجري لهفان
 
ومات رحمه‌الله بعد الظهر بالمريرة التي بغابة سيدي حراث ، بالعقبة البيضا المحاذية للعشبة الكبيرة التي ببلاد الرقايقية ذات الاكتراث ، وهم بأرض منداس ، التي حصل بها الهم الجزيل وصارت الناس بموته في الأحداس ، وتأسف لفقده كل من له معرفة به من النصارى والمسلمين حتى الأمير. وحل بالجنرال أبي هراوة من الغضب ما حل إلى أن صار على فليتة في الغيظ الكبير. ثم كتاب الجنرال أبو هراوة للجنرال تيري بوهران وقال له تعلم كافة الدواير والزمالة وسائر المخزن بأنه صار عليهم بموضع المرحوم آغة محمد بن البشير ، وتأمر أبناء عمه وكافة المخزن بأني لا أحب واحد منهم لما تركوا سيدهم بأرض العدو وغنموا سلامة أنفسهم بالفرار. وذهب الجنرال للنواحي الغربية ليهدن روعتها ويمهدها بسائر الأقطار.
ثم إن الأمير لما رأى الجنرال توجه للناحية الغربية هجم بجيشه على الأحرار ، وسبا (كذا) لهم جميع ما يملكونه وتركهم في حاله الأشرار ، وذلك في

ثامن جوان سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لثالث رجب سنة تسع وخمسين ومائتين وألف (239).
ولما اتفق قدوم الحاج المزاري من الحج بأثر موت عمه مصطفى بن إسماعيل ولته الدولة بمحله بل بموضعه في القول الراجح الشهير. وجعل عليه خليفة ابن عمه محمدا بالبشير.
ثم أمر الجنرال الكبير ، المخزن بالخروج من وهران والإتيان عنده بلا أخبية ولا يرجعون إلا بأخذ الثأر ، وإزالة اللوم والعار ، والأفهم من جملة النائبة أهل المذلة والنية الخائبة. فامتثلوا أمره وخرجوا تحت رئاسة آغة الحاج المزاري القادم من حجة يوم موت عمه مصطفى في قول التماري ، في ثالث عشر جوان سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لسابع رجب سنة تسع وخمسين ومائتين وألف (240) ولحقوا به وهو في الرحوية من بلاد فليتة ، وجزموا بأن لا يدعوا لأحد منهم تفليتة. وكان الأمير نازلا بالكرايش ثم نزل ومعه الكرايش وفليتة وحلوية برهيو ، وهم في صولة عظيمة لا عبرة لهم بمحلة الدولة ومخزنها بغاية الترهيو.
وحصل القتال الشديد في ذلك اليوم ، وظهرت من الحاج المزاري الشجاعة التي أزال بها للعار واللوم ، وأتبعه المخزن في فعله بغاية المراد ، وظفر بالعدو وهو في الازدياد. وقد كان العدو حمل أمتعته على الإبل وقاوم المحلة بما أراد ، فخيب الله له ما تمنى وأراد ، وصارت أمواله صارخة. ومن شدة القتل عادت نائخة. وكان رجل في غاية الشجاعة على فرسه وهو كبير بني لومة ، ومعه آخرين في غاية الشجاعة التي صيرتهم عدومة. يقاتل وهو حصن العدو المنيع وكهفهم الحصين المنجي لهم من التوقيع ، فلاقت عليه خمسة فوارس من الدواير في ميدان المعركة بغاية التلاق ، وهم محمد بالبشير ، والسيد محمد بن داوود آغة. والسيد أحمد ولد قادي باش آغة ، وبن عودة بن إسماعيل ، والحاج قدور بالشريف الكرطي ، وصار بينهم كثعلب بين السلاف ، إلى أن قتله باش آغة
__________________
(239) 8 جوان 1843 يوافقه 10 جمادى الأولى 1259 ه‍ ، وليس 3 من شهر رجب.
(240) 13 جوان 1843 م يوافق 15 جمادى الأولى 1259 ه‍ وليس رجب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

بناء شخصية  الأطفال   ...