الخميس، 8 مارس 2018

إسم هذا الكتاب : طلوع سعد السعود في أخبار وهران (الجزء السادس من الكتابة )

التحرير الأول لوهران عام 1708 م
ثم فيليب الخامس وولده ألوى (1) الرابع عشر وهو ببطن أمه وتولى سنة سبعة عشر ومائة وألف (2) وبقي في الملك أربعة وعشرين سنة وبقيت وهران كسائر مملكة إسبانيا تحت حكمه واشتدت شوكة النصارى على المسلمين إلى أن تولى بوقته شريف النسب ، وكثير اللجين والذهب ، إمام جامع المجادة الأزهر ، وبدر مطالع السعادة الأزهر أبو الفتوحات الربانية القائم في أيالة / محروسة الجزائر (ص 172) بتصرفات الدولة العثمانية ، أبو عبد الله محمد خوجة بن علي داي الجزائري الدار ، النكدلي المنشأ القرشي النجار المعروف ببكداش ، المنصور بالله على النصارى الأوباش ، قدس الله روحه وبرد ضريحه ، باشة بالجزائر ، التي هي مأوى لكل قاطن وزائر ، يوم الجمعة منسلخ ذي القعدة الحرام ، سنة ثمانية عشر من القرن الثاني عشر (3) بلا انصرام ، بعد عزل الباشة الذي قبله الشريف السيد حسين خوجة ، الصائر للأمور المحوجة ، جهّز الجيوش لباي الجهة الغريبة المجتمعة الخالية الفواتي الموافق لها في سائر الأحوال المواتي أبي الشلاغم مصطفى بن يوسف المسراتي إعانة له لما هو فيه من الحصار لوهران في جيشه المخصوص به من الترك والعربان لنظر صهره ورديفه السالم من جميع المحن ، وزيره أوزن حسن فجاء بالجيوش برا وبحرا ، وخيموا على أرجائها سهلا ووعرا ، في جنة المأوى ورهبة من نار السعير ، وصارت الجنود البحرية تنزل بمرسى رزيو ثم تذهب لوهران ، فرارا من المانع بالبحر من المراكب المشحونة بالعديان (كذا) فحاصروا وهران وضايقوها من كل وجه متفق ومتخالف واشتد القتال وكثر النزال بها مدة والحرب مترادف ، وشوهد للمسراتي في حال الحروب أمور عجيبة ، وحملات على الأعداء غريبة ، بانت فيهما شجاعته وكفايته وفراسته وعنايته ولا زالت جيوش الإسلام تحاربها وتنال منها الغنائم والمثوبة والاجراء (كذا) وتراوحها وتصابحها وتعالجها بالقتال الذريع إلى أن فتحوها عنوة وقهرا ، وذلك
__________________
(1) يقصد لويس.
(2) الموافق 1705 ـ 1706 م.
(3) الموافق 5 مارس 1707 م.


صبيحة يوم الجمعة سادس عشرين شوال سنة تسعة عشر من الثاني عشر (1) بعد إقامة النصارى بها مائتي سنة وخمس سنين في ما اشتهر ، وإلى ذلك أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
لما أراد الله عود الإيمان بها
 

أقام بالجزاير مذهب الدّمس
 
محمدا بكداش أضحى باشتها
 

قد فاق الأكفاء في الدّهاء والرعس
 
جهز أجفنا بالأتراك مشحنة
 

في شرقها نزلوا في برّها اليبس
 
مدافعا وعرادات أتانا بها
 

أضحى لذلك حزب الكفر منبئس
 
(ص 173) / في كل حين أوزن حسن يزاولها
 

وقائف مصطفى ذو البأس والفرس
 
ففتحت عنوة في تسع عاشرة
 

من بعد سكنى به والدين في وكس
 
عاقبة الغدر للبوار قد قررت
 

سنّة ربنا قد سنّها في جرس
 
أضحت مراتع أمن للأنام وقد
 

كانت لها طيبات الأنس في دنس
 
قدمه بعد عشر استقل بها
 

بغاية وجدت كالعدو للفرس
 
حكم الالآه (كذا) كما قد ترى قدّره
 

لو شاء ما ملكوها عشر النّفس
 
وقال الشيخ الحافظ أبو عبد الله سيدي محمد التغريري في رجزه ما نصّه :
الحمد لله الذي فتحا
 

وهران عن أيدي الرجال الصلحا
 
وقهر القوم الليام الفجرة
 

ورفع الإسلام فوق الكفرة
 
في مدة السلطان فخر الناس
 

أحمد خاقان أبي العباس
 
من ملك البرين والبحرين
 

ومصر والشام بدون مين
 
وخادم الحرمين في طول المدا
 

دام انتصاره على جمع العدا
 
يا سائلا عمّا بوهران ظهر
 

من أخذها وفتحها كما انتشر
 
أخذها الكفار الثبات
 

فيما رويناه عن الثقات
 
سنة أربع وعشرة مضت
 

من بعد تسعمائة قد كملت
 
فمائتان مع خمسة سنين
 

عدة مكثها بأيدي المشركين
 
ثم بدا العز من الالآه (كذا)
 

وجاءنا الفتح ونصر الله
 
__________________
(1) الموافق 19 جانفي 1708 م.



ففتحت سنة تسعة عشر
 

ومائة من بعد ألف تعتبر
 
في سادس العشرين من شوال
 

صبيحة الجمعة خذ مقال
 
عن يد من قصد صيّر الجزاير
 

جنة كل قاطن وزاير
 
محمد بكداش فخر الدولة
 

وحسن صهره عالي الصولة
 
زاد الإلاه لهما في النصر
 

والظفر وافتتاح أرض الكفر
 
لا زال من عادهما في الانتقام
 

بالقهر والنهب على طول الدوام
 
ثم الصلاة عن محمد الأمين
 

وءاله وصحبه والتابعين
 
/ ما جاهد الإسلام في الكفار
 

بالقتل والأسر وأخذ الثار
 
(ص 174) وقال الحافظ المحقق أبو عبد الله محمد بن أحمد الحلفاوي التلمساني في رجزه :
إذا جمع الرأي بأمر حازم
 

على الجهاد لم يعقبه جازم
 
مجهزا جيشا حمى الدين فساد
 

إذ ظهرت به بقاع من فساد
 
فنهضوا لله حزما وأعد
 

معهم ألة حرب لا تعد
 
من نحو بارود وكم من مدفع
 

ومنجنيق ما له من مدفع
 
مؤمرا صهره أوزن حسنا
 

قرما رضى فسار سيرا حسنا
 
والحازم العارف باي مصطفى
 

وهو من الأقيال قايف مصطفى
 
ثمّت نادى بالجهاد في الورى
 

مقدّما ما كان عندهم ورى
 
فسارع الناس له إذ طلبه
 

لا سيما جماعة من طلبه
 
فنزلوا الأول من ربيع
 

النبوي منسلخ الربيع
 
في عسكر بيوته عد مقر
 

وتركوا الأثقال فيه في مقر
 
وقصدوا حصونها بكل شق
 

بزمان تاريخه يهدّ شق
 
فاجتمع الجيش بذلك الثغر
 

جمعا كبنيان رسا أو ثغر
 
ونصبت من حولها مدافع
 

للرّمي كل أسد مدافع
 
ومرعدات كورها في الجو
 

كنجم رمي من سماه يهو
 
تلمع من خلالها البوارق
 

ووقعها أمضى من الصّواعق
 
فأجّجوا نار الحرب سرمدا
 

وتابعوها باعتناء طول المدا
 
فنشروا ما نظموا من عقدها
 

ونقضوا ما أبرموا من عقدها
 



فكان باكورة ذاك الفتح
 

برج العيون ضامنا للنّجح
 
عاشر يوم من جماد الأخرا
 

يوم الثلاثاء مساء قسرا
 
ثمّت حصنها الذي تقنعا
 

بالسّحب واغتال الأسود ونعا
 
قلعة مرجاجو التي لو قلعت
 

شوامخ الأطواد ما تقلّعت
 
وإذ دعاها الله للإسلام
 

ألقت له القياد باستسلام
 
(ص 175) / فأصبحت ترمي العدا بالكور
 

سابع عشرين من المذكور
 
وانحدروا البرج بن زهو وقد
 

حلّ به من نار حرب قد وقد
 
ضنا به وظنّهم مانعهم
 

فكان من حياتهم مانعهم
 
سقوا به مرارة وكم حلت
 

عيشتهم به دهرا قد خلت
 
فأصبحوا خامس شعبان به
 

كقتلى شعبان نصيح ربّه
 
من بعده لغم هدّ جل جرفه
 

وحصرهم به ينقط حرفه
 
ثم أتى الجيش لوهران ولم
 

يك مقاتل بها إلّا ألم
 
وبالجديد برجها الحام لها
 

لم تغنّءالة بها حاملها
 
ففتحا يوم العروبة معا
 

فتحا أرى في الأندلس مطمعا
 
بسادس العشرين من شوال
 

أكرم بذاك العيد في التوال
 
وافتتح الأحمر في الغد وقد
 

رأوا لظى موت شبيه انتقد
 
وذي حصون عنهم لم تغن
 

وعد ما سور بها لم يغن
 
وانقلبوا من بعد ذا للمرسي
 

فأصبح الجيش عليها مرسي
 
واشتدت الحرب عليها واحتموا
 

بالبحر والطود الذي فيه رسوا
 
فلم يكن لهم من الله وزر
 

بل مكّن الإسلام منهم ونصر
 
ففتحت من بعد حرب وعنا
 

ورمي مرعدات علج ذي اعتنا
 
ولغم ببرجها قد شقّه
 

وكان ذاك عام هدّوا شقّه
 
ثالث عاشر من المحرم
 

لا جعل الله بها من محرم
 
وانكسرت شوكة من بالكفر
 

يلوذ أوله اعتنا بأمر
 
ومزّقوا تمزيق آلاء سباء
 

وأصبحوا ما بين قتل وسبا
 
وأخرجوا بالذل للأسار
 

في عدد كفر صغار سار
 
وانقرضت دولة ذي الفسّاق
 

والحمد لله الكريم الباق
 



وانتصف الإسلام منهم وغدا
 

بين قتيل ذي حياة أبدا
 
وذي حياة لا يزال للعدا
 

سهما بكل مرصد مسدّدا
 
/ لله من قد صار منهم في الثرى
 

ومن أباح النفس منهم والثرى
 
وقد تعرض بعض الأدباء البلغاء لوصف المدينة وأبراجها وفتحها ومن فتحها في قصيدة عروبية ملحونية في غاية الإتقان ومن أرادها فليطالعها في شرح الجامعي لرجز الحلفاوي.


الدولة الثامنة : الترك
ثم ملك وهران الدولة الثامنة وهم الترك ويقال لهم الأتراك. واختلف في سبب تسميتهم بذلك على قولين : فقال بعضهم إنما سمّوا بذلك لأنه نسبة لجدهم ترك بن كومر بن يافث بن نوح عليه‌السلام. قال وفي قلبي منه شيء ، وقال ابن هشام في التيجان : إن أمة من ياجوج وماجوج آمنوا بالله فتركهم ذو القرنين لما بنا (كذا) السدّ بأرمينية فسموا لذلك بالترك. انظر القسطلاني في السفر الآخر من شرحه للبخاري. وفي كتاب بدء الخلق عنه أيضا عن قاتدة أن ياجوج وماجوج اثنان وعشرون قبيلة بنا ذو القرنين السد على إحدى وعشرين وترك واحدة منهم (كذا) فسمّوا بذلك الترك. واعلم أنه لا خلاف في أنهم من ذية ترك وإليه ينتهي نسبهم وإنما الخلاف في كون ترك ولد ليافث من صلبه أو حفيده. فقال صاحب الخميس : لترك من ولد ترك بن يافث لصلبه من نوح عليه‌السلام فهم إخوة الخزر والصقالبة والتاريس والمنسك وكار والصين. وقال أبو الفوز السويدي في سبائك الذهب ، والحافظ أبو راس في عجائب الأخبار : الترك من ولد ترك بن كومر بن يافث بن نوح عليه‌السلام فهم إخوة الفرنج. وقال ابن سعيد المغربي في تاريخه : هو ترك بن عابر بن شئويل (كذا) بن يافث بن نوح عليه‌السلام ، فإخوتهم في يافث : ياجوج وماجوج ، والفرنج ، والخزر ، والصقالبة ، والتاريس ، والصين ، والكار ، والمنسك ، وغيرهم. وإلى ذلك أشار صاحب تحفة الطلاب بقوله :
أولاد نوح عليه‌السلام
 

سام ويافث كذاك حام
 
عرب فارس وروم ويهود
 

لا غيرهم مّن نسل سام المقصود
 
(ص 177) / سودان هند نوبة زنج حبش
 

قبط وبربر من حام انتقش
 
صقالبة ترك وأوس خزرج
 

ياجوج من يافث زد وماجوج
 



نسل الأتراك وسلاطينهم
قال وفي القلب من كون الأوس والخزرج من ولد يافث شيء ، ويقال للترك ليوث بني آدم في الحروب ، وملكهم يلقب بالخاقان من أول دولتهم إلى الآن. وهم أمة قديمة عظيمة تضاهي أمة فارس والروم وغيرهما. وملكهم قديم من عهد الملوك الكينية ولهم بطون كثيرة. فمنهم التركمان أي ترك الإيمان أسلم منهم في شهر مائة ألف ، والخزر أسلموا على يد حذيفة بن اليماني صاحب سر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والزط بضم الزاي ، والتتار ، والغور ، وهم الغزو والفنجاق وهم الفخشاخ ، والقرج على قول والجركس ، والعبلات ويضاف إليهم اللات والشركس والأزكش والروس والبلغار والبرجان والهياطلة وهم الصغد والصقالبة والأكراد ورهيل والعثامنة ملوك سلامبول وهو اسطنبول. وذكر السخاوي في الضوء اللامع : أنهم من آل عثمان ابن عفان واستغربه الحافظ أبو راس والسيوطي ، الصحيح أنهم من ولد عثمان الغازي من الترك والصول إلى غير ذلك.
ومسكنهم في أقصا (كذا) المعمور وماوراء النهر إلى الصين والسد الذي بناه ذو القرنين فهم ممتدون من بلخ إلى الصين ومتوغلون في المشرق وشمال القسطنطينية وبحر نيطش حتى أن منهم أهل جرجان وخزرجان ودستان وقالي قالا وبردعة وغيرهم ومن تخومهم بخارى وسمرقند. قال القسطلاني على البخاري : وهم أجناس مدن وحصون وقرى وأهل جبال وبراري. ولما فشا فيهم الإسلام صار إمامهم في الاعتقاد أبو منصور الماتريدي كالأشعري عندنا وكلهم على هدى من ربهم. ولم يكن اختلاف بين الأشعرية والماتريدية إلّا في ثلاثة عشر مسئلة (كذا) لا تؤدي للتبديع فضلا عن التكفير ، منها مسئلة (كذا) ولا يرضى لعباده الكفر هل لعموم الناس أو للخصوص ، ومسئلة (كذا) التكوين التي أخلّ بها الشيخ السنوسي في كتبه الخمسة غاية الإخلال وما ينبغي له ذلك. وسبب انتشارهم في الأرض / أنّ جدّ سلاطينهم المنتمين له وهو عثمان خاقان بين (ص 178) أرطغول بن سليمان شاه بن قبا ألب بن قزل بوعا بن يندر خان بن أبقوة تلوغ ابن باينسنقر خان بن باقي ، أو ابن سوغا وجاق بن توقمتمون خان بن باسوف ابن كوكب ألب خان بن أرغون خان بن قراخان بن أيقوتلو خان بن توراق خان


ابن قراخان بن باي سرب خان بن يلواج خان بن باي بك خان بن طغرل خان ابن أي طوغش خان بن كوج بك خان بن أرتوق خان بن قماري خان بن يكتمور خان بن طورج خان بن قمري خان بن قزل بوغا بن يماق خان بن باش بوغا خان ابن قاي خان بن حمور مير خان بن يلي سرب خان بن قراجاد خان بن بالجق خان ابن قرماش خان بن قرة أو غلان خان بن سليمان شاه خان بن قرة خول خان ابن قوزلوغان خان بن يلي تمورخان بن تورمش خان بن قوي خان بن جين ابن ماجين بن بولجاس بن ترك بن كومر بن يافث بن نوح عليه‌السلام بن لامك ابن متوشلخ بن أخنوح بن يرد بن مهلايل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه‌السلام. قاله في السبايك كان جده ملكا ببلد ماهان قرب بلخ ولما غزاهم جنكز خان التتاري وخرب بلخ وأخرج منها سلطانها علاي الدين خوارزم شاه خرج سليمان شاه من ماهان بخمسين ألف بيت من الترك إلى أرض الروم ومرّ بحلب وعبر الفرات فغرق بفرسه فيه وأخرج ودفن أمام قلعة سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وتفرق من معه وكانت أولاده (كذا) أربعة عاد منهما (كذا) اثنان للعجم وهما سنقرود ويقدار وتوجه اثنان لبلاد الروم وهما أرطغول وكون دوغذك وقدما على علاي الدين السلجوقي سلطان قرمان وقونية فأكرمهما وأذن لهما في الإقامة فاجتمع عليهما طائفة من الغزاة وأذن لهما علاي الدين المذكور في الجهاد سنة ست وسبعين من السابع (1) فاستقرّا ما بين قرة (كذا) حصار وبلجيك وصار (ص 179) الجهاد شأنهما إلى أن مات أرطغول سنة ثمانين / وقيل تسع وثمانين من السابع (2) وخلّف أولادا أمجادا أنجادا أشدهم وأقواهم السلطان عثمان فلازم الجهاد كأبيه فلقب بالغازي إلى أن تولى على بلاد الروم وانضاف عليه جند السلجوقي لما ضعف ودخل في طاعته إلى أن تولى موضعه وبقي على الجهاد إلى أن توفي سنة خمس أو ست وعشرين من الثامن (3) فهذا سبب انتشارهم. ولما توفي السلطان عثمان الغازي الذي هو أول العثامنة تولى ابنه أورخان يوم موت أبيه وبقي في
__________________
(1) الموافق 1277 ـ 1278 م.
(2) الموافق 1281 ـ أو 1290 م.
(3) الموافق 1325 أو 1326 م.


الملك خمسا وثلاثين سنة وهو الذي فتح بروسيا وجعلها مقر سلطنته وفتح قلاعا وبلادا كثيرة حتى فاق والده في الجهاد وعاش ثلاثا وثمانين سنة. ثم ابنه مراد بك خان تولى يوم موت أبيه وهو سنة إحدى وستين وسبعمائة (1) وبقي في الملك إحدى وثلاثين سنة وافتتح بلادا كثيرة منها أدرنة وعاش خمسا وستين سنة وهو أول من اتخذ المماليك وسمّاهم ينكجري (2) ومعناه العسكر الجديد وألبسهم اللباد المثنى إلى خلف وسماه بركا بضم الباء وسكون الراء آخره كاف وكانت له صولة عظيمة على الكفار. ثم ابنه يلدرم با يزيد خان ومعنى يلدرم الصاعقة تولى يوم موت أبيه وهو سنة اثنين وتسعين وسبعمائة (3) وبقي في الملك ستة عشر سنة وقد استولى على قلاع كثيرة للنصارى وبلادهم وأراضيهم. ثم ابنه محمد خان جلي تولى سنة ستة عشر وثمانمائة (4) وبقي في الملك تسعة أعوام وبذل نفسه في الغزو إلى أن فتح بلادا وقلاعا كثيرة وبنا (كذا) مدارس وعماير. ثم مراد خان الثاني تولى سنة خمس وعشرين وثمانمائة (5) وبقي في الملك إحدى وثلاثين سنة وقد فتح فتوحات ومهد الممالك وأفام الشرع والدين. ثم أبو الفتوحات محمد خان بن مراد تولى سنة ست وخمسين وثمانمائة (6) وبقي في الملك إحدى وثلاثين سنة وهو أعظم سلاطين آل عثمان وهو الذي فتح القسطنطينية العظمى وجعلها دار ملكه. ثم با يزيد خان الثاني تولى سنة ست وثمانين وثمانمائة (7) وعاش اثنين وستين سنة وافتتح قلاعا كثيرة وحصونا شهيرة. وأصابه مرض النقرس فاستولى عليه وهو أكثر مرض آل عثمان إلى أن مات سنة ثماني عشرة وتسعمائة (8) بعد ما ملك ثلاثا وثلاثين سنة. ثم / ياوز سليم خان الأول تولى سنة (ص 180)
__________________
(1) الموافق 1359 م.
(2) يقصد الجيش الانكشاري.
(3) الموافق 1389 م.
(4) الموافق 1413 م.
(5) الموافق 1421 م.
(6) الموافق 1451 م.
(7) الموافق 1481 م.
(8) الموافق 1512 م.


ثماني عشرة وتسعمائة وبقي في الملك تسعة أعوام ولم تطل سلطنته لكثرة سفكه للدماء وهذه عادة الله في السلاطين والأمراء والحكام إذا أكثروا سفك الدماء لا يطيل لهم مدة وهو الذي فتح مصر وأزال الدولة الجركسية وفتح حلب والشام وغيرها من البلاد وجهّز الجيوش لخير الدين بن المدلية ففتح الجزائر ثم جهّز الجيوش لدرغوث ففتح طرابلس الغرب. ثم سليمان شاه خان تولى سنة ست وعشرين وتسعمائة (1) وذلك يوم موت والده المذكور وبقي في الملك تسعا وأربعين سنة وعاش أربعا وسبعين سنة وكان سعيدا ذا خيرات حسان وهو الذي فتح بغداد دار السلام وعراق العرب وجهز الجيوش لإخراج النصارى من إفريقية وبجاية فأخرجوا وألطف تاريخ وضع فيه تاريخ العراق. ثم سليم خان الثاني تولى سنة أربع وسبعين وتسعمائة (2) وبقي في الملك تسعة أعوام وكان كريما رؤوفا بالرعية حليما عفوا عن الجرائم محبا للعلماء والصلحاء محسنا للعلماء والمشايخ والفقراء وفتح بلادا كثيرة منها جزيرة قبرس وغيرها من البلاد الكبار المشهورة. ثم مراد خان الثالث تولى سنة اثنين وثمانين وتسعمائة (3) وبقي في الملك عشرين سنة وكان مهابا هماما ، وأسدا ضرغاما ، وهزبرا مقداما. ثم محمد خان الثالث تولى يوم موت والده وهو سنة ثلاث وألف (4) وهو ابن خمسة عشر سنة وبقي في الملك تسعة أعوام وكانت سلطنته خالية من الأكدار وهو الذي فتح أكرى (5) التي تجيشت عليه النصارى فيها لقتاله بما يزيد على أربعمائة ألف مقاتل ومنحه الله النصر عليهم فهزمهم إلى أن صار يقتل بعضهم بعضا من الزخام. ثم ابنه أحمد خان الأول تولى يوم موت والده وهو سنة اثنا عشر وألف (6) وبقي في الملك أربعة عشر سنة قهر جميع الأعداء وله مئاثر (كذا) حسان في مكة والمدينة لم يسبقه أحد إلى مثلها من آل عثمان وهو الذي أرسل إلى الروضة المطهرة على صاحبها
__________________
(1) الموافق 1520 م.
(2) الموافق 1566 م.
(3) الموافق 1574 م.
(4) الموافق 1595 م.
(5) لم نتعرف على موقعها.
(6) الموافق 1603 م.


أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، الكوكب الدري الذي لا قيمة له واستولى على بلاد متعددة قيل إلى حد بروسيا. / ثم مصطفى خان بن محمد خان تولى يوم موت (ص 181) أخيه وهو سنة ستة وعشرين وألف (1) وبقي في الملك ثلاثة أشهر وخلع نفسه في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وألف (2) وكان من أهل الفضل والعبادة ، والصلاح والإجادة ، لا يلتفت إلى الدنيا وزهرتها ، ولا يميل إلى زينتها ونضرتها ، متجنبا لها وعنها ، وهاربا ومستوحشا منها وأجدره بقول الشاعر الأديب الخرير الحاذق البارع الماهر :
لاحت له الدنيا تريد خداعه
 

لاكنّه (كذا) بغرورها لم يخدع
 
وتزينت لتروقه بجمالها
 

فأبى وطلّقها طلاق مودع
 
ثم عثمان خان تولى يوم خلع عمه مصطفى نفسه وهو سنة سبع وعشرين وألف وبقي في الملك خمسة أعوام واستولى على بغداد وما وراءه وغزى الفرنج وانتصر عليه ثم أراد السفر للحج فقام عليه العسكر وقتله بخامس رمضان سنة اثنين وثلاثين من الحادي عشر (3) وقال فيه بعض الشعراء :
قضى عثمان سلطان البرايا
 

بأسياف العساكر والجنود
 
ووافته المنايا في السّرايا
 

مؤرخة كعثمان الشهيد
 
ثم رجع للمملكة عمه مصطفى خان بن محمد خان المخلوع مرة ثانية يوم موت ابن أخيه عثمان وبقي على عادته من رفضه للدنيا كالمرة الأولى وعدم مبالاته بها إلى أن خلع نفسه ثانيا لشهرين من توليته. ثم مراد خان الرابع تولى بموضع عمّه مصطفى يوم خلع نفسه وهو عام اثنين وثلاثين من القرن الحادي عشر (4) وبقي في الملك سبعة عشر سنة وعاش ثمانا وعشرين سنة وكانت له مناقب كثيرة. ثم إبراهيم خان تولّى سنة تسع وأربعين وألف (5) وبقي في الملك
__________________
(1) الموافق 1617 م.
(2) الموافق فيفري مارس 1618 م.
(3) الموافق 1623 م. والحقيقة أن هذا هو مراد الرابع ، وليس عثمان هذا الذي أورده.
(4) الموافق 1623 م.
(5) الموافق 1640 م.


ثمانية أعوام وثمانية أشهر وعاش ثلاثا وأربعين سنة وهو الذي فتح جزيرة كريد (1) سوى قلعة منها لم يفتحها لحصانتها. ثم محمد خان الرابع تولى سنة ثمانية وخمسين وألف (2) وبقي في الملك إحدى وأربعين سنة وخلعه الجنة سنة تسع وتسعين وألف وتوفي سنة أربع ومائة وألف عن ثلاث وخمسين سنة وله فتوحات (ص 182) كثيرة. ثم سليمان خان الثاني تولى يوم خلع أخيه / محمد وهو سنة تسع وتسعين وألف (3) وبقي في الملك ثلاثة أعوام ونصف وتوفي سنة اثنين ومائة وألف وهو ابن خمسين سنة وبمجرد جلوسه على كرسي المملكة التفت لقتال النصارى فسألوا منه المهادنة أربعة أعوام فوافقهم على ذلك لاقتضاء نظره الواسع في مصالح المسلمين ذلك. ثم أحمد خان تولى سنة اثنين ومائة وألف (4) وبقي في الملك أربعة أعوام ونصفا. ثم مصطفى خان الثاني تولى سنة ستة ومائة وألف (5) وبقي في الملك تسعة أعوام. ثم أحمد خان الثالث تولى سنة خمسة وعشرين ومائة وألف (6) وبقي في الملك ثمانية وعشرين سنة وتوفي سنة ثلاث وأربعين من الثاني عشر وهو ابن ستين سنة. وفي وقته فتحت وهران من الإسبانيين الفتح الأول وذلك سنة تسعة عشر من الثاني عشر على يد باشة الجزائر الشريف السيد محمد بكداش ووزيره أوزن حسن وباي الإيالة الغربية الجامع بين مازونة وتلمسان مصطفى أبي الشلاغم بن يوسف المسراتي كما مرّ وإلى ذلك أشار الحافظ أبو زيد عبد الرحمن الجامعي في شرحه لرجز الحلفاوي بقوله :
وكان ذا في دولة الإمام
 

فخرا الملوك ضابط الإسلام
 
ملك مصر والعراق واليمن
 

والشام والبرّين خير مؤتمن
 
__________________
(1) يقصد كريت.
(2) الموافق 1648 م.
(3) الموافق 1687 م.
(4) الموافق 1691 م.
(5) الموافق 1695 م.
(6) الموافق 1713 م وهو خطأ لأنه تولّى عام 1115 ه‍ الموافق 1703 م.



أبي الفتوحات التي لم تحصر
 

كادت تقضي ملك آل قيصر
 
أحمد خاقان الهمام المرتضى
 

سيف الإله في الأعادي منتضى
 
لا زال تحت راية الإقبال
 

والنصر والفتح قرير البال
 
وراجع ما مرّ للتغريري في رجزه في فتح وهران فهو أول من ملك وهران من سلاطين آل عثمان. ثم محمود خان الأول تولى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف (1) وبقي في الملك أربعة أو خمسة وعشرين سنة توفي سنة سبع وستين. ومائة وألف وهو ابن ستين سنة. ثم عثمان خان الثالث تولى سنة سبعة وستين ومائة وألف (2) وبقي في الملك أربعة أعوام. ثم مصطفى خان بن أحمد خان تولى سنة إحدى وسبعين ومائة وألف (3) ، وبقي في الملك سبع سنين. ثم عبد الحميد الأول خان تولى سنة ثمانية / وسبعين ومائة وألف (4) وبقي في الملك (ص 183) ستة عشر سنة كاملة. ثم سليم خان الثالث بن مصطفى خان تولى سنة ثلاثة ومائتين وألف (5) وبقي في الملك سنة واحدة وعاش ثلاثين سنة. ثم محمود خان الثاني تولى سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف (6) وبقي في الملك اثنين وثلاثين سنة وعاش خمسا وخمسين سنة ونصفا ، وفي وقته انعقدت البيعة للحسني السيد الحاج عبد القادر ابن محي الدين المختاري المخلص على المغرب الأوسط في يوم الإثنين أو الأحد ثاني عشر رمضان سنة ثمان وأربعين من الثالث عشر (7) بموضع يقال له الدردارة من أراضي الحشم بغريس التي هي محل موسم رجال غريس المعبر عنها بالوعدة وخرجت الجزاير عن الأتراك يوم الإثنين أو السبت
__________________
(1) الموافق 1730 م.
(2) الموافق 1754 م.
(3) الموافق 1757 م.
(4) الموافق 1774 م.
(5) الموافق 1789 م.
(6) الموافق 1807 م.
(7) الموافق 2 فيفري 1833 م.


ثالث أو رابع عشر من المحرم فاتح سنة ستّ وأربعين من الثالث عشر (1) ودخلت بيد الفرانسيس. ثم عبد الحميد خان بن محمود خان بن عبد الحميد خان تولى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف (2) وبقي في الملك اثنين وعشرين سنة ونصف وعاش تسعا وثلاثين سنة وكانت بينه وبين الموسكوا حروب كثيرة سجال في سنة إحدى وسبعين من الثالث عشر (3) وأعانه فيها الفرانسيس وذلك شأن الملوك الضخام وءال الأمر فيها إلى الصلح بين الفريقين انعقد بباريز ثم عبد العزيز خان تولى سنة سبع وسبعين ومائتين وألف (4) وبقي في الملك خمسة عشر سنة وخمسة أشهر وعاش ثمانا وأربعين سنة ، وفي وقته كان الإمام أبو الفوز السويدي مؤلف كتاب سبايك الذهب. ثم مراد خان الخامس تولى سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف (5) ثم خولع (كذا) لما خولط في عقله سنة توليته ، وسببه أنه رأى عمه السلطان عبد العزيز قد فصد وقهره الدم وغلبه فمات فجأة (كذا) فاختلط بذلك في عقله وسلّم في الملك للسلطان عبد الحميد بعد ما ملك ثلاثة أو ثمانية أشهر. وكان لعمّه عبد العزيز وقائع كثيرة وحروب جليلة لكنه خدعته الوزراء في ذلك ولو لا أن الله أيقظه لذلك لتلاشا الملك العثماني واضمحل (ص 184) بالكلية فبادر / للصلح بغاية الإعزام وانتقم من الوزراء غاية الانتقام. ثم عبد الحميد خان الثاني وهو الموجود الآن تولى سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف (6) قال شيخنا الزياني في دليل الحيران ومدحه العلامة الأفاندي أبو الهدى الصيادي في كتابه : قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر بقصيدة رائية من بحر البسيط مشحونة بجوهر كل معنى وسيط ، فقال :
طاب الزمان وطاب الوقت والعمر
 

بظلّ ركن لديه الزهر تنحدر
 
ركن الخليفة سلطان البرية من
 

بباب علياه لاذ البدو والحضر
 
__________________
(1) الموافق 5 جويلية 1830 م.
(2) الموافق 1839 م.
(3) الموافق 1854 ـ 1855 م.
(4) الموافق 1861 م.
(5) الموافق 1876 م.
(6) الموافق 1876 م.



عبد الحميد إمام الدين سيدنا
 

ومن به أمة الإسلام تفتخر
 
رئيس جحفل حزب المسلمين أمير
 

المؤمنين حماهم إن دامت غير
 
مؤدّ حفّه المولى بواقية
 

من العناية يمضي وفقها القدر
 
كالليث لكن له عقل مزيته
 

عظيمة دونها الأسد تحتقر
 
أحيا مراسم حين جاء له
 

كالميت كان تولّى نهبه الضرر
 
فكفّ عنا يد الأعداء وشيّده
 

كأنه لا انقضت أيامه الخضر
 
من آل عثمان قادات مآثرهم
 

على وجوه اليالي كلّها غرر
 
رشيد رأي أمين الطبع معتصم
 

بالله مأمون خلق واثق بصر
 
كنز السياسة ممدوح الرياسة مصباح
 

الفراسة بحر ولم ينهمر
 
خليفة المصطفى المختار من شرفت
 

بمجد طينته بين الملا ومصر
 
إذا سال سحاب الفضل ملتفتا
 

لجبر كسر عديم يخجل المطر
 
وإن أمال عنانا يوم معركة
 

تخاله قدرا في الخصم ينتشر
 
راياته بحروف النصر بردتها
 

منسوجه وعليها للرضى طرر
 
وطبله سالم من كل ناقصة
 

ما شأنه عن معالي أهله قصر
 
أخلاقه ذكرتنا الراشدين كما
 

دلّت على بعضها الآثار والسّير
 
رشيق عزم رقيق الفكر قطعته
 

لحسن حكمتها يستسلي الخطر
 
كأنّها سبغت بالفضل طينته
 

ورأيه صاغه في فكره عمر
 
لا زال مرتفع الأقدار مبتهجا
 

بعزّة وبه الإسلام ينتصر
 
/ وسمي النصارى الآن ملكهم بالميت لخروج جل الرعية عن حكمه حتى (ص 185) لم يبق له إلا طرابلس الغرب وما قارب الآستانة كما سموا ملك المغرب بالمريض المشرف على الهلاك والأمر لله وحده. فهذا ما كان من الكلام على ملوكهم وعليهم بالمشرق.
أسباب قدوم الأتراك إلى الجزائر
وأما الكلام عليهم ببر الجزائر الذي نحن بصدده فاعلم أنه اختلف في سبب مجيء الترك للتملك ببر الجزائر على قولين : فقال العلامة الحافظ أبو عبد الله محمد بن عسكر الشريف في دوحة الناشر ، والحافظ الشيخ أحمد


بابا في الذيل ، والحافظ أبو راس في عجائب الأخبار أنّ سبب ذلك هو تغلب النصارى على السواحل ولما رأى العلامة أبو العباس أحمد بن القاضي الزواوي ذلك كتب لسليم سلطان الترك بذلك وسأله النجدة والإقدام فبعث للجزائر الباشا خير الدين بن المدلية وشقيقيه عروجا والإسكندر إسحاق بالجيوش ولما قتل إسحاق بالقلعة وعروج ببني يزناسن تخوّف خير الدين من الشيخ أحمد ابن القاضي وقتله فمات شهيدا وذلك أول سفكهم للدماء ظلما ببر الجزائر والقصة شهيرة فلا نأتي بها. وقال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار أن خير الدين وشقيقيه لما شبّوا في أكمل حالة الرجولية وغاية الشجاعة والعجولية اشتغلوا بالتجارة ، وتدربوا بالذكاءة والسياسة والجسارة ، ثم عملوا أجفنا للجهاد في البحر فأذاقوا النصارى شرا ، وقهروهم قهرا ، حتى أن عروجا قطعت يده في بعض الحروب بقرب بجاية ، لكونها كانت عامرة بالنصارى ولهم بها للمسلمين نكاية فكان هؤلاء الثلاثة يأتون بالغنائم ويرسّون على مدن الإسلام الساحلية لبيع ما عندهم ويقضوا حوائجهم الخافية والجالية ، فرسى خير الدين مرّة أسطوله بمرسى الجزائر وقضى مأريه (كذا) على عادته بالمزايز ، فسأله أهل الجزائر في المبايعة والتملك عليهم ، فأجابهم لذلك ومال إليهم ، ثم حصل بينهم وبينه كلام فغضب عليهم بالفعل والقول ، وذهب عنهم ولم يرجع لهم إلا بعد الحول ، فرغبوه ثانيا في المكث والمبايعة لإصلاح الدين ، فقبل بشرط قتل المفسدين ، فعينوا له جماعة منهم وسألهم التحقيق لإتمام كل خير ، ولم يزالوا في التعيين بالنقص إلى انحصار الأمر في ثلاثة لا غير ، فصلبهم على السور ، فهم أول من حكم فيه بالقتل المصطور ، واختلف في وقت مجيئهم على ستة أقوال : فقال : بعض المؤرخين أنهم جاؤوا سنة تسع وتسعين من القرن التاسع (1) واستولوا على (ص 186) تلمسان استلاء تاما سنة إحدى / وأربعين من العاشر (2) ولا يخفاك ضعفه. وقال الحافظ أبو راس في زهر الشماريخ ، وابن عسكر في الدوحة ، إنهم ملكوا الجزائر في أول العاشر يعني في العام الأول منه (3). وقال الحافظ عبد الرزاق
__________________
(1) الموافق 1493 ـ 1494 م.
(2) الموافق 1534 ـ 1535 م.
(3) الموافق 1495 ـ 1496 م.


الجزائري أن ذاك في خمسة عشر من العاشر (1) وبه قال العلامة السيد الحاج أحمد بن عبد الرحمان الشقراني في تاريخه : القول الأوسط في وقايع المغرب الأوسط. وقال بعضهم في اثنين وعشرين من العاشر (2) وقال اليفريني في نزهة الحادي أنهم ملكوا الجزائر في ثلاث وعشرين من العاشر (3) وبه قال الحافظ أبو راس أيضا في عجائب الأخبار ، وأما الحافظ أبو زيد عبد الرحمان الجامعي في شرحه لرجز الحلفاوي فإنه قال في بضع وعشرين من العاشر فقد أجمل لأن البضع من الثلاثة إلى التسعة. وقال الحافظ أبو راس أيضا في موضع آخر من الشماريخ أنهم ملكوها في الخامس والعشرين من العاشر (4) وبه قال الخوجة السيد مسلم بن عبد القادر الحميري في رجزه حيث قال :
في عام كه من القرن العاشر
 

كان ابتداء الترك بالجزائر
 
وامتدّ ملكهم بها كافاوسين
 

حتى إذا كمل الوعد كان البين
 
قائمة الحكام الأتراك بالجزائر
فأول بشاواتهم بالجزائر حسن خير الدين بن المدلية وسمي بذلك لكون أمه من مدينة يقال لها المدلية (5) ووجه ذلك أن السلطان محمد فاتح القسطنطينية ابن السلطان مراد أحد ملوك بني عثمان افتتح مدينة في بعض جزر البحر يقال لها المدلية وأنزل فيها حامية من الترك فبعثوا له أن يأذن لهم في تزويج بنات أهل الذمة من نصارى جزيرة المدلية فأذن له فتزوج والد السيد حسن خير الدين بامرأة منهم فولدت له عروجا وهو الأكبر وخير الدين وإسحاق. فخير الدين هو سبب سعادة الترك وانتشار صيتهم بالمغرب فكان وجهه للصباحة ولسانه للفصاحة ، ويده للسماحة ، وعقله للرجاجة. وكان بالغاية القصوى في الزهد والورع والإنابة
__________________
(1) الموافق 1509 ـ 1510 م.
(2) الموافق 1516 ـ 1517 م.
(3) الموافق 1517 ـ 1518 م.
(4) الموافق 1519 م.
(5) الحقيقة أن المدلية نسبة إلى جزيرة مدلى التي تسمى ميتيلان بأرخبيل اليونان. كما تسمى أيضا ليسبوس.


والتقوى ، ولم يقبل الملك حتى قيل له أنه واجب عليك. وكان يرى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام كثيرا وكانت له مكاشفة كثيرة حتى أن البعض من الناس أراد اغتياله بمداخلة غلام له فكوشف له عن ذلك وانتقم منه في الحين. وحاصل الأمر أن المؤرخين لهم اضطراب كثير في بشاوات الجزائر ما بين مقلل ومكثر ومقدّم ومؤخر. فقال الحافظ عبد الرزاق بن محمد بن أحمادوش الجزائري في تاريخه : (ص 187) أولهم إسحاق تولى سنة خمسة عشر من العاشر ، / ثم أخوه عروج سنة ستة عشر وتسعمائة. ثم أخوهما خير الدين سنة اثنين وعشرين وتسعمائة. ولا يخفاك ضعفه لكون الصحيح أولهم خير الدين كما مر المتولي على الصحيح سنة خمس وعشرين وتسعمائة (1) المتوفى سنة ست وستين من العاشر بعد ما ملك إحدى وأربعين سنة ثم حسن سنة إحدى وأربعين وتسعمائة. ثم حسن أيضا سنة اثنين وخمسين من العاشر. ثم صالح سنة تسع وخمسين منه. ثم محمد سنة ثلاث وستين منه. ثم حسن بن خير الدين سنة أربع وستين منه. ثم أحمد بسطانجي سنة تسع وستين منه ثم رمضان سنة أربعة وثمانين منه. ثم حسن بن قبطان سنة خمس وثمانين منه. ثم جعفر أيضا سنة تسع وثمانين منه. ثم رمضان أيضا سنة تسعين منه. ثم حسن أيضا سنة تسعين منه. ثم مامي سنة ثلاث وتسعين منه. ثم محمد أيضا سنة ثلاث وتسعين منه ، ثم أحمد سنة خمس وتسعين منه. ثم أخضر سنة سبع وتسعين منه. ثم شعبان سنة تسع وتسعين منه. ثم مصطفى سنة ثلاث وألف. ثم أخضر أيضا سنة ثلاث منه. ثم مصطفى أيضا سنة سبع منه. ثم حسن أيضا سنة سبع منه. ثم سليمان سنة تسع منه. ثم أخضر أيضا سنة ثلاث عشر منه. ثم مصطفى أيضا سنة خمسة عشر منه. ثم رضوان سنة ستة عشر منه. ثم مصطفى أيضا سنة تسعة عشر منه. ثم حسن سنة اثنين وعشرين منه. ثم مصطفى سنة خمس وعشرين منه. ثم حسين سنة سبع وعشرين منه. ثم حسن سنة ثمان وعشرين منه. ثم حسن سنة ثلاثين منه ، ثم حسين سنة اثنين وثلاثين منه. ثم
__________________
(1) الحقيقة أن الأخوة الأتراك الثلاثة تمركزوا بمدينة الجزائر عام 1516 م ، وألحقوا البلاد الجزائرية كلها بالخلافة العثمانية عام 1519 م .. ونظرا لطول قائمة الأتراك تعذر إيراد التواريخ المسيحية التي تولوا بها السلطة ، المقابلة للتاريخ الهجري الذي اعتمده المؤلف لأن الهوامش لا تفي بذلك. وسنورد ذلك في ملاحق الكتاب.


مراد سنة اثنين وثلاثين منه ، ثم أسراف سنة أربع وثلاثين منه. ثم حسن سنة ثلاث وخمسين منه. ثم حسن أيضا سنة ست وثلاثين منه. ثم أسراف سنة سبع وثلاثين منه. ثم يونس سنة تسع وثلاثين منه. ثم حسن سنة إحدى وأربعين منه. ثم يوسف سنة أربعة وأربعين منه ثم علي سنة خمسين منه. ثم محمد سنة اثنين وخمسين منه. ثم أحمد سنة أربع وخمسين منه. ثم محمد سنة إحدى وستين منه. ثم محمد سنة ثلاث / وستين من القرن الحادي عشر. ثم عبد الله بلكباش (ص 188) سنة خمس وستين منه. ثم إبراهيم سنة ست وستين منه. ثم أحمد سنة سبع وستين منه. ثم إبراهيم سنة تسع وستين منه. ثم خليل بلكباش سنة سبعين منه. ثم رمضان بلكباش سنة إحدى وسبعين منه. ثم إسماعيل سنة اثنين وسبعين منه. ثم شعبان آغا سنة اثنين وسبعين منه. ثم علي آغا سنة ثلاث وسبعين منه. ثم موسى آغا سنة أربع وسبعين منه. ثم الحاج حسين موزمورط سنة أربع وتسعين منه. وفي نسخة ست وتسعين منه. ثم مصطفى باشا سنة مائة وألف. ثم شعبان خوجة سنة واحد من القرن الثاني عشر. ثم عمر سنة اثنين منه. ثم مصطفى سنة ثلاث منه. ثم موسى سنة خمس منه. ثم أحمد أهجي سنة سبعة منه. ثم حسين شاوش قارة باغلي سنة عشرة منه. ثم علي سنة اثنا عشر منه. ثم مصطفى أهجي سنة ستة عشر منه. ثم حسين خوجة شريف سنة سبعة عشر منه. ثم محمد خوجة بكداش سنة ثمانية عشر منه. ثم كوسة سنة عشرين منه. ثم دالي إبراهيم سنة اثنين وعشرين منه. ثم أوزن علي شاوش سنة اثنين وعشرين منه وفي نسخة سنة أربع وعشرين منه. ثم محمد خزناجي أوزن علي سنة ثلاثين منه. ثم عبدي آغا الصبايحية سنة ست وثلاثين منه. ثم إبراهيم خزناجي عبدي سنة خمس وأربعين منه ثم إبراهيم خزناجي سنة ثمان وخمسين منه وهنا انتهى كلام عبد الرزاق. وقال صاحب الزهرة النيرة أولهم عروج تولى في خمس وعشرين من العاشر. ثم أخوه خير الدين سنة سبع وعشرين منه ولا يخفاك بطلانه مما مرّ. ثم حسن آغا سنة إحدى وأربعين منه. ثم حسن بن خير الدين سنة اثنين وخمسين منه ثم حسن آغا أيضا سنة ثمان وخمسين منه. ثم حسن بن خير الدين أيضا سنة تسع وخمسين منه. ثم صالح سنة تسع وخمسين منه وهو غير صحيح والصحيح أنه تولّى سنة ست وستين منه وفتح بجاية من الإسبانيين عنوة يوم الأربعاء سابع


عشرين شوال سنة ثمان وستين وتسعمائة (1) كما أن الصحيح أن حسين بن خير الدين تولى سنة سبعين من العاشر وغزى وهران في سنته (2) وغزى المغرب ورجع من ملوية خائبا كما مرّ. ثم محمد قرطالجي سنة ثلاث وستين منه. ثم (ص 189) حسين بن خير الدين أيضا سنة ثمان وستين منه. ثم أحمد / بسطانجي سنة تسع وستين من العاشر. ثم حسن بن خير الدين أيضا سنة أربع وسبعين منه وتقدم الصحيح ثم محمد بن صالح سنة أربع وسبعين منه وهو غير صحيح والصحيح أنه تولى سنة إحدى وسبعين من العاشر وغزى المغرب تلك السنة فدخل فاسا عنوة يوم الأحد ثاني صفر من سنته. ثم علي العلج الملقب الفرطاس سنة سبع وسبعين منه. ثم أحمد أعراب سنة تسع وسبعين منه. ثم رمضان سنة اثنين وثمانين منه. ثم حسين قبطان علي سنة خمس وثمانين منه. ثم جعفر سنة ثمان وثمانين منه. ثم حسين قبطان علي أيضا سنة تسع وثمانين منه. ثم يونس سنة تسعين منه. ثم رمضان سنة تسعين منه. ثم حسين بن خير الدين سنة إحدى وتسعين منه ثم مامي سنة ثلاث وتسعين منه. ثم محرم سنة ثلاث وتسعين منه. ثم مامي سنة أربع وتسعين منه. ثم دالي أحمد سنة خمس وتسعين منه. ثم أخضر سنة سبع وتسعين منه. ثم الحاج شعبان سنة تسع وتسعين منه. ثم مصطفى سنة اثنين وألف. ثم أخضر سنة ثلاث من القرن الحادي عشر ، ثم مصطفى سنة ثلاث منه. ثم دالي حسن سنة سبع منه. ثم سليمان سنة تسع منه. ثم أخضر سنة ثلاثة عشر منه. ثم مصطفى سنة خمسة عشر منه. ثم رضوان سنة ستة عشر منه. ثم مصطفى كوسة سنة تسعة عشر منه. ثم حسين سنة ثلاث وعشرين منه. ثم مصطفى خزناجي حسين سنة خمس وعشرين منه. ثم سليمان سنة ست وعشرين منه. ثم حسين الشيخ سنة سبع وعشرين منه. ثم سليمان سنة ثمان وعشرين منه. ثم مصطفى حفيد كوسة سنة ثلاثين منه. ثم حسين سنة إحدى وثلاثين منه ثم إبراهيم سنة اثنين وثلاثين منه. ثم حسين بن إلياس باي سنة اثنين وثلاثين
__________________
(1) الصحيح أن صالح رايس تولى السلطة عام 959 ه‍ (1552 م) وحرر بجاية عام 962 ه‍ (1555 م).
(2) الموافق لعام 1563 م.


منه. ثم مراد سنة أربع وثلاثين منه. ثم إبراهيم سنة أربع وثلاثين منه. ثم حسين سنة أربع وثلاثين منه. ثم أسراف سنة خمس وثلاثين منه. ثم حسن خوجة سنة ثمان وثلاثين منه. ثم يونس سنة تسع وثلاثين منه. ثم حسين الشيخ / سنة إحدى (ص 190) وأربعين من القرن الحادي عشر. ثم يوسف سنة أربع وأربعين منه. ثم علي سنة سبع وأربعين منه ، ثم حسين الشيخ سنة خمسين منه. ثم يوسف قرطالجي سنة خمسين منه. ثم مراد سنة اثنين وخمسين منه. ثم محمد برسالي سنة اثنين وخمسين منه. ثم أحمد سنة أربع وخمسين منه. ثم عمر سنة أربع وخمسين منه. ثم مراد سنة ست وخمسين منه. ثم يوسف سنة سبع وخمسين منه. ثم علي أبو صبع سنة إحدى وستين منه وكانت توليته يوم الأربعاء بعد طلوع الشمس بنحو الساعتين سادس عشرين صفر ثم عزل وتوفي سنة ثمان وستين منه بعد مدة من عزله. ثم محمد سنة ثلاث وستين منه. ثم محمد أبو شناق سنة خمس وستين منه. ثم أحمد سنة خمس وستين منه ثم إبراهيم سنة ست وستين منه. ثم الحاج أحمد سنة ست وقيل سبع وستين منه. ثم إبراهيم سنة سبع وقيل ثمان وستين منه. ثم علي سنة تسع وستين منه. ثم مصطفى سنة إحدى وسبعين منه. ثم إسماعيل سنة اثنين وقيل ثلاث وسبعين منه. ثم خليل سنة ثلاث وسبعين منه. ثم رمضان سنة أربع وسبعين منه. ثم إسماعيل سنة خمس وسبعين منه ثم رمضان سنة أربع وسبعين منه. ثم إسماعيل سنة خمس وسبعين منه. ثم الحاج علي آغا سنة ست وقيل سبع وسبعين منه. ثم محمد سنة تسع وسبعين منه. ثم التريكي سنة ثلاث وثمانين منه. ثم بابا حساين سنة ثلاث وثمانين منه. ثم حسين موزمورط سنة أربع وتسعين منه. ثم إبراهيم خوجة موزمورط سنة سبع وتسعين منه. ثم الحاج شعبان خوجة سنة مائة وألف ثم عمر سنة واحد من القرن الثاني عشر. ثم موسى سنة ثلاث منه. ثم شعبان خوجة سنة خمس منه ثم الحاج أحمد سنة خمس وقيل ست منه ثم قارة علي سنة تسع منه. ثم حسن شاوش سنة عشر منه. ثم علي سنة إحدى عشر منه. ثم بابا الحاج مصطفى أهجي سنة اثنا عشر وقيل ثلاثة عشر منه. ثم حسين خوجة شريف سنة سبعة عشر منه. ثم محمد بكداش خوجة سنة ثمانية وقيل تسعة عشر منه. ثم دالي إبراهيم باي سنة اثنين وعشرين منه. وهنا انتهى / كلام الزهرة النيّرة. ثم بابا علي (ص 191)


سنة اثنين وعشرين من القرن الثاني عشر. ثم بابا محمد سنة ثلاثين منه. ثم بابا عبدي سنة ست وثلاثين منه. ثم إبراهيم أفاندي سنة أربع وأربعين منه ثم إبراهيم خوجة سنة ثمان وخمسين منه ثم محمد سنة إحدى وستين منه. ثم علي سنة ثمان وستين منه. ثم محمد سنة تسع وسبعين منه. ثم حسين سنة ثلاث وقيل خمس من القرن الثالث عشر. ثم مصطفى سنة اثنا عشر منه ثم أحمد سنة عشرين منه. ثم علي سنة ثلاث وعشرين منه. ثم الحاج علي شريف سنة أربع وعشرين منه. ثم محمد سنة ثلاثين منه. ثم عمر آغا سنة ثلاثين منه. ثم الحاج محمد سنة اثنين وثلاثين منه. ثم علي سنة اثنين وثلاثين منه. ثم حسين سنة ثلاث وثلاثين منه. وهو آخرهم وعليه قامت الدولة التاسعة كما يأتي.
وكان الباشالار يأتي على يد الخليفة الأعظم من إسطنبول من أولهم خير الدين بن المدلية إلى عبد الله بلكباش سنة خمس وستين من القرن الحادي عشر كما مرّ فترك ذلك. وصار الباشالار تتفق عليه الأتراك ويقيمونه من الجزائر لا غير.
وأول من أقيم من الجزائر عبد الله بلكباش (1). ولما فتح مصطفى أبو شلاغم ابن يوسف المسراتي وهران كما مرّ. انتقل لسكناها من المعسكر فسكنها بأهله وصيّرها دار ملكه فهو أول باياتها الثمانية الآتي ذكرهم إن شاء الله تعالى واستقر بها إلى أن جاءها العدو السبنيول مرّة ثانية.
عودة وهران لحكم الدولة السابعة الإسبانية
ثم رجع ملك وهران للدولة السابعة الإسبانيين (كذا) فملكها سلطانهم ألوى دابوربوا (2) وذلك أنه تولى سنة إحدى وأربعين ومائة وألف (3) وسلم في الملك تلك السنة لابن عمّه فيليب الخامس المار فبقي في الملك المرة الثانية
__________________
(1) الحقيقة أن الباشا كان يعين من قبل السلطان العثماني في اصطمبول ويرسل إلى الجزائر ابتداء من خير الدين. وبقي الأمر هكذا إلى عهد الداي علي شاوش عام 1710 م ، حيث أصبح يختار من طرف ديوان الأوجاق من بين أتراك الجزائر.
(2) يقصد لويس البوربوني من أسرة البوربون الفرنسية.
(3) الموافق 1728 ـ 1729 م.


اثنين وعشرين سنة. وفي السنة الثالثة من توليته وهي سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف (1) جهّز يعني فيليب لغزو وهران جيشا عظيما فدخلوها / عنوة وذلك بعد موت (ص 192) الباشا بكداش رحمه‌الله وفي حياة الباي مصطفى أبي الشلاغم. ولما جاءها العدوّ خرج لقتاله الباي مصطفى أبو الشلاغم المسراتي في جيش جليل ونشب الحرب معه بمناوشة قليلة قتل فيه النزر من جيشه واستشهد فيه علي بن مسعود المحمودي الحشمي وحصلت الهزيمة في جيشه فلجأ الباي إلى بني عامر فخذلوه ولما رأى (كذا) ذلك أخذ أهله وأصحابه وأسلمها للعدوّ وذهب لمستغانيم فصيرها دار ملكه ومكث بها بعد إقامة المسلمين بوهران أربعة وعشرين سنة فأخذها النصارى في المرة الأولى بمالها وأهلها وأخذوها في المرة الثانية بأكثر ما فيها من الأموال ونجت الأنفس. وإلى وقت خروج المسلمين منها وكم بقوا بها ودخول النصارى لها أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
من بعد عشر وعشر ثم أربعة
 

عادوا إليها قرة أعين النعس
 
فملكوها بلا كبير ملحمة
 

لاكن في الأولى بخدعة متحيس
 
فمرّتين ابتاعوها غير غالية
 

كيف يباع ثغر وهران بالبخس
 
أتوها طورين انتقدوها عامرة
 

وعد عليها إليهم غير منحبس
 
خلا لها الجوّ صرفا واطمأنّوا بها
 

وقد تخلّت للكفر جلوة العرس
 
يا له من ثغر أضحى لها جزرا
 

للنائبات والجدّ منه في التعس
 
مدينة العلم والإيمان حلّ بها
 

ما حلّ بالحصن من الخبس والخبس
 
من كل شارقة الإلمام بارقة
 

مأتمها عاد للأعداء كالعرس
 
تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم
 

غرّ عقائلها المحجوبة النفس
 
كانت حدائق للأحداق مونقة
 

فصرخ النصر في الأدواح بالدحس
 
محى محاسنها طاغ أتيح لها
 

اكتحل السهر لها مكثر الجوس
 
ما سهى عن هضها حينا مذ حاربها
 

ولا مكثّر للتواني والنّعس
 
صارت تدور لناطورا واعدئينا
 

وكلّما وعدتنا فهو في ركس
 
__________________
(1) الموافق 1730 ـ 1731 م. والحقيقة أن غزو وهران تم عام 1732 م.


ولا زال أبو الشلاغم رحمه‌الله بمستغانم منذ دخلها إلى أن مات بها فدفن (ص 193) / بالمطمر منها وعلى ضريحه قبّة.
عودة إلى تاريخ ملوك إسبانيا
ثم فردينة السادس تولى سنة ثلاث وستين ومائة وألف (1) وبقي في الملك ثلاثة عشر سنة. ثم كارلوص الثالث تولى سنة سست وسبعين ومائة وألف (2) وبقي في الملك تسعا وعشرين سنة إلّا أن نصارى وهران من حين الفتح الأول انكسرت شوكتهم عن الغزو العظيم للمسلمين وعرفوا قدرهم لكن (كذا) رعبهم لم يذهب من قلوب المسلمين بعد ذلك الفتح فأحرى بعد رجوعهم لها. قال الشيخ الحافظ المحقق أبو زيد عبد الرحمن الجامعي التلمساني في شرحه لرجز الحلفاوي : كنت وفدت عقب الفتح بقليل على العالم العلامة الداركة الفهامة ، الدراية النقاد ، سراج التحقيق الوقاد ، منهل العلوم الأصفى أبي عبد الله سيدي محمد المصطفى القلعي الرماصي ، تجاوز الله عنا وعنه يوم الأخذ بالنّواصي فوجدته يسكن بأهله ببيوت الشعر قرب غابة في رأس الجبل يأوي إليهم ليلا ويظل نهاره في دار يطالع كتبه ويقري (كذا) طلبته فسألته عن ذلك فقال لي كنّا على هذه الحالة على عهد النصارى خوفا منه لأننا كنا لا نأمن في الدور من أن يصكّونا ليلا فخرجنا لبيوت الشعر ليسهل علينا الفرار إلى غابة الجبل فنمتنع منهم. فانظر إلى أين بلغ بالمسلمين خوف أولائك الطواغيت ولا يعرف حلاوة الإيمان إلّا من ذاق مرارة الخوف. ثم أن كارلوص المذكور جهّز جيشا عظيما في خمسمائة مركب لغزو الجزائر فغزوها سنة تسع ومائة وألف (3) فئ ولاية الباشا محمد فخرجوا ونزلو بإزاء الحراش في البر وجعلوا ترسا من حطب ولوح وغير ذلك وبنوا برجا في ليلة واحدة يقال له الآن برج مولاي حسن ووافق ذلك قدوم الباي صالح من قسنطينة للجزائر لدفع لزمة الصوف وهي محمولة على الإبل فقدم تلك الإبل أمامه وجعلها سورا بين المسلمين والإسبانيين واجتمعت إليه القبائل والأعراب مع جيش الجزائر فأوقدوا نار الحرب واشتد القتال وحمى الوطيس
__________________
(1) الموافق 1750 م.
(2) الموافق 1762 ـ 1763 م.
(3) الموافق 1775 وهي الغزوة التي قادها الضابط أوريلّي.


وبات النصارى ليلتهم في موضعهم فلما كان قبيل صبيحة يوم الأحد رجعت الدائرة عليهم وهزمهم الله وكسرت لهم / السفن وفشا فيهم القتل والجراحات (ص 194) وأثخن فيهم المسلمون إثخانا عظيما إلى أن علا دمهم على البحر ومات منهم ما لا يحصى عدده إلا الله تعالى ورجعوا مغلولين خائبين لم ينالوا خيرا واستشهد من المسلمين نحو أربعمائة جعلت لهم مقبرة بإزاء عين الربط (1) وبقيت عظام النصارى ماثلة في رمال الحراش أعصرا وقد حضر لهذه الواقعة المنصور بالله أبو الفتوحات سيدي محمد بن عثمان باي الإيالة الغربية وتلمسان ثاني بايات وهران ، بعسكره فظهر من إقدامه واعتنائه مقامات تعدّ من مفاخر دولته وذكر أنه آخر الأيام. ثم غزوها أيضا سنة سبع وتسعين ومائة وألف (2) فهدموا بالبونبة أزيد من مائتي دار وطلبوا الصلح فلم يجابوا ورجعوا خائبين. ثم غزوها أيضا السنة التي بعدها فزحف لهم المسلمون في البحر وردوهم على أعقابهم فرجعوا بلا طائل. ثم جاؤها أيضا سنة تسع وتسعين من القرن المذكور طالبين الصلح في الحال ، باذلين القناطير من الأموال ، راضيين بدخولها للتجر لما أيّسوا من الظفر وقدموا في ذلك علجة على عادتهم فانبرم الصلح بينم وبين المسلمين كل ذلك أيام الباشا محمد دولاتلي (3) مات رحمه‌الله سنة خمس من القرن الثالث عشر أيام السلطان سليم ابن السلطان مصطفى العثماني. والحاصل أن الجزائر كانت قبل بنا بلكّين الصنهاجي لها اخصاصا وكان بنوا مزغنة وأكثر متيجة يؤدون الخراج للإسبانيين ولما بناها بلكّين الصنهاجي وحصنها بالأسوار وأنزل بها الجيوش قصرت النصارى عن عادتهم ورضوا بدل الخراج بالبيع والشراء معهم وهم ببرج المرسى الذي بالبحر. ولم يزل خير الدين لما تولى يحاصره ويقاتله ويصالحه إلى أن فتحه عنوة سنة ثمان وأربعين وتسعمائة كما مرّ (4) وأول غزو النصارى لها بعد استيلاء الأتراك عليها
__________________
(1) مكانها اليوم ساحة أول ماي بالتقريب.
(2) الموافق عام 1783 وهي الحملة التي قادها الضابط أنطونيو دوبار سولو كما قاد الحملة الثانية في العالم الموالي 1784 م.
(3) ثم إبرام الصلح بين الجزائر وإسبانيا يوم 14 جوان 1786 م.
(4) بني بلكين مدينة الجزائر في القرن الرابع الهجري ، وبنى الإسبان قلعة البنيون أمامها داخل البحر عام 1511 ـ 1512 ودفع بنو مزغنة الجزية للإسبان في الفترة من ـ


سنة خمس وعشرين وتسعمائة (1) في ثلاثمائة وعشرين جفنا فهزمهم الله بعد ما قتل منهم خلق كثير يزيد على عشرة آلاف وغزوها مرة أخرى أيام (ص 195) خير الدين أيضا فهزمهم / الله وأسر المسلمون نحو الثلاثة آلاف. ثم غزاها الطاغية بنفسه وهو كرلوص شارل الأول لما استولى المسلمون على بر المرسى بها وذلك سنة ثمان وأربعين من العاشر (2) في زهاء سبعمائة سفينة فبعث الله عليهم ريحا كسّرت لهم أكثر مراكبهم ومن خرج منهم للبّر قتل حتى أن الطاغية رجع في اثنا عشر مركبا وكل هذا أيام خير الدين رحمه‌الله ومرّ الكلام على هذا مستوفيا غاية. ونظير هذه الغزوة غزة قسطنطين بن هرقل ملك الروم لما أخذت الإسكندرية واستولى عليها المسلمون وعلى كنيستها العظمى وقد كان المسلمون أخذوها قبل ذلك في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ثم رجع لها النصارى بعد أول خلافة سيدنا عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه فأخرجوا منها وحلف عمر بن العاصي (كذا) ليتركنها كبيت الزانية تؤتى من كل جهة فلما سمع قسطنطين بهدم حصونها غزاها في ألف مركب في الشتاء فغرّقتهم الريح كلهم إلّا مركبه نجا لصقلية فأدخلوه الحمام ووثبوا عليه فقتلوه جزاء له على فعله وغزوه في ذلك الفصل. ثم غزوها سنة سبع وستين وتسعمائة ولم تحصل لهم فايدة ورجعوا خائبين. ثم غزوها الغزوات الثلاثة المارة وهي سنة تسع وثمانين من القرن الثاني عشر ثم السنة التي بعدها ثم سنة تسع وتسعين منه وهي ذات الصلح وتقدم هذا كله مستوفيا (3).
التحرير الثاني والنهائي لوهران والمرسى الكبير
ثم فردينة السابع تولى سنة خمس ومائتين وألف (4) وبقيت وهران تحت حكمه وفي وقته جهّز لها من قيّضه الله لفتحها وأرشده لسعادتها ونجحها الممتطي
__________________
ـ 1512 ـ 1516 م. وفي كلام المؤلف ما يخالف هذا ، واستعاد الأتراك الحصن عام 1529 م.
(1) الموافق 1519 بقيادة دون هوقو دومونكادو.
(2) الموافق 1541 م. وتم ذلك في عهد البايلرباي حسن آغا وليس خير الدين.
(3) الموافق أعوام : 1560 و 1775 و 1783 و 1784 م.
(4) الموافق 1790 ـ 1791 م. وهو فيرناندو السابع.


منصة الرضوان والمشيد رايات الإيمان والباسط مهد العدل والأمان ، الباي السيد محمد بن عثمان ، باي الإيالة الغربية وتلمسان أتحفه الله برضاه ، وجدد له اللطف وأمضاه سنة خمس ومائتين وألف من هجرة من حاز للكمال والشرف والوصف ، جيشا حصل له به النصر والسرور والاطمئنان (كذا) فخرج به من المعسكر قاصدا بحول الله وقوته فتح وهران وقدم أمامه / البارود في عدّة صناديق وجعله ذخرا ببرج (ص 196) شلابي التركي بوادي سيق. ثم نزل بجيشه بوادي الحمام ورحل منه مرتجيا النصر له من المالك العلام. فنزل بسيق وهو كالليث الضرغام وارتحل بقصد قتال النصارى بغير الملام. فنزل بوادي تليلات واشتاقت نفسه لدخول روضات الجنات ثم ارتحل من الغد وهو بفعله كالغانج فنزل بوطاء وادي الهايج ، واجتمعت عنده الأعراش بالتمكين وجاءه المخزن والنصر بلوح عليه من رب العالمين. وكان الوقت وقت الحصاد ، والذي فيه تجمع قوت سنتها سائر العباد ، فتفاوضوا معه في الأمر وتشاوروا ، وتجاوبوا معه في القول وتحاوروا ، وقالوا له يا نعم الأمير الرأي الذي لنا ولك فيه العزّ المنيف ، أن تدع هذا القتال وتؤخره إلى وقت الخريف ، لتذهب الناس لجمع عيشها ، وتتفرغ لقتال العدو بجيشها ، فأجابهم بقوله رأيكم فيه الحكمة والصواب ولاكن (كذا) أنتم ونحن في رأي الأولياء والعلماء أولى الألباب فهم أدرى بالأمور ، وبإشارتهم يكون الفوز والسرور فبعثوا فورا للولي الشهير ، بسيدي محمد أبي دية الضرير ، وهو بزاويته بجبل تاسّالة ، فأتوه به في أكمل حالة لحالة كمّاله ، فاجتمع هو وأعيانه به فشاوروه ، وتردّد القول بينه وبينهم وحاوروه ، فقا الولي لهم قولته الكاملة أنك لا تفتحها في سنتك هذه وإنما تفتحها في محرم السنة القابلة. فسّر الباي وفرح واطمأن قلبه وانشرح. وكان الباي معتمدا على كلام الولي الصوفي سيدي الأكحل ابن عبد الله الخلوفي وكان أبو دية مأذونا له في الكلام ، ومشهورا بذلك عند الخاص والعام ، حتى صار يقول من أبي دية الخبّار ، لم يبق من يعط الأخبار. وعند موته باع الولاية لأبي عمامة ، فقام مقامه في التكلم بأحسن استقامة ، ولما سمع الباي كلام أبي دية ارتحل من حينه ولأمّ عسكر رجع. وصار يراصد الوقت الذي له أنفع ، ولما دخلت سنة ست من الثالث عشر (1) بالإثبات قدم لفتحها في
__________________
(1) الموافق 1791 ـ 1792 م.


مائة فسطاط إلى أن نزل بوادي تليلات. وبها جاءه وليّ بهلول من غير خلف من أولياء الله المفتوح لهم حجاب الكشف وصار يدور في المحلة ويقول يا أمير (ص 197) المؤمنين / إذا أردت أن تفتح وهران فجيء لها (كذا) على طريق جنين مسكين ، وكان الجنين ببلاد أولاد علي قريبا إليه ، فلما سمع الباي ذلك أحضره لديه ، وقال له أيها السيد ماذا نقوله في مقالك فقال له القول هو ذلك ، وإلا فأيّس من فتحها بتحقيق الخبر ، فساعده الباي ورجع للمعسكر ثم خرج بمحلته المنصورة ونزل بحمام أبي الحنيفة ثم بالزفيزف وبعده بالقعدة ، فنزل بجنين مسكين ، وقلبه مطمئن بالفتح آمين ، ثم تقدم لتليلات ، فجاءه الولي بها بالبشارات قائلا له إنك تفتحها بإذن الله. ويكون لك فيها العزّ والجاه ، ثم ارتحل ونزل بالضاية ، قبلتها في صحيح الرواية ، ثم ارتحل ونزل عليها وحاصرها ، وضايقها شديدا وقاهرها. وكان القتال له عليها مترادفا ، والحصار لها من كل جهة متخالفا ، وحضر لقتاله بها عدد من الطلبة يزيد على الخمسمائة ، رائسهم (كذا) الشيخ محمد ابن المولود المخيسي المعدد لهم عدد الحيسي ، وفيهم العلامة الأجل ، المازوني صاحب الحاشية على الخرشي المسمّة بدرة الحواشي ، في حلّ ألفاظ الخراشي ، وقد باشر هذا الأمير حربها بنفسه ، مدخرا ثواب ذلك لرمسه ، ولم يكن رحمه‌الله وأدام وجوده ، وخلّد ذكره ووفى معهوده ، إلا في محلته المعهودة له في سائر الأيام وهي مائة فسطاط ، ولم يمده محمد باشا بمدد يظهر منه في هذا الأمر النشاط وقد توفي هذا الباشا أثناء الحصار وتولى بعده حسن باشا في صحيح الأخبار ، فأقرّ الأمور على ما كان عليه ولم يزده حامية إلا ما كان لديه ، حتى فتح الله هذا الفتح المبين ، الذي أضاء به للإسلام الجبين ، وتبسّم به في الثغر وجه الدين بعد عبوسه واستبدل النعيم بعد ضنكه وبؤسه ، لا كما وقع للسيد مصطفى أبي الشلاغم ابن يوسف المسراتي في فتحها الأول المزيل به لكربها ، فإن الباشا محمد بكداش رحمه‌الله وجّه له من الجزائر الجيوش لحربها ، وأمّر عليها من عرفت نجدته ، وظهرت في المضايق شجاعته وشدته ، رديفه ووزيره وصهره وخبيره السيد أوزن حسن رحم الله الجميع برحمته التي ليس فيها ثبط والأمير (ص 198) مصطفى فهو / على محلته فقط. وتحرك لها الأمير محمد في العام الثالث عشر من ولايته ، رايما النجح (كذا) والتوفيق من الله في عمله وسعايته. ورأيت في بعض


التقاييد أنه من حين قصدها في العام الخامس. لم يرجع عنها إلى أن أكمل له الأمر بالفتح واندحض كل جالس. وقد أفرد ابنه الأمير عثمان في هذا القتال ، بمحلة فكثر منها على الأعداء النّزال وصار الحرب بين الأمير والنصارى سجال. وقد أثخن الطلبة في النصارى إثخانا عظيما حل به على النصارى التبديد والنكال. يقال في صحيح الحكاية الموذنة للنصارى بالنكاية. أنّ من شدة قتال الطلبة للنصارى ، تقدموا لهم من غير توان ولا قصارى إلى أن سبق طالب لنصراني وارتمى على ظهره ، ولم يخش من بأسه ومكره ، بل صيّره لنفسه مطيّة ، وقال هذا إليّ من الله عطية. وكان الطالب لطيفا ، وفي جسمه نحيفا ، فذهب به ذلك النصراني وهو على ظهره فارا للمدينة ، وترك القتال وحلّت به الغبينة لم ينزل الطالب عن ظهره ، ولا حاجة له في نهبه وأمره ، وإنما استخرج من جيبه سكينا صغيرا وصار يجرحه به تجريحا مترادفا كثيرا ، والنصراني لا يبالي بذلك وقصد به البلد ، ولما رأى بعض الطلبة ذلك جرى في أثره بالقوة والجد ، إلى أن لحقه فضربه للعراقيب بالسكين فخر النصراني صريعا وقرب أجله في الحين ، فقتله الثاني واجتزّ رأسه وأتيا به معا لمحلتهما في غاية الاقتباس ، وكل ما فعلاه فهو لمرءات الناس.
ويحكى أن الطبجية الذين بمرجاجوا حققوا النيشان بغير اشتباه ، وضربوا بكورهم فسطاط الأمير وهو بوسطه فكسروا ركيزته ، ونجاه الله ، فجاء أحد الطبجية الذين بمحلة الأمير إلى محل اختاره وهو في غيظ كبير ، وجعل نيشانا صحيحا نحو المدفع الذي جاءت منه الكورة ، وكوى مدفعه فذهبت منه بسرعة الكورة ، إلى أن دخلت جوف المدفع الأول فعطّله ونال حالة مشكورة ، قيل ولم يخدم ذلك المدفع المعطل للآن. ورحل الباي من منزله ونزل بالمبرك غربي وهران ، ولا زال رحمه‌الله يحرض النّاس على قتالها ، ويتقدم لفتحها وزوالها فعدل نصره الله عن طرق عواقبها ، فلم يعتبرها ولم يعبأ بثواقبها ، ولم يلتفت لقول المرجفين من أنها ذات بأس شديد ، وجند كثير / عتيد ، وأنّ اعتناءه بها فهو (ص 199) من قبل اللعب واللهو ، لكونها أمنع بعقاب الجو ، وأن عاقبة أمره معها عدم الظفر بها وقتل جنده بلا طائل ، لا حصول قوة ونايل ، بل نبذ ذلك كله وراء ظهره ، ولم يعمل إلا برأيه وأمره ولم يستشر في ذلك أحدا خوفا من تثبيطه وعدم شدته


وتنشيطه ، لما فيه من رشده ونجحه سوى سيفه ورمحه ، ودام حصاره لها بالقتل ، الصادر منه ومن جنوده ، وشدة صواعقه ومدافعه وكوره وباروده ، إلى أن فتحها في أوائل المحرم سنة ست من القرن الثالث عشر (1) بقتاله الذريع ، ودخلها في اليوم الخامس من رجب الفرد ضحى يوم الإثنين من سنته (2) في فصل الربيع. وقد أقام النصارى بها في هذه المرة الثانية التي صارت بعد الفتح كالسنة ثلاثا وستين سنة ، وفي الأولى خمسا ومائتي سنة ، ولما دخلها في ذلك اليوم المبارك ، أناخ بها راحلته ولا له فيها معاند ولا مشارك.
واختلف في كيفية فتحها على ثلاثة أقوال : قال بعضهم أن الأمير فتحها عنوة ودخلها بعد الزوال. وقال آخر أنها فتحت بشدّة الزلازل الحالة بها في كل حين (3) ففرّ منها النصارى دون علم من المسلمين ولما ذهب لها الطلبة ليلا للاختلاس والتجسيس. لم يجدوا أحدا عند أبوابها ولا بها حس ولا حسيس. فتسوروا عليها من جهة رأس العين ودخلوها ، فوجدوها خاوية على عروشها ثم جالوها مفرقي أحدهم المنارة ورجع صوته بالأذان. وكان جهير الصوت ذا تطريب وألحان ، فسمع المسلمون ذلك وتحققوا من الطلبة أنقامهم ، فأتوها والأمير المؤيد بالنصر أمامهم ، فألفوا الطلبة مقبلين على تلاوة القرآن ، فدخلها الأمير رحمه‌الله في أمن وآمان.
وقال الحافظ أبو راس أن أمير المؤمنين السيد محمد بن عثمان باي الإيالة الغربية وتلمسان ، لما ضايق وهران أشد التضييق ، سأل منه النصارى السلم والتوثيق ، وراودوه عليه فأعطاهم الأمان ، على أمتعتهم وأنفسهم من غير امتهان ، (ص 200) فذهبوا منها وتركوا كل ما فيها للأمير فأخذه منهم بالقيمة بلا تجميح ، / وقيل تركوها خاوية والأول منهما هو الصحيح.
قال الحافظ أبو راس في السينية :
حتى تداركها الله برأفته
 

من بعد ما مضى لها مدة العنس
 
__________________
(1) الموافق سبتمبر 1791 م.
(2) الموافق فيفري 1792 م.
(3) حدث زلزال مروع بها يومي 9 و 10 أكتوبر 1790 م.



بتقليد المغرب الوسط لعمدتنا
 

أضاء شمسه بعد حالك القلس
 
ملك تقلدت الأملاك سيرته
 

دنيا وأخرى تراه محسن السيس
 
مؤيد لو رمى نجما لأثبته
 

ولود عاد بلا لبّ وما احتبس
 
شهم شجاع بحزم الملك متّزر
 

ومرتد النصر وفي الحلم ذو طخس
 
فملك آل منديل تحت سلطانه
 

قد كان مدّ من واجر إلى تنس
 
كذاك ملك تجين في إيالته
 

كذا الجدار القديم المتقن الأسس
 
ملك لآل يغمور فيه نصرتهم
 

كذاك ملك ابن يعلا اليفريني الرئيس
 
لشعنب ومصاب مدّت طاعته
 

على مسافات شتّى من أبي الضّرس
 
فمهّد الكل برخص وعافية
 

قد آمنوا كلهم عواقب الفلس
 
محمد بن عثمان نجم سعدهم
 

رصد من كلّف يصع ومن سجس
 
مدة ست وسبع من إمارته
 

حلّ بأهل وهران الويل في التعس
 
عمّر كل مرصد كان مسلكهم
 

بالخيل والراجل مع حلق العسس
 
طلبة أثخنوا فيهم وعاثوا فلا
 

تفسهم بقيس عبس ولا بيهس
 
أحيوا مراسم عفت من شيوخهم
 

أحمدا ومحمدا وابن يونس
 
سنة خمس أتى لها بكلكه
 

جند عظيم ما بين الشهم والحوس
 
مدافعا وعرادات أحاط بها
 

كأنها بينهم كحلقة الجلس
 
يكاد يصدع الشامخات باروده
 

رعد سحاب مديم الصعق والجرس
 
يفني الفناء ولا تفنى له حروب
 

كأنّه من صروف الدهر لم تيس
 
يشيب من حربه رأس الغراب ولا
 

يشيب رأس نهار دايم الغلس
 
يسودّ مبيض وجه لرجاه ـ ولا
 

يبيضّ مسوده من شدة الدمس
 
بنقع خيله ودخان باروده
 

يوم حليمة أو كرج لأرمنس
 
فحار بطريقهم من بأسه فرقا
 

وقلبه مملوء بالرعب والوجس
 
/ أخبارها قد طارت في الأرض قاطبة
 

لقتنا في أمدوجات من ورا قابس
 
(ص 201) أوبة حجّنا فقلنا هنيئا لنا
 

وصلنا حجّ جمع بالجهاد النفس
 
وجدنا سوسة والمنستير قد سمعا
 

مدينة اللخمي وجربة مع تونس
 
عدة أشهر الحرب يساجلها
 

طالع سعد له عليهم بالنحس
 
فطلبوا السلم من بعد مراودة
 

فأعطوا الأمان على الأمتع والنفس
 



فكانت مدتهم في هذه كمج
 

جرى بذا القلم قدما في الطّرس
 
هم يخربون بيوتهم بأيديهم
 

فاعتبروا يا أولي الأبصار والنفس
 
بنوا النضير في المشر سبقوهم بذا
 

فكيف بالروم بفعل اليهود تس
 
نصارى وهران تركوها عامرة
 

فالحمد لله آمنا من الهجس
 
بأبي عثمان وعثمان قد رجعا
 

إلينا ما يسلّي عن أرض أندلس
 
رماهم الله بالملك أميرنا
 

رمية سهم أتتهم على غير قس
 
أقام أحوالا للأعدا منوّعة
 

بالمكر والكيد والأنفاض والدسس
 
إلى أن قال :
في خامس الفرد ضحى يوم اثنينه
 

كان الدخول بعون الملك القدّس
 
سنة ستّ ثم الحمد لخالقنا
 

وصل أيضا على المنقى من الرجس
 
وقال في بقائهم بها في الأولى كما مرّ :
ففتحت عنوة في تسع عاشرة
 

من بعد سكنى؟؟؟ والدين في وكس
 
ولما اصطلح الأمير محمد بن عثمان مع نصارى وهران ، على رفع القتال (ص 202) / عنهم يخرجون منها في أمان ، صاروا يخربون بنيانها بالألغام. نكاية منهم للمسلمين بالاحتكام ، كفعل بني النضير أحد فرق اليهود الذين بإزاء المدينة المنورة ، لما عزموا على الجلاء بالمشتهرة لما حاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسليما ، وشرفه وكرمه تشريفا وتكريما.
ثم أن وهران لما منّ الله تعالى بمنه وفضله على المسلمين بفتحها من الإسبانيين بالبيان ، على يد الأمير المؤيد بنصر الله السيد محمد بن عثمان ، باي الأيالة الغربية وتلمسان ، طار خبرها للمشارق والمغارب وحصل السرور للمسلمين الأباعد والأقارب ، واستبشروا بالفوز والربح والنجح والحبور ، «وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إنّ ربنا لغفور شكور».
من اخترع البارود؟
قال شيخنا الزياني في دليل الحيران واختلف في أول من عمل البارود على ثلاثة أقوال. فقيل اخترع ببر الصين في الزمان القديم ونقله المسلمون عنهم


لهذه الأماكن وقيل اخترعه الروم لما نزلوا بقرب تونس لأخذها في سنة تسع وستين وستمائة (1) وقيل أحدث في نيف وستين وسبعمائة (2) أحدثه حكماء المسلمين وهو المشهور وذلك أن حكيما كان يعالج صنعة الكيمياء فعالج ذلك ففرقع له فأعجبه فاتخذه لآلة الحرب وهو قول الحافظ البناني في حاشيته على الزرقاني في باب الذكات والحافظ أبي راس في كتبه والحافظ الرباصي علي العمل الفاسي. وأما المدافع والبنادق فأحدثهم النصارى بإسبانيا وإفرانسا سنة أربعين وسبعمائة.
تتميم لملوك / الإسبانيين
(ص 203) ثم ززاف الفرانسوي صنو سلطان الفرانسيس (كذا) نابليون بونبارت (كذا) تولى سنة خمس وعشرين ومائتين وألف (3) وبقي في الملك خمس سنين. ثم فردينة السابع تولى مرة ثانية سنة ثلاثين ومائتين وألف (4) وبقي عشرين سنة. ثم إيزابلة الثانية تولت سنة خمسين ومائتين وألف (5) وبقيت في الملك خمسا وثلاثين سنة. وفي سنة ست وسبعين ومائتين وألف (6) جهزت جيشا لغزو تيطاون بهذه العدوة من المغرب الأقصا (كذا) فحصل بينهم وبين المسلمين قتال ذريع ثم استولوا عليها وبقوا بها نحو ثلاثة أشهر ثم خرجوا منها مختارين على أخذ مال معيّن من سلطان المغرب. ثم صار حكمهم للجماعة الجمهورية الشورية بينهم سنة خمس وثمانين ومائتين وألف وبقوا على ذلك سنتين. ثم أمادى تولى سنة سبع وثمانين ومائتين وألف (7) وبقي في الملك
__________________
(1) الموافق 1270 ـ 1271 م خلال حملة لويس التاسع عليها.
(2) الموافق 1359 ـ 1369 م.
(3) يقصد جوزيف وهو يوسف وتولى عام 1810 م.
(4) يقصد فرناندو السابع وتولى عام 1813 م إلى عام 1833 م.
(5) الموافق 1833 م.
(6) الموافق 1859 ـ 1860 ودام حكمها إلى عام 1868 م.
(7) الموافق 1870 ـ 1871 من والمقصود به أماديودوسابويا.


ثلاثة أعوام. ثم رجع حكمهم جمهوريا أيضا مرة ثانية سنة تسعين ومائتين وألف (1) وبقوا عليه سنتين أيضا. ثم الفونص الثاني عشر وتسمّيه (كذا) المسلمون الفنش تولى سنة اثنين وتسعين ومائتين وألف (2) وبقي في الملك عشرة أعوام ومات ملكا. ثم ابنه الفونص الثالث عشر تولى يوم موت أبيه وهو عام اثنين وثلاثمائة وألف (3) وهو طفل صغير في كفالة أمه فهي المديرة لحكمه وهو الموجود الآن في الملك والله يؤتي ملكه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
قائمة أباطرة الرومان
(ص 204) / وجملة ملوك الروم المشتهرين قبل الإسلام إلى أن ظهر الإسلام ، ستة وخمسون ملكا. وأول من اشتهر منهم غانيوس ثم يوليوس ثم أغسطس وأصله بشينين معجمتين ثمّ عرب بسينين مهملتين ولقبه قيصر ومعناه بلغتهم المبقور عنه لأن أمه ماتت بالطلق فأبقر عليه وأخرج فلقّب بقيصر وصار لقبا لملوك الروم وكان يفتخر به فيقول إني لم أخرج من الفرنج كغيري ثم طيباربوس ثم غانيوس ثم قلوذونس ثم نارون ثم ساسيانوس ثم طيطوس وملك سبعة أعوام وغزى اليهود وأسرهم وباعهم ثم ذو مطينوس ثم نارواس ثم طرايانوس وقيل غراطيانوس ثم إذريانوس ومات مجذوما ثم أنطونينوس الأول ثم مرقوس وقيل قوموذوس وشركاؤه في المملكة ثم قوموذوس وخنق نفسه فمات بغتة ثم فرطنجوس ثم سيوارس ثم أنطونينوس الثاني ثم الإسكندروس ثم مكسيمينوس ثم غورذ بانوس ثم دقيوس ويقال له دقيانوس ثم غاليوس ثم علينوس ولريانوس وقيل اسمه ولوسينوس ثم انفرد ولريانوس بالملك ثم قلوذيوس ثم أردفاس وقيل أورليانوس ومات بصاعقة ثم قلرونوس ثم قاروس ثم دقيطيانوس وهو آخر عبّادة الأصنام من ملوك الروم ثم قسطنطين المظفر ومات تابعا لدين المسيح عليه‌السلام بعد ما ملك إحدى (ص 205) وثلاثين سنة في منتصف سنة ست وعشرين وستمائة / للإسكندر ولما مات انقسم
__________________
(1) الموافق 1873 م.
(2) الموافق 1875 م. والمقصود به الفونسو.
(3) الموافق 1885 م.


ملكه بين أولاده الثلاثة ، وكان الحاكم عليهم منهم قسطس ثم لليانوس وارتدّ إلى عبادة الأصنام وقاتل سابور ذا الأكتاف وانتصر عليه ثم قتل في أرض الفرس بسهم ثم يونيانوس واصطلح مع سابور ذي الأكتاف ثم والنطيانوس ثم أنونبانوس ثم خرطيانوس ثم ثاودسيوس الكبير ثم أرقاذبوس ملك بقسنطينة وشريكه أوثوربوس برومية ثم ثاوذسيوس الصغير وفي أيامه غزت فارس الروم وانتبه أصحاب الكهف من كهفهم ثم مرقيانوس ثم والطيس ثم لاون الكبير ثم لاون الصغير ثم زبنون ثم اسطيثيانوس ثم يسطينينوس الأول ثم يسطينينوس الثاني ثم يسطينينوس الثالث ثم طبريوس الأول ثم طبريوس الثاني ثم ماريقوس الأول ثم ماريقوس الثاني ثم قوقاس ثم هرقل عظيم الروم واسمه بالرومية أراقليوس وكانت الهجرة النبوية في السنة الثانية عشر من ملكه وهو الذي بعث له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع صاحبه دحية الكلبي رضي‌الله‌عنه كتابه يدعوه إلى الإسلام وأتيت بهذا استطرادا تتميما للفائدة في ملك الروم (1).
عودة وهران لحكم الدولة الثامنة التركية
والألقاب والرتب التركية
ثم رجع ملك وهران للدولة الثامنة وهي دولة الترك فملك وهران منهم الأمير المنصور / الأسد الهصور ، وثاني بايات وهران الثمان ، المجاهد في سبيل الله السيد محمد (ص 206) ابن عثمان ، باي الإيالة الغربية وتلمسان ، بعد فتحها من أهل التثليث والأوثان. اعلم أن الباي عند أتراك الجزائر لقب لمن ولّي أحد الإيالات الثلاث وهو : تلمسان ، وتيطرى ، وقسنطينة فقط. والباشا لقب للذي يولّي البايات الثلاث ولذا يقال له باشا باي وباي البايات ودولاتلي قال الحافظ أبو عبد الله محمد الصغير اليفريني في كتابه نزهة الحادي : ومعنى الباي بلغة الأتراك قايد القياد ويختص به قايد الصبايحية. ولما يعظمونه يقولون له الباي لار. وقال الحافظ أبو راس في
__________________
(1) لقد أورد المؤلف قائمة أباطرة الرومان بأسماء محرفة ويتطلب تصحيحها إعادة كتابتها كلها من جديد. وبما أنها معروفة في كتب التاريخ فلا فائدة هنا من إيرادها ، وسنوردها كملحق في نهاية الكتاب ، مرتبة ، ومنظمة بتواريخها المعروفة في كتب التاريخ المتخصصة.


الخبر المعرب : والباي هو الذي يوليه الباشا ناحية كبيرة في عرفنا. والحاصل أنّ أمراء الإسلام أعلاهم رتبة الخليفة وقد انقطع هذا الاسم أوائل القرن العاشر. ثم السلطان وهو الموجود الآن في إسطنبول والمغرب الأقصا. ثم الوزير وهو المتولي الحروب بإسطنبول. ثم الباشا وهو الذي يوليه السلطان قاعدة كبيرة كالجزائر وتونس وطرابلس ومصر والشام وبغداد في عرفنا الآن. ثم الباي وهو عندنا من يولّيه باشا الجزائر جهة مخصوصة مثل قسنطينة ، والمغرب الأوسط وغير ذلك. ولار بمعنى جميع ومن ذلك يولضاش لار فيولضاش بمعنى الجندي ولار بمعنى الجميع. ودأب العجم إضافة المضاف إليه للمضاف عكس العرب لأن (ص 207) معنى هذه الكلمة بالعربية جميع يولضاش. والانقشرية /. العسكر الجديد وذلك أن السلطان مراد بن أورخان بن عثمان خان الخاقاني اتخذ مماليك سنة إحدى وستين وسبعمائة (1) فسمّاهم بهذا الاسم فهو أول من سمى به والرأي بمعنى الراءيس (كذا) والأودباشية لار الواحد أودباش ومعناه رايس الدار على عادتهم في الإضافة فلفظ أود هي الدار وباش هي الرايس. وأعلا منه البلكباشية. فالبلك اسم الجماعة والباش الرايس كما مرّ ومعناه رايس الجماعة. وأعلا منه آغا. ومواطن الباي ثلاثة :
بايليكات الجزائر وأقسامها
أولهم باي تيطرى وهو أكبر البايات اسما لأنه أول من ولته الدولة التركية بذلك المحل. وقاعدته المدية. وثانيهم باي الشرق يعني الجهة الشرقية وقاعدته قسنطينة. وثالثهم باي الغرب يعني الجهة الغربية.
بايليك الغرب الوهراني وعواصمه وباياته
وفي الحقيقة أنه هو الثاني في المرتبة لكون الترك تولوا على الجهة الغربية وجعلوا فيها باي قبل الجهة الشرقية. وقاعدته وهران. وهذا الثالث كان منوّعا على نوعين أحدهما مازونة وأول باياتها حسن بن خير الدين باشا وسلم في
__________________
(1) الموافق 1360 م.


وظيفة. ثم أبو خديجة ، ثم صواق ومات مسموما من سم سقته له زوجته. ثم السايح وبقي في الملك إحدى عشر سنة ومات. ثم ساعد. ومنه إلى محمد ابن عيسى تولى بمازونة عشرة بايات وذهب عن حفظي ما تعلّق به منهم. ثم محمد بن عيسى وهو السادس عشر من باياتها. ثم شعبان الزناقي الذي توفي بالجهاد في وهران. وثانيهما تلمسان ولم يبق بحفظي من باياتها إلا عصمان ، ويوسف / المسراني. ثم جمعا في الثامن وتسعين وألف (1) لواحد وصارت القاعدة (ص 208) قلعة بني راشد ، ثم صارت المعسكر ، ثم صارت وهران في الفتح الأول ، ثم صارت مستغانيم ، ثم صارت المعسكر ، ثم صارت وهران في الفتح الثاني واستمر الحال على ذلك إلى انقطاعهم.
طبيعة حكم البايات وموظفوهم ونوابهم
ولبايات هؤلاء القواعد الثلاث التصرف المطلق في الرعية العربية بكل وجه من القتل والقطع والضرب والسجن والعقوبة بالمال المسمّة (كذا) بالخطيّة إلى غير ذلك دون متعرّض لهم في شيء ، ولا يقدر الباي على قتل أحد من الأتراك إلّا بمشاورة الباشا بالجزائر ولما يؤذن له في قتله ويقتله يقال فيه أنّ الباي قد اشتراه من الباشا. وللباي خليفتان من الترك أحدهما ينوب عنه في الخروج للرعية بالجهة الشرقية خاصة لأخذ مال الدولة منها ويتصرف فيها بما شاء على إرادة الباي وفي القدوم إلى الجزائر عند الافتقار ويقال له خليفة الشرق. والآخر ينوب عنه في قاعدته بالجلوس على الكرسي إذا غاب الباي في الرعية أو حالة الدنش ويقال له خليفة الكرسي. وله كاتبان عربيان يكتبان له جميع الأوامر والنواهي أحدهما كاتب السر وهو الكبير ويقال له باش تافتار ، والآخر يكتب الرسايل ويسجلها إلى غير ذلك وهو الصغير. وله وزيران من العرب أحدهما كبير وهو من أعيان الدواير ويقال له قايد آغا وعلى يده ما سوى المدن والزمالة والغرابة ومجاهر وفليتة ورعية خليفة الشرق واليعقوبية فله دايرة كبيرة. والآخر صغير وهو / من أعيان الزمالة ويقال له قايد كبير وعلى يده الزمالة (ص 209)
__________________
(1) الموافق 1686 م.


والغرابة واليعقوبية ومجاهر وحميان فله دايرة صغيرة لكون آغا على يده الدواير وبني عامر وجميع الجهة الغربية إلى وجدة ما عدا تلمسان وحوزها كما على يده بني وعزان وأولاده الميمون وأولاد بالغ وبني مطهر والجعافرة الغرابة وساير الحشم ورزيو وبني شقران والبرجية جبلا ووطاء وزدامة والحوارث وخلافة وفرندة والكسانة والأحرار في بعض الأحيان وأولاد الشريف وأولاد الأكرد وأولاد خليف وساير سويد وأولاد عايد وأولاد عياد وبني أمديان وساير من بالجبال. وحاصله أنه يمتد حكمه إلى ثنية الحد فله دايرة كبيرة بخلاف قايد الزمالة فله الخمسة الأعراش المذكورة. ولا آغا الدواير مشورة في رعية خليفة الشرق وهذا المنصب لا يتولاه من الناس إلّا من كان من أبناء البيوت الكبار المتأهلين له غاية التأهل. ومن جملة الأعيان المعتمد عليهم في ساير الأمور ، ويشترى من الباي بمبلغ وافر من المال وكان قبل أن يتولاه المزاري يبلغ عشرة آلاف فرنك بل ريال أو عشرة ماية شك من الراوي ولما تولاه المزاري أبلغه إلى عشرين ألفا أو عشرين مائة شك منه أيضا. وهاذان (كذا) الوزيران هما الذان (كذا) يقبال (كذا) دعاوى العرب وشكاياتها كل فيما يليه ثم يعرضانها على الباي للتنفيذ ولهما مدخل عظيم في ذلك فلا بد للباي من مشاورتهما كل فيما يليه وتارة يجمعهما للمشورة. وله ثمانية شواش أعوان أربعة من الترك ولباسهم مخالف للباس شواش الباشا فهم عند الباي كسائر العسكر لكون خدمتهم ليست موظّفة من عند الباشا وإنما هي موظفة من عند الباي خاصة فله أن يأخذ من شاء (ص 210) لقطع الرأس ونحوه. ويسمون شواشا ما داموا / في الخدمة لا غير. وأربعة من العرب للتقديم والتأخير وضبط أحوال الباي وأموره ويقال لهم شواش بني عرب وله سبعة طبول وغوايط وناغرات وعدة سناجيق يحملهم معه حال ركوبه وله فسطاط كبير جدا يقال له الوتاق يحمله اثنا عشر جملا فضلا عن البغال. والمتولي أمور داره يقال له قايد الدار وأمور سلاقه يقال له قايد السلاق ، وأمور سبسيه يقال له قايد السبسي ، وأمور ظليلته يقال له قايد الظليلة وأمور كرسيه يقال له قايد الكرسي ، وأمور طابعه يقال له قايد الطابع ، وأمور جنانه ومنزهه يقال له قايد الجنان ، وأمور مكاحليته يقال له قايد المكاحلية ، وأمور خزنته يقال له خزندار وخزناجي ، والقاطع للرأس بأمره يقال له طزبير إلى غير ذلك.


كيفية حمل الدنوش إلى الجزائر
وللباي شرط في الدخول للجزائر في كل ثلاث سنين إن لم يكن به عذر من مرض ونحوه وإلّا بعث خليفة الأول وهو خليفة الشرق عوضا عنه ويسمى هذا الدخول بالدنوش وسببه في كل ثلاث سنين الإعطاء لمال الدولة بيد الخزناجي والإعطاء للعوايد الجارية وفي يوم دخوله يقع المهرجان العظيم بالجزائر تخرج فيه أكثر الناس من البلاد لملاقاته والتفرج في ذلك المهرجان وصفته : أن الباي إذا قدم للجزائر لما يبقى بينه وبينها مسافة سير الاربع سوايع (كذا) ينزل في محل معزولة (كذا) يقال له حوش الباي ومنه يقدم للجزائر فيصل قبل الفجر لمحل يقال له عين الربط فينزل به إلى ارتفاع النهار وانفتاح الأبواب فيركب أرباب الدولة من الخزناجيات والأغوات وخوجة الخيل والديوان وغيرهم ويخرجون للقائه ومعهم نوبة الباشا تضرب عليهم فإذا وصلوا لقربه ركب / الباي (ص 211) ومن معه تحت الألوية والرايات وتضرب نوبته ويتوجه نحوهم ولما يقرب منهم تسكت نوبته وتبقى نوبة الباشا تضرب ثم ينزل الباي ومن معه على خيولهم ويمشي خطوات ثم ينزل الخزناجي ومن معه ويسلم كل فريق على صاحبه ويجلسون في محل مرتفع هناك فتتسابق الخيل في جريها أمامهم عليها فرسانها ويضرب البارود ويسمى هذا بالملعب واللعب ثم يركبون جميعا ويقصدون الباشا ومن حين الركوب يشتغل الباي بتفرقة الدراهم ورميها على رؤوس الناس الواقفين يمينا وشمالا إلى أن يصل لمقر الباشا فينزل ويدخل على الباشا فيحييه بأحسن التحية ويؤدي له الطاعة بالمبايعة ويجلس هنيئة معه ثم ينصرف للمحل المعد من طرف الدولة لنزول الباي فينزل به ثم يباشر خدمته وكيله المقيم بالجزائر المسمى بوكيل الباي وتلك الرتبة لا تعطى إلّا لمن كان هو أهل لها فتأتيه في يومه الأول الأطعمة بما يتبعها ثم يشتغل في اليوم الثاني بتوزيع العوايد الجارية فأول ما يبدأ به الباشا فإذا كان باي الشرق فإنه يدفع بعد مبلغ وافر من المال ، البرانس ، والحياك ، والمصوغ ، وإذا كان باي الغرب فإنه يعطي بعد وافر المال ، العبيد والإيماء ، والحياك ، وريش النعام ، وبيضه ، والزرابي ، القلعية ، ثم يعطي لأرباب الدولة وأصحاب المناصب حتى الشواش وغيرهم عوايدهم. وبعد دفع العوايد اللازمة وغيرها تضيفه أرباب الدولة وأكابرها ويعطي فيها مالاءاخر (كذا)


لخدام المحل على سبيل الإكرام زيادة على ما يدفعه للخزنة ويمكث في البلد (ص 212) ثمانية أيام لا غير ويرجع لمحل عمله وإذا خرج للرجوع لأهله فإنه لا يخرج / معه من أرباب الدولة إلّاءاغا لا غير فيشيعه على مسافة نحو الساعتين والثلاث ويرجع عنه بعد أن يدفع له في تشييعه قدرا جليلا من المال إكراما له. ثم إن الباشا إذا أراد قتله يبعث له من يقتله بمحل القتل وكذلك إذا أراد قتله قبل لقائه فإنه يبعث له من يقتله في الطريق قبل الوصول بحسب ما اقتضاه أمر الباشا من خنق وغيره. ولا يتولى باي ، أو خليفته ، أو قيادة المدينة ، أو المرسى ، أو فليتة ، إلّا من كان تركيا أو قرغليا.
أقسام بايليك وهران الستة
ولباي وهران في دائرته تقسيم : فالقسم الأول المرس يكونون على يد قايد المرسى وهو أعلا (كذا) رتبة من سائر القواد لكون وسق البحر على يده مدخولا ومخروجا وعلمه بمن يأتي من الأفاقيين وغيرهم واطلاعه على إتيان العدو للاختلاس. والقسم الثاني دائرة آغا الدواير غربا وبحرا وشرقا وقبلة. والقسم الثالث دائرة قايد الزمالة وهي الأعراش الخمسة المارة. والقسم الرابع دايرة خليفة الشرق وذلك من مينا إلى انتهاء رعيته وهران شرقا وبحرا وطاء (كذا) وجبالا ومخزنه المكاحلية وأولاد سيدي عريبي ومن انخرط في سلكهما من أهل الفضاء وغيرهم نائبة له كما أن ما عدا الدواير والزمالة والغرابة والبرجية نايبة للأكابر وهم رؤساء الدواير والزمالة وغيرهم من أعيان الدولة المخزنية بوهران.
والقسم الخامس المدن كوهران وتلمسان والمعسكر والقلعة ومستغانيم ومازونة وأحوازهم وهؤلاء على يد قايد البلد ، وتحته شيخ عرفي يقال له شيخ البلد. والقسم السادس فليتة وهم على يد قايد فليتة ، ومن يتولى قيادة فليتة وتلمسان فإنه يسوغ له أن يتولى بايا إذا كانت له إعانة بالجزائر.
الباي مصطفى بوشلاغم المسراتي
(ص 213) وأول بايات وهران مصطفى أبو الشلاغم / ابن يوسف بن محمد ابن إسحاق المسراتي الذي جمع له في توليته بين الإيالة الشرقية والغربية تولى


بايا على مازونة وتلمسان فهو أول من جمعت له الإيالة الغربية بتمامها سنة ثمانية وتسعين وألف (1) ونقل كرسي المملكة من مازونة وتلمسان معا للقلعة ، ثم للمعسكر ، وجعلها قاعدته لكونها وسطا بين مازونة وتلمسان. ولما غزى وهران وأمدّه الباشا السيد محمد بكداش بالجيوش العديدة لنظر وزيره أوزن حسن وفتحها عنوة صبيحة يوم الجمعة السادس والعشرين من شوال سنة تسعة عشر ومائة وألف (2) نقل كرسي المملكة من المعسكر لوهران فسكنها بأهله وجعلها قاعدة ملكه. وبنا (كذا) بها وقيل بمستغانيم قبّة جليلة وروضة جميلة ، في آخر (كذا) شعبان سنة ست وعشرين ومائة وألف وحبّسها للدفن على عقبه وعقب عقبه وكتب فيها اسمه وتاريخ بنائها وتحبيسها بما نصّه : حبّس هذه القبّة المباركة والروضة المرونقة أمير المؤمنين ، العاشق المحب في سيد المرسلين ، الباي مصطفى بن يوسف محي الدين رزقه الله كمال اليقين ، وأفاض عليه من كرامة الصالحين ، آمين يا رب العالمين على عقبه وعقب عقبه بأن لا يدفن فيها غيرهم ومن بدّل أو غيّر فالله حسبه ويتولى الانتقام منه وأتممت وكملت هذه القبّة على يد المعلم أسطى أحمد أعراب الجزائري بتاريخ أواخر شهر الله شعبان عام ستة وعشرين / ومائة وألف ثم هاتين البيتين من الرجز :
يا داخل القبّة الله يرعاك
 

أبشر بما ترجه من خير مولاك
 
وكتب لهذه الأسطار
 

أسطى أحمد صفه بالنجّار
 
وعلى القول بأنه بناها بمستغانيم فهي التي بمدينة المطمر من مستغانيم وهي التي دفن بها لما مات. ثم بنا (كذا) الأقواس التي بالبلانصة من وهران وكتب عليها اسمه وتاريخ البناء بما نصّه : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيء بعده ، أمر ببناء هذه الأقواس المجاهد في سبيل الله السيد مصطفى ابن يوسف عام ثمانية وثلاثين ومائة وألف (3) ولما دخل وهران بقي بها إلى
__________________
(1) الموافق 1686 م.
(2) الموافق 20 جانفي 1708 م.
(3) الموافق 1725 ـ 1726 م.


أن أخرجه الإسبانيون منها ودخلوها مرة ثانية سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف (1) فخرج منها وسكن مستغانيم وصيّرها قاعدة ملكه وبقي بها إلى أن توفي سنة ست وأربعين ومائة وألف (2) بعد ما ملك ستا وأربعين سنة فدفن بها وعلى ضريحه قبّة مرونقة يجاوره بها قبرءاغته الفارس الباسل الشجاع الكامل ، البطل الصنديد ، الهمام العتيد ، الذي لا يطرق ساحة جاره الهم الملزومي ، السيد البشير بن أحمد نجد المخزومي جد البحايثية ، أصحاب الأقوال الصادقة والعطاء الحايثية. ولما حل أبو الشلاغم بمستغانيم ومعهءاغته البشير المذكور بنا (كذا) كل واحد منهما بها برجا جليلا فما بناه الباي يقال له برج الترك الأبطال ، وما بناهءاغته يقال له برج (ص 215) المحال. وتوفيءاغته المذكور ، صاحب الاسم المشهور ، ضحى يوم / الاثنين رابع عشر من أول الربيعين سنة خمسين ومائة وألف (3) من هجرة حائز كمال الوصف. ولما مات رثاه العلامة الربّاني السيد يوسف بن بغداد الزياني ، بهذه الأبيات :
هنيئا لك الجنان لا السّعير
 

يا كافل الأرامل يا بشير
 
لقد عشت سعيدا في رغد عيش
 

وفزت بالشهادة يا أمير
 
ببلدة مستغانيم كان المثوى
 

فنعم السكنى سكناك يا نحرير
 
وجاورت بالضريح خير إمام
 

وبالمطمر ضريحك مستنير
 
فمن للأرامل واليتامى
 

ومن إلى العلماء نصير
 
لقد بكا (كذا) هذا القطر عليك
 

وصار رونق القدر دثير
 
وفي ضحى الإثنين في نقط يدّ
 

من أول الربيعين مسير
 
سنة نشق كان الارتحال
 

وحلّ بنا من الفراق تدمير
 
ه ، ولم يمت حتى أخّر نفسه عن الخدمة وصير أكبر أولاده بن عودة بمحله بموافقة باي الوقت على ذلك. ومحمد بن إسحاق المسراتي جدّ أبي الشلاغم هو الذي بنا (كذا) قصبة القلعة التي يقال لها قصبة المسارتية ويقال
__________________
(1) الموافق 1730 ـ 1731. والحقيقة أن هذا الاحتلال تم عام 1732 م.
(2) الموافق 1734 م.
(3) الموافق 12 جويلية 1737 م.


لها أيضا قصبة بني يوسف (1). وكان للمسارتية رياسة وعزة كاملة بمسراتة والقلعة وانقطعت بموت محمد بن إسحاق جد أبي الشلاغم ولما مات محمد خلّف زوجة حاملا فأتت بولد ذكر وسمته يوسف ثم ماتت عنه وخلّفته في كفالة أمها. وكان بمسراتة ولي كبير من أولياء الله المشاهير يقال له سيدي عابد / ابن الزرقاء (ص 216) يتعبد بمغاراتها التي بواديها وأصله من أولياء غريس فاشتهى يوما دشيشا باللّحم فسمعت به جدة يوسف المسراتي فصنعت ذلك وأتته به لمحل تعبده ومعها مكفولها حفيدها يوسف ولما أكل ورأت منه الإقبال عليها قالت له يا سيدي أدع الله لخديمك هذا اليتيم من الأبوين فقال لها ، هو خليفة على خليفة إلى ما شاء الله ، وإن تعدّ الحدود زالت عنه ضمانتي ، وخرج من دعاوتي. ولما كبر يوسف قدم إلى الجزائر وانكتب جنديا وكان بنواحي قسنطينة رجل يقال له يونس قاطع للطريق لا ينجوا (كذا) منه أحد مشهور بالحرابة وقد نهب أموالا عظيمة ولما بلغ خبره للباشا بالجزائر وتكررت عليه الشكاية به جمع جنده وأرباب دولته وقال لهم يا قوم إن يونس القاطع للطريق كثر ضرره للمسلمين وتعطلت السبل بسببه ألم يأتكم عيب تدعوني أغزوه بجيشي وهو رجل واحد فقال له يوسف المسراتي أنا أكفك أمره يا سيدي فذهب له وقتله واجتز رأسه وأتى به للباشا ففرح به كثيرا وأعزّه شديدا وقال له اختر أي عمالة من هؤلاء (كذا) الثلاث أجعلك بها بايا فأبى واختار أن يكون خليفة ببلد قسنطينة فذهل لها وبقي بها مدة طويلة ثم جاء للناحية الغربية فسكن بمستغانيم ثم انتقل للقلعة بلد أسلافه وبقي بها خليفة إلى أن مات وترك ثمانية أولاد ذكور وبنتا وهم مصطفى أبو الشلاغم ، ويوسف ، ومصطفى الأحمر ، ومصطفى قايد ، ومحمد زرق العين ، ومحمد أبو طالب المجاجي ، ومحمد بن الزرقا ، وعابد ، وخروفة. فأول / من تولى منهم بايا (ص 217) بالإيالة الغربية مصطفى أبو الشلاغم بن يوسف بن محمد بن إسحاق المسراتي كما مرّ.
__________________
(1) يقصد قلعة بني راشد.


الباي يوسف المسراتي
ثم أخوه يوسف بن يوسف بن محمد بن إسحاق المسراتي تولى يوم موت أخيه مصطفى أبي الشلاغم وبقي في الملك سنة واحدة ومات بتلمسان بالوباء سنة سبع وأربعين ومائة وألف (1) ودفن بها وكانءاغته الصنديد الكامل ، الحائز للفضايل والفواضل ، من في العطاء لا يعدّ وإنما يحث السيد بن عودة بن البشير ابن بحث.
الباي مصطفى الأحمر المسراتي
ثم أخوه مصطفى الأحمر المسراتي تولى سنة سبع وأربعين ومائة وألف (1) وسقي السمّ فمات بمستغانيم ودفن مع أخيه أبي الشلاغم. وكانءاغته الجواد الذي في العطاء لا يعرف العدد بل فيه يحث ، الشجاع الوجيه منتشر الصيت ومسموع الكلمة بالجزائر دار الملك السيد بن عودة بن البشير بن بحث ، ومات بمستغانيم ودفن مع أبيه بقبّة المسارتية. ولما تولى السيد ابن عودة المذكور مدحه العلامة السيد عدة بن داوود العفيفي بهذه الأبيات التي مسكها دفور ، فقال :
ترونقت بحسنها البهيج
 

مستغانيم صارت في التّبريج
 
لما حلّ السهم بها بن عودة
 

ءاغة من أقواله محمودة
 
كالأفعال فإنها مرضيّة
 

وأنه نسبه بحثيّة
 
وابتهجت عن جميع المدون
 

وجميع القرى مع الحصون
 
أكرم به من وزير جليل
 

وءاغة معظم جميل
 
فاق بفضله جميع الوزرا
 

ونال عزّا كاملا ليس يرا
 
أنخبه عن غير المسراتي
 

مصطفى الأحمر له المواتي
 
__________________
(1) الموافق 1734 ـ 1735 م.
(1) الموافق 1734 ـ 1735 م.


الباي محمد أبو طالب المجاجي المسراتي
ثم أخوه محمد أبو طالب المجاجي تولى بموضع أخيه مصطفى وبقي في الملك تسعة أعوام ومات قتيلا من الدولة ، وهو الذي ترك زيارة أولاد سيدي عابد ابن الزرقا واشتغل بزيارة ولي الله أخي حمّ العياشي المغراوي بعياشة أحد بطون مغراوة بشلف فذهب وزاره بتسعة دنانير ذهبا وسأل منه المملكة فقال له هي لك وتبقى فيها بعدد ما أعطيت ولو زدت في العدد لزيد لك فيه أيضا ولما سمع ولد سيدي عابد بذلك قال إن أبي صرّهم في صرّة وإني قطعتهم في مرة ، لم يملك بعد هذا إلا قايد صاحب المقبرة ، ولينفعهم العياشي لما تركوا خدمة صاحب الدشاشي ، وهذا سيدي عابد هو مدفون بمقبرة البراق وهو الجبل المطل على القلعة. وكانءاغته الطود الأعظم والكنز المطلسم ، ذو الأقوال والأفعال المحمودة ، البحثاوي السيد ابن عودة ، وقتله المجاجي المذكور بسبب أنه رءا (كذا) كلمته قد علت عند العرب والأتراك ، وخاف منه التولية بموضعه أو توقيعه في بعض الأشراك ، فقتله غدرا ، ولما لم يطلع أحد على ذلك ذهب دمه هدرا ، وفرّ أخوه إسماعيل بأخوته وأمه إلى الغرابة فاستقر عند أبي علام بن الحبوشي رايس الغرابة في أمن وأمان ، وعزّ واطمئنان (كذا) ثم قال له أبو علام في بعض الأيام يا إسماعيل قد اشتد الطلب عليكم وقد خشيت على نفسي وعليكم من الوشاة أن يتملقوا / بكلامهم عند الباي فيمكر بالجميع والآن إني أبعثكم عند (ص 219) دموش ولد لشحط العلياوي رايس أولاد علي فتمكثون عنده في الأمان على نظري حتى ننظر في عواقبكم بما قدره الله تعالى ولا يكون إلا خيرا فساعده إسماعيل على ذلك وارتحل بأمه وأخوته لأولاد علي وقد زوده أبو علام بكل ما يريد فنزل عند دموش وبقي هناك إلى أن تزوج دمّوش بأم إسماعيل فصاروا في أمان مع نظر أبي علام ثم إن إسماعيل لما كبر واشتهر بالشجاعة ركب فرسه وذهب لأم عسكر لسوقها خفية فقضى مئاربه (كذا) ولما رجع ألفى بالطريق أسدا فقتله ثم تعرّض به بعض المغاطيس بطريقه وهم ثلاثة فقتلهم وحين وصل لبيته تحدّث في الدوار بما وقع له فمن الناس من صدق ومنهم من ضحك ومنهم من كذب فقال لهم مربيه وكان رجلا عارفا بالأمور من جملة أعيان أولاد علي لا تكذبوا ولدي في قوله ولا تضحكوا عليه فإنه صادق في


ذلك وتعرفون بسالته وشهامته وإن تماديتم على ذلك فإني أعلم والده دموشا بذلك ويحل بكم الانتقام ثم أنه قال لإسماعيل اركب فرسك وامش بي لذلك فركب كل منهما فرسه ومعهما أصحابهما وذهبوا للمحل فألفوا الأسد والمغاطيس قتلى فسلخ مربيه الأسد وأخذ جلده به رأسه واجتزّ رؤوس المغاطيس وحملهم على أعمدة وذهب بهم للمعسكر فأعطاهم للباي وهم عصمان صهر المسارتية فقال له من فعل هذا فقال له إسماعيل ولد آغا البشير ابن بحث وأخو آغا بن عودة ولد البشير بن بحث فال عصمان نحبك تأتيني به لما الأثر لم ينقطع فالحمد لله (ص 220) على ذلك فأتاه به فجعله / خليفة على آغا المخزن وهو الشريف الكرطي التّلاوي.
الباي مصطفى قائد الذهب المسراتي
ثم أخوه مصطفى قائد الذهب لقّب بذلك كثرة جوده وإعطائه الذهب للناس ويقال له باي المحال تولى يوم موت أخيه المجاجي ، وهو سنة خمس وخمسين ومائة وألف (1) وبقي في الملك ستة أعوام ثم قام عليه صهره زوج أخته خروفة وهو الحاج عصمان بن إبراهيم ففرّ منه لوهران عند الإسبانيين. وسببه أن أخاه محمد زرق العين كان متزوجا بابنة دلّة الحشمي أحد أجواد الحشم وكان أكبر من قايد وخليفة عليه فقال قايد لأخ زوجة أخيه زرق العين أقتله غدرا ولك ما تحب من المال ونوليك شيخا على عرشك فذهب له صهره وقتله غدرا وأخبر قايدا بذلك ثم خشي من قايد وفرّ لعرشه فندم قايد على قتل أخيه ولما اعتدت زوجة أخيه تزوجها فبقيت عنده مدة ولم ير منها إحسانا فقال لها ذات يوم أيتها الزوجة كيف لا تحسني به وأنا قائد المسراتي فقالت له إن كنت قائدا كما يحكى عنك وتقوله أنت فطلقني لأنك لا توافقني وأنا لا أوافقك بعد قتلك لأخيك ولا شك أن الله ينتقم منك كما قتلته غدرا فطلقها ثم أنه نظر من المسارتية والرعية ما يكرهه وانتشرت الأقاويل بأنه قتل أخاه لأجل زوجته مع قيام عصمان عليه ففرّ لوهران وبقي بها إلى أن لحقه المحال بنجوعهم فارين من عصمان لما صال
__________________
(1) الموافق 1742 ـ 1743 م.


عليهم فنزلوا بقرب وهران وأمّروه عليهم ، ولما حصل الصلح بينهم وبين عصمان رجعوا لأماكنهم بين مينا وشلف / وأتوا بقائد الذهب معهم فولوه عليهم وخرجوا (ص 221) عن حكم عصمان بموافقة باشا الجزائر على ذلك ثم فر لتونس وسببه أنه سمع من الباشا ما يكرهه ، ورءا (كذا) المحال قد اتفقوا على تمكينه بيد عصمان ليقتله ويبقوا تحت حكم عصمان لكون قايدا صار إذا ميّزوا عليه فرحا يعطيهم الصلة الكثيرة ظنا منه أنهم يحبون ذلك كسائر عرب زغبة وغيرهم وهم ينكرون منه ذلك ظنا منهم أنه أراد أن يتحدثوا به مع أهلهم إلى أن قالوا له يوما أيها الباي قد كثر غلطك معنا وسامحناك على ذلك فلا تعد لفعلك ولا تظن في نفسك أننا نتحدث بك وبعطائك عند المحليات ونشكرك بينهنّ فإذا أردت ذلك فافعله مع بني معين لا معنا فانظر كيف اختلف الظن من الجانبين ولما سمع ذلك فرّ لتونس ومكث بها إلى أن مات وبها ضريحه ولم أقف على تاريخ وفاته.
يحكى أنه لما حل بتونس استقر عند امرأة كبيرة فصارت تطبخ له وتغسل ثيابه وهو يكرمها بما أحبّ إلى أن مرض ببيتها فشمرت على ساق الجد في دوائه والإحسان إليه إلى أن برىء (كذا) فلم يجد ما يكافيها به إلا خاتم الملك فنزعها من أصبعه وأعطاها لها وقال لها بيعه لنفسك وعيشي في ثمنه فأعطته للدلال فكل من أخذه لا يطيق على شرائه لكونه خاتما ملوكيا وتحدث الناس بذلك إلى أن بلغ الخبر لملك تونس فأمرهم بإحضار الخاتم فأحضروه ولما نظره تيقن بأنه خاتم ملوكي فسألهم لمن هو فقال الدلّال أعطته لي العجوز الفلانية في المحل الفلاني لأبيعه لها فأحضرت لديه وسألها عنه فقالت أعطاه لي رجل مغربي هو في بيتي منذ كذا فأحضر قايد لدى الأمير وكان يسمع بخبره وكان كاتب سرّه جاء مرة لمرسى وهران ورءاه (كذا) بها لما كان بوهران فلما رءاه (كذا) الكاتب تيقن به معرفة فقام له إجلالا وعانقه غاية رغبة ورهبة فقال له باي تونس من هذا فقال له فلانا فعند ذلك أجلسه الباي عنده وقال له هذا مقامك إلى أن تموت أو يرد الله لك ملكك فحصلت بينهما مودة الارتباط وتزوج قايد هنالك بامرأة وأتى معها ببنت يقال أن من ذرية تلك البنت الوجيه السيد علي ولد مصطفى ولد محي الدين الذي هو الآن المترجم بالمحكمة الشرعية الفرانسوية بالمطلب الأول من وهران وهو من أعيان المخزن الآن وله كلمة نافذة في جميع الأمور وذو عقل


راجح وفهم ثاقب ولبابة وفطانة وذكاءة (كذا) وأدب وسياسة ومعرفة وكياسة ونصرة (ص 222) للمظلوم والقوي والضعيف ، وإعانة ونصيحة للوضيع والشريف. / وفي حال مكث قايد بتونس اجتمع به رجل برجي من الأدباء في إيابه من الحج في وقت الصباح وهو بمحفل عظيم فقال له السلام عليك أيها الأمير الخرير أنعم الله صباحك يا باي ابن ثلاثة عشر بايا ببلادنا فسرّه ذلك غاية وقال له مثلك يليق للصحبة لكن هذه المقالة الأدبية ليتني كنت معها في بلدي وصاله بشيء فأبى الرجل من أخذه رأسا. وقايد هو الذي غزى من المعسكر حناشا شيخ المهاية فأخذه وسلب له فرسه المعروف عند الناس بعود حناش وكان فرسا طويلا مع الأرض يقال إنه كان يسابق ثلاث مشالي ويعلف برشالة من الشعير. وقيل إن الذي أتى به هو الباي إبراهيم الملياني الآتي ذكره قريبا إن شاء الله تعالى.
فضل البايات المسراتية
واعلم أن المسارتية هم فضلاء البايات بالمغرب ولهم نسل قليل. فأما أبو الشلاغم وقايد فلم يخلفا إلا البنات. وأما محمد زرق العين ويوسف ومحمد أبو طالب المجاجي ومصطفى الأحمر فلم يعقبوا شيئا. وأما عابد فخلّف ابنين وهما يوسف ومحي الدين فمنها يوسف خلّف ابنه القايد محمدا وهو خلف محمدا وأبا زيان فمحمد خلّف محمدا ومحمدا الموجودين الآن ومنها محي الدين خلف ابنه الخوجة وهو خلّف يوسف وهو خلّف أبا زيان وهو خلّف عدة أولاد موجودين الآن. وأما محمد بن الزرقا فخلّف ابنين وهما ابن علي وعلي فابن علي خلّف محمدا وهو خلف عدة وقارة ومحمدا موجودين الآن وعلي خلف مصطفى وهو خلّف ابنين عابدا وبن يوسف وذريته بالقلعة الآن. وكانءاغته الشريف الكرطي وهو عبد الله بن عبد الرزاق التلاوي.
الباي الحاج عثمان
ثم الحاج عثمان ويقال له عصمان بن الحاج إبراهيم تولى أولا بتلمسان لما كانت القاعدة بها وقام عليه مع أهل تلمسان يوسف المسراتي المتقدم الذكر


فخلعه وتولّى مكانه. وتولّى ثانيا على جميع الإيالة الغربية في أواسط محرم الحرام فاتح سنة ستين ومائة وألف (1) فمكر بأهل تلمسان والمحال مكرا كبارا (كذا) أفنى فيه كثيرهم. وسببه أنه لما كان بايا في المرة الأولى بتلمسان تعصّب عليه أهلها ونقموا حكمه وصاروا يرسون ساحته في اليل (كذا) بكل نجاسة وميتة ودم وغيرها / فاغتاظ لذلك شديدا وترك حلق رأسه ولحيته إلى أن كبرا وهو في (ص 223) تزايد الغضب ثم ذهب للجزائر وقد اشتد به العطش في الطريق ولمّا مرّ بالمحال استسقاهم فأسقوه لبنا وفي حال شربه أهرقوا عليه الإناء وقهقهوا بذلك فأسرها في نفسه وأسرع في سيره للجزائر ولما دخلها اجتمع بالباشا بواسطة الأعيان فتعجب منه شديدا وسأله عن حاله فأخبره بكل ما صار له مع أهل تلمسان ثم المحال في طريقه فصبّره الباشا على ذلك ثم أنه سأل من الباشا التولية ويعطيه قدرا من المال فولّاه وأرسل معه الجيش فجاء به مغربا وأوقع بأهل تلمسان إيقاعا شديدا. ومكر بهم مكرا عتيدا. ثم توجه إلى المحال وصال عليهم إلى أن أفناهم وأجلاهم لتلمسان ثم لوهران ثم رجعهم لمحلهم على أن لا يرفعوا رؤوسهم وحلّ بهم ما هو مشهور على الألسنة ومذكور في كلام الفصحاء كابن سويكت وعدة ابن البشير (2) وغيرهما ويحكى أنه قتل من أعيانهم في يوم واحد أربعين بطلا فضلا عن غيرهم. ويحكى أيضا أنه لما نزل بأرض المحال أتوه لينظروه وبأيديهم حجلة فقال لهم ما عملت هذه الحجلة المسكينة حتى أتيتوني بها بأيديكم ثم أطلقها فقالوا هذا الباي يقال له مسكينة ولقبوه بذلك بينهم ولمّا رجعوا لأهلهم واجتمعوا بمديرهم وصاحب الرأي منهم قالوا له الواقع وأخبروه بأنهم لقبوه مسكينة فقال لهم كفوا عن قولكم هذا وأطيعوه فإن هذا الباي هو مفنيكم وأن الحجلة تجعل لكم فجلة ، فكان الأمر كذلك. وجاءه المسارتية يوما لقتله فألفوه بالمحكمة فضربه أحدهم بكابوس بيده فنجاه الله من ذلك ثم أنه ظفر بهم فقتلهم ولم ينج منهم إلا اثنان وهما ابن الزرقا وعابد لصغرهما ولكون الله أراد بقاء النسل فيهما ففرّا لضريح سيدي محمد بن عودة بفليتة واستجارا به فعفا عنهما
__________________
(1) الموافق جانفي 1747 م.
(2) كل من ابن السويكت ، وعدة بن البشير ، من شعراء الملحون في هذه الفترة.


وأمنهما. ولا زال بابا إلى أن توفي بالمعسكر ودفن بها بعد ما ملك تسعة أعوام. وهو الذي بنا (كذا) الجامع الأعظم بداخل المعسكر سنة توليته ونقش على (ص 224) حجارة اسمه وتاريخ البناء ونصه : الحمد لله حمدا لا نهاية / لطوله ، وصلى الله على سيدنا محمد نبينا عبده ورسوله ، أما بعد فقد أمر ببناء هذا المسجد المبارك المحمود المعظم القامع للعداء من جمع بين الشجاعة والنداء وطلع على الناس بدر هداء صاحب لواء الحمد الأسماء ومالك أزمة المجد الإحماء حاج الحرمين الشريفين أمير المؤمنين ، المجاهد في سبيل رب العالمين ، صاحب الرتبة العالية ، ونخبة الملوك العثمانية مولانا الحاج عثمان باي بن السيد إبراهيم خلد الله ملكه ملكا عاليا ، وهو على الأمة واليا ساميا ، وكان ذلك في شهر شعبان عام ستين ومائة وألف (1). ثم بنا (كذا) الدار والقبّة الملاحقة للجامع الأعظم بالمعسكر المعروفة عند الناس بقبة الباي إبراهيم لكونه مدفونا بها ، وإلّا فهي قبّة الشيخ عبد القادر الجيلاني نفعنا الله به التي هي الآن محكمة قاضي المعسكر وأمر بكتب اسمه وتاريخ بنائها فكتب بحجارة بما نصه : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد ، أما بعد فقد أمر بناء هذه الدار المباركة الأمير الأجل العدل الشهير الأكمل الرفيع الحظ المجاهد المرابط المقسط عدله في الجوائز مدن النواحي الغربية عبد الله أمير المؤمنين مولانا الحاج عثمان ابن إبراهيم خلّد الله ملكه ونصره حسبما أمر أيّده الله بتشييد هذه القبة العظيمة حرمة للشيخ الجليل سلطان الصالحين سيدي عبد القادر الجيلاني أدركنا الله رضاه قصد بذلك وجه الله العظيم ، وثوابه الجسيم بتاريخ فاتح المحرم الحرام عام سبعة وستين ومائة وألف (2) وأمر بتحرير العلامة السيد محمد بن حوّاء وإخوانه ، وبني عمه التجاجنة من جميع التكاليف المخزنية وكتب لهم بذلك رسما نص ختامه : بأمر المعظم الجليل المجاهد الكفيل أبي سعيد السيد الحاج (ص 225) عثمان باي الإيالة الغربية وتلمسان في أواسط جمادى الأولى عام سبعة / وستين ومائة وألف (3). وكم له رحمه‌الله من غزوات لوهران ورباط عليها بقصد فتحها
__________________
(1) الموافق أوت ـ سبتمبر 1747 م.
(2) الموافق 29 أوت 1753 م.
(3) الموافق مارس 1754 م.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

بناء شخصية  الأطفال   ...