الخميس، 8 مارس 2018

اسم هذا الكتاب : طلوع سعد السعود في أخبار وهران  (الجزء الثالث  من الكتابة )
المقصد الرابع
في ذكر دولها


اعلم أنار الله قلبي وقلبك بأنواره ، وأيدني وإيّاك بأسراره. وأمنني وإياك بحوله وقوته من مكره وسرّه. ووقاني وإياك من بأسه وضرّه. أن دول وهران من حين اختطّت تسعة دول كما في دليل الحيران ، وهم : دولة الأمويين بالأندلس القائمين بأمورهم زناتة. والعبيديين وهم الشيعة ، والمرابطين وهم الملثّمون ، والموحدين ، والزيانيين وهم بنو عبد الواد ، والمرينيين وهم بنو احمامة ، ثم الزيانيين ، والإسبانيين ، والأتراك ، وهم الترك والفرانسيس. فهؤلاء تسعة إجمالا.
وأما تفصيلا فكانت عمالهم يتداولونها بينهم إلّا الدول الثلاثة الأخرة (كذا) فعمالهم منهم.
الدولة الأولى مغراوة
عمال بني أمية
وأول العمال مغراوة عمال بني أمية الذين هم الدولة الأولى ، وأول من ملكها من مغراوة خزر بن حفص المختط لها في القرن الثالث كما مرّ. وتولى إمارة مغراوة بوهران وغيرها بعد موت أبيه حفص بن صولات بن وزمار ابن صقلاب بن مغراو. ووزمار هو الذي أسلم على أيد سيدنا عبد الله بن سعد ابن أبي صرح ، لما غزى (كذا) إفريقية وبعثه لأمير المؤمنين ، وخليفة رسول رب العالمين سيدنا عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه ثالث الخلفاء بالمدينة المنورة ، / (ص 39) على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم فجدّد إسلامه على يده وعقد له على قومه ورجع لإفريقية. ومن ثم بقيت مغراوة موالي (كذا) لبني أمية كصنهاجة للعلويين العبيديين بإفريقية.

وأقام خزر مقام أبيه في أمر زناتة واعتزّ قومه على المضرية بالقيروان واستفحل ملكهم وعظم سلطانهم على البدو وزناتة بالمغرب الأوسط عند تقلص ظل الخلافة بعض الشيء بالمغرب حيث عمت فتنة ميسرة الحقير ومدغرة وقوى اعتزاز خزر وقومه ، وعتوّه وانتشر صيته وعلت كلمته عند المروانيين بالأندلس والأدارسة بالمغرب الأقصا (كذا) والسليمانيين برشقون وتلمسان ، والشيعة بإفريقية إلى أن هلك في خلال ذلك. ا ه.
قال البكري في تاريخه المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب :
«وفي سنة سبع وتسعين ومائتين (1) زحف (كذا) قبائل كثيرة إلى وهران يطالبون أهلها بإسلام بني مسقن إليهم لدماء كانت بينهم فأبى أهل وهران من إسلامهم إليهم فنصب (كذا) القبائل عليهم الحرب وحاصروهم ومنعوهم من الماء فخرج عنهم بنو مسقن وهم من أزديجة ويقال لهم بنو مسرقين ليلا هاربين واستجاروا بأزديجة فأجاروهم وتغلّب الحاركون على أهل وهران فخرج أهلها منها بأنفسهم وأسلموا ذخائرهم وأموالهم للحاركين وخربت وهران وأضرمت نارا وذلك في ذي الحجة من هذه السنة (2) ثم عاد أهل وهران إليها في السنة بعدها وهي سنة ثمان وتسعين ومائتين (3) بأمر أبي حميد داوس بن صولات ويقال له داوود عامل تاهرت.
(ص 40) وابتدأوا بنيانها في شعبان من هذه السنة (4) فعادت أحسن مما / كانت وولى عليهم داوود بن صولات الدهيصي ، محمدا بن أبي عون فلم تزل في عمارة وكمال ، وزيادة وحسن حال. ا ه.
وهو مخالف لما في الحافظ أبي راس.
ولما هلك خزر بن صولات تولى بموضعه ابنه محمد بن خزر وسكن وهران وأجلب على ضواحيها بكل ما أراد وشنّ الغارات في المغرب الأوسط إلى إفريقية وفي الأقطار إلى المصامدة وهابته الملوك وخشيت سطوته وأذعنت له
__________________
(1) الموافق 909 ـ 910 م.
(2) الموافق 11 أوت ـ 8 سبتمبر 910 م.
(3) الموافق 910 ـ 911 م.
(4) الموفق 4 أبريل ـ 2 ماي 911 م.

الناس وعاش كثيرا من السنين وجرب الأمور. فقد قال ابن خلدون في تاريخه الكبير في الجزء السابع منه أنه نيف على المائة سنة بكثير والذي يقتضيه استقراء كلامه من أوله إلى آخره أنه بلغ المائتي سنة أو قاربها فإنه قال في أخباره أن إدريس بن عبد الله لما نهض إلى المغرب الأوسط سنة أربع وسبعين ومائة (1) تلقاه محمد بن خزر هذا وألقى إليه المقادة وبايع له عن قومه وأمكنه من تلمسان بعد أن غلب عليها بني يفرن أهلها وانتظم لإدريس بن إدريس الأمر وغلب على جميع أعمال أبيه وملك تلمسان وقام بنو خزر هؤلاء بدعوته كما كانوا لأبيه إلى أن قال : ثم وفد على المعتز بعد ذلك سنة خمسين وثلاثمائة (2) وهلك بالقيروان وقد نيّف على المائة من السنين. ه.
لكن قال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار في الكلام على مغراوة كلام ابن خلدون فيه تخليط وتناقض ا ه. وفي سنة ست وثلاثمائة (3) حرك ازديجة وعجيسة على محمد بن خزر المغراوي وقاتلوه شديدا ، وحاصروه عتيدا ، إلى أن أخذوا من يده وهران عنوة فبقيت في ملكهم وتحت تصرفهم سبع سنين وهم عمال على المروانيين ثم صاروا عمالا / على الشيعة. ثم قام عليهم محمد (ص 41) ابن خزر بجيوش لا تحصى وحاصرهم وأثخن فيهم إلى أن غلبهم عليها سنة ثلاثة عشر وثلاثمائة (4) وبقوا تحت حكمه. ولما غلبهم عليها وعادت لحكمه بعد حروب كثيرة كان الظفر له فيها عليهم ، أخّر نفسه ، وولى عليها ابنه الخير وبقي (كذا) ازديجة وعجيسة تحت حكمه ، وفي قبضة جبره وحلمه. فقام الخير بضبط ملك وهران غاية الضبط وظاهر المروانيين بالأندلس كعادة أسلافه وأمير الأندلس وقتئذ عبد الرحمن الناصر وشن الغارات على ضواحي وهران والمغرب الأوسط فملك بلاد الغرب كلها وسوس الأدنا (كذا) وتلمسان والصحرا (كذا) وحارب الشيعة ملوك إفريقية وتاهرت حروبا عظاما وغزى (كذا) بسكرة والمسيلة والزّاب
__________________
(1) الموافق 887 ـ 888 م.
(2) الموافق 961 ـ 962 م.
(3) الموافق 918 ـ 919 م.
(4) الموافق 925 ـ 962 م.

ودوّخ المغرب الأوسط تدويخا عظيما ووالده محمد بن خزر لم يفارقه في كل ذلك. واتصلت يده بيد موسى بن العافية المكناسي فبثا معا دعوة المراوانيين امراء الأندلس بالمغربين وقطعا دعوة الشيعة بإفريقية ثم فسد ما بينهما وتزاحفا للحرب فبعث لهما عبد الرحمان الناصر أمير الأندلس قاضي قرطبة وهو الفقيه منذر ابن سعيد الولهاصي ثم البلوطي فأصلح بينهما ولم يزل الملك في يده إلى أن انتقل لولده محمد بن الخير بعده.

الدولة الثانية الشيعة الفاطميون
ثم ملك وهران الدولة الثانية وهم الشيعة ويقال لهم الرافضية والعبيديون والعلويون والفاطميون.
أما / تسميتهم بالشيعة والرافضية فلتمذهبهم بمذهب شيعة المشرق والرافضية (ص 42) من سبهم للشيخين أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما ، ورفضهم للسنة واتباعهم للبدعة ومدحهم لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه دون غيره.
وأما تسميتهم بالعبيديين فذلك نسبة لجدهم عبيد الله المهدي الشيعي أول ملوكهم.
وأما تسميتهم بالعلويين والفاطميين فذلك نسبة لجدهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه وجدتهم فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهم حسينيون بضم الحاء المهملة ولا عبرة بالطعن فيهم.
وذلك أن وهران غزاها في سنة ثمانية عشر (1) داوس بن صولات ويقال له داوود بن صولات الدهيصي عامل تاهرت على يد الدولة الشيعية فحاصرها حصارا عظيما وحارب ملكها الخير بن محمد بن خزر المغراوي ومن معه من أزديجة وعجيسة لكونهم صاروا يدا واحدة مع الخير بن محمد بن خزر فأثخن فيهم كثيرا وأخذها من يد ملكها الخير عنوة بعد حروب شاب لها رأس الغراب وولى عليها من قبله محمدا ابن أبي عون الشيعي فهو أول عامل للشيعة بوهران وأول من ملكها من الشيعة داوس عامل عبيد الله الشيعي فعمّت الرافضية المغرب
__________________
(1) الموافق 930 ـ 931 م.

الأوسط وانقطع حكم المروانيين منه بالكلية وخرج حكم وهران من يد الدولة الأموية ودخل في يد الدولة الشيعية.
فأقام محمد بن أبي عون الشيعي الملك بوهران وتصرّف في المغرب الأوسط بما شاء وصار معه ازديجة وعجيسة يدا واحدة وعنه أخذوا الرافضية (ص 43) واندرست / السنّة ولما مر ميسور الخصّى ، سمي بذلك لكونه لا لحية له ، في عام ثلاث وعشرين وثلاثمائة (1) بأمر القائم العبيدي حال ذهابه لمحاربة موسى ابن أبي العافية المكناسي للمغرب لمظاهرته للمروانيين وإعراضه عن الشيعة متوجها بجيشه لفاس ولقيه محمد بن أبي عون الشيعي والي وهران فأقرّه عليها. وكذلك لما توجه مصالة بن حبوس الكتامي للمغرب في عام إحدى وأربعين وثلاثمائة (2) بجيشه لتدويخ المغرب بأمر المعزّ العبيدي أقرّه على وهران كما أقر كل عامل كان للشيعة على محلّه ودوّخ المغرب غاية وأزال ما ظهر به من أمر المروانيين ملوك الأندلس ورجع بغنائم عظيمة.
ثم في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة (3) اختط يعلا بن محمد بن صالح اليفريني مدينته بايفكان أحد أراضي بني راشد بصفح (كذا) جبل أوسلاس وهو بجوفها واستقر بها وظاهر المروانيين بالأندلس وتجانب الشيعة بإفريقية فولّاه عبد الرحمن الناصر الأموي ملك الأندلس على المغرب الأوسط وعقد له على حروب الشيعة الرافضية. وكان مصالة بن حبوس الكتامي قد رجع من المغرب للمهدية فخلا الجوّ ليعلا بن محمد بن صالح اليفريني وزحف لوهران فحاصر بها محمدا بن أبي عون الشيعي وازديجة وعجيسة وطالت بينه وبينهم حروب عظام إلى أن فرّق جمعهم بجبل قيزة غربي وهران وذلك في يوم السبت منتصف جمادى الثانية سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة (4) ودخل وهران عنوة وأضرمها نارا (ص 44) وخربها ولحق أكثر أزديجة وعجيسة بالمغرب ، / وبعضهم بالأندلس لما أيّسوا
__________________
(1) الموافق 934 ـ 935 م.
(2) الموافق 952 ـ 953 م. ويعلى يكتب بياء بعد اللام وليس بالألف كما فعل المؤلف.
(3) الموافق 949 ـ 951 م.
(4) الموافق 954 ـ 955 م.

(كذا) منها وملكوا دار بني صالح وهي قلعة النكور سنة ست من القرن الهامس (1) فخربوها وبقوا بها إلى أن قطع ملكهم يوسف بن تاشفين اللمتوني. ومن لحق منهم بالأندلس ، صار من أعيان جند المنصور ابن أبي عامر المعافري حاجب المؤيد هشام الأموي. ولما فتح يعلا مدينة وهران وخرّبها نقل أهلها إلى مدينته المعروفة في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة (2) وبقيت خرابا مدة ثم تراجع الناس لها وبنيت. وذكر الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار أن يعلا ابن محمد بن صالح لما خرّب وهران جدّد بناءها في تلك السنة وانتقل إليها بأهله وولده من مدينته بأيفكان. قال البكري في تاريخه وكان في عمل وهران قرية أهلها موصوفون بعظم الأجساد ، وشدة الأياد (كذا) حتى أن الرجل الكامل في الخلق المعهود من غيرهم يكون إلى دون منكب الرجل منهم وكان رجل منهم يحمل ستة أنفار ويخطوا بهم خطوات اثنين على عتقيه ويتأبّط باثنين وعلى ذراعيه اثنين. وأن رجلا منهم احتاج لعمل بيت يسكنه فاقتطع ألف كلخة وحملها على ظهره وبنا بهم بيتا تاما معرسا. ه.
ثم أن محمدا بن الخير بن محمد بن خزر المغراوي لما رأى (كذا) وهران دار ملكهم اتخذها بنو يفرن دار ملكهم أيضا وبثوا بها الدعوة المروانية نزع إلى الشيعة وظهر لهم وأدّى لهم الطاعة ووفد على المعزّ العبيدي الشيعي / بإفريقية (ص 45) فألفاه جهز قائده جوهرا لغزو المغرب سنة سبع وأربعين وثلاثمائة (3) وخرج من القيروان في جيش عرمرم فجاء معه مغربا وكان من مشاهير بني خزر وأشرفهم نفسا فكان عنده بمكانة عظيمة وسار جوهر إلى أن نزل بتاهرت فلقيه بها يعلا ابن محمد بن صالح اليفرني في جيش عظيم من قبائل زناتة على مقربة من تاهرت بناحية شلف فالتحم (كذا) الحرب بينهما وبذل جوهر الأموال لقواد كتامة ولما اشتد الحرب صممت عصابة من أنجاد قواد كتامة وأجنادها وقصدوا يعلا فقتلوه واجتزوا رأسه وأتوا به إلى جوهر فأعطاهم الأموال الجليلة بشارة عليه وبعث
__________________
(1) الموافق 1015 ـ 1016 م.
(2) الموافق 954 ـ 955 م.
(3) الموافق 958 ـ 959 م.

برأسه إلى المعزّ فطيف به بالقيروان وهزم بنو يفرن وتفرق جمعهم. هكذا في الأنيس المطرب ، وفي ابن خلدون ما يخالفه.
ولما مات يعلا قام ابنه يدّو مقامه لكنه لم يملك وهران. ثم ذهب جوهر مغربا ومرّ بمدينة إيفكان التي بناها يعلا فخربها ولم تعمر للآن وذهب معه محمد ابن الخير وقد عقد له على وهران فحضر معه جميع وقائعه بالمغرب ولما رجع أقرّه على وهران بعد أن قطع الدعوة المروانية من المغرب بأجمعه وردّها للشّيعة فخطب لهم على جميع منابر المغرب.
ثم حل محمد بن الخير بوهران وأقام ملكها غاية وبثّ دعوة الشيعة بالمغرب بعد أن وقعت له معهم حروب عظام ولما تقلدها في سنة سبع أو ثمان وأربعين (ص 46) وثلاثمائة / وهي السنة التي قتل فيها يعلا. ويقال إن محمدا بن الخير هو الذي أغرى جوهرا على قتله. أدّى لهم الطاعة التامة وظاهرهم غاية الظهور ورفض المروانيين بالأندلس رفضا كليا. وفي سنة خمسين وثلاثمائة (1) توفي جده محمد ابن خزر بالقيروان بعد أن عمر كثيرا كما في ابن خلدون. ثم في سنة ستين وثلاثمائة (2) فسد ما بين محمد بن الخير والشيعة وتقلد طاعة المروانيين بالأندلس وحشّد جميع زناتة المغرب الأوسط ما عدا تاهرت لبقائها بيد الشيعة وأمدّه المرواني من قرطبة بما أراد من الجيش العرمرم ونهض من وهران يجرّ الأمم بحذافرها فبلغ ذلك زيري بن مناد الصنهاجي عامل الشيعة وجمع له الجموع التي لم يعهد الزمان بمثلها ولما اجتمعت بدار ملكه أشير ، عقد لابنه بلكين وأمره بحرب محمد بن الخير فالتقى الجمعان بالبطحاء ووقعت الدائرة على محمد بن الخير بعد أن وقعت بينهما الحروب العظام ويقال أن زيري دسّ من يجرّ الهزيمة على محمد بن الخير. ولما رءا (كذا) ذلك مال بنفسه إلى ناحية من عسكره وذبح نفسه سنة ستين وثلاثمائة (2) وانهزم قومه سائر يومهم وبقيت عظامهم ماثلة بمحل القتل أعصرا وهلك من قومه سبعة عشر أميرا في تلك الواقعة سوى الأتباع كذا في ابن خلدون ، وقال غيره بضعة عشر من غير تعيين ،
__________________
(1) الموافق 961 ـ 962 م.
(2) الموافق 970 ـ 971 م.
(2) الموافق 970 ـ 971 م.

فأخذ بلكّين رؤسهم وانقلب بها إلى أبيه ظافرا بالغنيمة وبعث بها زيري إلى إفريقية للمعزّ الشيعي / فامتلأ سرورا وغمّ لها المنصور الأموي بقرطبة وبذلك (ص 47) علا قدر زيري على سائر العمال.
ثم تولى الخير بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر رئاسة قومه بموضع أبيه بوهران فملكها واجتمع بأخيه يعلا بن محمد بن الخير وقومهما وطلبوا الثأر. ولما جاءهم جعفر بن علي عامل المسيلة للشيعة فارا من المعزّ الشيعي ألقوا إليه حالهم وجعلوا بيده زمام أمرهم فقام بدعوة المرواني منتقضا على الشيعي فزحف لهم زيري بن مناد الصنهاجي من آشير واقتتلوا قتالا شديدا فكانت الدائرة على زيرى وأكبّ (كذا) به فرسه فأخذوه وقتلوه واجتزوا رأسه وبعثوا به إلى الحاكم المرواني بقرطبة سنة ستين أو إحدى وستين وثلاثمائة فأخذ مغراوة ثأرهم وشفوا غليلهم ، وأبردوا (كذا) غليلهم وتهدم بموت زيري البنيان لصنهاجة ، والدنيا تلك عادتها يوم بيوم والدّهر قاض ما عليه لوم. ولما أخذ الخير بن محمد بن الخير بثأر أبيه من الصنهاجيين وتمهّد له الملك نهض بلكّين ابن زيري بن مناد الصنهاجي لقتاله آخذا بثأر أبيه زيري المذكور وذلك سنة سبع وستين وثلاثمائة (1) فجمع الجموع التي لا تحصى ولا تعد ، وغزى (كذا) المغربين حتى انتهى إلى أقاصي المغرب الأقصا (كذا) وملك فاسا وسجلماسة وأطرد (كذا) جميع أولياء المروانيين وتقبّض على علي بن نور ، ومحمد والخير ، ابني محمد بن الخير فقتلهم وفرّ من بقي من ملوك زناتة مثل يدّو بن يعلا اليفريني وبني عطيّة المغراويين وغيرهم ولاذوا بسبتة وبعثوا بالصريخ إلى المنصور بن أبي عامر المعافري فخرج من قرطبة للجزيرة الخضراء / وأمدهم بعساكر جمّة ولّى عليها (ص 48) ابن حمدون وعقد له على حرب بلكين وأمّده بمائة حمل من المال فأجاز (كذا) البحر وصيّر مصافّ القتال لظاهر سبتة. وكان بلكين بعساكره في تيطاون فتحيّل وأطلّ على عسكرهم فرءا (كذا) ما أدهشه وقال هذه أفعا أفغرت إلينا فاها (كذا) وكرّ راجعا فهدم البصرة وجاهد في بر غوّاطة وسلبهم وبعث بذلك للقيروان وأقطع (كذا) الدولة الأموية من المغرب كله. ولم تزل معه مغراوة في تشريد إلى
__________________
(1) الموافق 977 ـ 978 م.

الصحرا وإذعان له إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة (1) بموضع يقال له وازركس بين سلجماسة وتلمسان بسمّ سقته له زوجته.
ثم تولى بوهران يعلا بن محمد بن الخير الخزري المغراوي بموضع أخيه الخير بن محمد وقام بأمر زناتة فضبط الملك وتكررت إجازته (كذا) مع ابن أخيه محمد بن الخير بن محمد إلى المنصور بن أبي عامر المعافري بقرطبة ليمدهما بالجيش لأخذ الثأر في الخير بن محمد وأصحابه من أعدائهم الصنهاجيين فلم تحصل لهما فائدة وسلم يعلا بن محمد بن الخير لابن أخيه محمد في رئاسة قومه بوهران.
ثم تولى بوهران محمد بن الخير بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر المغراوي رئاسة قومه وذلك في أعوام الستين وثلاثمائة (2) ثم تولى بعده أمر زناتة بالمغرب الأوسط بدار ملكهم وهران محمد بن يعلا بن محمد بن الخير بن محمد ابن خزر المغراوي فملك ما ملك أبوه وجده كافة واستولى على كافة المغرب حتى أضاف لعمله المسيلة والصحرا والمغرب وبوادي زناتة. ولم يبق لبني أمية (ص 49) معه سوى الخطبة خاصة وأطرد (كذا) الصنهاجيين من / أكثر عملهم.
ثم في سنة ثمان وستين وثلاثمائة (3) تولى زيري بن عطية بن عبد الله ابن محمد بن خزر الخزري المغراوي ، فملك وهران وغيرها وذلك بدعوة هشام المؤيد الأموي وحاجبه المنصور بن أبي عامر المعافري بعد انقطاع أيام الأدارسة وبني أبي العافية المكناسي من المغرب الأقصا (كذا) ، فملك المغربيين وغلب على بواديهما كله (كذا) واستوطن فاسا وصيره دار ملكه في عام سبعة وسبعين وثلاثمائة (4) وأورثه لبنيه من بعده. المعروف الآن بباب القيسة وعلا قدره وعظم سلطانه وارتفع شأنه على سائر العمال.
ثم قام عليه أبو البهار بن زيري بن مناد الصنهاجي بالمغرب الأوسط
__________________
(1) الموافق 983 ـ 984 م.
(2) الموافق 970 ـ 980 م.
(3) الموافق 978 ـ 979 م.
(4) الموافق 987 ـ 988 م.

مخالفا على ابن أخيه منصور بن بلكين ظهير الشيعة فنقض أمر الشيعة ومال للمروانيين وغلب على تلمسان ووهران ومازونة وتمزغران (كذا) ومستغانيم ، والبطحا ، وتنس ، وشلف ، وشرشال ، ووانسريس ، ومليانة ، وكثير من بلاد الزّاب ، وخطب للمؤيد وحاجبه وبعث لهما بالبيعة والهدية وذلك سنة سبع وسبعين وثلاثمائة (1) فبعث له المنصور بالعهد على ما بيده من البلاد وصارت وهران في حكمه ودار ملكه وبقي نحو الشهرين ورفض دعوة الأمويين ومال للشيعة فبلغ المنصور أمره فبعث فورا لزيري بن عطية المغراوي المذكور بالعهد على بلاد أبي البهار وأمره بقتاله فسار له بجيوش كثيرة وفرّ أبو البهار هاربا بنفسه فلحق بابن أخيه وترك المغرب لزيري الخزري فرجعت له وهران كأول مرة فاتسع عند ذلك سلطانه وامتدّ ملكه من سوس الأقصا إلى الزاب ، وكتب بالفتح للمنصور وبعث له صحبة الكتاب بهدية عظيمة من جملتها قطط الزبد ثم اللمط ، والزرفة وغيرهم ، فسرّ المنصور بذلك كثيرا وكتب له بالجواز عنده فجاز في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة (2) فأوسع له المنصور ولأصحابه في الجوائز / وأعطاه مالا (ص 50) عظيما ، وهدايا كثيرة ولقّبه بالوزارة فرجع لأهله كارها لذلك ومستقللا للعطايا ونهر من قال له يوما يا وزير وقال له ما أنا إلّا أمير وابن أمير ، فو الله لو ألقى المنصور رجلا بالأندلس ما تركه على حاله يراه ، تسمّع بالمعيد خير من أن تراه ، ثم وضع يده على رأسه وقال له يا هذا الراس الآن علمت أنك لي ، وكان في حال جوازه للأندلس وجد يدو بن يعلا اليفريني فرصة للمغرب فزحف بجنوده لفاس ودخله في ذي القعدة سنة اثنين وثمانين وثلاثمائة (3) ولما سمع به زيري جدّ السير له إلى أن وصله فقاتله كثيرا واتصلت بينهما حروب عظيمة وصار كل من غلب منهما دخل فاسا إلى أن ظهر به زيري في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة (4) فقتله وبعث برأسه للمنصور فلم يبق له بالمغرب منازع وهابته الملوك. ويدّو بن يعلا هو القائل للنصور لما استدعاه للقدوم عنده : حمر الوحش لا تقاد للبيطار.
__________________
(1) الموافق 987 ـ 988 م.
(2) الموافق 991 ـ 992 م.
(3) الموافق 992 ـ 993 م.
(4) الموافق 993 ـ 994 م.

ثم في رجب سنة ثلاث أو أربع وثمانين وثلاثمئاة (1) بنا (كذا) زيري مدينة وجدة وحصّنها وشيد قصبتها وانتقل إليها بأهله وذخائره وجعلها قاعدة ملكه لتوسطها بين المغربين. قال الحافظ أبو راس في الخبر المعرب : إن وجدة هي الفاصل بين المغرب الأقصا والأدنا. وقال في فتح الرحمان : إن وجدة كانت في القديم بها مدينة عظيمة لها ثلاثمائة باب وبضع وستون بابا. وسمّيت وجدة لأنها مسكن أهل الوجد ، أو لوجود الصالحين فيها. قاله الغزالي. وبإزائها قبر يحيى بن يونس المدفون بغرب جبل الكواكب من أرض أنقاد يقال إنه من الحواريين الصديقيين ، عبد الله تعالى ثمانين سنة صياما وقياما ولم يأكل فيها شيئا وآمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل مبعثه بخمسمائة عام يقال إن ماء وجدة يخرج من قرب ضريحه أو منه نفعنا الله وذريتنا وقرابتنا وأحبابنا وكافة المؤمنين ببركته.
ثم فسد ما بين زيري بن عطية الخزري المغراوي وبين المنصور بن أبي عامر المعافري في سنة ست وثمانين وثلاثمائة (2) فبعث المنصور جيوشا كثيرة لنظر واضح لمحاربته ولقيه زيري بجيوشه وحصل المصافّ بوادي ردات بأحواز (ص 51) طنجة واتصلت الحروب الكثيرة بينهما ثلاثة أشهر فكان الظفر فيها لزيري / وهزم واضح بجيوشه ومات منه خلق كثير وفرّ لطنجة فتحصّن بها وكتب للمنصور يستصرخه فأمده بجيوش الأندلس وقوادها وعقد عليها لابنه المظفر بن المنصور وأمره بحرب زيري فأجاز البحر وحلّ بطنجة فأهابه زيري وكتب لجيوشه فاجتمعت عليه من سجلماسة ، وتلمسان ، ووهران ، والزاب ، وسائر بوادي زناتة ، ونهض بهم للقاء المظفر فكان المصاف بوادي مينا من أحواز طنجة. وكان لزيري غلام يقال له سلام لا يحبه فألفى الغلام في زيري الفرصة لما وجده مضطجعا ظنّا منه أنه نائم فتقدم له وضربه بسكين كانت عنده للبّته يريد نحره وجرحه ثلاث جراحات ، وتركه كالميت في دمه وانطلق مسرعا للمظفر وأخبره فأمكنته الفرصة وشدّ على زناتة وهم في دهشة مما حلّ بأميرهم من غلامه سلّام فهزمهم واحتوى على المحلة بجميع ما فيها وكثر السبي والقتل وغنم ما لا يحصى ولا يعدّ. وهرب
__________________
(1) الموافق 993 ـ 995 م.
(2) الموافق 996 ـ 997 م.

زيري لمضيق الحية وهو موضع قرب مكناسة واجتمع عليه فلّه وهم بالرجوع فجهّز له المظفر خمسة آلاف فارس لنظر واضح فأسرى بهم ليلا وضرب محلّة زيري غفلة وذلك في نصف رمضان سنة سبع وثمانين وثلاثمائة (1) فأوقع بهم موقعا عظيما وأسر من أعيانهم نحو ألفي رجل فمنّ عليهم المظفر وصاروا من جملة جنوده. وفرّ زيري في شرذمة من أصحابه وقرابته لفاس فأغلقت الأبواب في وجهه فأخذ أهله والدواب والزاد وذهب للصحرا (كذا) فنزل بسجلماسة ثم زاد لبلاد صنهاجة فألفى أهلها قد اختلفوا على ملكهم باديس بن منصور بن بلكين بعد وفاة / منصور فبعث لقبائل زناتة فأتاه خلق كثير فاغتنم الفرصة وزحف (ص 52) لصنهاجة فأوغل فيهم كثيرا وهزم جيوشهم ودخل تاهرت وجملة من الزاب وملك المسيلة ، ووانسريس ، وشلف ، وتنس ، ومازونة ، والبطحاء ، ومستغانم ، وتمزغران ، ووهران ، وتلمسان ، وسائر المغرب الأوسط ، وغيره ، وأعاد (كذا) لوجدة وأقام الدعوة للمؤيد وحاصر آشير قاعدة صنهاجة وبقي يغاديها ويراوحها إلى أن مات من جراحاته المارة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة (2).
ثم تولى بعده بوهران يعلا بن محمد بن الخير مرة ثانية وضبط أمرها وخضعت له الرعية وأدّت طاعته زناتة ، وهابته الملوك فبقي إلى سنة عشرة وأربعمائة (3).
ثم بويع بموضعه ابن أخيه وهو محمد بن الخير بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر مرة ثانية وضبط الملك أكثر من عمّه يعلا وأطاعته سائر زناتة المغرب الأوسط مدنه وبواديه وامتدّ له في الملك من سنة عشرة وأربعمائة إلى سنة ثلاثين وأربعمائة (4).
ثم قام بأمره من بعده في وهران ابن عمه محمد بن يعلا بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر مرة أخرى ومهّد له الملك أكثر من الأولى ودخل في
__________________
(1) الموافق سبتمبر 1997 م.
(2) المواف 1000 ـ 1001 م.
(3) الموافق 1019 ـ 1020 م.
(4) الموافق 1019 ـ 1039 م.

طاعته سائر المغرب الأوسط بواديه وقراه ومدنه ، وحصنه ، وضايق صنهاجة بالمشرق وأبناء عمه مغراوة وبني يفرن بالمغرب والصحراء ، وصاروا معه تارة في حرب وأخرى في سلم واتصلت يده بيد ابن أخيه بختي بن تميم بن يعلا ابن محمد بن الخير بن محمد بن خزر ملك تلمسان فتمهّد لهما المغرب. ولا زالا كذلك في الملك إلى أن هلكا معا ومعهما وزير بختي بن تميم وهو أبو سعيد (ص 53) الزناتي خليفة اليفرني في حرب الأثبج / وزغبه ، الهلاليين بالزاب في أعوام الخمسين وأربعمائة (1) كما في ابن خلدون وغيره.
ثم تولى بموضع محمد بن يعلا بوهران ابنه محمد الصغير ابن محمد ابن يعلا بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر المغراوي. وبتلمسان العباس ابن بختي بن تميم بن يعلا بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر المغراوي. واستبدّ كلّ منهما بموضعه وما يليه وتحت حكمه ، وضبط الأمر بحكمه. ولا زالا كذلك إلى أن أزالهما يوسف بن تاشفين اللمتوني سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة (2) فانقطع ملك الدولتين بالمغرب وهما المروانيين والشيعة بالكلية.
قائمة حكام وهران
فتلخص من هذا أن الذين ملكوا وهران من عمّال الدولتين المذكورتين ستة عشر. فمن مغراوة عشرة وهم : خزر بن حفص ، ثم ابنه محمد بن خزر ، ثم ابنه الخير بن محمد ، ثم ابنه محمد بن الخير ، ثم ابنه الخير بن محمد ابن الخير ، ثم ابنه يعلا بن محمد بن الخير ، ثم محمد بن الخير بن محمد ابن الخير بن محمد بن خزر ، ثم محمد بن يعلا ، ثم زيري بن عطية ، ثم محمد الصغير بن محمد بن يعلا. وهؤلاء كلهم خزريون مغراويون. ومن أزديجة وعجيسة اثنان : وهما : أبو ديلم بن الخطاب الزديجي من بني مسرقين ، وشجرة ابن عبد الكريم العجيسي. ومن الشيعة واحد وهو محمد بن أبي عون. ومن بني يفرن واحد وهو يعلا بن محمد بن صالح اليفرني. ومن صنهاجة اثنان وهما
__________________
(1) الموافق 1058 ـ 1067 م.
(2) الموافق 1080 ـ 1081 م.

بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي ، وأخوه أبو البهار بن زيري بن مناد الصنهاجي.
قائمة الخلفاء الأمويين بالأندلس والمشرق
واعلم أن جملة المروانيين بالأندلس ستة عشر ملكا وهم : عبد الرحمن الداخل ، ثم ابنه هشام الراضي ، ثم / ابنه الحاكم ، ثم ابنه عبد الرحمن ، ثم ابنه (ص 54) محمد بن عبد الرحمن ، ثم ابنه المنذر بن محمد ، ثم أخوه عبد الله بن محمد ، ثم عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد الله ، ثم ابنه الحاكم بن عبد الرحمن الناصر ، ثم ابنه هشام المؤيد ، ثم محمد المهدي بن هشام بن عبد الجبار ، ثم المستعين سليمان بن الحاكم بن سليم بن عبد الرحمن الناصر ، ثم عبد الرحمن ابن هشام بن عبد الجبار ، ثم المستكفي محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله ابن عبد الرحمن الناصر ، ثم المستعين هشام بن محمد بن عبد المالك بن عبد الرحمن الناصر ، ثم أميّة الأموي وبه انقطعت دولة بني أمية من الأندلس.
وجملتهم بالمشرق أربعة عشر ملكا وهم : معاوية بن أبي سفيان ، ثم ابنه يزيد بن معاوية ، ثم ابنه معاوية بني (كذا) يزيد ، ثم مروان ابن عبد الحاكم ، ثم ابنه عبد المالك (كذا) بن مروان ، ثم ابنه الوليد ابن عبد المالك ، ثم أخوه سليمن (كذا) بن عبد المالك ، ثم عمر بن عبد العزيز ابن مروان ، ثم يزيد بن عبد المالك بن مروان ، ثم هشام بن عبد المالك ، ثم الوليد بن اليزيد بن عبد المالك ، ثم ابنه يزيد بن الوليد ، ثم إبراهيم (كذا) ابن الوليد ، ثم مروان بن محمد بن مروان ، وبه انقرضت دولتهم بالمشرق. قال العلا (كذا) ولما انقضت مدة دولة بني أمية وقرب تمامها كنت نائما عند سليمان ابن هشام فإذا به قد أيقظني وقال لي كنت نائما فرأيت في نومي كأني في جامع دمشق وكأن رجلا في يده خنجر وعلى رأسه تاج وهو رافع صوته بهذه الأبيات :
أبني أمية قد دنا تشتيتكم
 

وذهاب ملككم وأن لا يرجع
 
وينال صفوته عدو ظالم
 

للمحسنين إليه ثمّت يفجع
 
/ (ص 55) بعد الممات فكل ذلك صالح
 

يا ويحه من قبح ما قد يصنع
 


قال العلا فقلت لسليمان ولعل ذلك لا يكون ، فأطرق سليمان ساعة وقال لي هيهات يا علا ما يأتي به الزمان قريب ، فلم تتم الجمعة حتى دخل عليهم مروان الجعدي وانقرضت دولتهم فاتح ثلاث وثلاثين ومائة (1) انظر الجمان للشاطبي.
قائمة خلفاء الشيعة الفاطميين
وجملة ملوك الشيعة وهم العبيديون أربعة عشرة ملكا وهم : المهدي ثم القائم ، ثم المنصور ، ثم المعزّ ، ثم العزيز ، ثم الحاكم ، ثم الظاهر ثم المستنصر ، ثم المستعلا ، ثم الآمر ، ثم الحافظ ، ثم الظافر ، ثم الفائز ، ثم العاضد وهو آخرهم. وبه انقرضت دولتهم ، ودأب الدنيا لم تعط إلّا استردّت ولم تحل إلّا تمرّرت ولم تصف إلا تكدرت بل صفوها لا يخلو من الكدر. وفي ذلك قال الشاعر من البسيط :
حسّنت ظنك بالأيام إذ حسنت
 

ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
 
وساعدتك الليالي فاغتررت بها
 

وعند صفو الليالي يحدث الكدر
 
الحذر ينفع ما لم يغلب القدر
 

فإن أتى قدر لم ينفع الحذر
 
لا بدّ من فرح يوما ومن ترح
 

وهكذا الدّهر في تصريفه عبر
 
وليس من قدر إلّا له سبب
 

وليس من سبب إلّا له قدر
 
رمت البقا أبدا ولا بقاء بها
 

والموت حقّ فلا يبقي ولا يذر
 
قائمة ملوك الأدارسة بالمغرب الأقصى
وجملة ملوك الأدارسة بالمغرب الأقصا (كذا) ثلاثة عشر وهم : إدريس الأكبر ابن عبد الله الكامل ، ثم ابنه إدريس الأصغر ، ثم ابنه محمد بن إدريس ، ثم ابنه علي ابن محمد ، ثم أخوه يحيى بن محمد ، ثم ابنه يحيى بن يحيى ، ثم علي بن عمر ابن إدريس الأصغر ، ثم يحيى المقدام بن القاسم بن إدريس الأصغر ، ثم يحيى ابن إدريس بن عمر بن إدريس الأصغر. وهو أعلا الأدارسة ملكا ، ثم الحسن الحجام
__________________
(1) الموافق أوت 750 م.

ابن محمد بن القاسم بن إدريس الأصغر. ثم محمد كانون ابن القاسم بن إدريس الأصغر. ثم ابنه أبو يعيش أحمد بن محمد كانون ، ثم أخوه الحسن بن محمد كانون.
وهو آخرهم ، وبه انقرضت دولتهم من المغرب بالكلية.
قائمة ملوك السليمانيين بالمغرب الأوسط
وجملة ملوك السليمانيين بالمغرب الأوسط إحدى وعشرون : فبتلمسان أربعة وهم : محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل. ثم ابنه أحمد ، ثم ابنه محمد ، ثم ابنه القاسم. وبرشقون أربعة أيضا وهم : عيسى بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه إبراهيم ، ثم ابنه يحيى ، ثم أخوه إدريس بن إبراهيم. وبجرارة ثلاثة وهم : إدريس بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه أبو العيش عيسى ، ثم ابنه الحسن. وبتاهرت ثلاثة أيضا وهم : الحسن بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه حناش ، ثم ابنه بطوش. وبتنس سبعة وهم: إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه عيسى ، ثم ابنه إبراهيم ، ثم محمد بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه يحيى ، ثم ابنه علي ، ثم أخوه حمزة بن علي ، وتغلّب العبيديون على السليمانيين ، لما تملّكوا المغرب الأوسط فأزالوا دولتهم وقطعوها والملك لله وحده.

الدولة الثالثة المرابطون
(ص 57) ثم ملك وهران / الدولة الثالثة وهم المرابطون :
ويقال لهم الملثمون وهم لمتونة فرقة من صنهاجة تلقّبوا بذلك لكونهم انقطعوا في جزيرة ببحر النيل (1) وربطوا أنفسهم فيها للطاعة مع شيخهم عبد الله ابن ياسين إلى أن كثر عددهم فقاموا للملك إلى أن كان منهم ما كان. ومن ثمّ صار هذا لقب لكل ناسك مبرور ملازم للطاعة لا يدخل في شؤون المخزن سيّما بالمغرب الأوسط. وسمّوا بالملثمين إمّا لكونهم لا يتركوا (كذا) اللثام حتى أنه لا يعرف أحدهم إلا إذا كان ملثما وإلّا فلا ، وإما لكون رجالهم غابت عن حيّهم وبقي به النساء فجاءتهم العرب لأخذهم فلبس النساء لباس الرجال وتلثمن لئلا يعرفن وركبن النجائب وقاتلن العدو إلى أن دفعن (كذا) عن الحي ففعل ذلك الرجال وبقيت فيهم سنّة للآن في بلادهم وهم الذين يقال لهم التوارق بقرب السّودان.
وأول من ملك منهم وهران المجاهد يوسف بن تاسفين اللمتوني وذلك أنه استقر بالمغرب سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة (2) خليفة «لابن عمه أبي بكر ابن عمر اللمتوني لما اختار الرجوع للصحراء وصار يدوّخ فيه ولما صعب عليه حرب المصامدة ذهب لمراكش وهي مفاوز ومعناها بلغتهم «إمش مسرعا». فمر
__________________
(1) هذه رواية ابن خلدون ولكن الحقيقة أن الجزيرة التي اعتصم بها عبد الله بن ياسين وتلاميذه ورابطوا بها تقع في حوض نهر السينغال. ولو أن الأستاذ محمد عبد الله عنان ذكر أنها تقع في منحنى نهر النيجر.
(2) الموافق 1061 ـ 1062 م.

معناه : إمش ، وكش ، معناه : مسرعا. وبنا (كذا) قصبة صغيرة ومسجدا وأدار بذلك سورا وذلك سنة أربع أو خمس وخمسين وأربعمائة (1) واتخذ الأجناد والقواد والبنود والطبول وسائر / آلة الملك تلك السّنة وتوجه بذلك لفاس فدخله (ص 58) عنوة وخرّبه وهدم أسواره وظفر بعامله بكّار بن إبراهيم فقتله وارتحل إلى صفرو فدخله من يومه عنوة وقتل عماله أولاد المسعود والمغراوي ورجع لفاس لكونه لما فتحه أولا وجعل عليه عاملا لمتونيا قام عليه به تميم بن معنصر المغراوي فدخله وقتل عامله ولما سمع بقدوم يوسف هرب من فاس ودخله يوسف ثانيا وهو الفتح الثاني في يوم الخميس ثاني جمادى الثانية سنة اثنين وستين وأربعمائة (2) فأسرف في قتل مغراوة إلى أن قتل منهم بالجامعين الأعظمين ما يزيد على ثلاثة آلاف ، وهدم الأسوار التي فصل بها ابنا زيري بن عطية وهما : الفتوح ، وعجيسة ، بين العدوتين وصيرهما (كذا) مدينة واحدة حمل أهلها على تكثير المساجد وأقام بها إلى صفر سنة ثلاث وستين وأربعمائة (3) فخرج لقصور بني وطاط بملوية ففتحها ووجه إلى أمراء المغرب وأشياخه بالقدوم ليتفقد أحوالهم وأحوال رعيته وغزى (كذا) مدينة رهونة من طنجة سنة خمس وستين وأربعمائة (4) فدخلها عنوة وفتح جبل علودان ، وفتح غياثة وبني مكود ، وزهينة ، سنة سبع وستين وأربعمائة (5) وفتح طنجة في سبعين وأربعمائة (6). ثم بعث قائده مزدلي لتلمسان في عشرين ألفا ففتحها سنة اثنين وسبعين وأربعمائة (7) وقتل ابن أميرها معلا بن يعلا المغراوي وكتب اسمه على السكة في جهة وفي الأخرى كتب : «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه» سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة (8) / وفيها غزا (كذا) (ص 59)
__________________
(1) بدأ الشروع في بناء مدينة مراكش عام 454 ه‍ (الموافق لعام 1062 م).
(2) الموافق 18 مارس 1070 م.
(3) الموافق نوفمبر ـ ديسمبر 1070 م.
(4) الموافق 1072 ـ 1073 م.
(5) الموافق 1074 ـ 1075 م.
(6) الموافق 1077 ـ 1078 م.
(7) الموافق 1079 ـ 1080 م.
(8) الموافق 1086 ـ 1087 م.

وجدة وبني يزناسن وتلمسان فلقيه بها ملكها العباس بن بختي المغراوي بجيشه من بني يفرن ومغراوة فقتله وأكثر جنده وفتحها عنوة واستعمل عليها محمدا ابن تعمر المسوفي (1) وبنا (كذا) بها تلمسان الجديدة بمحل محلّته وهي المسكونة الآن.
ثم تخط (كذا) منها لوهران تلك السنة ففتحها عنوة ونفا (كذا) عنها ملوكها بني الخزر المغراويين وصيرها من جملة رعيته وقطع دعوة مغراوة وبني يفرن من المغرب كله. وفي إخراجه لمغراوة من فاس ، ووهران ، قال الحافظ أبو راس في سينيته ما نصّه :
ثم أزالهم يوسف أيضا فعي
 

كما أزالهم قبل عن أرض فاس
 
ثم زاد إلى مازونة وتنس ووانسريس وشلف وزاد متماديا بجيوشه إلى الجزائر فطوعها وأطاعه أهلها بنو مزغّنة وكان دخوله لها في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وأربعمائة (2) وصيرها حدّا بينه وبين ملوك البلكانية من صنهاجة للقرابة التي بينهم. فملك رحمه‌الله من الجزائر إلى السودان إلى البحر المحيط إلى جبل الذهب بهذه العدوة وكلها بسط فيها العدل وأبطل منها المكس (ص 60) والمغارم. ثم تخط إلى عدوة الأندلس سنة تسع وسبعين وأربعمائة (3) / فهزم الكفرة وأوقع بهم في قضية الزلاقة المشهورة الموقع العظيم حتى أنه جمع فيها الرؤوس إلى أن صارت تلا يعني ربوة وأذن عليها المؤذن ثم فرّقها على المدن فأعطى لكل مدينة ألوفا عديدة ، وازينت لتلك الواقعة بغداد ، والحرمان الشريفان ، ومصر ، والعراق ، والشام ، وغيرهم من مدن المشرق وشاع خبرها إلى مدينة سرة (4) قاعدة مدن الهند وبعث له الناصر العباسي على ذلك خلعا كثيرة يقصر عنها الوصف ، وجدد له العهد وقطع رحمه‌الله ثوار الأندلس مثل ابن عبّاد وغيره.
__________________
(1) لعله تينعمر المسوفي.
(2) لموافق 1080 ـ 1081 م.
(3) لموافق 10 جويلية ـ 28 أوت 1082 م.
(4) لعلها سورات هكذا وهو الأصح.

وملك بعدوة الأندلس من أفراغة قاصية أرض الفرنج إلى إشبونة حدها من المغرب عند البحر المحيط وذلك مسيرة شهر وثلاثة أيام طولا ، والعرض نحو العشرين يوما وبسط فيها أيضا العدل وأبطل المكس وبايعه بها ثلاثة عشر ملكا وخطب له على ألف منبر وتسعمائة منبر وساست ملكه زوجه زينب وماتت سنة أربع وستين وأربعمائة (1) وكان رحمه‌الله زاهدا يلبس الصوف ويأكل خبز الشعير بلبن الإبل ولحومها ، وغالب أكل جنده الجيّد كالدرمك والفالوج ونحوهما ، وجدد السكة من واقعة الزلاقة فنقش في ديناره في جهة : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وتحته أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين ، وفي الدائرة : ومن يبتغ غير الإسلام دينا إلى الخاسرين. وفي الصفحة الأخرى الأمير عبد الله أمير المؤمنين العباسي وفي الدائرة تاريخ الضرب وموضع السكة. ولد رحمه‌الله سنة أربعمائة وتوفي سنة خمسمائة (2) عن مائة سنة بعد ما ملك أربعين سنة ودفن بمراكش وقبره بها من أعظم المزارات وعليه مشهد عظيم.
ثم ملك وهران بعده ابنه علي ، تولى / بموضع أبيه قيل سنة خمسمائة وقيل (ص 61) سنة واحد وخمسمائة (3) وهو ابن ثلاث وعشرين سنة ، فملك جميع الغرب من بجاية لسوس الأقصا وللقبلة من سجلماسة لجبل الذهب في السودان والأندلس شرقا وغربا وخطب له على ألفين وثلاثمائة منبر وكان محبّا لأبي الوليد بن رشد فولاه القضاء بقرطبة سنة تسع وخمسمائة (4) وعزله منها سنة ثلاثة عشر وخمسمائة (5) وجعل بدله أبا القاسم ابن حميدين فشرع ابن رشد في شرح العتيبة وسماه بالتحصيل والبيان. وفي أعوام العشرة الثانية أمر بحرق كتاب الإحياء للغزالي لما فيه من التشديد بإغراء أبي القاسم ابن حمدين وموافقة ابن رشد والقاضي عياض. وفي أيامه ظهر أمر الشريف المهدي بن تومرت القائم بدولة
__________________
(1) الموافق 1071 ـ 1072 م.
(2) الموافق 1109 ـ 1107 م.
(3) تولى علي بن يوسف الملك عام 500 ه‍ الموافق 1106 م
(4) الموافق 1115 ـ 1116 م.
(5) 1119 ـ 1120 م.

الموحدين وذلك سنة خمسة عشر وخمسمائة (1) فقال له قاضي المرية بمراكش اجعل على رجليه كبلا ، قبل أن يسمعك طبلا ، فأبى إلى أن كان ما كان وبسببه دخل الدولة المرابطية الهرم وكثر فيها الإرجاف وكمل بناء مدينة مراكش بإشارة ابن رشد عليه سنة اثنين وعشرين وخمسمائة (2) فأنفق على سورها سبعين ألف دينار وعلى جامعها الأعظم والمنارة ستين ألفا دينار أخرى. وأخذ البيعة لولده (ص 62) تاشفين سنة سبع وسبعين وأربعمائة (3) / وتوفي بمراكش سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. وهو ابن سبع وخمسين سنة بعد ما ملك سبعا وثلاثين سنة. وكان فقيها عالما فاضلا خير مالك ودولته عز للإسلام وسيرته حسنة وأحواله مستحسنة. وفي وقته بنا (كذا) وزيره عبد الرحمن المعافري الحمام بجوف الجامع الأعظم من غرناطة وفرّش صحن جامع قرطبة وأصلح بناء مدينة طرطوشة.
ثم تولى ابنه تاشفين بموضعه في ثامن رجب سنة سبع وثلاثين وخمسمائة (4) في معظم فتنة الموحدين بمعاهدة أبيه إليه في حياته فأطاعته العدوتان كأبيه وجده واتصلت حروبه مع عبد المؤمن بن علي من أول أمره وصار يتبع عبد المؤمن بن علي حيث مرّ إلى أن توجه لتلمسان فأتبعه لها ودخلها تاشفين سنة تسع وثلاثين وخمسمائة (5) ونزل عبد المؤمن بن علي بين الصخرتين بظاهرها مما يلي الجبل ونزل تاشفين الوطا مما يلي الصفصيف وزحف المرابطون للموحدين فنهاهم تاشفين فأبوا وتعلقوا بالجبل فانحدر لهم الموحدون وهزموهم شنيعا وفرّ تاشفين لوهران في مواعدة صاحبه ابن ميمون في أسطوله بالبحر ونزل بظاهرها وترك تلمسان تحت عامله محمد بن الشيّور فترك عبد المؤمن لمحاصرة تلمسان وزيره يحيى بن تومرت ولحق بوهران في طلب تاشفين فنزل عليه وحاصره بها إلى أن مات. واختلف في وجه الموت على أربعة أقوال ومعناها واحد. فقال أبو محمد صالح في الأنيس المطرب بروض
__________________
(1) الموافق 1121 ـ 1122 م.
(2) الموافق 1128 م.
(3) الموافق 1084 ـ 1085 م.
(4) الموافق 26 جانفي 1143 م.
(5) الموافق 114 ـ 1145 م.

القرطاس : خرج تاشفين ليلا ليضرب في محلة العدو فتكاثرت عليه الخيل والرجال وكانت ليلة مظلمة ممطرة وهي ليلة تسع وعشرين من رمضان سنة / تسع (ص 63) وثلاثين وخمسمائة (1) ففرّ أمامهم وكان بجبل عال منيف على البحر فظن أن الأرض متصلة فأهوى بفرسه من شاهق بإزاء رباطة وهران فمات. وقال الحافظ أبو راس في عجائب الأخبار وسائر كتبه المؤلفة في التاريخ : إنه لما طال عليه الحصار بوهران وعلم أنه لا طاقة له ودّع خواصه وخرج ليلة عيد الفطر سنة تسع وثلاثين وخمسمائة إلى جبل هيدور وهو جبل وهران على فرس عتيق وحملها (كذا) على شاهق فتردى به في بعض الأخاديد فمات ومن الغد وجد.
وقوله رضي‌الله‌عنه في عجائب الأسفار أن ذلك سنة إحدى وأربعين وخمسمائة سبق قلم.
وقال أبو الفدا صاحب حماة في المختصر ، فلما كان ليلة تسع وعشرين من رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وهي ليلة يعظمها المغاربة سار تاشفين في جملة يسيرة مختفيا ليزور مكانا على البحر فيه متعبدون وصالحون بقصد التبرك فبلغ الخبر مقدم جيش عبد المؤمن واسمه عمر بن يحيى الهنتاني فساروا وأحاط به فركب تاشفين فرسه وحمل ليهرب فسقط من جرف عال فمات. وقال أبو إسحاق الشاطبي في الجمان إن تاشفين لما هرب من تلمسان اتبعوه إلى أن نزل بمرسى وهران فحاصروه بها ودخلوا عليه فلجؤه (كذا) إلى جرف عال فرمى بنفسه وهو راكب على فرسه من أعلا (كذا) الجرف فاندق عنقه وعنق فرسه في تلك السنة. ا ه.
قال شيخنا الزياني في دليل الحيران وأنيس السهران ، والموضع الذي مات فيه يعرف إلى الآن بمكبّ / الفرس قرب حمام سيدي دادّ أيوب ما بين وهران (ص 64) والمرسى (الكبير) ثم أنه لما وجد من الغد ميتا بأزاء البحر أخذ وصلب على جذع واجتزّ رأسه وحمل لتنمليل فعلق بها على شجرة صفصاف عالية ولما صلب بوهران استأصل القتل أصحابه وتفرقوا فهرب بعضهم للنهر المنحدر من رأس العين وهو نهر وهران وكان مشعرا وبه غيظ ملتف بعضه ببعض فأضرم الموحدون
__________________
(1) الموافق 25 مارس 1145 م.

النار في الوادي فمن بقي احترق ومن خرج قتل وسار عبد المؤمن لوهران فتمكن منها بالسيف وقتل بها ما لا يحصى.
قائمة ملوك صنهاجة
واعلم أن ملوك صنهاجة على ثلاثة فرق :
الفرقة الأولى البلكانية : وهم ملوك إفريقية وبجاية والمغرب الأوسط والأندلس أيام الطوائف وجملتهم خمسة وعشرون : فبإفريقية عشرة : أولهم مناد الصنهاجي مقيم الدولة الفاسية ، ثم ابنه زيري مختط مدينة أشير بصفح (كذا) جبل تيطرى أواسط القرن الرابع (1) ، ثم ابنه يوسف بلكين مختط مدينة الجزائر ومليانة والمدية أواسط القرن الرابع أيضا بأمر أبيه المذكور وكانت له أربعمائة حاضنة (كذا) في قصره حتى إنه بشر في يوم واحد بولادة سبعة عشر غلاما وهذا لم يسمع مثله. ثم ابنه منصور ، ثم ابنه باديس ، ومات بدعاء الشيخ محرز ابن خلف عليه. ثم ابنه المعز الذي بلغ في خسارة عرسه ستة عشر ألف ألف (ص 45) دينار وتراتيب بيته من العود الهندي بمسامير الذهب وأنه عمل لجدّته / لما ماتت تابوتا من العود الهندي مرصعا بالجواهر وصفائح الذهب وعلّق عليه عشرين سبحة من نفيس الجوهر وذبح عليها مائة بقرة وألف شاة ونحر خمسين ناقة وفرق على النساء عشرين ألف دينار. ثم ابنه تميم الذي قال فيه أبو علي رشيق :
أصح وأعلا ما سمعناه في الندا
 

من الخبر المأثور منذ قديم
 
أحاديث ترويها الشيول عن الحبا
 

من البحر في كفّ الأمير تميم
 
ثم ابنه يحيى ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن وهو آخرهم بإفريقية وبه تمت دولتهم بها فهؤلاء عشرة.
وببجاية عشرة : أولهم : حماد بن بلكين بن زيري بن مناد مختط مدينة قلعة بني حمّاد بجبل عجيسة بإزاء بجاية الذي يقال له جبل المعاضيد في آخر القرن الرابع ثم الناصر بن علناس بن حماد ، ثم ابنه المعز ، ثم ابنه القايد ، ثم ابنه
__________________
(1) الموافق منتصف القرن العاشر الميلادي.

محسن ، ثم بلكين بن محمد بن حماد ، ثم ابنه المنصور ، ثم ابنه باديس ، ثم أخوه العزيز بن منصور ، ثم ابنه يحيى. وبه تمت دولتهم ببجاية فهؤلاء العشرة مع العشرة الأولى تلك عشرون.
وبالمغرب الأوسط واحد : وهو أبو البهار فذلك إحدى وعشرون.
وبالأندلس أربعة : أولهم صاحب غرناطة زاوي بن بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي كما في الجمع والبيان في تاريخ القيروان. ثم ابن أخيه حابوس ابن ماكس بن بلكين ، ثم ابنه باديس صاحب اللعب الذي يقال له السلام عليك يا باديس ، ثم ابن أخيه عبد الله بن بلكين بن حابوس وهو الذي أخذه مع أخيه / (ص 66) تميم ، يوسف بن تاشفين وعبر بهما البحر لمراكش فهؤلاء خمسة وعشرون.
الفرقة الثانية : المرابطون ويقال لهم الملثمون ، وهم لمتونة ملوك المغرب الأقصى والأوسط وعدوة الأندلس وجملتهم في الإسلام اثنا عشر ملكا. أربعة قبل تسميتهم بالمرابطين ، وثمانية بعد تسميتهم بها ، إلّا أن المراد بالمرابطين هم الخمسة التاشفنيون : يوسف بن تاشفين ومن بعده لا غير. أول الاثنا عشر : تيلوتان بن تيكلان اللمتوني كان في أيام عبد الرحمن الداخل ملك الصحراء بأسرها وأطاعه بها من ملوك السودان عشرون ملكا كلها تؤدي له الجزية وكان يركب في مائة ألف نجيب وعمله مسيرة ثلاثة أشهر في مثلها لكنه لم يملك الغرب وعاش نحو الثمانين سنة. ثم حفيده الأثير بن فطين بن تيلوتان ، ثم ابنه تميم ومات قتيلا سنة ست من الرابع (1) وبقي بعده صنهاجة همّلا من الأمير نحو المائة وعشرين سنة وإنما أمرهم جمهوريا شوريا بينهم. ثم أبو عبد الله تارشنا ابن تفاوت اللمتوني ، ثم يحيى بن إبراهيم القدالي وهو الذي حجّ وأخذ عن الشيخ أبي عمران الفاسي بالقيروان وسأل منه أن يصحبه من تلامذته من يعلمه وقومه الديانة فأمرهم فأبوا فكتب له لتلميذه محمد بن واقاق اللمطي بنفوسه ليبعث معه من يقوم بهم في دينهم فبعث معه الشيخ عبد الله بن ياسين الجزولي سنة ثلاثين من الرابع (2) وانقطع بهم / بجزيرة ببحر النيل (3) إلى أن كثر عددهم (ص 67)
__________________
(1) الموافق 918 ـ 919 م.
(2) الموافق 941 ـ 942 م.
(3) ارجع إلى هامش رقم 1 قبل هذا.

وتسمّوا بالمرابطين لملازمتهم لرابطة الشيخ عبد الله بن ياسين ببحر النيل. ثم يحيى بن عمر اللمتوني ، ثم أخوه أبو بكر بن عمر وهو الذي ملك الصحراء وتخطا (كذا) للمغرب وجعل ابن عمه يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن ترقوت ابن وزنقطن بن منصور بن محالة بن أمية بن وثمار بن تلميت اللمتوني الصنهاجي الحميري خليفة عليه. ثم استقل يوسف بالمغرب. ثم ابنه علي ، ثم ابنه تاشفين ، ثم ابنه إبراهيم ، ثم عمه إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين وهو آخر المرابطين وبه انقطعت دولتهم لما قتله وابن أخيه إبراهيم ، عبد المؤمن ابن علي بمراكش. ولكل بداية نهاية والله يوتي ملكه من يشاء. وقد ألّف الحافظ الصيرافي رحمه‌الله في المرابطين كتابا أسماه ـ الأنوار الجالية (كذا) في أخبار الدولة المرابطية.
الفرقة الثالثة الغانية : أولاد المرأة التي يقال لها غانية بنت عمّ يوسف ابن تاشفين وأبوهم مسوفي من صنهاجة يقال له علي بن يحيى المسوفي كان من الشجعان وبالمكانة العظيمة عند يوسف بن تاشفين فلذلك زوّجه من ابنت عمه غانية فأتت معه بولدين وهما : يحيى ، ومحمد ، اللذان ولّاهما علي بن يوسف بالأندلس أحدهما وهو يحيى على غربي الأندلس والآخر وهو محمد على شرقها (ص 68) كميورقة ويابسة / وغيرهما. وجملة ملوكهم ما بين الأندلس وبجاية وقابس خمسة. أولهم يحيى المعروف بابن غانية بن علي بن يحيى المسوفي بالجهة الغربية من الأندلس وهو الذي أعان شيخه القاضي بسبتة على عبد المؤمن بن علي. ثم أخوه محمد بن علي بن يحيى على شرقي الأندلس. ثم ابنه عبد الله على ذلك ، ثم أخوه علي بن محمد بن غانية على بجاية ، ثم أخوه يحيى بن محمد بن غانية على قابس وهو الذي دوّخ المغرب الأوسط وإفريقية وخرّب تاهرت فلم تعمر من وقته إلى أن جدد عمارتها الفرنسيس في أعوام الخمسين من القرن الثالث عشر (1) وتقبّض بمنديل المغراوي فصلبه بالجزائر واشتدت وطأته على الموحدين إلى أن توفي بشلف تحت مليانة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة (2) بعد ما ملك خمسين عاما
__________________
(1) الموافق 1834 ـ 1844 م.
(2) الموافق 1235 ـ 1236 م.

فاستراحوا عند ذلك بموته وطاب لهم القرار وصفا حالهم من الأكدار. فجملة ملوك فرق صنهاجة الثلاثة : اثنان وأربعون ملكا. خمسة وعشرون من الأولى. واثنا عشر في الثانية. وخمسة في الثالثة. والملك والدوام لله الواحد القهار لا إله غيره ، ولا خير إلّا خيره.

الدولة الرابعة : الموحّدون
ثم ملك وهران الدولة الرابعة وهم الموحدون سمّوا بذلك لأخذهم علم التوحيد عن شيخهم الشريف المهدي بن تومرت فهو الذي سمّاهم بذلك تعريضا (ص 69) بالمرابطين لكون أهل المغرب كانوا على مذهب الحنابلة في الاعتقاد (1) وبمعزل / عن التأويل فهم كتسمية لمتونة بالمرابطين لملازمتهم لرابطة شيخهم عبد الله ابن ياسين وانقطاعهم معه وأخذهم عنه فعبد الله بن ياسين شيخ المرابطين والمهدي بن تومرت شيخ الموحّدين.
وأول ملوك الموحدين شيخهم المهدي بن تومرت المذكور فهو ممن مهّد الملك لغيره ولم يملك وهران. قال الغازي بن قيس في تاريخه : ـ وكان جدّه لأبيه دخل المغرب مع عقبة بن نافع الفهري الصحابي واستوطنه من حينئذ ـ واختلف في نسبه على ستة أقوال : فقال ابن رشيق وابن مطروح : هو مرغاتي نسبة لقبيلة يقال لها مرغاتة أحد بطون المصامدة. وقال غيرهما : هو نفيسي نسبة لقبيلة يقال لها نفيسة أحد (كذا) بطون المصامدة أيضا فهو أبو عبد الله محمد المهدي بن تومرت الملقب أمغار أيضا ابن عبد الله بن وجليد المرغاتي أو النفيسي المصمودي. وقال لسان الدولة ابن الخطيب السلماني في شرحه لرقم الحلل : هو من الآل من بني العباس بن الحسن بن علي كرم الله وجهه. وهو غير صحيح لأن الحسن السبط لا عقب له إلّا من الحسن المثني وزيد ، وعلى أنه من بني العباس فهو كما في الجمان ، والأنيس المطرب ، محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفيان بن جابر بن يحيى
__________________
(1) الحقيقة أن سكان المغرب العربي كانوا على مذهب مالك وليس مذهب الحنابلة.

ابن عطاء بن رباح بن يسار بن العباس بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. وقال الشيخ علي بن أبي زرع في القرطاس هو من بني محمد / بن علي (ص 70) وهو غير صحيح أيضا لأن محمد خلّف أبا هاشم فقط ولم يعقّب. وقال ابن نخيل وهو من أهل البيت من ذرية محمد بن سليمان أخي إدريس بن عبد الله لأن عبد الله الكامل له من الأولاد إدريس وسليمان ومحمد النفس الزاكية (كذا) وإبراهيم ويحيى ، وموسى ، هؤلاء باتفاق وعيسى على خلاف فيه وجعل بعضهم بدل إبراهيم جعفر فقال في رجزه :
خلّف ستة من الذكور
 

عبد الله الكامل في المشهور
 
فجعفر بجزيرة سوس
 

وزرهون فيه مولاي إدريس
 
وثالثهم مولاي سليمان
 

فقبره بثغور تلمسان
 
والينبوع فيه مولاي محمد
 

ومولاي موسى في بلاد الهند
 
ومولاي يحيى في بلد السودان
 

بجاههم نجّنا من نيران
 
فجعفر منه الجزولي محمّدا
 

به دليل الخيرات قد ابتدوا
 
من موسى كان الصالح الجيلاني
 

ومن محمد عليّ الثاني
 
وأبو عنان صاحب الغزالا
 

غصنه من سليمان لا زالا
 
ومن إدريس كان إدريس الثاني
 

قبرهما في زرهون الأثناني
 
مزاره فاس فيه ثم أمره
 

وقيل بل ضعيف ذاك قبره
 
اجعلنا في حماهم يا من مهدهم
 

في الأرض يا رب بجاه جدّهم
 
أعني بذاك سيّد الإرسال
 

محمد الموصوف بالكمال
 
وزوج بنته فاطمة البتول
 

عنه الرضاء بالبكور والأصول
 
/ وقال الحافظ أبو راس في عجائب الأخبار ، والخبر المعرب ، والصواب أنه (ص 71) من أهل البيت من بني محمد النفس الزاكية بشقيق إدريس ه. والصحيح أن سليمان بن عبد الله الكامل لم يأت المغرب لأنه مات بقصة فخ وإنما الذي أتى للمغرب واستقر بتلمسان وخلّف أولاده بها هو ابنه محمد بن سليمان. ه.
ثم ملك وهران تلميذه وخليفته عبد المؤمن بن علي الكومي الزناتي واختلف في نسبه على قولين : فقيل أصله من بني عابد من قبيلة كومة أحد بطون ترارة أهل جبل تاجرا على ثلاثة أميال من مرسى هنين ويقال له أهناي. وقيل

أصله من بني عبس أحد قبائل قيس بن غيلان بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان بالحجاز. وعليه فهو أبو محمد عبد المؤمن بن علي بن يعلا بن مروان ابن نصر بن علي بن عامر بن لمتي بن موسى بن عون الله بن يحيى بن وزجايع ابن صطفور بن نفور بن مطماط بن هودج بن مادغس بن عبس بن قيس بن غيلان ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، قاله في الأنيس المطرب. والصحيح الأول ، وكان أبوه طيانا فخاريا يعمل النافخ فبينما هو في شأن طينه للنافخ إذ جاءته زوجته تبكي قائلة له إن ابني نزل عليه جند نحل فذهب معها إلى أن رآه في تلك الحالة فزم عنه النحل لذلك ثم انصرف ولم يؤذه فقال (ص 72) لعراف ما رأى فقال له أنت طيان من أين يبلغ ابنك الملك ، وتطلّب من / صغره ، ولزم المساجد لدرس القرآن والعلم فقرأ على ابن صاحب الصلاة بتلمسان ، والشيخ عبد السلام التونسي ضجيع الشيخ أبي مدين ، ثم على المهدي فكان من العلماء الجماهر والفقهاء الأكابر وكذا أولاده من بعده. وتصدّا (كذا) لشرح المقامات الحريرية وكان في الحزم والنجدة بالغاية وتعلم الحيل من شيخه المهدي فكان منها في الغاية من جملتها أنه علّم الطائر يقول عند زريبته العز والتمكين للخليفة عبد المؤمن أمير المؤمنين والشبل إذا رآه يبصبص ويسكن إلى أن صار أسدا. فبويع لذلك وقال في ذلك أبو علي :
آنس الشبل ابتهاجا لذا الأسد
 

ورأى شبه إليه لمّا قصد
 
ودعا الطائر بالنصر لكم
 

فقضى حقكم لما قد وفد
 
وأنطق الخالق مخلوقاته
 

بالشهادة فكلهم قد شهد
 
بأنك القائم بالأمر له
 

بعد ما طال على الناس ذا الأمد
 
وكان شاعرا بالغا فمن جملة شعره ما يروى أنه خرج يوما ومعه وزيره أبو جعفر بن عطية للتنزّه ببعض بساتين مراكش فنظر على طاقة دار عالية عليها شبّاك من خشب ، جارية بارعة قد خرجت تنظره فأوقعت به حبّا.
فقال ارتجالا من البسيط :
قدت فؤادي من الشباك إذ نظرت
فقال الوزير :
خذوا بثأري أيا عاشق بالمقلى

فقال عبد المؤمن :
كأنما لحظها في قلب عاشقها
فقال الوزير :
سيف المؤيّد عبد المؤمن بن علي
/ فاستحسنه وخلع عليه. ثم قتله بعد ذلك بغرناطة لنزغة ملوكية. وكان رقيق (ص 73) الطبع والحشاشة وتربي في البادية فاكتسب الرقة وكانت له جارية مولّدة من ولادة العرب تسمى حسناء وكان لها عاشقا وبها مغرما مع ما كان يكابده من تطويل المملكة وإخماد الفتن فقال فيها لما خرج يوما إلى بعض غزواته وودّعها منشدا :
ألا كيف صبري عنك يا غاية المنا
 

ألا إن روحي بعدكم سوف تذهب
 
لقد أورثتني يوم ودّعت حسنها
 

حرارة وجدي والهوى يتلهّب
 
فقلبي حيران لفرط لهيبها
 

وفي الخدّ عين من دموعي تسكب
 
انظر أنيس الغريب والمسافر ، للشيخ مسلم بن عبد القادر. وكان في عصره الشيخ أبا يعزّى الغربي الهسكوري وقد شاهد منه كرامات عند الخليفة عبد المؤمن بن علي فقال لأخيه ما هذا الذي يذكر عن أخيك في مشاركته لله في علم الغيب فقال يا أمير المؤمنين أنت أقدر عليه مني فبعث إليه الأمير فلقيه الرسول بالطريق قادما للأمير فلما وصل سلم عليه ثم قال له يا أمير المؤمنين في نفسك شيء مما قال لك فلان وفلان في يوم كذا في ساعة كذا فهل لا أخبرك أنّ تحت ذلك البساط ألف دينار عيونا قطعتها وقلت في نفسك هل ترجع إلى بيت المال أم لا فقال له الخليفة صدقت وقلت الآن في نفسك أكتب له كتابا بكل ما يريد فأرح الكاتب ووفّر الكاغط. ثم قال حاجتي / إليك أن تمشي معي (ص 74) لتلك الكدية وبها زرع وأحب أن تسقي ذلك الزرع من هذا الوادي فقال ومن يطيق ذلك ثم حرك الشيخ شفتيه فأمر الله المطر حتى شربت الكدية وجرت الأودية في الحين وقال له عرفنا بصدق الغيوب التي تذكر عنك فقال حماري يأكله السبع الليلة فوجّه الخليفة من جعله بين مربط خيله وبات عليه العبيد هنالك فلما أصبح تفقده العبيد فوجدوا الحمار عقيرا والسبع يأكل فيه حتى وقف عليه وضربه بعصاه فخرّ الأسد ميتا فقيل للخليفة ذلك فقال لجلسائة اعتبروا بهذه

القصة فقد ضربها لكم مثلا فكأنه يقول أنا رب الحمار قتله لي الأسد فسلطت عليه وقتلته وأنا عبد ، وربي الله وإن قتلتموني غضب عليّ سيدي فيفعل مثل ذلك أو أشد وقد توفي رحمه‌الله ونفعنا به سنة اثنين وسبعين وخمسمائة (1) عن مائة وثلاثين سنة.
قال ابن رزقون كنت في العلماء الذين جمعهم عبد المؤمن بن علي سنة خمسين من القرن السادس (2) التي أمر فيها بحرق كتب الفروع وقام وزيره أبو جعفر بن عطية وقال بلغ سيدنا أن قوما تركوا الكتاب والسّنّة وصاروا يفتون بفروع لا أصل لها. فمن نظر فيها عاقبته وأنهم عندهم كتاب يقال له المدونة لا يرجعون إلّا إليه ومن العجب قولها بإعادة الصلاة في الوقت مراده بذلك أن (ص 75) يحمل الناس على مذهب ابن حزم الظاهري / قال فحملتني الغيرة وتكلمت بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما صلى أعرابي أمامه قال له صلّ فإنك لم تصلّ كما في البخاري فقال لا أحسن غير هذا فعلّمه ولم يأمره بإعادة ما خرج وقته فقام عبد المؤمن وسكن الحال ولم أر منه بعد هذا إلّا الكراهة ه.
وهو الذي أمر بتكسير الأرض بالمغرب في سنة أربع وخمسين من السادس (3) من برقة إلى واد نون بسوس الأقصا بالفراسخ والأميال طولا وعرضا فأسقط بعد التحقيق الثلث للجبال والأودية والشّعاب والغيّب والسّباخ والطرقات والخراب وقسّط على الثلثين الباقيين الخراج وألزم كلّ قبيلة بقسطها من الزرع والورق والذهب. ثم بنا (كذا) في التي تليها جبل الفتح (4) وحصّنه ونقل من عرب إفريقية للمغرب ألفا من كل قبيلة بأهلهم وهم الذين بالمغربين يقال لهم الحشم سمّوا بذلك لأنهم حشم عبد المؤمن بن علي أي أتباعه الخادمين له الممتزجين الأجناس. وبنا (كذا) مدينة البطحاء بأرض هوارة تلك السنة ودفن بها شيخه وبنا على ضريحه قبّة وبإزائها جامعا وترك بها عشرة من كلّ قبيلة من قبائل
__________________
(1) الموافق 1176 ـ 1177 م.
(2) الموافق 1155 ـ 1156 م.
(3) الموافق 1159 ـ 1160 م.
(4) يقصد مدينة الفتح بجبل طارق.

العرب وبعث خفية لقبيلته وهو بمراكش فأتوه في أربعين ألف فارس كلهم شبّان في أثناء سنة سبع وخمسين من السادس (1) فصيّرهم جندا له في الدرجة الثانية. لأن الدرجة الأولى هي أهل تنمليل ، والثانية كومة ، والثالثة الأتباع ، وأدناهم منه بطانة يركبون وراءه ويقفون على رأسه ويمشون بين يديه وقد تمهدت / له العدوتان (ص 76) وبسط فيهما العدل حتى صارت المرأة تمشي وحدها حاملة معها ما تحبه من سوس الأقصا (كذا) إلى برقة فلا يتعرض لها أحد ولا يكلمها بسوء. وكذا حفيده المنصور في أيامه مثله وقد ابتدأه المرض الذي مات منه في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة (2) بمدينة سلا حال تجهيزه الجيوش للغزو فنزل برباط الفتح وقد اجتمع عليه من القبائل ما يزيد على ثلاثمائة ألف ومن المطاوعة ثمانون ألف فارس ومائة فارس راجل وانتشرت محلته بسلا من موضع يقال له غيولة إلى موضع يقال له عين خميس. فتوفي ليلة الثلاثاء وقت الفجر ثامن جمادى الثانية تلك السنة (3) عن ثلاث أو أربع وستين سنة بعد ما ملك ثلاثا وثلاثين سنة وخمسة أشهر وعشرين يوما فحمل لتنمليل ودفن بجانب قبر شيخه المهدي. وإلى كون الموحدين ملكوا وهران في وسط السادس أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
موحدون أتوا من بعد ذا وعلو
 

استحوذوا عليها في وسط السادس
 
ثم ملكها بعده ابنه يوسف بن عبد المؤمن بن علي الكومي. وكان عالما صالحا منزّها عن سفك الدماء وهو أول من جاز بنفسه من ملوك الموحدين لغزو الأندلس وقيل أبوه قبله ملك بالمغرب من سويقة مطكوك قاصية إفريقية إلى وراء نون بأقصا سوس إلى آخر بلاد القبلة وبالأندلس من تطليت قاصية شرقي الأندلس إلى آخر غربي الأندلس. وهو الذي بنا (كذا) قنطرة تانسيفت سنة ست / (ص 77) وستين (4) منه وكذا القصبة وغيرها وأتى بالماء لإشبيلية من قلعة جابر. كل ذلك
__________________
(1) الموافق 1161 ـ 1162 م.
(2) الموافق 1163 م.
(3) الموافق 14 ماي 1163 م.
(4) الموافق 1171 ـ 1172 م.

تلك السنة. وقام عليه مزدرع الغماري المفتاحي سنة تسع وخمسين من السادس (1) وكتب في سكته مزدرع الغريب ، نصره الله قريب ، فبعث له جيشا فقتلوه وأتوا له برأسه لمراكش. ثم قام عليه بغمارة يوسف بن منفقيد سنة إحدى وستين (2) منه فتحرك له بجيشه في سنة اثنين وستين منه (3) فقتله وحمل رأسه لمراكش. ثم قام عليه بقفصة بإفريقية ابن زيري سنة أربع وسبعين فتحرك له من مراكش في السنة التي بعدها ووصل لإفريقية سنة ست وسبعين منه (4) وضايق ابن زيري ثم ظفر به وقتله وعاد لمراكش فدخلها في السنة السابعة وسبعين منه (5) وبنا (كذا) المعدن الذي ظهر ببليان سنة ثمان وسبعين منه (6). ثم جهز الجيوش للجواز الثاني بالأندلس سنة تسع وسبعين منه (7) ولما حل بسلا أخبر بتمهيد إفريقية ثم رحل لمكناسة ثم لفاس وخرج منه سنة ثمانين من السادس (8) فحل بسبتة وأمر الناس بالجواز فجاز العرب أولا ، ثم زناتة من غير مغراوة ، ثم المصامدة ، ثم مغراوة ، ثم صنهاجة ، ثم أوروبة وسائر البربر ، ثم الموحدون والأغزاز والرمات (كذا) ثم هو في عبيده ودائرته. فنزل بمرسى جبل الفتح. ثم للجزيرة الخضراء ، ثم لقلعة خولان ، ثم لاوكس ، ثم لشريش ، ثم لبنريشة ، ثم (ص 78) لإشبيلية ، / ثم لواد بصر ثم لشنترين فنزل عليها وأدار بها الجيوش وضايقها ثم انتقل لغربها لأمر أراده الله تعالى (كذا) فأنكر المسلمون ذلك وبعد العشاء أمر ابنه أبا إسحاق بالرحيل نهارا لأشبونة ويشن الغارات بجيش الأندلس خاصة فأساء الفهم ورحل ليلا فاتبعه الناس بلا علم من الأمير وبقي في شرذمة قليلة فسمع العدوّ فصك محلته إلى خبائه فمزقوه وقاتلهم بسيفه إلى أن قتل منهم ستة فطعنوه
__________________
(1) الموافق 1163 ـ 1164 م.
(2) الموافق 1165 ـ 1166 م.
(3) الموافق 1178 ـ 1179 م.
(4) الموافق 1180 ـ 1181 م.
(5) الموافق 1181 ـ 1182 م.
(6) الموافق 1182 ـ 1183 م.
(7) الموافق 1183 ـ 1184 م.
(8) الموافق 1184 ـ 1185 م.

طعنات نافذة وقتل من جواريه ثلاثة وحلّ بالأرض فاجتمعت عليه عبيده وباقي جيشه وتراجع المسلمون فدفعوا عنه العدو وهزموه وفتحوا البلد عنوة وقتل من العدو ما يزيد على العشرة آلاف ومن المسلمين جماعة ولاح الأمن للأمير فركب ورحل وضل الناس فاهتدوا بالطبول وساروا لإشبيلية. قال ابن مطروح القيسي في تاريخه فاشتدّ بالأمير ألمه ومات بالطريق قرب الجزيرة قاصدا مراكش يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني سنة ثمانين وخمسمائة (1) عن نحو الست وخمسين سنة بعد ما ملك اثنين وعشرين سنة وشهرا وستة أيام فحمل لتنمليل ودفن بجانب قبر أبيه ، وقيل مات بمراكش. قال اليافعي في تاريخه : وكان يحفظ أحد الصحيحين ، وذكر الحافظ اللواتي الشهير بابن بطوطة الطبخي في رحلته التي اسمها : تحفة النظار ، وغرائب الأمصار ، وعجائب الأسفار ، أنه يحكى أن يوسف بن عبد المؤمن دخل دمشق فمرض بها شديدا مطروحا بالأسواق وبعد برءه ، (كذا) خرج لظاهر دمشق / ليلتمس بستانا يحرسه فاستؤجر لحراسة بستان (ص 79) الملك نور الدين وأقام ستة أشهر وفي أوان الفاكهة جاء السلطان لبستانه وأمر أن يؤتى له برمان يأكله فأوتي به فوجده حامضا وتكرر ذلك فقال له الوكيل أنت في حراسة منذ ستة أشهر ولا تعرف حلوه من حامضه فقال استأجرتني على الحراسة لا على الأكل فأعلم الوكيل الملك بذلك فبعث له وكان الملك رأى في المنام أنه يجتمع به وتحصل له منه فائدة فتفرّس أنه هو وقال له أنت يوسف قال نعم فقام له وعانقه وأجلسه بحانبه واحتمله لمجلسه وأضافه (كذا) بحلال مكتسب من كدّ يمينه لأنه من الصالحين كان ينسج الحصر ويقتات بثمنها فبقي عنده أياما ثم خرج من دمشق فارّا من أوان البرد الشديد فأتى قرية من قراها وبها رجل من الضعفاء فعرضه للنزول ففعل وأتاه بمرقة ودجاجة مطبوخة وخبز شعير فأكل ودعا له. وله جملة أولاد منهم بنت ، آن بناء زوجها بها وعادتهم أن يجهّزها أبوها ومعظم الجهاز أواني النحاس به يتفاخرون ويتبايعون فقال له أعندك النحاس قال بلى إني اشتريته كثيرا لتجهيز البنت فأمره أن يأتيه به فأتاه وقال له استعر من الجيران ما أمكنك ففعل وأحضره وأوقد عليه النار وأخرج صرة فيها الأكسير
__________________
(1) الموافق 23 جويلية 1184 م.

فطرح منه عليه فعاد ذهبا. وتركه في بيت مقفل. وكتب لنور الدين ملك دمشق يعلمه به وينبّهه على بناء مارستان للمرضى الغرباء ويوقف عليه الأوقاف ويبني (ص 80) الزوايا بالطرق ويرضي أرباب النحاس ويعطي لصاحب البيت الكفاية. / وقال في آخر الكتاب إن كان إبراهيم بن أدهم خرج عن ملك خراسان فأنا خرجت عن ملك المغرب وعن هذه الصنعة. وقبره بكرك نوح من بقاع العزيز ببيروت وعليه زاوية يطعم بها الوارد والصادر ووقّف عليه صلاح الدين وقيل نور الدين الأوقاف. وقال اليافعي في تاريخه أن القضية وقعت لابنه المنصور كما ستراه إن شاء الله تعالى (ذا).
ثم ملكها بعده ابنه يعقوب المنصور ، وكان شهما شجاعا محبا للعلماء معظّما لهم مشاركا في كثير من الفنون. وأول ما فعله أخرج مائة ألف دينار ذهبا من بيت المال وفرقها على الضعفاء ، وكتب بتسريح المساجين ورد المظالم وإكرام العلماء والصلحاء ورجوع الأحكام للقضاة وإجراء الإنفاق على أهل الفضل والصلحاء والعلماء وتفريق الأموال على الأجناد وتشحيم الثغور بالخيل والأبطال وغزى إفريقية سنة اثنين وثمانين من السادس (1) فدوّخ وسبا إلى أن أذعنوا له ونقل عربها لمراكش وجاز جوازه الأول لغزو الأندلس سنة ثلاث وثمانين منه (2) فقتل وخرّب لأشبونة وانصرف للعدوة بسبي كثير ما بين النساء والصبيان. ثم ارتحل للأندلس لغزوة الأراك المشهورة سنة إحدى وتسعين منه (3) فأجاز العرب أولا ثم زناتة ثم المصامدة ثم غمارة ثم الموحدين ثم المطاوعة ثم الرماة ثم العبيد ثم هو في أثرهم ومعه العلماء والصلحاء وأهل النجدة والزعامة. فحل بالخضراء وزاد (ص 81) إلى أن بقي بينه وبين الأرك مرحلتان / قدّم على جيشه أبا عبد الله بن صناديد وحصل المصافّ بالأرك فقسم جيشه على نصفين : نصفه في مقابلة العدو ، ونصفه كمينا. واشتدّ القتال ودارت نار الحرب فوقع النصر له وأثخن في العدو
__________________
(1) الموافق 1186 ـ 1187 م.
(2) الموافق 1187 ـ 1188 م.
(3) الموافق 1194 ـ 1195 م.

قتلا وسبيا وانهزم الفنش (1) وفتح الحصن عنوة تلك السنة وكان جملة القتلى ثلاثين ألفا والأسارى (كذا) خمسة آلاف. وجال بالقتل والسبي والتخريب إلى إشبيلية فدخلها وبنا (كذا) جامعها الأعظم ومنارته فكان بين غزوة الزلاقة والأرك مائة واثنا عشر سنة وفتح كثيرا من مدن الأندلس وحصنيه وبنا (كذا) مراكش ورباط الفتح وجامع حسان ومنارته حال جوازه للأندلس ثم رجع لمراكش سنة أربع وتسعين منه (2) وأخذ البيعة لابنه الناصر فبدأه مرض موته ولما اشتدّ به قال ندمت على ثلاث مسائل وهي إدخالي عرب إفريقية للمغرب وهم أهل فساد ، وبنائي رباط الفتح وهو بعيد لا يعمر ، وإطلاقي أسارى الأرك ولا بد لهم من طلب الثأر ، وتوفي رحمه‌الله بعد صلاة العشاء من ليلة الجمعة ثاني عشرين من ربيع الأول سنة خمس وتسعين وخمسمائة (3) بقصبة مراكش وحمل لتنمليل فدفن بها وهو ابن أربعين سنة بعد ما ملك أربعة عشر سنة وإحدى عشر شهرا وأربعة أيام. قال أبو الفدا صاحب حماة وكان يتظاهر بمذهب الظاهرية وأعرض عن مذهب مالك. قال اليافعي في تاريخه ويحكى أنه زهد في الملك وساح إلى أن مات بالشام لأني سمعت ممن لا أشك فيه أن جمعا من شيوخ / المغاربة تذاكروا (ص 82) رسالة القشيري وما فيها من مشايخ المشارقة ومناقبهم فرأوا معارضته برسالة فيها مناقب شيوخ المغاربة ثم تذاكروا أن في القشيرية من زهد في الملك من المشارقة وهو ابن أدهم فلم يجدوا ذلك في شيوخ المغرب وقالوا لا يتم إلّا بذكر ملك زهد في الملك فجاء الشيخ الكبير أبو إبراهيم إلى يعقوب المنصور فسرّ به وأعطاه جوهرا نفيسا فالتفت الشيخ أبو إبراهيم إلى شجرة هناك ونظرها فإذا هي حاملة جوهرا يدهش منه العقول فعلم السلطان ما أكرم الله به أولياءه غنى صارت ملوك الدنيا بين أيديهم كالخدم ، وملكهم
حقير كالعدم ، فعندها أحقر يعقوب الملك وزهد فيه وصار من أكابر الأولياء. قال الحافظ أبو راس في عجائب الأخبار ، وما يقال أنه ساح في الأرض وترك الملك زهدا ووصل إلى الشام وقبره
__________________
(1) يقصد الفونسو قائد النصارى الإسبان.
(2) الموافق 1197 ـ 1198 م.
(3) الموافق 12 جانفي 1199 م.

به كما هو الشائع عند العوام لا أصل له. زاد اليفريني في نزعته أنه لم يسح ولا حمام له وأنه لم يزهد ، وليس بمولاي وإنما ذلك كله خرافات ه.
ثم قال الحافظ أبو راس في الخبر المعرب ، كان ابن زهر الطبيب الماهر بمراكش عند يعقوب المنصور فتشوّق وأهله بإشبيلية فسمعه يقول هذه الأبيات الثلاثة :
ولي واحد مثل فرخ القطات
 

صغير تخلّفت قلبي لديه
 
وأفردتّ عنه فيا وحشتي
 

لذاك الشخيص وذاك الوجيه
 
تشوّقني وتشوّقته
 

فيبكي عليّ وأبكي عليه
 
(ص 83) / قال فأرسل المنصور المهندسين لإشبيلية وأمرهم أن يحيطوا علما ببيوت ابن زهر وحارته ثم يبنوا مثلها بمراكش فذهبوا وانقلبوا لمراكش وفعلوا ما رأوا في أقرب مدة ثم أمر بنقل عيال ابن زهر وكل ما يتعلّق به بعد ما فرش المهندسون البيوت بمثل فرشه ووضعوا فيها آلة مثل آلته ثم جاء ابن زهر فرأى دارا أشبه بداره فتحير وظن أنه نام ، وتلك أضغاث أحلام ثم رأى ولده الذي تشوق له يلعب في البيت ورأى أهله جالسين فسرّ سرورا عظيما وهو القائل لما شاب رحمه‌الله تعالى (كذا) :
كانت سليمى تنادي يا أخيّ وقد
 

صارت سليمى تنادي اليوم يا أبانا
 
وهو مثل قول الأخطل في المعنى حيث قال :
وإذا دعونك عمّهنّ فإنه
 

نسب يزيدك عندهنّ خبالا
 
وإذا دعونك يا أخيّ فإنه
 

أدنى وأقرب خلّة ووصالا
 
ولما أراد المنصور أن يحمل الناس على مذهب ابن حزم الظاهري وسمع المواق ذلك جمع من كتب ابن حزم مسائل كثيرة انتقدت عليه وأراها للمنصور فلما قرأها قال أعوذ بالله أن أحمل أمة محمد على هذا وثنا (كذا) عليه وليس هو المواق شارح مختصر الشيخ خليل لأن الشارح متأخر عن هذا بنحو ثلاثمائة سنة ه.

قائمة ملوك الموحدين
واعلم أن ملوك الموحدين ما بين المغرب وإفريقية وبجاية والمهدية مع طرابلس سبعة وأربعون ملكا :
فبالمغرب أربعة عشر ملكا : أولهم شيخهم المهدي بن تومرت ، ثم عبد المؤمن بن علي الكومي العابدي ، ثم ابنه يوسف العسري ، ثم ابنه المجاهد يعقوب المنصور صاحب قصة الأرك ، ثم ابنه محمد الناصر وهو صاحب / غزوة العقاب التي حصد فيها شوكة المسلمين سنة تسع من السابع (1) (ص 84) فكانت مشومة على المسلمين عامة وعلى أهل الأندلس خاصة وهو أنه غزاها في جيش كالجراد المنتشر فأدركه الإعجاب من ذلك وحل به الانتقام فكانت الدائرة عليه. ثم ابنه يوسف المستنصر وفي وقته سنة ثلاثة عشر من السابع (2) ظهر أمر عبد الحق المريني وبظهوره دخل دولتهم الهرم ، ثم عمه عبد الواحد المخلوع بإجماع الدولة على توليته وخلع بعد تسعة أشهر وقتل خنقا وانتهبت أمواله وسبي حريمه وهتك ستره فهو أول من خلع وقتل من الموحدين وصار الموحدون كالأتراك لبني العباس. ثم ابن أخيه عبد الله العادل بن يعقوب المنصور وقد بويع أولا بمرسيّة من الأندلس في نصف صفر سنة إحدى وعشرين وستمائة (3) وبويع ثانيا بمراكش يوم الأحد ثاني عشرين شعبان تلك السنة (4) وتوقف عن بيعته بلنسية وشاطبة ودانية والحفصيون عمال إفريقية. وفي أيامه كانت الواقعة الشنيعة بين المسلمين والفرنج على طليطلة (5) بالأندلس انهزم فيها المسلمون هزيمة قبيحة وهي التي هدمت دعائم الإسلام بالأندلس فسأل منه الموحدون أن يخلع نفسه فأبى وقال لا أموت إلّا أميرا فخلعوه ثم جعلوا عمامته في عنقه وشنقوه بها ورأسه في الخاصّة إلى أن مات يوم الثلاثاء حادي عشرين شوال سنة أربع وعشرين من
__________________
(1) الموافق 1212 ـ 1213 م.
(2) الموافق 1216 ـ 1217 م.
(3) الموافق 7 مارس 1224 م.
(4) الموافق 8 سبتمبر 1224 م.
(5) ضيع المسلمون طليطلة عام 1085 م.

السابع (1) ونهب المصموديون قصره واستباحوا حريمه ، ثم يحيى بن محمد (ص 85) الناصر باتفاق الموحدين على بيعته وخالفهم عرب / الخلط وهسكورة وقام عليه بإشبيلية إدريس المأمون بن يعقوب المنصور وثارت عليه جماعة من أهل مراكش وانضم إليهم العرب ووثبوا عليه بمراكش فهرب للجبل ثم زاد العرب المعقل بفج عبد الله من رباط تازة فغدروا به وقتلوه وكانت مدته بأسرها مزاحمة للمأمون وولده الرشيد. ثم إدريس المأمون بن يعقوب المنصور بإشبيلية وكان فصيح اللسان فقيها حافظا للحديث ضابطا للراوية عارفا بالقراءة حسن الصوت والتلاوة إماما في اللغة والعربية والأدب وأيام العرب كاتبا مداوما على البخاري وسنن أبي داوود عالما بأمور الدين والدنيا شهما حازما شجاعا مهابا سفاكا للدماء لا يتقيها طرفة عين شاعرا ، فمن شعره متمثلا :
تكاثرت الظبا على خدّاش
 

فلم يدر خدّاش ما يصيد
 
وأطاعته العدوتان وخرج عليه المتوكل بن هود شرقي الأندلس واستولى على الأندلس ففارقها المأمون وجاز لمراكش فاستقرّ بها وتتبع الخارجين على من قبله من الخلفاء فقتلهم عن آخرهم وهم أربعة آلاف وستمائة وجزّ رؤوسهم وعلّقها بمراكش وكان زمان الصيف فنتنت المدينة وتضرر الناس بالرائحة فرفعوا أمرهم إليه فقال تلك رائحة طيبة للمحبّين وكريهة للمبغضين وأنشد يقول :
أهل الحرابة والفساد من الورى
 

يعزون في التشبيه للذكّار
 
ففساده فيه الصلاح لغيره
 

بالقطع والتعليق بالأشجار
 
(ص 86) / من رآهم ذكرى إذا ما أبصروا
 

فوق الجذوع وفي ذروى الأسوار
 
وكذا القصاص حياة أرباب النّهى
 

والعدل مألوف بكل الجوار
 
لو عمّ حلم الله سائر خلقه
 

ما كان أكثرهم من أهل النّار
 
ولكثرة سفكه للدماء سموه حجاج المغرب وأمر بإسقاط اسم مهديهم من الخطبة وإزالته من السكة المربعة وقال لا مهدي إلّا عيسى وعمل فيه رسالة وكان خطيبا فأفصح بتكذيبه وضلاله فيها. وثار عليه أخوه بسبتة فسار إليه وحاصره بها
__________________
(1) الموافق 4 أكتوبر 1227 م.

ثم لحقه الخبر بأن البعض من أولاد الناصر دخل مراكش فرجع إليه من سبتة ومات بالطريق مفقوعا بوادي العبيد. وفي أيامه سنة سبع وعشرين من السابع (1) كان ابتداء أمر بني عبد الوادي.
ثم ابنه عبد الواحد بن إدريس المأمون الملقب بالرشيد وتقاتل مع يحيى وهو ابن أربعة عشر سنة فهزم يحيى بجيشه واستقر بملكه وهرب يحيى لرباط تازة فغدر به عرب المعقل وقتلوه وأتوا برأسه وبقي بملكه بمراكش إلى أن قتل غريقا في سهريج (كذا) بستان له وكان حسن السياسة وأعاد اسم مهديهم في السكة والخطبة وقمع العرب لكنه لما استقر أمره تخلى للذّات فلم يخطب له بالمغرب الأوسط وإفريقية.
ثم أخوه أبو الحسن علي المعتضد ويقال له السعيد بن إدريس المأمون وكان بطلا (كذا) شجاعا مهابا له إقدام في الحروب والنجدة فاق بها سلفه وهو الذي حرك / على يغمراسن بن زيان بتلمسان وحاصره بقلعة تمزريغت الغربية ببني (ص 87) ورنيد قرب تلمسان وقبلة وجدة إلى أن قتله يغمراسن بها بالجبل وعمل له جنازة الملوك ودفنه بالعبّاد.
ثم أبو حفص عمر بن أبي إبراهيم إسحاق بن يوسف بن عبد المؤمن ابن علي ، قال بعضهم ، بويع له بمراكش يوم الأربعاء غرّة ربيع الأول سنة ست وأربعين من السابع (2) قال ابن رشيق في تاريخه المسمى بميزان العقل ، هذا وهم فإن السعيد توفي يوم الثلاثاء منسلخ صفر ولا يمكن أن يصل الخبر بموته من تلمسان إلى مراكش في ليلة واحدة والصحيح أن بين موت السعيد وبيعة أبي حفص المرتضى مهلة نحو العشرة أيام ه. وفي أبي الفدا أن بيعة المرتضى في ربيع الأخير وبه ظهر الوهم الذي قال عليه ابن رشيق لما ردّ على غيره فاستقام له الأمر من سلا لسوس الأقصا وغزا (كذا) فاسا سنة ثلاث وخمسين وستمائة (3) فانهزم وأخذ أبو يحيى المريني محلته ودخل مرّاكش في فلّه إلى سنة
__________________
(1) الموافق 1229 ـ 1230 م.
(2) الموافق 24 جوان 1248 م.
(3) الموافق 1255 ـ 1256 م.

خمسة وخمسين وستمائة حادي أو ثاني عشرين المحرم (1) دخل عليه القائم أبو دابوس الموحدي مراكش فهرب المرتضى إلى أزمّور فقبض عليه عامله وبعثه لأبي دابوس فقتله بكتامة على ثلاثة أيام من مراكش.
ثم أبو العلا الواثق أبو دابوس بن أبي حفص بن عبد المؤمن بن علي ، وكان بطلا شجاعا داهية مقداما في الحروب دخل مراكش غدرا على المرتضى وبايعه بها كافة الموحدين وغيرهم ثم وقعت بينه وبين المريني أبي يوسف حروب (ص 88) قتل ببعضها / وبه انقطع ملك بني عبد المؤمن وانقرضت دولة الموحدين من المغرب الأقصا واستقامت دولة المرينيين به ومن المغرب الأوسط واستقامت دولة الزيانيين به.
وبإفريقية (2) تسعة وعشرون ملكا ، أولهم أبو حفص عمر بن يحيى صاحب المهدي بن محمد بن واندين بن علية بن أحمد بن والّال بن إدريس بن خالد ابن اليسع بن إلياس بن عمر بن وافتن بن محمد بن لجبة بن كعب بن محمد ابن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه. قاله الشيخ أحمد بن الشمّاع في تاريخه ودولتهم تسمى بالحفصية. ثم ابنه أبو محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص صاحب المهدي. ثم أبو العلا بن عبد المؤمن بن علي ، ثم عبد الله بن عبد الواحد الحفصي واتسع ملكه إلى أن ملك إفريقية وبجاية وسائر المغرب الأوسط وتلمسان ووهران وبلد الجريد والزاب ، وتوفي ببونة سنة سبع وستين من السابع (3). وقد أنشأ بتونس بنيانا شاهقا. ثم ابنه أبو عبد الله محمد بن أبي زكرياء وسعى عمه أبو إبراهيم في خلعه وبايع لأخيه محمد اللحياني الزاهد على كره منه فجمع له أبو عبد الله محمد بن أبي زكرياء المخلوع أصحابه وشدّ على عمّيه فقهرهما وقتلهما واستقل بملكه وتلقب بالمنتصر وفي أيامه سنة ثمان وستين من السابع (4) وصل الفرنسيس لإفريقية بجموعه وأشرفت إفريقية على الذهاب لو لا أن الله منّ عليهم بموت أمير
__________________
(1) الموافق 8 أو 9 فيفري 1256 م.
(2) يقصد بلاد تونس وملوك بني حفص بها.
(3) الموافق 1268 ـ 1269 م.
(4) الموافق 1269 ـ 1270 م.

الفرنسيس الحارك (1) وتفرقت الجموع. ثم ابنه يحيى بن محمد وتلقب / بالواثق. ثم خلعه عمه أبو إسحاق إبراهيم وخطب لنفسه وتلقب بالمجاهد وترك (ص 89) زىّ الحفصيين وتزيّ بزّي زناتة واشتغل بالشرب وفرّق الملك على أولاده وذبح الواثق المخلوع وولديه الفضل والطيب وسلم له ابن صغير يقال له أبو عصيدة ثم قام عليه شخص من بجاية يقال له أحمد بن مرزوق بن أبي عمارة وادعى أنه الفضل المذبوح ابن الواثق لشبهه به فقيل له الداعي واجتمعت عليه أناس وقصد أبا إسحاق إبراهيم فهرب به لبجاية عند ابنه أبي فارس عبد العزيز بن إبراهيم وهو أمير بها فتركه ابنه أبو فارس بها وذب بإخوته وجمعه للداعي بتونس فانهزم جيشه بعد الالتقاء وقتل هو وإخوته ثلاثة ونجا الرّابع وهو أخوه الصغير يحيى ابن إبراهيم وعمه أبو حفص عمر بن زكرياء ، ثم أرسل الداعي لبجاية من قتل أبا إسحاق وأتى له برأسه وتحدّث الناس بالداعي. ثم اجتمعت العرب على عمر بن أبي زكرياء بعد هروبه من المعركة وقوي أمره وقصد الداعي ثانيا فأثخن فيه واستتر في بعض دور التجار ثم أحضر واعترف بنفسه وضربت عنقه. ولما قتل أبو حفص الداعيّ استقرّ في ملكه وتلقب بالمستنصر فسار ابن أخيه يحيى السالم من المعركة لبجاية وملكها وتلقب بالمنتخب ولما اشتدّ مرض المستنصر بايع لابنه الصغير فأتته الفقهاء وقالوا له أنت صائر لعفو الله وتولية مثل هذا لا يحلّ فأبطله.
ثم أبو عصيدة ولد الواثق المخلوع / وتلقب بالمستنصر أيضا وكنّي بأبي (ص 90) عصيدة لعمل أمه في نفاسها به العصيدة وإهدائها للجيران. وفي أيامه توفي صاحب بجاية المنتخب وملك بجاية ابنه خالد. ثم أبو بكر عبد الرحمن بن أبي زكرياء عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص. ثم خالد بن المنتخب صاحب بجاية بعد قتله لأبي بكر المذكور. ثم زكرياء اللحياني جاء من مصر مع عساكر الناصر لطرابلس فبايعته العرب وزاد لتونس فخلع خالدا وحبسه وقتله قصاصا بأبي بكر بن عبد الرحمن واستقرّ بإفريقية وهو أبو يحيى زكرياء بن أحمد ابن محمد الزاهد اللحياني بن عبد الواحد بن أبي حفص. ثم أبو بكر بن يحيى المنتخب أخو خالد قتيل زكرياء اللحياني فهرب منه اللحياني لمصر وأقام
__________________
(1) يقصد به لويس التاسع الذي غزا تونس عام 1270 وتوفي بها وخابت حملته.

بالإسكندرية وملك أبو بكر ما عدا المهدية وطرابلس فقام عليه محمد بن اللحياني بعد هروب أبيه لمصر وقتل معه فهزمه أبو بكر واستقل ابن اللحياني بما بيده من المهدية وطرابلس. ثم اجتمعت الناس على طاعة محمد بن أبي بكر الحفصي صهر زكرياء اللحياني وبايعوه لما ضعف أبو بكر وهرب باستيلاء العرب ولكون ابن أبي بكر كان نائبا على اللحياني فلذلك بويع له وكاتبوا اللحياني على القدوم فأبى. هذا مفاد ما في تاريخ أبي الفداء.
وقال ابن أبي دينار في المؤنس في أخبار إفريقية وتونس :
ثم أبو ضربة بن محمد اللحياني ، ثم ابنه أبو حفص وبقي إلى أن مات فملك أبو الحسن المريني ، ثم الفضل الحفصي ، ثم إبراهيم ، ثم خالد ، ثم أبو العباس أحمد ، ثم ابنه أبو فارس عبد العزيز الذي قال فيه ابن عرفة أنه في (ص 91) العدالة مثل عمر بن عبد العزيز الأموي بحسب الزمان ومات / بوانسريس بسبب دعاء الشيخ محمد الهواري عليه كما مرّ ، ثم ابنه عبد الله المنتصر ، ثم ابنه أبو عمر عثمان ، ثم حفيده أبو زكرياء يحيى بن عبد الله محمد المسعود ، ثم أبو عبد الله محمد بن أبي محمد الحسن ابن أبي عبد الله محمد المسعود ، ثم أبو محمد الحسن بن محمد الحسن بن المسعود وبه ختام بني أبي حفص ومن أتى بعده فهو اسم لا رسم. ثم أحمد ابن أبي محمد بن الحسن بن أبي عبد الله محمد بن أبي محمد الحسن ابن أبي عبد الله محمد المسعود ، ثم محمد ابن الحسن وهو خاتمة بني أبي حفص وبانقراضه انقرضت أيامهم.
وببجاية ثلاثة : أولهم أبو فارس عبد العزيز بن إبراهيم ، ثم يحيى المنتخب ، ثم ابنه خالد. وبالمهدية مع طرابلس واحد : وهو محمد بن اللحياني فهؤلاء السبعة والأربعون الموحدين.
قال الحافظ أبو راس في عجائب الأخبار : ولا زالت إفريقية بيد الحفصيين واحدا بعد واحد إلى أن أخذها منهم الأتراك سنة إحدى وثمانين وتسعمائة (1) فمدّتهم بإفريقية ثلاثمائة وثمانون سنة إلّا ما تخلل ذلك من الداعي بن أبي عمارة ونحوه من الذين لا حكم له. والملك لله وحده يورثه من يشاء من عباده.
__________________
(1) الموافق 1574 م.

الدولة الخامسة الزيانيون
ثم ملك وهران ، الدولة الخامسة ، وهم الزيانيون ويقال لهم بنو زيان والعبد الواديون يوم وبنو عبد الوادي.
فتسميتهم بالزيانيين نسبة لجدهم لأبيهم زيان بن ثابت بن محمد بن زيدان ابن يندوكس / بن طاع الله بن علي بن يمل بن يزوجن بن القاسم بن محمد (ص 92) ابن عبد الله بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه. وتسميتهم ببني عبد الواد نسبة لجدهم لأمهم عبد الوادي ابن يادين بن محمد بن رزجيك ابن واسين كما في ابن خلدون وغيره. قال صاحب بغية الرواد : وعبد الواد أصله عابد الوادي رهبانية عرف بها جدهم من ولد سجيع بن واسين بن يصليتن ابن مسرى بن زاكيا بن رسيح بن مادغس الأبتر بن قيس بن غيلان بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. قال التّنسي في نظم الدرر والعقيان في شرف بني زيان ، والقاسم جد أمير المؤمنين المتوكل ، اتفق النّسابون على أنه من ولد عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. ولكن اختلف في طريق اتصاله به. فقيل إنه القاسم بن محمد بن عبد الله بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل. قال صاحب بغية الرواد : وهذا القول من أشهرهم. وقيل إنه القاسم بن محمد ابن أحمد بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، وهو الذي صحّحه صاحب ترجمان العبر حيث قال : إنه القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، واحتجّ على ذلك بأن القاسم هو الذي كان بتلمسان فلمّا غلب

عليه العبيديون دخل لبني عبد الوادي القاطنين بصحراء تلمسان فأصهر فيهم وعقب عقبا مباركا فشا فيهم حتى زاد عليهم بخلاف أعقاب الأدارسة فإنهم كانوا (ص 93) يلتقون بغمارة الريف. / وخالفه في ذلك بغية الرواد بقوله إنه لما قتل المنصور بن أبي عامر المعافري الحسن بن أبي كانون آخر ملوك الأدارسة بالمغرب افترقت الأدارسة في البلاد. فكان القاسم بن محمد بن عبد الله بن إدريس ممّن توجه إلى الصحراء فانضاف إلى بني عبد الوادي فأكرموا نزوله وعظموا قدره وحكّموه بينهم فتزوّج فيهم وأنسل نسلا كثيرا والله أعلم بحقيقة الأمر. فبان لك بهذا أن القاسم من ولد عبد الله الكامل بلا خلاف وإنما الخلاف هل هو من ولد إدريس ابن عبد الله أو من ولد أخيه سليمان بن عبد الله. وسليمان هو الذي ملك المغرب الأوسط ، وإدريس هو الذي ملك المغرب الأقصا (كذا) ه. قال الحافظ أبو راس في تواريخه : والقول بأن سليمان بن عبد الله الكامل هو الذي جاء للمغرب غير صحيح والصحيح أن الذي جاء له هو ابنه محمد بن سليمان وهو الذي ملك المغرب الأوسط ، ووهم التنسي في قوله دخلها سليمان وملكه أهل تلمسان عليهم لأن سليمان استشهد بوقعة فخ التي قتل فيها جعفر بن يحيى البرموكي (كذا) بأمر الرشيد. الأشراف وقبورهم مشهورة بين التنعيم ومكة المشرّفة مع ضريح ابن عمر رضي‌الله‌عنهم. ومن أولاد سيدي محمد هذا بنو العيش ملوك رشقون ، وبنو إبراهيم ملوك أتنس. وإلى إبراهيم هذا ينسب السوق الذي هو غربي العروسي حيث مكب واد أسلي في شلف. ومنهم حمزة وأخوه علي ملوك الأبيرة (1) بإزاء جرجرة جبل زواوة وبحمزة سميت تلك الأراضي إلى الآن ه.
(ص 94) قال صاحب بغية الرواد : فبنو القاسم هذا هم / الذين حازوا الشرف وكرم الأبوة وفخر الملك القديم والحادث (كذا). ولا يسمح للطّعن في هذا النسب الكريم لأنه من الشهرة بالآفاق والفشو في القبائل والأجداد في الغاية بحيث لا يحجبه بعد دار ولا يجحده عدو ولا بار ، وفي المشهور من مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي‌الله‌عنه ثبوت النسب بمجرد الشهادة من غير معرفة أحوالها. وحكى الباجي في منتقاه وغيره من المتأخرين أن شهادة السماع
__________________
(1) يقصد مدينة البويرة شرق مدينة الجزائر ، التي تدعى ببرج حمزة كذلك.

الفاشي المتواتر تفيد العلم إجماعا. وقال ابن القاسم يقطع بالنسب وإن لم يعلم الأصل ، وقال بعض قضاة المتكلمين خبر الواحد إذا اختفت به القرائن أفاد العلم. فإن روعي في إثبات هذا النسب الشريف الشهادة ، فلا شهادة أعدل من قبل الأصل المشتمل على مشيب وشبان رؤساء ومرؤسين رجال ونساء من بني عبد الوادي كرام القوم وعيانهم يعرفون أصلهم ويدينون بصحبة منتماهم الهاشمي. وإن اكتفي فيه بالسماع الفاشي فأمره في المشارق والمغارب مشهور في لسان الوالي والصدوق والعدو شأنهم معترف به. وأخبرت بحضرة تلمسان دار أولهم وآخرهم عرفان الشمس المعروفة ، فهو إذا أظهر من أن يخفى وأوضح من أن يجحد.
وهل يبقى على الأذهان شيء
 

إذا احتاج النهار إلى دليل
 
وقال ابن خلدون : كان يغمراسن بن زيان يرفع نسبه إلى إدريس ثم يقول إن كان هذا صحيحا نفعنا في الآخرة وأما الدنيا فنلناها بأسيافنا ه.
وقد ألّف / الحافظ التنسي في شرفهم كتابا سماه : نظم الدرر والعقيان ، في (ص 95) شرف بني زيان. وكذا الحافظ أبو راس كتابا سماه : العجالة. وذكر شرفهم صاحب بغية الرواد ، وأثمد الأبصار ، وجواهر الأسرار ، وغيرهم من الأئمة. وسبب مصير الملك إليهم أن بني عبد المؤمن لما ضعف أمرهم بما بينهم من الفرقة تطاول بنو عبد الوادي إلى الاستيلاء على قطر تلمسان لقربهم منها فجاسوا خلالها وأوجفوا عليها بالخيل والركاب واحتاز كل منهم جانبا من القطر وأمّن أهله على خراج يؤديه إليه كل سنة ، وأمرهم إلى كبيرهم جابر بن يوسف بن عم زيان والد يغمراسن بن زيان وكان وإلى تلمسان أبو سعيد عثمان بن يعقوب المنصور لأخيه المأمون إدريس بن المنصور فاحتال على جماعة من رؤسائهم بإغراء الحسن بن حيون فأخذهم واعتقلهم بدار الريح من القصر القديم وبعد مدة شفع فيهم إبراهيم بن إسماعيل بن غيلان اللمتوني فردّت شفاعته فأنف وجمع قومه وهجم عليهم وسرحهم وقتل الحسن بن حيّون واعتقل الأمير أبا سعيد موضعهم وخلع طاعة المومنية (1) وتطاول لإحياء اللمتونية وسولت له نفسه أنه لا يتأتى له إلّا
__________________
(1) يقصد طاعة بني عبد المؤمن الموحدين.

إذا قطع كبار عبد الوادي فبعث إلى جابر وكبراء قومه لحضور وليمة فأتوه فخرج إليهم في ثمانية من أصحابه وقد بلغهم الخبر فقبضوا عليه وأصحابه وأوثقوهم ودخلوا البلد بدعوة المأمون فجاء جابر دار الإمارة وضبط أمرها وبعث إلى (ص 96) المأمون بالخطبة والسكة فقنع منه لقعود / الشيخوخة به عن النهوض.
فأول من ملك منهم جابر بن يوسف ونزع الملك من بني عبد المؤمن واستخلص تلمسان من يد عمّال إفريقيا (1) فملك تلمسان ووهران واستولى عليهما وعلى أحوازهما وعلى كافة بني راشد وبني عبد الواد وحواضر ذلك القطر سوى ندرومة فزحف لحصارها فهلك هناك بسهم أصابه من داخلها من يد يوسف الغفاري التلمساني. ثم ملكها ابنه الحسن بن جابر وخلع نفسه لما كبر سنّه لعمّه عثمان ثم ملكها عثمان بن يوسف وكان فظا غليظا فأساء السيرة وضيّع الملك فأخرج من تلمسان. ثم اتفق بنو عبد الوادي على تقديم أبي يعزّ زيدان بن زيان فاستولى عليها وأعمالها فنكث عنه بنو مطهر بمظاهرة بني راشد فكانت بينه وبينهم حروب سجال قتل في بعضها وبموته انقطعت دولة بني عبد المؤمن من تلمسان وقطرها وعلا صيت بني زيان فهؤلاء الأربعة تولوا لا استقلالا. ثم ملك استقلالا أبو يحيى يغمراسن بن زيان وهو في الحقيقة أول ملوكهم والذين قبله كانت لهم المشيخة ، واسمه يحيى ولقبه يغمراسن ومعناه بلغتهم كثير المرق لقب بذلك لكثرة جوده ، نصّ عليه الحافظ أبو راس في كتاب الحاوي. وكان ابتداء ملكه يوم الأحد رابع عشرين ذي القعدة الحرام سنة سبع وعشرين من (ص 97) السابع (2) / في أيام الرشيد عبد الواحد بن إدريس المأمون ونازعه بنو مظهر وبنو راشد فأظهره الله عليهم وبعث له الرشيد المؤمني هدية عظيمة راجيا منه الخطبة والسكة فأبى وظهرت العداوة بينهما وهمّ الرشيد بالنهوض له فعاجلته المنية وهو أول من خلط البادية زي الملوك وأظهر قبيلة لباس الشريعة وتعرض لهدية أبي زكرياء الحفصي الهنتاتي التي بعثها من إفريقية للسعيد المؤمني وأخذها فنظر للسعيد فلم يظهر منه شيء فاستقلّ بنفسه وجهّز الجيوش لتلمسان فنازلها
__________________
(1) يقصد عمال تونس أو المغرب الأدنى.
(2) الموافق 4 أكتوبر 1230 م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

بناء شخصية  الأطفال   ...