الأربعاء، 7 مارس 2018







بسم الله الرّحمن الرّحيم
كلمة شكر وتقدير
إن كتاب طلوع سعد السعود الذي نقدمه اليوم للقراء ، عبارة عن موسوعة كبيرة تاريخية ، وثقافية وجغرافية ، واجتماعية ، لعدد من بلدان العالم القديم على مستوى قاراته الأربعة : إفريقيا ، وأوروبا ، وآسيا ، وأوقيانيا.
فقد توسّع مؤلفه الآغا إسماعيل بن عودة المزاري في التأريخ لمدينة وهران ، والجزائر ، والغرب الوهراني ، وإسبانيا ، وفرانسا ، والأتراك العثمانيين ، من غابر العصور إلى عهده عام 1890 م. فأرخ لسير أجيال من العلماء ، والأولياء ، والأمراء ، والسلاطين ، والملوك ، والخلفاء. وأسهب في الحديث عن النظام الإداري للأتراك في بلادهم ، وفي الجزائر ، وبلدان المغرب ، وعن قبائل المخزن في الغرب الوهراني ، مع تتبع أصولها ، وفروعها ، وأدوارها السياسية والعسكرية خلال عهد الأتراك ، وقبلهم ، وبعدهم إلى عهده هو. وسلك طريق وأسلوب ابن خلدون في وضع شجرات الأنساب لها.
كما أسهب في التأريخ لأجناس أوروبا ، وسكان إسبانيا ، وفرنسا ، وأقاليم الأرض الجغرافية ، والجزر ، والأودية ، والأنهار ، والخلجان ، والمدن ، والموانىء ، وفي التأريخ لملوك اسبانيا الكاثوليكية الحديثة ، وملوك فرنسا من غابر الأزمان إلى نهاية القرن التاسع عشر.

وتوسع في الحديث عن أصل جنس الأتراك في آسيا. ونزوحهم إلى آسيا الصغرى وتكوينهم لدولتهم ، واستعرض ملوكهم وسلاطينهم جميعا إلى عهده أواخر القرن 19 م. كما توسع في التأريخ لبايليك الغرب الوهراني ، وباياته ،


وصراعهم ضد الوجود الإسباني في وهران والمرسى الكبير ، واستعرض الحكام الأتراك في الجزائر. وتفرغ بعد ذلك لاستعراض مقاومة الأمير عبد القادر بتوسع ، وقدم لنا قراءة جديدة لها سوف تسمح بأعادة النظر في فهم وتفسير الكثير من أحداثها. خاصة مواقف قبائل المخزن من الأمير عبد القادر ، ومواقفه هو منها.
وأوجز في التاريخ للأندلس الإسلامية ، وأورد قوائم للخلفاء الأمويين في الشرق ، والأندلس ، والخلفاء الفاطميين ، وسلاطين المرابطين ، والموحدين ، والزيانيين ، والمرينيين ، والسعديين ، في الجزائر ، والمغرب الأقصى ، وتتبع غارات الإسبان والفرنسيين ، على الجزائر وتونس ، في العصر الحديث ، وتحدث عن الحروب الصليبية خلال حديثه عن ملوك فرنسا.
وخلال كل هذا ، تحدث المؤلف على قضايا كثيرة ، تاريخية ، وفكرية وأدبية ، وثقافية ، واعتمد على مصادر كثيرة نثرية ، وشعرية ، مخطوطة ، ومطبوعة. مما أضفى على المخطوط القيمة العلمية المطلوبة. وهذا بغض النظر على أسلوب السجع الممل الذي اتبعه ، وركاكة اللغة في بعض الأحيان.
وإخراج هذا المخطوط إلى حيز الساحة الثقافية بعد مضي قرن كامل على تأليفه ، يدخل في إطار إحياء التراث الفكري بمفهومه الواسع للبلدان المغاربية أساسا ، والإسلامية بصفة عامة.
وهذا ما تقوم به مؤسسة : دار الغرب الإسلامي بقيادة رئيسها الفاضل السيد الحبيب اللمسي ، الحريص على أن يكون المثل والنموذج لعملية الإحياء هذه ، التي بدأها منذ عدة سنوات ، وأخرج إلى الساحة الثقافية تراثا حضاريا هاما ومتنوعا : في العلوم ، والآداب ، والتاريخ ، والسير ، واللغة ، والدين ، وغيرها ، وزوّد المكتبات العربية والعالمية بنصيب وافر ، من أمهات الكتب ، ونفائس المخطوطات ، وقدم للأجيال الصاعدة جهود الأجداد الضخم الذي شاركوا به في خدمة العلم ، والفكر ، والثقافة العربية الإسلامية ، والإنسانية العالمية.
وما إقدام هذه الدار ، ورئيسها الفاضل ، على طبع هذا المخطوط ، ونشره ، إلا دليل آخر على مدى الجهد الذي يبذله في هذا الميدان.

هذا وقد أدخلنا تحويرا جزئيا على اسم المخطوط في ظهر الغلاف الخارجي فقط ، ليكون أكثر دلالة على محتواه ، وهو «طلوع سعد السعود ، أو تاريخ وهران ، والجزائر ، وإسبانيا ، وفرنسا ، من غابر الأزمان إلى نهاية القرن 19 م».
فإلى الأخ الفاضل السيد الحبيب اللمسي ، وإلى داره العامرة : دار الغرب الإسلامي ، نقدم كل التحية ، والشكر ، والتقدير ، والسلام.
والله الموفق
وهران ـ حي جمال الجمعة
25 رمضان 1410 ه‍.
20 أبريل 1990 م.
د. يحيى بو عزيز
(جامعة وهران)


بسم الله الرّحمن الرّحيم
تقديم وتوضيح
إن مخطوط طلوع سعد السعود في تاريخ وهران ومخزنها الأسود. الذي نقدمه اليوم للقراء. قد استنفد منا عملا شاقا وطويلا ، بسبب كبر حجمه ، وتعقد إجراءات الحصول على إذن لتصويره. والوقت الطويل الذي استغرق في نقله باليد ، وضربه على الآلة الكاتبة ، ومراجعته ، والتعليق عليه.
فقد استغرق الحصول على إذن لتصويره من طرف وزارة الثقافة والسياحة ، أكثر من ستة شهور ، وكان السبب في ذلك المسؤول عن متحف زبانا بوهران الذي تلكأ وراوغ في تنفيذ أمر الوزارة لأمور لا نعلمها ، سامحه الله.
واستغرق نسخه باليد قرابة عام كامل ، بسبب ضخامة حجمه ، وصعوبة ضربه على الآلة الكاتبة مباشرة. وبذل الأخ الطالب صديقي سليمان القنادسي. جهودا مشكورة في نسخه. وتحمل ذلك وتطوع رغم انشغاله بمتابعة دروسه. لتحضير شهادة الليسانس في التاريخ ، ولو لا جهوده هذه ، لتأخر إعداد المخطوط للطبع سنوات أخرى. أو تعذر إطلاقا.
وتطلبت قراءته وتصحيحه ، والتعليق عليه ، وتبويبه أوقاتا طويلة. واستغرق ضربه على الآلة الراقنة قرابة عام كامل كذلك مع إعادة قراءته وتصحيحه وترتيبه ، وفهرسته ، كل ذلك وسط الأشغال والاهتمامات اليومية التربوية وغيرها. وهنا لا بد من التنبيه على عدة أمور :
أولا : توحد بالمخطوط أخطاء كثيرة جدا. ولا تخلو منها أية صفحة في

اللغة وقواعد اللغة ، والرسم ، والإنشاء ، والصياغة ، فاكتفينا بالإشارة والتنبيه على البعض منها وتركنا الباقي على حالها ، لأن الإشارة إليها كلها. سيؤدي إلى تضخيم حجم المخطوط. ثم إنها لا تؤدي إلى عدم فهم المعلومات والحوادث.
ثانيا : إن التعليقات والهوامش التي وضعناها للمقاصد الثلاثة الأولى ، أثبتت أن المواصلة على ذلك النهج سيؤدي إلى مضاعفة حجم المخطوط مرة أو أكثر ، ولذلك خففنا منها كثيرا في المقصدين الباقيين والطويلين : الرابع ، والخامس. واكتفينا فقط بالضروري منها.
ثالثا : أورد المؤلف قوائم كثيرة وطويلة لأسماء الأعلام الأجنبية الرومانية ، واليونانية ، والإسبانية ، والفرنسية ، وغيرها ، فكتب البعض صحيحا ، وحرف أخرى ، ولذلك حاولنا نحن تصحيح بعضها بكتابتها بالحروف اللاتينية أمامها. أو في الهامش. وتركنا الباقي إلى حين التعرف عليها.
رابعا : ليس للمخطوط عناوين ولذلك وضعنا نحن له عناوين فرعية مستقلة ليسهل التعرف على موضوعاته ، والعودة إليها بدون مشقة ، وصعوبة ، ووضعنا أرقام الصفحات بين قوسين داخل النص.
خامسا : نظرا لطول المخطوط وكبر حجمه ، فقد قسمناه إلى جزئين : الجزء الأول : يشمل المقاصد الثلاثة الأولى. والقسم الأكبر من المقصد الرابع ، وينتهي عند نهاية الدولة الثامنة أو دولة الأتراك العثمانيين عام 1830 م ، ويحوي 317 صفحة من المخطوط.
الجزء الثاني : يشمل القسم الأخير من المقصد الرابع ، والمقصد الخامس والأخير ويحتل باقي صفحات المخطوط إلى صفحة 582.
سادسا : بذلنا جهودا مكثفة للحصول على سيرة المؤلف الآغا بن عودة المزاري. فلم نوفق ، فقد راجعنا مجلة الجمعية الجغرافية والأثرية لمدينة وهران. ورجعنا إلى ما كتبه مارسيل بودان عن المخطوط ، ولم نحصل على شيء ، وزرنا أفراد عائلة المزاري في سبدو ، ومغنية ، واستجوبناهم فلم يفيدونا بشيء ويجهلون أصلا هذا الرجل.

وسألنا المسنين في مدينة وهران ، الذين لهم صلة بالعائلات المخزنية فلم يفيدونا بشيء.
وقد سجل المؤلف حياته وسيرته في مخطوطه ، خلال تأريخه لرجال المخزن ، بعد أن سجل سيرة والده الحاج محمد المزاري ، وعمه مصطفى ابن إسماعيل. في المقصد الخامس والأخير من مقاصد الكتاب من صفحة 538 إلى صفحة 545. ولكن هذه الصفحات بترت من المخطوط ويبدو أن ذلك تم عن عمد ، وقصد. ولذلك بقيت حياة هذا الرجل ثغرة. ولم نجد حاليا ما يملؤها. فأرجأنا ذلك إلى حين العثور على معلومات جديدة عنه ، أو العثور على الصفحات المبتورة من المخطوط. وقد قال في صفحة 546 التي بقيت لم تبتر : «ولي في هذا الوقت ولدان بلامين أكبرهما إسماعيل ، والآخر الحسين». والشيء المعروف عنه حاليا هو أنه ابن الحاج محمد المزاري الذي هو ابن أخ مصطفى بن إسماعيل ، وكلاهما تولى وظيفة للأمير عبد القادر ، ثم للفرنسيين بعد أن انضما إليهم في حدود عام 1835 م. ومن بعدهما تولى المؤلف ابن عودة المزاري وظيفة الآغا للفرنسيين ، ولكن لا ندري متى تولى هذه الوظيفة ، ومتى ولد ، ومتى توفي كذلك ، والمؤكد هو أنه توفي بعد عام 1897 م.
وقد يكون عاش إلى مطلع القرن الحالي ولا ندري أيضا أين توفي ، وأين دفن ، ولعلنا نكتشف في يوم ما الأجوبة على هذه الأسئلة والتساؤلات. فنضمها للطبعة التالية إن شاء الله تعالى.
سابعا : وضعنا للمخطوط فهارس ، للأعلام ، والقبائل ، والجماعات ، والأماكن الجغرافية ، وأسماء الكتب. كل جزء بفهارسه الخاصة.
ثامنا : أضفنا إلى المخطوط في الأخير قائمة المراجع ذات الصلة بالموضوع ، ومنها المراجع التي اعتمد عليها المؤلف وأشار إليها داخل النص.
تاسعا : إذا كان ما بد من شكر أحد فهو الناسخ للمخطوط الأخ الطالب والأستاذ صديقي سليمان ، والمسؤولون عن مديرية التراث بوزارة الثقافة وعلى رأسهم الأخ عبد الله بالسرياني ، ثم الأخ الضابط الصديق إيمخلاف رئيس القطاع العسكري بولاية النعامة والأخ قاسمي الهاشمي بالإذاعة الجهوية بوهران اللذان

ساعداني في ضرب المخطوط على الآلة الراقنة ، فإليهم وإلى غيرهم شكري وتقدري.
عاشرا : وقد زودنا هذه الدراسة في الأخير بقوائم لأسماء أباطرة الرومان والبيزنطيين ، وملوك فرنسا ، وإسبانيا ، وحكام وهران الأوائل ، والسلاطين العثمانيين ، وحكام الجزائر في العهد العثماني ، وبثلاثة خرائط لوهران ؛ والمنطقة الوهرانية التي شهدت أحداث الإسبان ، والمرسى الكبير.
حادي عشر : لقد أدخلنا تحويرا جزئيا على عنوان المخطوط الأصلي ليكون أكثر دلالة على محتواه ، وذلك على ظهر الغلاف الخارجي فقط ، وأصبح هكذا : «طلوع سعد السعود أو تاريخ وهران والجزائر وإسبانيا وفرنسا». (من غابر العصور إلى نهاية القرن 219). أما في الداخل فقد أبقينا على العنوان الأصلي للأمانة التاريخية.
وأرجو أن يجد الطلاب والباحثون ، والأساتذة في المعاهد والجامعات ، ضالتهم في هذا المخطوط الذي لا شك أنه سيزودهم بمعلومات واسعة ، عن تاريخ وهران ، والغرب الوهراني والجزائر ، وإسبانيا وفرنسا ، وعبر التاريخ خاصة خلال عهد الأتراك العثمانيين وعهد الاحتلال الفرنسي إلى عام 1890 م.
والله الموفق :
وهران ـ حي الصديقية
الخميس 29 شعبان 1409 ه‍
06 أبريل 1989 م
د. يحيى بو عزيز

المخطوطات

تمهيد في التعريف بمخطوط
طلوع سعد السعود في أخبار وهران ومخزنها الأسود
للآغا بن عودة المزاري
مؤلف هذا المخطوط هو أبو إسماعيل ابن عودة بن الحاج محمد المزري البحثاوي ، كما جاء في مطلع الصفحة الأولى منه التي تحمل رقم 2. ويعرف عن الناس في الناحية الغربية بالآغا المزاري. وكان أبوه الحاج محمد المزاري ، وعم أبيه مصطفى بن إسماعيل ، قد توليا منصب : ووظيفة «الآغا» عند الأمير عبد القادر أولا ، ثم عند الفرنسيين بعد أن انضما إليهم في حدود ديسمبر 1835 م الموافق لأواخر شعبان 1251 ه‍. كما جاء في صفحات 431 ـ 434 من المخطوط نفسه.
ويقع هذا المخطوط في مجلد كبير يحتوي على 582 صفحة من مقاس 19* 25 ، وتتراوح أسطرها بين 18 و 30 سطرا ، وكتب بخط مغربي واضح ، وسهل القراءة على طريقة المصحف الكريم المغربي ، بحيث تنقط الفاء من أسفل والقاف من أعلى بنقطة واحدة.
ليس للمخطوط عنوان على ظهره بالصفحة الأولى ، ولكن ذكر داخل الصفحة الثالثة وفي آخرها. وقد بدئى بالصفحة الثانية ، بينما أبقيت الصفحة الأولى بيضاء ، ولا توجد به صفحة رقم 505 ، وذلك لخطأ في الترقيم فقط ، إذا انتقل المؤلف من رقم 504 إلى رقم 506 مباشرة. ولكن المخطوط تنقصه ثماني صفحات من رقم 538 إلى رقم 545 ، إذ اقتلعت منه أربعة أوراق ، وذلك في المقصد الأخير منه. ومن سوء الصدف أن الصفحات الناقصة هي التي تتصل
بحياة المؤلف نفسه ، وموقفه من الأمير والمقاومة الوطنية. ويبدو لنا أن هذه الصفحات انتزعت عن قصد ولغرض معين كذلك ، وكل صفحة من صفحات المخطوط يبدؤها المؤلف بالعبارة التالية :
«اللهم صلّ على الحبيب محمد وآله وصحبه وسلم». وذلك على يمين صفحة اليمين ، ويسار صفحة اليسار.
ويوجد هذا المخطوط في مكتبة متحف زبانا بمدينة وهران تحت رقم 466 ، وجلد بغلاف من الورق المقوى ذي اللون البني المائل إلى الخضورة ، وكتب على ظهر حاشيته القاعدية الجلدية الحمراء بالحروف اللاتينية ، المزري. تاريخ وهران. وليس له نظير على ما نعرف ، بحيث تتفرد به مكتبة هذا المتحف دون غيرها (1).
ويضم هذا المجلد بين دفتيه ثلاثين كرّاسا ، كل منها يتألف من عشرة أوراق ما عدا :
كراس رقم 26 الذي يحتوي على 12 ورقة من صفحة ، 480 إلى 504.
وكراس رقم 27 الذي يحتوي على 12 ورقة كذلك من صفحة 506 إلى 529.
وكراس رقم 28 الذي يحتوي فقط على 8 ورقات من صفحة 530 إلى 553 ، وهو الكرّاس الذي تنقص به الصفحات التي تخص حياة المؤلف وبعض أفراد أسرته.
وكراس رقم 30 الأخير الذي يحتوي فقط على 5 ورقات من 574 إلى 582.
__________________
(1) توجد لدى الأستاذ محمد بن عبد الكريم نسخة مصورة من النسخة الأصلية الموجودة بهذا المتحف. وهي مبتورة كذلك على ما ذكره لي الشيخ عبد الرحمن الجيلالي الذي اعتمد عليها. وقد راسلته فلم يجبني أصلا ، رغم إلحاح الدكتور سعد الله عليه في ذلك.
أقسام المخطوط وتاريخه
ويتألف هذه المخطوط من خمسة أقسام يحمل كل منها اسم المقصد :
ـ المقصد الأول : فيمن بنى وهران ، وفيمن أمر ببنائها وأي تاريخ بنيت فيه.
وبه 8 صفحات من 4 إلى 11.
المقصد الثاني : في ذكر بعض أوليائها والتعريف بهم ، وبه 20 صفحة من 11 إلى 30.
ـ المقصد الثالث : في ذكر بعض علمائها والتعريف بهم ، وبه 9 صفحات من 30 إلى 38.
ـ المقصد الرابع : في ذكر الدول التي حكمتها وهي تسعة وبه 486 صفحة من 38 إلى 523.
ـ المقصد الخامس : في ذكر مخزنها وهو عين المراد ، وبه 59 صفحة من 523 إلى 582. وتنقص به ثماني صفحات من 538 ـ 545.
وليس لهذا المخطوط تاريخ محدد لتأليفه ، ولكنه ألف في نهاية عقد الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن التاسع عشر ، وذلك استنادا إلى كلام المؤلف نفسه فيما أورده في صفحتي 520 و 521 حول تواريخ حكام الجزائر ووهران. فقد قال عن الحاكم العام تيرمان بأنه «تولى يوم 16 نوفمبر 1881 م وما يزال عليها حتى الآن سنة 1890 م». وقال عن سعدية كارنو الذي يحكم وهران بأنه «تولى سنة التسليم (وهي 1888) وهذا الرايس هو الموجود الآن في عام التسعين والثمانمائة والألف الموافق للعام الثامن والثلاثمائة والألف».
واستنادا كذلك إلى التقريظ الذي وضعه للمخطوط في صفحته الأخيرة السيد عبد العالي شبكه وأثبت في نهايته التاريخين 1897 م و 1314 ه‍ وأذن له في طبعه. وإلى التقريظ الذي وضعه له كذلك بعد التقرظ الأول ، السيد عبد الرحمن بن سليمان المصري المالكي ، ولكنه لم يضع له تاريخا على أي حال.
ليس للمخطوط عناوين مستقلة ، ما عدا في المقاصد الثلاثة الأولى وجزء من المقصد الرابع صفحة 57 فإن له عناوين على هوامش الصفحات توضع دائما
تحت كلمة : قف ، غير أن المؤلف يبرز عناوينه داخل الصفحات بكتابتها بالخط الغليظ ، ويستعمل المداد الأحمر في كتابة الكلمات الأولى أو الحروف الأولى للكلمات في بداية الجمل والفقرات التي من المفروض أن تكون في بداية السطر ، لأنه لا يتوقف اطلاقا قبل تمام السطر ليبدأ في الآخر ، كما هو متعارف حاليا ، غير أنه يستعمل النقط الغليظة للفصل بين الجمل والفقرات حتى ولو مع عدم تمام المعنى ، ويستعمل المداد الأحمر كذلك لوضع سطور تحت الكلمات ، والحروف ، وكل عناوين الكتاب من وضعنا نحن.
ويختلف عدد أسطر الصفحات ، وشكل الخط ، حسب الكيفية التالية :
ـ فالصفحات الأولى لغاية صفحة 120 تقريبا ، عدد أسطرها بين 18 و 19 وخطها واسع.
ـ الصفحات من 120 إلى 298 عدد أسطرها بين 19 و 20. وخطها مضغوط نوعا ما.
ـ والصفحات الباقية من 299 إلى نهاية المخطوط عدد أسطرها بين 24 و 30 وكتابتها مضغوطة جدا ودقيقة.
أغلب الصفحات استعمل فيها المؤلف المداد الأحمر ، والباقي لم يستعمل فيها ، وهناك بعض الأوراق يقطعها ، ويستبدلها بغيرها ويلصقها الصاقا. وهذا واضح في عدة مواطن من المخطوط. وبما أن المخطوط يتألف من 30 كرّاسا فإن المؤلف رقمها كلها في بدايتها على اليسار بالتتابع من 1 إلى 30 وذلك بوضع الرقم فوق حرف الكاف هكذا : ك 2. ويعني كراس 2.
ومما تجدر ملاحظته هنا أن كل عناوين الكتاب من وضعنا نحن ولم نحاول أن نشير لكل أخطاء الكتاب اللغوية ، والرسم ، لأنها كثيرة جدا. وتتطلب الإشارة إليها زيادة لا أقل من ربع حجم الكتاب. كذلك تجنبنا التعقيب والتدخل كثيرا في المعلومات لأن ذلك يتطلب زيادة حجم الكتاب بالنصف على الأقل.
وقد كانت تجربة التعليقات في المقاصد : الأول ، والثاني ، والثالث ، خير دليل على هذا. إذ زادت على حجم كل مقصد على حدة.
محتويات المقاصد الخمسة
ـ المقصد الأول : يقع في عشر صفحات ، وموضوعه فيمن بنى وهران وأي وقت بنيت ، ومن أمر ببنائها ، ومن أشرف على ذلك ، وفي وصف الرحالة والمؤرخين لها. وقد ذكر المزري أنها بنيت في القرن الثالث الهجري ، ولكن هناك خلاف في السنة. فالحافظ أبوراس له روايتان :
الأولى : في كتابه ، عجائب الأسفار ، مفادها أن مغراوة هي التي بنتها بأمر من الخليفة الأموي بالأندلس عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ، والذي أشرف على بنائها هو خزر بن حفصى بن صولات بن وزمار ابن صقلاب ، بن مغراو الزناتي المغراوي. وهذا يعني أنها بنيت في وسط القرن الثالث لأن عبد الرحمن بن الحكم تولى الخلافة عام 206 ه‍ ، وتوفي في ربيع الآخر عام 288 ه‍ ، كما في المختصر لأبي الفداء.
الثانية : في كتابيه : عجائب الأخبار ، والخبر المعرب ، وتفيد أن الذي بناها هو خزر بن حفص حقيقة ، ولكن الذي أمر ببنائها هو الخليفة الأموي بالأندلس أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ، وذلك اما سنة 290 أو 291 أو 292. وقد رجح الزياني الذي نقل عليه ، التاريخ الثالث والأخير لأن هذا الخليفة تولى الخلافة عام 275 وتوفي عام 300 ه‍ كما في مختصر أبي الفداء. وقد بناها قبل وفاته بعشر سنوات كما في دليل الحيران.
أما عبد الرحمن الجامعي فقد ذكر في شرحه على الحلفاوية أنها بنيت من طرف مغراوة وفي أيام أمرائها ، ولكنه لم يحدد السنة وتجنب ذلك حتى لا يقع في حرج أو خطأ. بينما أكد كل من محمد بن يوسف القيرواني ، وأبي عبيد الله البكري ، وابن خلكان ، والرشاطي ، والصفدي ، كل في تاريخه بأن الذين بنوها هم : محمد بن أبي عون ، ومحمد بن عبدوس ، ومحمد بن عبدون ، وجماعة من البحارة الأندلسيين الذين كانوا ينتجعون مرسى وهران ، مع نفزة وبني مسقن ، وهم بنو مسرغين من أزديجة وكانوا أصحاب القرشي ، وهو الخليفة الأموي بالأندلس ، وذلك عام 290 ه‍.
وقد استعرض أوصاف الرحالة والمؤرخين لها كالزياني ، وابن خلكان ، وأبي راس المعسكري ، كل ذلك نقلا حرفيا عن دليل الحيران لشيخه محمد ابن يوسف الزياني في ست صفحات كاملة.
ـ المقصد الثاني : في ذكر بعض أوليائها بحسب الاستطاعة والتعرض بالذكر لمن هو منهم شريف ، وقد اعتمد فيه على دليل الحيران حرفيا ومما قاله بالحرف الواحد : «اعلم أيدني الله وإياك بأنواره ونفعني وإياك بأسراره أن أولياءها عددهم كثير ، وحصرهم عسير ولكني أذكر منهم المشاهير كما ذكرهم شيخنا الزياني في الفصل الثالث من دليل الحيران وأنيس السهران.
وقد استعرض المؤلف في هذا المقصد سير ومناقب ، وحياة عدد من أولياء وهران عددهم حوالي 53 وليا صالحا ، وتوسع في ترجمة البعض مثل الشيخ محمد بن عمر الهواري ، الذي خصه بثماني صفحات وتلميذه إبراهيم التازي الذي خصه بأربع صفحات ونصف الصفحة. أما الباقي فقد اختصر تراجمهم في ما بين نصف الصفحة ، وثلثها وربعها وسطر ، ونصف السطر ، بل أن عددا كبيرا منهم أوردهم بأسمائهم فقط ، وذلك لقلة المعلومات عنهم لديه على ما يبدو.
ومن ضمن من ترجم لهم إلى جانب من ذكر : سيدي هيدور ، ودادة أيوب ، ومحمد بن يبقي ، وسيدي غانم ، وعبد الله بن خطاب ، وأحمد بن أبي جمعة الوهراني ، وبلخير الجماعي ، وسيدي الغريب ، وسيدي البشير بن يحيى ، وبدر الدين ، وسيدي السنوسي ، والخروطي ، ومحمد بن يعزي ، وسيدي قتادة بالمختار ، وعبد الله رحو التيجيني ، وفرقان الفليتي ، وسيدي أحمد الفيلالي الضرير. كل ذلك في 20 صفحة من المخطوط.
ـ المقصد الثالث : في ذكر بعض علمائها من حيث بنيت للآن. اعتمد فيه كذلك على دليل الحيران للزياني ، وقال : «اعلم أيدني الله وإياك بنوره ، ونفعني وإياك بسره ، ووقانا من ضروره أن علماءها عددهم كثير وحصرهم شديد عسير ، ولكني أذكر منهم إن شاء الله تعالى المشاهير كما ذكرهم شيخنا الحافظ المحقق سيدي ومولاي ، وسمط محياي العالم الرباني الشريف الحسن أبو عبد الله محمد ابن يوسف الزياني في الفصل الثالث من كتابه دليل الحيران».
وقد ترجم لحوالي 63 عالما ، توسع في البعض منهم واختصر في الباقي كما فعل في مقصد الأولياء. وكرر في هذا المقصد ذكر عدد من أولياء وهران عدهم من العلماء كذلك ، وهم : الشيخ الهواري ، وإبراهيم التازي وسيدي يحيى البوعناني ، وسيدي محمد بن يبقى ، وسيدي غانم ، وأحمد بن أبي جمعة المغراوي.
ومن العلماء الذين ترجم لهم كذلك : أبو إسحاق إبراهيم الوهراني وأبو تميم الواعظ ، وأبو زيد عبد الرحمن مقلاش ، وأبو عبد الله محمد بن أبي جمعة الوهراني المغراوي ، والكاتب المستغانمي محمد بن حسن ، والسيد أحمد ابن الخوجة ، ومصطفى بن عبد الله الدحاوي ، والشيخ الطاهر بن الشيخ المشرفي ، ومحمد بن عبد الله سقاط المشرفي ، والحاج عبد القادر بن مصطفى المشرفي ، والخوجة السيد مسلم بن عبد القادر الذي كان كاتبا لدى الباي الباهي حسن آخر بايات وهران. كل ذلك في تسع صفحات.
ـ المقصد الرابع : وهو أطول مقاصد الكتاب يحتل خمسة أسداس المخطوط تقريبا. ويشغل 486 صفحة كاملة. وقد تحدث فيه المزاري على الدول التي حكمت وهران والمغربين الأوسط والأقصى على سبيل الترتيب من يوم بنيت إلى زمن المؤلف وعددها تسعة كما في دليل الحيران دائما ، وهي :
1 ـ دولة الأمويين بالأندلس القائمين بأمور زناتة وعمالهم مغراوة وأولهم خزر ، وذلك في 4 صفحات من 38 إلى 41
2 ـ والعبيديون وهم الشيعة في 15 صفحة من 41 إلى 56
3 ـ والمرابطون وهم الملثمون في 12 صفحة من 57 إلى 68
4 ـ والموحدون في 23 صفحة من 68 إلى 91
5 ـ والزيانيون وهم بنو عبد الواد في 13 صفحة من 91 إلى 104
6 ـ والمرينيون بنو أحمامة ثم الزيانيون في 33 صفحة من 104 إلى 137
7 ـ والإسبانيون في 39 صفحة من 137 إلى 176
8 ـ والأتراك وهم الترك في 141 صفحة من 176 إلى 317
9 ـ والفرنسيين في 208 صفحة من 317 إلى 523.
وقد أكثر المؤلف في هذا المقصد من الاستطرادات التي أخرجته تماما عن موضوعه الأصلي ، وأغرقت تاريخ وهران في محيط تاريخ العالم كله تقريبا وخاصة بلدان المغرب ، والأندلس ، وفرنسا ، والبلاد العثمانية بالمشرق ، وسنحاول أن نقدم فيما يلي موجزات ومختصرات ، لما توسع فيه من تاريخ هذه الدول أو العهود التسعة ، للتعريف بمحتوياتها ، والتنبيه إلى ما هو مهم منها :
أولا : الدولة الأولى بنو أمية وعمالهم مغراوة وأولهم خزر بن حفص الذي اختطها وبناها في القرن الهجري الثالث ، وكان جده الأعلى وزمار بن صقلاب ابن مغراو ، قد أسلم على أيدي عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فأرسله ضمن وفد إلى المدينة لمقابلة الخليفة الثالث لرسول الله ، سيدنا عثمان بن عفان ، فجدد إسلامه على يديه كذلك ، ومن ثم بقيت مغراوة موالية لبني أمية ، مثلما فعلت صنهاجة عند ما بقيت موالية للعلويين العبيديين بإفريقيا.
وقد أورد المؤلف تفاصيل عدة عن أحداث وهران وولاتها المغراويين بعد خزر مثل ابنه محمد ، والخير بن محمد ، وتحدث عن إحراقها عام 297 ه‍ وتجديدها في العام الموالي وعن حروب محمد بن خزر مع أزديجة وعجيسة ، وصلات ابنه الخير بالمروانيين بالأندلس خاصة عبد الرحمن الناصر ، واتساع ملكه على معظم المغربين الأوسط والأقصى إلى السوس الأدنى ، والصحراء ، وحروبه مع الشيعة ، وغزوه لبسكرة والزاب والمسيلة وتدويخه للمغرب الأوسط تدويخا كاملا إلى أن حصل خلاف له مع أبيه ، شديد ، فأرسل الخليفة الناصر من الأندلس قاضي قرطبة الفقيه منذر بن سعيد الولهاصي البلوطي ليصلح بينهما ، ويبقى الأمر هكذا حتى سيطر الشيعة العبيديون على وهران. وقد استغرق ذلك أربع صفحات نقلها من دليل الحيران.
ثانيا : دولة الشيعة الرافضة ، والعبيديون ، والعلويون ، والفاطميون ، وقد شرح فيها أسباب تسميتهم بهذه الأسماء والألقاب وسيطرتهم على وهران. وانتقال الحكم فيها إلى بني يفرن ، وقيام يعلي بن محمد اليفريني ببناء مدينة إيفكان عام 338 ه‍ ، في ضواحي بني راشد بسفح جبل أوسلاس ، ونقله سكان وهران إليها بعد أن خربها ، ونقل مقر حكمه إليها كذلك ، ثم شرح بعد ذلك
كيف مال محمد بن الخير بن خزر المغراوي إلى الشيعة ، والتحق بالمعز لدين الله الفاطمي في القيروان ، وعاد مع جيش جوهر الصقلي إلى تيهرت وتم قتل اليفريني غدرا ، وخرب جوهر مدينة إيفكان وعاد محمد بن الخير إلى حكم وهران ، فبث فيها وفي غيرها الدعوة الشيعية الفاطمية العبيدية ، وقد استعرض أحداث الخزريين في هذا العهد الثاني وأشار إلى بناء مدينة وجدة عام 384 ه‍ من طرف زيري بن عطية ، وإلى فساد العلاقة بين زيري بن عطية ، والمنصور بن أبي عامر بالأندلس ، وختم هذا العهد وهذه الدولة بذكر أسماء حكام وهران خلال العهدين : المغراوي الخزري ، والشيعي الفاطمي ، وذكر أنهم ستة عشر حاكما ، عشرة مغراويون ، واثنان من أزديجة وعجيسة ، وواحد شيعي ، وواحد يفريني ، واثنان صنهاجيان. وأورد كذلك أسماء ملوك الأمويين المروانيين بالأندلس ، وعددهم ستة عشر ملكا وأسماء ملوك وخلفاء بني أمية بالمشرق وعددهم أربعة عشر ، وأسماء ملوك الشيعة العبيديين ، وعددهم أربعة عشر ملكا ، وملوك الأدارسة بالمغرب الأقصى وعددهم ثلاثة عشر. وملوك السليمانيين بالمغرب الأوسط وعددهم واحد وعشرون : أربعة بتلمسان ، وأربعة برشقون وثلاثة بجراوة ، وثلاثة بتاهرت ، وسبعة بتنس. وقد استغرق الحديث عن هذه الدولة 15 صفحة من المخطوط.
ثالثا : دولة المرابطين الملثمين ، ابتداء من يوسف بن تاشفين مؤسس مدينة مراكش ، وقد استعرض فيها أحداث هذه الدولة في المغربين الأقصى ، والأوسط ، والفتوحات والتوسعات التي قامت بها ، وبناء مدينة مراكش ، وأحداث وهران ومشاكلها خلال ذلك ، وذكر أن ملوك صنهاجة الملثمين ، الذين يبلغ عددهم اثنين وأربعين أميرا ينتمون إلى ثلاثة فرق هي :
1 ـ البولكانية : نسبة إلى بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي ، وعددهم خمسة وعشرون ملكا : عشرة بإفريقيا (تونس) ، وعشرة ببجاية وواحد بالمغرب الأوسط ، وأربعة بالأندلس.
2 ـ المرابطون الملثمون اللمتونيون : وعددهم اثنا عشر.
3 ـ الغانية : أو بنو غانية أولاد المرأة التي يقال لها غانية وهي بنت عم يوسف ابن تاشفين. وعدد ملوكهم خمسة ما بين بجاية وتونس.

وقد استغرق الحديث على هذا العهد 12 صفحة من المخطوط.
رابعا : دولة الموحدين ، وقد تحدث فيها عن سبب تسميتهم بالموحدين وعن المهدي بن تومرت داعية هذه الدولة ، ونسبه ، ودعوته ، وعن عبد المؤمن ونسبه ، وأصله ، وسيرته ، وأوليات حياته ، وبداية حكمه ، وفتوحاته ، وقيامه بمسح جغرافي لبلدان المغرب من برقة إلى واد نون بالسوس الأقصى ، بالفراسخ ، والأميال ، طولا وعرضا ، مع إسقاط الثلث بعد ذلك الذي يشغل الأودية ، والجبال ، والغابات ، والشعاب ، والسباخ ، والطرقات ، والخرابات ، وذلك من أجل تحديد الخراج بها. وتحدث عن قيام عبد المؤمن ببناء مدينة البطحاء بأرض هوارة ، ومدينة الفتح بجبل الفتح في الأندلس التي نقل إليها عددا من سكان الحشم بإفريقيا للاستقرار بها.
وبعد ذلك استعرض تاريخ خلفائه من بعده ، وأحداثهم وحروبهم أحيانا بإيجاز وأحيانا بالتفصيل ، وختم ذلك بإيراد إحصاء لعدد ملوك وأمراء هذه الدولة الموحدية وعددهم 47 ملكا : منهم 14 بالمغرب الأقصى ، و 29 بإفريقيا (تونس) ، و 3 ببجاية ، وواحدة بالمهدية وطرابلس ، وحدد الأقاليم والأوطان التي وصل إليها حكمهم ، وخضعت لهم واستغرق ذلك 23 صفحة من المخطوط.
خامسا : الدولة الخامسة وهم الزيانيون وبنو زيان ، والعبد لواديون ، وبنو عبد الواد ، وقد تحدث فيها عن سبب تسميتهم بذلك ، وأصلهم ونسبهم ، وكيفية وصولهم إلى الحكم ابتداء من جابر بن يوسف بن ياغمراسن واستقلالهم بتلمسان والمغرب الأوسط ، واستعرض أحداث أمراء هذه الدولة وتاريخ وهران وأحداثها خلالها ، وأورد بعض الصراعات والحروب التي كانت تحصل بين بني زيان وبني مرين حول السلطة والنفوذ على كل أقاليم المغرب العربي ، وتدخل بني حفص في الصراع كذلك ، وما انجز عن ذلك من التقلبات السياسية والتمردات ، والانقلابات. وقد استغرق ذلك 13 صفحة من المخطوط.
سادسا : دولة المرينيين ويقال لهم بنو أحمامة ، وقد تحدث عن تسميتهم ، ونسبهم ، ومواطنهم بالزاب ، وفيقيق ، وتافيلالت وملوية ، وعن كيفية وصولهم إلى الحكم ، وأول ملكهم بالمغرب الأقصى عبد الحق ، ومن جاء بعده من الأمراء

والملوك ، هذا وراء الآخر ، مع اختصار أحداثهم إلى عهد أبي الحسن المريني ، وابنه أبي عنان ، وما حصل بينهما من الأحداث والمشاكل.
وخلال هذا شرح أحداث وهران وتعاقب الحكم فيها بين بني زيان وبني مرين حوالي خمس مرات مثلما حصل لتلمسان وباقي المغرب الأوسط ، نظرا لحدة الخلافات والصراعات بين الفريقين ، وقد استغرق ذلك 33 صفحة من المخطوط.
سابعا : «الدولة السابعة وهم الإسبانيون ، ويقال لهم السبنيول سموا بذلك نسبة لمدينة إسبانيا بقطع الهمزة المكسورة وسكون السين المهملة ، وفتح الباء الموحدة من أسفل بعدها ألف ساكن ، ثم نون موحدة من أعلى مكسورة ثم ياء مثناة من تحت بعدها ألف مقصورة». وقد تحدث فيها عن عاصمة إسبانيا ماتريج (مجريط) ، وموقعها ، وموقع إسبانيا ومساحتها ، والدول والملوك الذين تعاقبوا عليها ، وسكانها ، وعددهم وأصولهم ، وأقسام إسبانيا السياسية الثلاثة عشرة ، الثمانية الساحلية والخمسة الداخلية ، وأشهر مدنها ، وجبالها ، وأنهارها ، وأنهار العالم كلها ، وجباله ، وموقع إسبانيا في أوربا ، وباقي القارات الخمس ، وسكانها ودول العالم جميعها ، في القارات الخمس. وقد توسع في الحديث عن أصل السكان الإسبان إلى أن وصل إلى عهد فيردينند ، وإزابلا ، الكاثولكيين في القرن 15 م. واستعرض بعد ذلك أحداث الغزو الإسباني لوهران والمرسى الكبير ، وضواحيهما وأحوازهما بكثير من التفصيل وشرح سعي الإسبان لتركيز وجودهم بهما ، وفرض سيطرتهم على المناطق المجاورة ومقاومة السكان لهم ، وتحدث عن سكان هبرة ، وأصلهم وفروعهم ، واستعرض الغزوات الإسبانية ، وتوسعاتهم خارج وهران على طول سواحل الجزائر ، وتونس ، وطرابلس ، وتتبع تاريخ ملوك الإسبان أمثال فردينند الأول ، وفيليب الأول والثاني ، والثالث ، وكارلوس الأول ، والثاني ، والثالث ، والرابع ، واستطرد للحديث عن قدوم الأتراك إلى مدينة الجزائر ابتداء من خير الدين وعروج وسعيهم لتحرير وهران ابتداء من حسن بن خير الدين إلى الباي شعبان الزناقي ، واغتنم فرصة حديثه عن محاولة السلطان العلوي إسماعيل تحرير وهران ، فأورد أسماء ملوك بني وطاس بفاس ،

وملوك العلويين ، وأشار إلى التحصينات الإسبانية بوهران ، واستغرق ذلك 39 صفحة من المخطوط.
ثامنا : «دولة الأتراك وهي الدولة الثامنة التي حكمت وهران وقد تحدث عن أصل الأتراك ، ومنبتهم ، وبلادهم في أقصى المعمورة وما وراء النهر إلى الصين ، والسد الذي بناه ذو القرنين ، وعن انتشارهم في الأرض ، وإسلامهم ، وجدهم الأول عثمان ، ونسبه ، إلى آدم عليه‌السلام ، وأخذ بعد ذلك يستعرض تاريخ ملوك وسلاطين العثمانيين إلى عهد السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان يحكم في عهده أواخر القرن 19 م تم تطرق للحديث عن وصول الأتراك إلى الجزائر ، وأسباب ذلك وتاريخه ، واستعرض حكامهم وأمراءهم بها ، مع أحدائهم ابتداء من عروج وخير الدين إلى الداي حسين باشا آخرهم بالجزائر.
وتوقف عند أحداث استعادة الإسبان لوهران عام 1732 بعد أن حررها بوشلاغم قبل ذلك عام 1708 لمدة ربع قرن ، وأرخ للأحداث التي تلت ذلك ، والغزوات الإسبانية المتكررة على الجزائر خلال عهد الداي محمد عثمان باشا في أعوام 1775 و 1783 ، و 1784 م. أثناء حكم الملك الإسباني كارلوس الثالث ، وعاد بعد ذلك للحديث عن فتح وهران ، وتحريرها التحرير الثاني والنهائي على أيدي البطل الشجاع الباي محمد بن عثمان الكبير ، وحشد من طلبة العلم ، والفقهاء والعلماء ، وحفاظ القرآن الكريم ، وأورد حكايات وتفاصيل كثيرة حول الموضوع. ثم استطرد للحديث والتاريخ عن باقي ملوك إسبانيا قبل أن يعود للتأريخ عن نظام الحكم التركي بالجزائر الإداري والعسكري وأجهزة الحكم ، وأقسام البايليكات ، وأجهزة الحكم ، والألقاب ، والرتب ، والتخصصات ، وتحدث عن عواصم بايليك الغرب : مازونة مع باياتها ، وتلمسان مع باياتها ، ثم قلعة بني راشد ، ومعسكر ، ووهران ومستغانم أخيرا ، وشرح أجهزة حكم البايات ، وتنظيماتهم الإدارية والسياسية والعسكرية ، والاقتصادية ، واختصاصات الموظفين ، ورتبهم ، ونظام الدنوش.
وبعد كل هذا شرع في الحديث والتأريخ بالتفصيل ، لبايات بايليك الغرب ابتداء من حسن بن خير الدين إلى مصطفى بوشلاغم المسراتي وأبنائه ، والباي

محمد بن عثمان الكبير وابنه عثمان إلى أن وصل إلى الباهي حسن آخر بايات وهران وبايليك الغرب وقد خصص حيزا كبيرا للحديث عن البايات المسراتية ، وأعمالهم ومنشآتهم العمرانية في معسكر ، ومستغانم ، ووهران ، وقلعة سيدي راشد ، كما خصص حيزا كيرا للحديث عن ثورة درقاوة ، والتيجاني ضد بايات بايليك الغرب ، وما حصل خلالهما من الأحداث والتطورات ، والحروب ، والقلاقل والاضطرابات وتحدث عن قبائل المخزن الخمسة ببايليك الغرب وهي : الدوائر ، والزمالة ، والغرابة ، والبرجية ، والمكاحلية ، ولم ينس أن يتحدث عن مقتل الرئيس حميد وخلال مواجهته للمراكب الأمريكية في البحر ، وعن الصلح الذي تم على أثر ذلك بين الجزائر ، وأمريكا ، وغارات الإنكليز على الجزائر ، إلى أن وصل إلى حملة الاحتلال الفرنسي على الجزائر عام 1830 م ، وقد استغرق ذلك 141 صفحة من المخطوط. وقد استقى كل معلوماته ونقلها عن دليل الحيران.
تاسعا : «ثم ملك وهران الدولة التاسعة وهي الفرنسيس ويقال لهم أيضا الفرنج ، فتسميتهم بالفرنج قديمة التأسيس ثم سمتهم العامة بعدها بالفرنسيس نسبة إلى بلدة افرانسا بقطع الهمزة ، وهي قاعدتهم القديمة ، وملك دارهم القويمة ، وتقرأ بالجيم بدل السين أيضا لا حرجا كما قال ابن خلدون».
وقد تحدث عن نسب الفرنسيين ، ومملكتهم ، وموقعها ، وحدودها وعاصمتهم ، وموقع فرنسا من أوربا ، وسكانها ، ونسلهم ، وديانتهم ، وعددهم ومساحة فرنسا ، وأشهر مدنها ، وموانيها ، وخلجانها ، وجبالها ، وأوديتها وجزرها ، وبواغيزها ، والشعوب ، والدول ، التي توالت عليها من الإغريق إلى اللاتين ، والفرنجة ، والغاليين ، وشرع بعد ذلك في الحديث والتأريخ لملوك فرنسا ابتداء من فرامون الذي تولى سنة عشرين من القرن الخامس الميلادي إلى نابليون الثالث ، وعددهم ثلاثة وسبعون ملكا فاستعرض أحداثهم أحيانا باختصار ، وأحيانا بتوسع ، سواء في فرنسا أو خارجها ، وذلك زيادة على رؤساء الجمهوريات الذين جاؤوا بعدهم وقد قسمهم إلى أربع طبقات :
1 ـ الميروفينجيون ، وعدد ملوكهم 22.
2 ـ الكارلوفينجيون وعدد ملوكهم 13.

3 ـ الكبيسيان وينقسمون إلى ستة فروع :
أ ـ الكابي وعددهم 14.
ب ـ روميارد وفالوا وعددهم 7.
ج ـ دورليان وعددهم واحد.
د ـ سيفوائد ديفيلوا وعددهم 5.
ه ـ بوربون ، وعددهم 5.
و ـ أورليان وعددهم 2.
4 ـ النابوليونيون وعددهم 3.
وقد عدد المؤلف سلاطين فرنسا كما قلت واحدا وراء الآخر من فرامون أوائل القرن الخامس الميلادي إلى شارل العاشر الذي تم في عهده احتلال الجزائر ، ولويس فيليب بعده الذي تمت في عهده مقاومة الأمير عبد القادر التي دامت سبعة عشر عاما كاملة ، ومن الأحداث التي تناولتها : الحروب الصليبية ، ودور الأمراء الفرنسيين فيها ، وغزو لويس التاسع لمصر ، وقصة أسره في المنصورة ، وغزوة لتونس ، وموته بها ، وقد استغرق ذلك 124 صفحة من المخطوط.
ثم تفرغ للحديث بالتفصيل كشاهد عيان ، عن أحداث مقاومة الأمير عبد القادر ، وجهاده وأحداثه وحروبه الواسعة ، والمكثفة ، واستطرد للحديث عن أعمال أبيه الحاج محمد المزري ودوره مع الأمير عبد القادر أولا ثم مع الفرنسيين ثانيا ، وعن دور عم أبيه مصطفى بن إسماعيل كذلك مع الأمير أولا ثم الفرنسيين ثانيا مثل أبيه ، واستعرض قصة تخليهما عن الأمير والتحاقهما بالجيش الفرنسي ، وتعرض للحديث بالتفصيل كذلك عن كيفية احتلال فرنسا لوهران ، والتفاف زعماء المخزن حول الشيخ محي الدين الغريسي الراشدي ، واتصالهم بسلطان المغرب عبد الرحمن بن هشام ، وعرضهم عليه أن يبايعوه سلطانا على المغرب الأوسط كذلك مقابل إمداده لهم بالدعم المادي للمقاومة ، وقبوله لذلك وإرساله ابن أخيه علي إلى تلمسان ، ثم تراجعه ، وقيامهم بالإلحاح على محي الدين لمبايعة ابنه عبد القادر أميرا للجهاد والمقاومة ، ومما قاله عن هذه المبايعة بالغمز واللمز : «وكان أول من مد يده فبايعه من هؤلاء

السادة السيد الأعرج بن محمد بن فريحة من أولاد سيدي محمد بن يحيى ... ولما عقدوا له البيعة ... قال بعض علماء وأولياء الله بغريس سبحان الله هذه البيعة لا يستقيم لصاحبها حال ، ولا يهنأ له قرار ومنال ، ولا شفقة له ورحمة في الأعيان وغيرم من النساء والرجال وإنما هو سفاك للدماء ، وليس من السادات الرحماء لكون أول من بايعه اسمه الأعرج ، والمحل المبايع فيه اسمه الدردارة ، فلا ريب أن أيامه وأحكامه وأحواله عرجاء ولا تستقيم وإنما تبقى مدردارة ، وهلا كان اسم ومحل غير هذين من الأسماء التي يكون بها التعاون ولا تدل على الريب والبين ، قلت وكأنه أخذ في فراسته من قضية المبايعة للإمام سيدنا علي ابن أبي طالب ... لأن أول من بايعه سيدنا طلحة بن عبد الله أحد العشرة ... وكانت يده قد شلت في قضية أحد فيما اشتهر فقال حبيب بن ذؤيب ... إنا لله وإنا إليه راجعون ، وأول من بدأ بالمبايعة يد شلاء لا يتم هذا الأمر. ولما سمع الأمير الراشدي المقاتلة (كذا) أسرها في نفسه وأضمر الفتك بمن سيظفر به من علماء وأولياء غريس ، فكان بعد ذلك بينه وبينهم من العداوة الواضحة التغريس» (ص 402).
وبعد هذا استطرد المؤلف للحديث عن المخزن ، وإحداث الدواير والزمالة واستسلامهم للفرنسيين وإمضائهم معهم معاهدة من 12 بندا لتنظيم العلاقة بينهم. وقد تحدث بتوسع عن مقاومة الأمير عبد القادر ومعاركه كما قلنا ، وذكر أحداث أسرى سيدي إبراهيم ، وعين تيموشنت وبلعباس وتلمسان ، ومعارك المقطع والهبرة ، وآرزيو ، ومستغانم ووهران ، ومسرقين ، وموقف سلطان المغرب الأقصى عبد الرحمن بن هشام منه ، ومحاربته له ، ومقتل بلأحمر ، وبعثة البوحميدي إلى فاس ، وأسره وقتله بالسم ، وشرح بالتفصيل كذلك بعض خلفيات استسلام الأمير عبد القادر ومما قاله في هذا الصدد : «ولما رأى الأمير قلة جيشه صعد ليلا لبني يزناسن ، ومن الغد أخذ عياله وصار بمن معه في التردد هل يرجعون لناحية الدولة أو يذهبون على وجدة لناحية توات. وقد سدت عليه الدولة طرق المجاز وهو لا علم له بذلك ، ثم أسرع السير بقصد أن يأخذ أسفل الجبل ويصعد على وجدة ويذهب لصحراء المغرب إلى أن يصل إلى توات ، ويستريح من جميع المهالك ، فبينما هو سائر إذا به وجد نفسه قد دخل بعسة الدولة وكان

في تلك العسة رجلان أحدهما يقال له محمد بن خوجة الزمالي والآخر يقال له أحمد بن حطاب الدايري ، وهما من أهل السياسة في الفعلة والقولة ، فاجتمعا به وعرفاه بأنفسهما وقالا له أيها الأمير أين تريد الذهاب ، فأخبرهما بالواقع ، فقالا له نحن لا طاقة لنا على إهلاكك ولا تسريحك للجواز بغير ارتياب ، ولكن الرأي عندنا الذي ندلك عليه هو أن تسلم نفسك للدولة وتكتب لهم بأنك رجعت لهم برضاك ونحن نضمن لك إن شاء الله تعالى أن لا يقع لك شيء وتريح نفسك من هذا التعب ونحن من تلامذتك فقد رأينا لأن لك مصلحة وتصير من أهل الراحة لا من أهل الوصب. فقال ، فوافقهما على ذلك وكتب لهما كتابا للجنرال لمنسيير (لامورسيير) يطلب فيه من الدولة الأمن والأمان ، فأخذ محمد بن خوجة الزمالي تلك الرسالة وذهب مسرعا لولد الرأي ، وأبي هراوة (لامورسيير) «ص 508».
وقد ترجم المؤلف للأمير بعد استسلامه وتتبع مراحل حياته باختصار في فرنسا ، ودمشق الشام إلى أن توفي عام 1883 م ، وأشاد به وبخصاله ، وأعماله ، وبعد ذلك ترجم لحياة نابوليون الثالث ، الحاكم الثالث والسبعون. من ملوك فرنسا ، وأشار إلى أحداث ثورة أولاد سيدي الشيخ باختصار ، وإلى زيارة نابوليون الثالث للجزائر عام 1860 وعام 1865 ، وأورد خطابه الذي ألقاه على السكان الجزائريين.
وختم هذا المقصد الرابع ، وهذه الدولة التاسعة ، باستعراض أسماء الحكام الفرنسيين الذين حكموا الجزائر إلى عهده وعددهم 27 حاكما ، آخرهم ترمان الذي كان ما يزال يحكم تلك السنة عام 1890 وأسماء الضباط الذين حكموا وهران وعمالتها وعددهم 14 حاكما لغاية عام 1890 كذلك.
وذكر أن مساحة عمالة وهران 972 ، 572 ، 11 هكتارا ، منها :
ـ 972 ، 979 ، 2 ه‍ تخضع للحكم المدني.
ـ 800 ، 572 ، 8 ه‍ تخضع للحكم العسكري.
وأن فرنسيي الجزائر ينقسمون إلى ثلاثة طوائف :
1 ـ الخاصة : وهم العسكريون ويتوزعون على سبعة أصناف أو طبقات :

الكبلار : والمرسلوجي : والفسيان :(L'officier).
والقبطان :(Le capitaine) والكماندات :(Le commandant) والكولونيل : (Le colonel)
. والجنرال (Le General) (1).
2 ـ العامة : وهم المدنيون ، وعبر عنهم بطبقة العمومي ، ويتوزعون إلى أربع طبقات:
المير :(Le Maire) والأدمنيستراتور :(L'administrateur).
والسوبريفي :(Le sous ـ Prefet) والبريفي :(Le Prefet).
3 ـ الشرعي : وعددهم أربعة :
الجوج :(Le Juge) ووكيل الدولة :(Procureur D'etat).
والبريزيدان :(Le President) والبّروكيرو جينيرال :(Procureur General)) (2).
وقد استغرق هذا العهد التاسع أو هذه الدولة التاسعة 208 صفحة من المخطوط ، وهو ما يمثل ثلثي المخطوط كله : ويبدو أنه أراد أن يتقرب من السلطات الفرنسية بتوسعه في عهدهم وفترتهم ، وتاريخ بلادهم فرنسا ، فأقحم نفسه في موضوع ليس من تخصصه ، ولا شك أن أحدا من المتخصصين هو الذي زوده بالمعلومات التي صاغها في مخطوطه بأسلوبه هو ، أو أسلوب من كتب المخطوط كله.
ـ المقصد الخامس : في ذكر مخزنها وهو عين المراد ، واستغرق 60 صفحة من المخطوط رغم أنه عين المراد كما ذكر المؤلف نفسه. وقد استعرض فيه المؤلف فرق المخزن والعائلات المخزنية بكثير من التفصيل وأورد شجرات
__________________
(1) الكلمة الأولى والثانية لم نفهم معناهما والباقي وضعنا أمام كل واحدة نصها الفرنسي الأصلي وترجماتها الحرفية : الضابط ، والقائد ، والمقدم ، العقيد ، واللواء.
(2) الكلمات الفرنسية من وضعنا ومعناها على التوالي : شيخ البلدية ، والمحافظ ، ونائب الوالي ، والوالي ، والقاضي ، ووكيل الدولة ، والرئيس ، ووكيل الدولة العام.

النسب لها ولفروعها ، وفرقها في الغرب الوهراني ، وذلك منذ عهد الأتراك حتى عهده هو أواخر القرن 19. وقد تتبع أصول هذه العائلات منذ القدم بالجزيرة العربية ، وخلال هجرة عرب بني هلال إلى هذه البلاد المغربية ، ووضح ذات الأصل العربي من غيره ، وتتبع تاريخ زعمائها من العهد التركي إلى عهده هو. وتأثر بابن خلدون في وضع شجرات نسب فرق وقبائل المخزن.
وقد عرف المزري المخزن بقوله : «إن المخزن هو الناصر للدولة كيفما كانت ، وحيثما وجدت وتملكت وباتت ، والنسبة إليه مخزني ، ومخازني ، مفرد المخازنية في تحقيق المباني وسمي بذلك لأنه يخزن بصدره ما يولمه إلى وقت الظفر وحصول الانتقام فيفعله بصاحبه وبه يلزمه ، وقد يطلق المخزن مجازا على دار الحاكم نفسها في المستبن ومنه قولهم إني ذاهب إلى دار المخزن».
ثم ذكر أن مخزن وهران على قسمين وهما : المخزن الشرقي والمخزن الغربي ، فالشرقي هو نجع المكاحلية ، وأولاد سيدي عربي ، وصبيح ، وأولاد العباس ، وغيرهم من أهل النواحي الشرقية من واد مينا إلى واد الشلف.
والغربي هو نجع الدواير ، والزمالة ، والغرابة ، والبرجية ، لا غير. فالدواير والبرجية إخوة يتناوبون الخدمة بينهما ويتداولونها وأصل الرياسة في الدواير للبحايثية ، وخلال عهد الأتراك صارت تدور بين ثلاثة فرق ومجموعات هي : البحايثية ، والكراطة ، والبناعدية. وصارت في عهد إيالة الدولة (الفرنسيس) للدوايرية ذات المحايثية. وهي نوبة بين هذه الفرق الأربعة بالترتيب ، ولو أن البحايثية هي أكثر الفرق التي تتولى رياسة المخزن.
وأصل الرياسة في البرجية نوبة بين فريقين في إيالة الترك وهما : النقايبية والبلاغة والزيانيون ، وفي عهد الأمير (عبد القادر) انتقلت لغيرهما ، ثم عادت لهما في عهد الفرنسيس مدة قبل أن تتمخض للنقايبية.
وينتمي البحايثية إلى أولاد المسعود من سويد ، وينحدرون من عرب بني هلال : المحال ، أو المطارف ، على خلاف في ذلك بين المؤرخين. وكان جدهم المسعود صاحب الرياسة على سويد خلال عهد بني مرين وبني زيان ، وتوارث أبناؤه الرياسة أبا عن جد خاصة في عهد الأتراك العثمانيين.

وينقسم البحثاويون أولاد البشير البحثاوي إلى أربع طبقات :
الطبقة الأولى : أولاد إسماعيل البحثاوي ، وعددهم سبعة أخوة هم : قدور الكبير ، وعثمان ، وقدور الصغير ، ومصطفى ، وعدة ، ومحمد ، والحاج بلحضري. وقدور الكبير هو والد الحاج محمد المزري والد المؤلف بن عودة المزري.
الطبقة الثانية : أولا عدة بلبشير ، وعددهم ستة أخوة ذكورهم : علي ومنصور ، وقدور ، وأعمر ، والحاج محمد ، والبرادعي الكبير.
الطبقة الثالثة : أولاد يوسف بلبشير ، الذي تولى قيادة الدواير على عهد الأتراك ، وخلف ولدين هما : عدة ، وعلي.
الطبقة الرابعة : أولاد الموفق بلبشير البحثاوي.
أما الكراطة : فهم أولاد الشريف الكرطي ، واسمه عبد الله بن عبد الرزاق التلاوي القرطي من شرفاء الراشدية بمدينة الكرط إحدى مدن غريس الغربي.
أما البناعدية : فنسبة إلى جدهم بن عدة بن خدة المنحدر من ذرية الشيخ السنوسي ، وأصلهم من أجواد واد الحمام ، من أجواد الحشم.
وأما الدوايدية : فأصلهم من هبرة ، وكان أبوهم داوود وكيلا على آغا عثمان بن إسماعيل البحثاوي بهبرة ، ومنهم الكولونيل بن داود.
وأما البرجية : فإن الرياسة فيهم انحصرت في النقايبية ، والبلاغة.
فالنقايبية : ينحدر جدهم من قبيلة خلافة ، وهم أبناء عم الأمير عبد القادر يجتمعون معه في الجد أحمد بن عبد القادر الشهير بابن خدة ، وسموا بالنقايبية نسبة إلى محمد أبي نقاب.
والبلاغة : نسبة إلى جدهم أعمر البلغي الزياني.
وفيما يخص الزمالة والغرابة : فهم فريق صغير ، وأخوة متناصرون. وقد اختصت الزمالة بتولية مناصب : الآغا ، والقايد ، على القسمة ، والعرش ، وانحصرت الرياسة في ثمانية أعراش منها وهي :

1 ـ المخاليف : نسبة إلى جدهم مخلوف ، وأصلهم من بني زروال.
2 ـ القدادرة : نسبة إلى جدهم قدور بن علي بن الحبوشي ، وهم أخوة للعلايمية.
3 ـ القرايدية : ويقال لهم المعايزية ، نسبة إلى جدهم قرادة أو إلى أحمد أبي معزة بن الحبوشي والد قرادة ، وهم أخوة للقدادرة والعلايمية.
4 ـ الوراردية : نسبة إلى جدهم وارد الذي ينحدرون منه.
5 ـ المخاترة : ويقال لهم الزوابيرية ، نسبة لجدهم القريب المختار ، ولجدهم البعيد الزبير ، ويقال لهم أيضا أولاد يحيى بالزبير.
6 ـ الونازرة : نسبة إلى جدهم ونزار الذي جاء على ما قيل من الساقية الحمراء.
7 ـ اليساسفة : نسبة إلى جدهم يوسف.
8 ـ الشوايلية : نسبة إلى جدهم أو جدتهم شايلة ، وهم من الحشم بغريس.
وأما الغرابة : فإنهم عرش ملتقط كالزمالة والدواير. ويطلق لفظ العبيد على الدوار ، وقد انقسم عرش الغرابة إلى عرشين : غربي ، وشرقي ، وانحصرت الرياسة في عرش الغرابة في ثمانية فروع هي :
1 ـ الوراردة : نسبة لجدهم موسى بن وارد.
2 ـ العلايمية : نسبة لجدهم أبي علام بلحبوش ، من منطقة تافيلالت.
3 ـ الخدايمية : نسبة إلى جدهم أبي خادم.
4 ـ الوناونية : نسبة لجدهم ونان ابن العبد من أهل غريس.
5 ـ السهايلية : نسبة لجدهم سهلية (أو محمد بن شاعة).
6 ـ المحاميد : نسبة لجدهم محمود بالحشم الشراقة ، وأصلهم من حميان.
7 ـ الرفافسة : نسبة لجدهم الرفاس من أولاد عوف.
8 ـ العوايلية : ويقال لهم أولاد بن عوالي نسبة لجدهم بن عوالي ، أو جدتهم عوالي ، وهم من جبال عمور بشمال الصحراء.

بعض الملاحظات حول محتوى المخطوط
ذلك هو ملخص شكل ومحتوى مخطوط : طلوع سعد السعود في أخبار وهران ومخزنها الأسود ، لمؤلفه الآغا بن عودة المزاري ، ومن خلاله نخرج بالملاحظات والنتائج التالية :
أولا : ليس هناك توازن بين مقاصده الخمسة التي هي أقسام له. فالأربعة مقاصد من ضمن الخمسة لا تحتل سوى سدس المخطوط ، وبالضبط سبعة وتسعون صفحة ، بينما المقصد الباقي يحتل خمسة أسداسه ، وبالتفصيل : المقصد الأول يحتل ثماني صفحات ، والثاني عشرين ، والثالث تسعا ، والرابع أربعمائة وستة وثمانين صفحة (486) والخامس تسعة وخمسين.
ومرد ذلك يعود إلى أن المؤلف اتبع وسلك أسلوب وطريقة الأقدمين في التأليف ، فحاول أن يتحدث عن كل شيء ، وأكثر من الحشو والاستطرادات ، بشكل كبير وواسع ، وأخرجه عن الموضوع الذي حدده لنفسه ، وجعله يتيه في موضوعات بعيدة عن موضوعه ، خاصة في المقصد الرابع الذي يمتد عبر فترة زمنية طويلة على مدى ثلاثة عشر قرنا والذي جعله يترك تاريخ وهران جانبا ، ويؤرخ لمعظم الدول الإسلامية بالمغرب والأندلس والبلاد العثمانية بالمشرق ، ولبلادي فرنسا واسبانيا.
ثانيا : ليست كل المعلومات التي جاء بها المؤلف في المخطوط صحيحه ، خاصة عندما يؤرخ لبلدان أوربية كفرنسا ، واسبانيا ، وبلدان شرقية كالدولة العثمانية ، أو عندما يتحدث عن المعلومات الجغرافية ، للقارات وبعض البلدان الأوربية ، فرغم سعة المعلومات التي سردها في مخطوطه الضخم الذي يقع في 582 صفحة ، إلا أنه اعتمد على السرد ، والنقول الكثيرة من مصادر متعددة ومتنوعة نثرية ، وشعرية ، لكل ما هب ودب ، ونادرا ما يدلي برأيه أو يعارض رأي غيره.
ثالثا : لغة المخطوط سهلة ، وبسيطة ، ولكنها كثيرة الأخطاء والأغلاط اللغوية ، وفي قواعد النحو ، والصرف ، والرسم ، والبلاغة ، ويطغى عليها السجع الممل غير البلاغي ، وغير السليم من الأخطاء في اللغة والقواعد ، والذي لا

يهدف إلا إلى الملائمة فقط بين خواتم الجمل والفقرات ، والكلمات ، ولو على حساب قواعد اللغة ، والرسم والبلاغة. وقد استعمل هذا السجع حتى في اسمه في صدر الصفحة الأولى من المخطوط حيث قال : «يقول العبد الضعيف الراجي عفو ربه وغفران سائر المساوي ، أبو إسماعيل ابن عودة الساري بن الحاج محمد المزري البحثاوي ، آمنه الله بمنه وكرمه ، ولطفه ، آمين ، آمين ، آمين ، آمين».
وأشرنا إلى بعضها فقط بكلمة : كذا بين قوسين. وأهملنا الباقي لكثرته.
رابعا : اعتمد المؤلف على مصادر عديدة تفوق الخمسين ، نثرية تاريخية ، وشعرية أدبية ، بعضها عامة ، وأغلبها متخصصة ، ولكنه لا يشير إلى الصفحات ، أو الفصول ، أو الأبواب ، ما عدا في كتاب دليل الحيران. وأكثر نقوله من كتب أبي رأس المعسكري ، ومن كتاب دليل الحيران لشيخه محمد بن يوسف الزياني ، واعتماده على هذه المصادر تم على ستة أشكال وطرق.
ـ الطريقة الأولى : يذكر فيها اسم المؤلف واسم كتابه بالكامل مثل :
عبد الرحمن بن خلدون في كتاب العبر.
يحيى بن خلدون في بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد.
ابن رشيق في ميزان العقل.
البكري في المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب.
ابن أبي زرع في روض القرطاس.
لسان الدين بن الخطيب في رقم الحلل.
ابن رشيق في ميزان العقل.
ابن أبي دينار في المؤنس في أخبار إفريقيا وتونس.
التنسي في نظم الدر العقيان في شرف بني زيان.
أبو الفوز السويدي في سبائك الذهب.
أبو محمد صالح في الأنيس المطرب بروض القرطاس.
ابن هشام في التيجان.
اليفريني في نزهة الحادي.
ابن خلكان في وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان.

محمد بن يوسف الزياني في دليل الحيران وأنس السهران وفي أخبار مدينة وهران.
أبو إسحاق الشاطبي في الجمان.
القسطلاني على شرح البخاري.
ابن بطوطة في تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.
أحمد بن عبد الرحمن البوشيخي الشقراني في القول الأوسط في بعض من حل بالمغرب الأوسط.
أبو راس المعسكري :
أ ـ عجائب الأسفار.
ب ـ عجائب الأخبار.
ج ـ الخبر المعرب.
د ـ الشماريخ.
ه ـ الحلل السندسية أو نفيسة الجمان.
و ـ روضة السلوان.
ـ الطريقة الثانية : يذكر فيها اسم الكتاب فقط دون الإشارة إلى مؤلفه مثل : صحيح الحكاية المؤذنة للنصارى بالنكاية.
در الأعيان في أخبار مدينة وهران.
بهجة الناظرين وآية المستدلين.
أنيس الغريب والمسافر.
المجسيطي.
ـ الطريق الثالثة : يذكر فيها اسم المؤلف مضاف إلى تاريخه هكذا :
الغازي بن قيس في تاريخه.
اليافعي في تاريخه.
أبو فارس في أرجوزته.
عبد الرزاق بن أحمادوش الجزائري في تاريخه.
ابن سعيد المغربي في تاريخه.

أبو الفداء الحموي في مختصره.
عبد الرحمن الجامعي في رجز الحلفاوي.
ـ الطريقة الرابعة : يذكر فيها اسم الكتاب مسبوقا بكلمة صاحب هكذا :
صاحب أثمد الأبصار.
صاحب القرطاس.
صاحب الجغرافية.
صاحب الخميس.
صاحب الخريدة.
ـ الطريقة الخامسة : يذكر فيها اسم المؤلف فقط مثل :
الرشاطي ـ الصفدي ـ القلصادي ـ ابن رزقون ـ ابن مطروح ـ ابن نحيل ـ الشيخ المشرفي ـ الشبراملسي.
ـ وهناك طريقة سادسة : لا يذكر فيها اسم المؤلف ولا كتابه وإنما يقول : قال بعضهم ، أو قال بعض مؤرخي النصارى. وهذا كله في القسم الأول من المخطوط لغاية صفحة 176 تقريبا. أما بعد ذلك ولغاية نهاية التأليف فإنه أهمل كل هذه الطرق والأشكال وأصبح يستعمل فقط الكلمات التالية : قيل ، يقال ، قال ، يحكى.
أما عندما يستشهد بالأشعار فإنه يذكر أصحابها دائما.
خامسا : ومع كل هذا فإن المخطوط يكتسي أهمية كبيرة من كذا وجه :
أ ـ في المخطوط تراجم وقوائم لعدد كبير من الشخصيات العلمية والدينية الصوفية ، اشتهرت بهم وهران سواء ممن أنجبتهم ، أو عاشوا وتوطنوا بها ، حتى أصبحوا من أهلها ، من القرن الثالث الهجري إلى زمن المؤلف في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ، ومطلع القرن الرابع عشر الهجري ، وجمع هذا الحشد من تراجم العلماء والأولياء في مخطوط واحد قلما توجد في غيره ما عدا في دليل الحيران ، وذلك طبعا بالنسبة لوهران ، وليس لغيرها ، ولو أن كل المعلومات نقلها عن شيخه الزياني في دليل الحيران كما اعترف هو بذلك.

ب ـ وفي المخطوط تفاصيل واسعة ومهمة عن مقاومة الأمير عبد القادر من أولها إلى نهايتها ، أوردها المؤلف كشاهد عيان لها تدخل في إطار المذكرات والتقاييد الشخصية له ، وهذه التفاصيل تتيح لنا قراءة جديدة لجهاد الأمير ، ومواقفه السياسية ، ومعاركه العسكرية وسلوكه مع رفاقه ، ومواقف رجال المخزن منه ، ومنهم : المزاري نفسه وأبوه الحاج محمد المزري ، وعمه مصطفى بن إسماعيل ، والدواير ، والزمالة ، والحشم ، والعلماء ، والتجار ، واليهود. ومواقف الفرنسيين منه ومن العائلات المخزنية والقاعدة الشعبية. إن هذا القسم سيقدم أشياء جديدة للمكتبة التاريخية الجزائرية الحديثة ، ويعطي تفاصيل جديدة ، وتقيما جديدا لكفاح وجهاد الأمير عبد القادر. وهذا مما يعطي الأهمية لهذا المخطوط ، مع الملاحظة أنه ليس من اللازم أن تكون كل المعلومات التي يقدمها لنا المزاري صحيحة خاصة وأنه في النهاية أصبح خصما للأمير ، وصديقا للفرنسيين إن لم يكن عميلا لهم.
ج ـ يكتسي المقصد الخامس والأخير أهمية خاصة لأنه أرخ فيه لفرق وقبائل المخزن بالناحية الغربية من عهد الأتراك إلى زمانه وأورد تفاصيل واسعة عن أنسابها ، وأصولها ، ووظائفها ، وسلطاتها ، ونفوذها ، وأدوارها سواء مع الأتراك ، أو مع الأمير عبد القادر ، أو مع فرنسا ، وقد تأثر فيه بأسلوب ابن خلدون في وضع شجرات الأنساب.
إن هذا المقصد ، بأحداثه وتفاصيله الواسعة ، يمثل درة المخطوط ويسمح بالقيام بدراسات واستنتجات هامة للحياة الاجتماعية ، والسياسية والاقتصادية ، والعسكرية ، ويكشف في الوقت نفسه على مدى سعة اطلاع المؤلف ، وحسن استيعابه للأحداث والتطورات السياسية والاجتماعية لهذه البلاد خاصة بايليك الغرب الوهراني منه ، هذا كله إن صح أن المخطوط من تأليفه هو.
د ـ كذلك يكتسي المخطوط أهمية خاصة بالنسبة للقسم الذي أرخ فيه لبايليك الغرب وباياته منذ أن ظهر البايليك في مطلع القرن السادس عشر إلى سقوطه عام 1831 م ، وللأحداث التي تخللت ذلك مثل دور رجال وقبائل

المخزن ، وسياسة البايات ، وثورة درقاوة ، وثورة التيجاني ، وأجهزة البايليك ، وتنظيماته الإدارية ، والاقتصادية ومواقف السكان من الحكام.
وفوق هذا كله يعتبر هذا المخطوط موسوعة بحاله لأحداث كثيرة ومتنوعة : تاريخية ، وجغرافية ، واجتماعية ، واقتصادية ، وسياسية وعسكرية ، ليس فقط بالنسبة لوهران والجزائر ، وإنما لكل بلدان المغرب ، والأندلس ، والمشرق العربي الإسلامي ، وأوربا ، وإفريقيا وآسيا ، وأمريكا ، والجزر الأوقيانية. وهذا بقطع النظر عن صحة المعلومات وجدتها ، فهذا موضوع آخر متروك للباحثين والمحققين. ومرتبط كذلك بشخصية المؤلف نفسه ومستوى ثقافته ، والفترة الزمنية التي أنجزه فيها. كل هذه الأمور والجوانب تتدخل في ذلك.
ه ـ في المخطوط مجموعة كبيرة من القطع والقصائد الشعرية الطويلة والقصيرة ، الفصيحة والملحونة. تتخله من أوله إلى آخره. أقصرها بيتان ، وأطولها 118 بيتا. ويوردها المؤلف للاستشهاد على حادث من الأحداث ، أو تدعيم. رأي أو توضيح مقولة ، أو تفنيدها ، طبعا نقلا من غيره خاصة دليل الحيران. وكتب أبي راس.
هل مخطوط طلوع سعد السعود
من تأليف المزاري؟
هذا سؤال كبير ، وتساول ، كان مطروحا منذ مطلع القرن الحالي ولربما كان مطروحا في حياة بن عودة المزاري نفسه أواخر القرن التاسع عشر. وهناك خلفيات ، وحيثيات كثيرة فرضت إطلاق هذا السؤال ، وذلك التساول ، يمكن بعد التعرف عليها واستعراضها ، التوصل إلى جواب قد يكون صحيحا مائة في المائة.
وسنوجز هذه الخلفيات والحيثيات في محورين اثنين :
المحور الأول : يتمثل في الإشاعات التي نقلها لنا مارسيل بودان عام 1924 ، ولخصها في الأمور التالية :

أولا : شاع في أوساط المتعلمين الأهالي بمدينة وهران بأن كتاب طلوع سعد السعود في الحقيقة ، والواقع ، هو عمل سي محمد بن يوسف الزياني الذي أرغم على التنازل عنه مقابل «وظيفة قاضي» لأسباب خارجة هنا عن الموضوع ، واستقبل من طرف عائلة المزاري ، وخدم الأخير كمعلم له.
ثانيا : ومن رأي هؤلاء المتعلمين أن ابن عودة المزاري ، رجل السيف والبارود (أي الحرب) ، وليس رجل القلم والسجادة ، ولا يقدر بواسطة الدروس التي تلقاها عن شيخه محمد بن يوسف الزياني ، أن يؤلف كتابا تاريخيا ، وليس بإمكانه ذلك.
ثالثا : إن مخطوط طلوع سعد السعود ، مقتبس ، ومنقول غالبا من مخطوط عن تاريخ وهران بعنوان : دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران. وهذا المخطوط مؤلفه معروف بالتحديد وهو محمد بن يوسف الزياني ولكنه لم يكن قد رؤي إطلاقا. وافترض البعض أن سي محمد بن يوسف الزياني أعطى اسما جديدا لمؤلفه التاريخي ، وذلك مما منح الحق للمزاري ، وسمح له أن يقول بأنه هو المؤلف لمخطوط : طلوع سعد السعود.
ومما ذكره مارسيل بودان في تقييمه لمخطوط طلوع سعد السعود قوله : «مهما يكن مؤلف طلوع سعد السعود ، فمما لا شك فيه أنه تابع لعائلة آغوية من الدواير ، أو كان يعيش في وسطها لأنه استطاع أن يقدم لنا فيه معلومات مهمة حول أحداث تخص حكومة الداي حسين ، ثم إن طلوع سعد السعود يقدم معلومات مفصلة جديدة غير معروفة ، أو يكمل ، أو يصحح ، معلومات كانت معروفة من قبل.
«وعلى العكس في بعض الأحيان يسكت إطلاقا عن بعض الأحداث مثل قيام الباي حسن بقتل صهره الخاص مصطفى تشورمي : Tcheurmi وأحيانا يشرح بكيفية سيئة سكوته عن حدث كان بإمكانه أن يوضحه ويعدله ، حتى في بلاد الإسلام ، حيث حوادث عائلته حصلت بكيفية متواترة».
«وطريقة المؤلف في التأليف واضحة ، وسريعة السرد ، عن طريق السجع.

يتوسع أحيانا ، ويفصل أحيانا ، ويستعمل أحيانا ألفاظا وجملا لا معنى لها اطلاقا سوى كونها تتلاءم مع السجع» (1).
المحور الثاني : يتمثل في المقارنة بين كتاب : دليل الحيران للزياني ، وطلوع سعد السعود للمزاري فيما يخص : المخطط ، والعناوين والأقسام ، والترتيب ، والمحتوى. وهذه المقارنة هي التي ستكشف لنا الحقيقة ، وأكاد أجزم أنها ستقدم لنا الجواب الصحيح.
المقارنة بين دليل الحيران وطلوع سعد السعود
فيما يلي هذه المقارنة مع العلم بأن كتاب دليل الحيران الذي اعتمدناه في هذه المقارنة ، هي النسخة التي حققها ونشرها الشيخ المهدي البو عبدللي البطيوي ، وليس المخطوط نفسه. وهي نسخة مبتورة في الوسط ، وفي الأخير ، ولكنها مع ذلك صالحة للمقارنة كما سنرى :
ـ قسم محمد بن يوسف الزياني كتابه : دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران إلى أربعة فصول :
الأول : في التعريف بوهران.
الثاني : في ذكر من اختطها وأي وقت ولماذا سميت بوهران.
الثالث : في ذكر بعض علمائها وأوليائها ومن جلب لها الماء إلى أن صارت مورد ضمآن.
الرابع : في ذكر من ملكها من حين اختطت إلى هذا الزمان.
ـ وقسم بن عودة المزاري كتابه : طلوع سعد السعود في أخبار وهران ومخزنها الأسود إلى خمسة مقاصد :
الأول : في من بنى وهران وأي وقت بنيت فيه ووصفها بالتعريف.
__________________
(1) MARCEL BODIN : lA BREVE Chronique du bey hassan. EXTRAITE et TRADUITE de la Tal'AT ـ OS ـ SA'D ـ IS ـ SO'OUD. de MAZARI. societe de geographie et d'archeologie d'Oran. T. XLIV. I 429. P. 32. 52.

الثاني : في ذكر بعض أوليائها بحسب الاستطاعة والتعرض بالذكر إلى من هو منهم شريف.
الثالث : في ذكر بعض علمائها من حيث بنيت إلى الآن.
الرابع : في ذكر دولها على سبيل الترتيب من حيث بنيت إلى هذا الزمان ، وما أذكر من غيرهم فذلك رغبة لإتمام الفائدة.
الخامس : في ذكر مخزنها وهو عين المراد والتعرض إلى سيرته الجميلة التي لا يكون فيها الانتقاد.
ويتضح من هذا التقسيم أن المزاري قلد شيخه الزياني في عناويه ونقلها عنه حرفيا وخالفه فقط في إطلاقه على الفصل اسم المقصد ، ثم أن المزاري أدمج الفصلين : الأول والثاني من دليل الحيران ، في مقصد واحد بكتابه ، وعكسهما فقدم الثاني وأخر الأول. وأهمل الفقرة التي خصها الزياني لاستعراض الأقوال السبعة التي تخص تسمية المدينة بوهران.
وعلى العكس من ذلك قام المزاري بتقسيم الفصل الثالث من دليل الحيران إلى مقصدين اثنين في كتابه : واحد تحدث فيه عن أولياء وهران ، والآخر عن علمائها. ونقل ذلك حرفيا عن الزياني ، وأهمل التفاصيل التي أوردها الزياني عن ركن الدين ابن مجرز وهراني.
أما الفصل الرابع : فقد اتبع فيه المزاري نفس التقسيم الذي وضعه الزياني في دليل الحيران ، ونقله عنه حرفيا. وقد قال الزياني : «اعلم أنّ الذين ملكوا وهران من حين اختطت إلى هذا الزمن تسع دول وأما الأدارسة ، والسليمانيون فلم أذكرهم لأنهم لم يملكوا وهران».
ثم أخذ الزياني يستعرض الدول التسعة على الشكل التالي :
الدولة الأولى : مغراوة عمال الأمويين أمراء الأندلس والكلام عليهم في خمسة مواضيع:
الأول : في التعريف بهم وذكر نسبهم.
الثاني : في بطونهم.
الثالث : في ذكر علمائهم وأوليائهم.

الرابع : في ذكر سبب إسلامهم وصيرورتهم موالي لبني أمية.
الخامس : في ذكر من ملك منهم وهران.
وقد نقل المزاري نفس عنوان الزياني ، وأغفل الموضوعات الأربعة الأولى ونقل حرفيا الموضوع الخامس بحذافيره.
الدولة الثانية : العبيديون ، وهم الشيعة ويقال لهم الرافضة والكلام عليهم في خمسة مواضيع :
الأول : في ذكر أنسابهم.
الثانية : في ذكر أصحاب الإمامة المعدين للمهدي منهم.
الثالث : في سبب تسميتهم بالشيعة.
الرابع : في سبب مصير الملك إليهم.
الخامس : في ذكر ملوكهم ومن ملك منهم وهران.
وقد اختصر المزاري الموضوعات الأربعة الأولى في نصف صفحة ، ونقل الموضوع الخامس بحذافيره مع بعض التصرفات الطفيفة ، تحت نفس العنوان من الزياني.
الدولة الثالثة : المرابطون ، ويقال لهم لمتونة والملثمون وصنهاجة.
والكلام عليهم في خمسة مواضيع :
الأول : في نسبهم.
الثاني : في وقت مسيرهم للمغرب.
الثالث : في ذكر قبائلهم وبطونهم.
الرابع : في ذكر علمائهم.
الخامس : في ذكر فرقهم ، ومن ملك منهم وهران.
وقد نقل المزاري نفس العنوان ، واختصر الموضوعات الأربعة الأولى في نصف صفحة ، ونقل الخامس على ما يبدو بحذافره أو على الأقل ما بقي منه. لأن نسخة دليل الحيران مبتورة هنا ابتداء من قوله : الفرقة الثانية من صنهاجة لمتونة وهم الملثمون. كما ضاع منها موضوع : الدولة السادسة في أولها وهم بنو

مرين. فأما أن يكون المزاري قد انتزع هذه الأقسام من دليل الحيران وأدخلها وأدمجها بعينها في كتابه ، وأما أن يكون قد نقلها من نسخة أخرى كاملة.
وقد اختصر المزاري موضوع تسمية المرابطين وأصل موطنهم وبلادهم في أربع صفحات ، وتوسع في الحديث عن ملوكهم وأمرائهم على عادته وبنفس الأسلوب وختم حديثه عنهم باستعراض الفرق الثلاثة التي انحدروا منها.
الدولة السابعة : الاسبانيون نسبة لاسبانيا ، والكلام عليهم في ستة مواضيع :
الأول : في ذكر نسبهم.
الثاني : في بيان أرض الاسبانيين وحدودها.
الثالث : في بيان مساحتها ، وعدد سكانها الآن ، وأقسام ولاياتها ، وأشهر مدنها ، وجبالها ، وأوديتها.
الرابع : في بيان محلها من أوروبا.
الخامس : في بيان من ملك تلك العدوة سابقا.
وقد نقل المزاري هذه الموضوعات نقلا يكاد يكون حرفيا بنفس الترتيب مع إهمال ذلك التقسيم.
الدولة الثامنة : الترك ويقال لهم الأتراك والكلام عليهم في ستة مواضيع :
الأول : في ذكر نسبهم وبطونهم ومسكنهم.
الثاني : في سبب انتشارهم في الأرض.
الثالث : في سبب مجيئهم إلى الجزائر وأي وقت جاؤوا وكم مكثوا بالجزائر.
الرابع : في ذكر ملوكهم في الإسلام ومن ملك منهم وهران.
الخامس : في ذكر باشاتهم بالجزائر ، ومنهم من يجمعهم على باشوات ، ومن ملك منهم وهران.
السادس : في ذكر معنى الباي وكيفية تصرفه وعمله بالعوائد.
وقد نقل المزاري نفس عنوان الزياني : وتحدث عن هذه الموضوعات الستة بنفس الترتيب دون الإشارة إلى ذلك التقسيم. ويكاد يكون النقل حرفيا.

الدولة التاسعة : الفرنسيس ، ويقال لهم الفرنج ، والكلام عليهم في سبعة مواضيع. الأول. ا. ه. وقد توقف الزياني عند هذا العنوان وبهذين الحرفين ألف وهاء ، دليلا على انتهائه ، وعدم اكماله للفصل الرابع كما وعد في بدايته.
أما المزاري فبعد أن نقل هذا العنوان كما هو في دليل الحيران ، أرخ لهذه الدولة حسب مخطط الزياني بالتتابع وبالترتيب ، دون أن يشير إلى ذلك التقسيم كما هي عادته في الأقسام الماضية ، وتوسع في هذه الدولة توسعا كبيرا استغرق (208) مائتين وثماني صفحات وهو ما يعادل أكثر من ثلث المخطوط. وحاول أن يؤرخ لتاريخ فرنسا ، وأغرق نفسه في مواضيع ليست في متناوله. وذلك رغبة منه على ما يبدو في التقرب من الإدارة الفرنسية التي كان يعمل تحت إمرتها ، ووفق أوامرها ، وتعليماتها.
إن هذه المقارنة تثبت بما لا يدع مجالا للشك ، بأن مخطوط : طلوع سعد السعود ، إما أن يكون للزياني نفسه ونسبه المزاري لنفسه لظرف من الظروف التي حكى منها شيئا ، مارسيل بودان ، أو يكون المزاري نقله حرفيا من كتاب دليل الحيران للزياني ، وتصرف فيه قليلا بالحذف ، والاختصار ، والتقديم والتأخير ، واستغل مركزه كآغا ليقنع شيخه الزياني ، أو يرغمه على السكوت ، وقبول الأمر الواقع ، وليس هناك تفسيرا آخر غير هذين الافتراضين.
وللشيخ المهدي البو عبدلّي البطيوي الذي حقق ونشر مخطوط دليل الحيران للزياني ، رأي آخر فيما يخص القسم الأخير الذي عنون له المؤلف ، ولم يكمله. فقد قال في المقدمة التي وضعها للكتاب : إن التأليف الذي يحمل اسم «أقوال التأسيس عما وقع وسيقع من الفرنسيس». ونسب إلى أبي راس المعسكري ، ووضع ضمن قائمة مؤلفاته ، ليس له «لأن المتأمل فيه يدرك من أول وهلة أنه كتب بعد الاحتلال الفرنسي ، وأبو راس كما نعلم توفي حوالي سنة 1237 (1) أي قبل الاحتلال الفرنسي بسنوات».
__________________
(1) الصحيح أن أبو راس توفي يوم 15 شعبان 1238 الموافق لشهر أبريل 1823 م. وقد حصلنا على قائمة تآليف الشيخ أبي راس التي وضعها بنفسه تحت عنوان : شمس معارف التكاليف في أسماء ما أنعم الله به علينا من التآليف. تحمل رقم 136 ، وتاريخها 22 ـ

ومن رأي الشيخ المهدي البو عبدللي أن مؤلف هذا الكتاب هو الشيخ محمد بن يوسف الزياني أو أحد سكان قرية البرج مقر أسرة المخفي.
ومما قاله : «وفي آخر الجزء الثاني عقد المؤلف عنوانا للعهد الفرنسي فقال : «الدولة التاسعة الفرنسيس ويقال لهم الفرنج والكلام عليهم في سبع مواضع». لكنه أنهى تأليفه عند هذا العنوان. ولا شك أنه لم يرد أن يتورط ، فاختار طريقة أخرى سجل فيها الأحداث الهامة في العهد الأول من الاحتلال وحذر مواطنيه من عواقبها وأفرغ ذلك كله في قالب التنبؤات التي كان أفراد الشعب خصوصا المتدين يؤمن بها ، إذ لم تفارق عقيدة المهدي المنتظر «الذي يملأ الدنيا عدلا» الطبقات المؤمنة في بلاد المغرب العربي ، ومؤلفنا أمكنه أن يتخلص من الورطة فينسب تأليفه الذي هو عبارة عن صفحات للمؤرخ أبي راس المعسكري الناصري ، كما أمكنه أن يسجل هذا التأليف أي عنوانه في آخر رحلة أبي راس التي ذكر فيها تأليفه وقد تناقل هذا التأليف معظم المثقفين ، وقد بلغ خبره للسلطات فبذلت جهودا للتحصيل عليه خصوصا في الحرب العالمية الأولى ، فقد فتشوا المنازل وسجنوا كثيرا من الطلبة الذين كانوا يشكون أنهم يملكونه ، كما أمكن لمؤلفه الحقيقي أن يحتفظ بسره حيث لم يعرف نسبته إليه إلا أقلية واسم الكتاب : «أقوال التأسيس عما وقع وسيقع من الفرنسيس». وقال أيضا «وهذا التأليف تختلف كثير من نسخه وإن كانت تتفق في جوهر الموضوع الذي هو شبه مذكرات لرجل عاش في الفترة الأولى من عهد الاحتلال الفرنسي واطلع على نوايا الاستعمار وأهدافه ، فسجلها بعد ما أفرغها في قالب التكهنات أو التنبؤات» ثم قال : «وهذه الرسالة هامة تحتاج إلى دراسة خاصة ، فالذي نتحققه أن نسبتها للمؤرخ أبي راس مستحيلة فقد كتبت بعد الاحتلال الفرنسي بمدة طويلة وبعد إنهاء الأمير عبد القادر المقاومة ، وقد ذكره صاحب الرسالة وفي نفسه منه شيء فخصه بسطور نسب فيها لأعوانه الظلم والفوضى ، ولا شك أن
__________________
ـ رجب 1232 ه‍ (4 أبريل 1823 م). وبها ، 136 عنوانا آخرها هذه القائمة. ومن ضمنها عنوان : أقوال التأسيس عما وقع أو سيقع من الفرنسيس .. ويحمل رقم 85. وقد استعملت الأرقام الغبارية في تعداد هذه القائمة مما يوحي بأنها منسوخة ، وليست الأصلية التي كتبها الشيخ أبو راس نفسه.

المؤلف الذي كان من سكان البرج وكان البرج مقر أسرة المخفي ، حتى لا زالت تحمل اسمه الآن ، الذين كانوا من أعوان الأتراك ثم انضموا إلى الفرنسيس وحاربوا الأمير ، فانتقم منهم الأمير شرّ انتقام. فقد أوقد فيها النيران وسجن جل سكانها ، فلربما بقي في نفس القاضي البرجي شيء».
وقال كذلك : «وأقل ما نستفيده من هذه الرسالة أو التأليف ، بقطع النظر عن مقصد مؤلفه الحقيقي ، هو الاطلاع على صفحات من تاريخ الجزائر ، تصور انطباعات شاهد عيان ، اطلع على أحداث أوائل الاحتلال ، إذ المصادر العربية المسجلة لذلك العهد قليلة. ولنرجع إلى الحديث عن النسخة الثانية من : «قول التأسيس مما وقع وسيقع من الفرنسيس» وهي وإن كانت تتفق مع الأولى في جوهرها. يظهر أن صاحبها اختصرها وزاد فيها وتأخرت كتابتها إلى أوائل الحرب العالمية الأولى واعترف صاحبها بأنه لا يريد أن يطلق العنان لتنبؤه إذ أمر بذلك» (1).
وقد ذكر الشيخ المهدي البو عبدللي بأن مؤلف دليل الحيران الشيخ محمد ابن يوسف الزياني البرجي ، ينتمي إلى أسر علمية بنواحي مدينة برج عياش المشهور الآن ببرج ولد المخفي قرب معسكر. وأن جدّه أحمد بن يوسف الزياني كان من العلماء المستشارين عند الباي إبراهيم الملياني (1170 ه‍). وقد تولى مؤلف دليل الحيران القضاء بمدينة البرج سنة 1861 حسبما وجد ذلك في وثيقة رسمية كاتبه بها الحاكم العسكري الفرنسي للناحية ، ثم انتقل عام 1883 إلى مدينة تليلات ليتولى نفس الوظيفة ، قبل أن ينقل إلى مدينة سيق كذلك لنفس الوظيفة : قاضيا.
وكان ما يزال حيا في مطلع القرنين : الرابع عشر الهجري ، والعشرين ميلادي. وذكر الشيخ المهدي أنه اطلع على كثير من فتاواه وتعاليقه على بعض الكتب ، وعلى مراسلاته لبعض علماء البلد ، ومنهم العالم علي بن عبد الرحمن الجزائري مفتي وهران الشهير الذي كاتبه عام 1320 ه‍ (1902 ـ 1903 م).
__________________
(1) محمد بن يوسف الزياني : دليل الحيران وأنس السهران في أخبار مدينة وهران. تقديم وتعليق المهدي البو عبدللي (الجزائر ـ 1978) ص 13 ـ 17.

وقد خلف بعد وفاته ابنا فقيها تولى إمامة مسجد بناه له صهره بمدينة سيق وبقي به حتى توفي ، كما خلف بنتا ذات شهرة في مدينة وهران وولايتها ، لأنها تمردت على عادات البلاد ، وصارت تخرج سافرة ، وتمارس أعمال الفلاحة لأسرتها وتشارك زوجها في أعماله وكان غنيا ويملك أراضي شاسعة. ويعمل موظفا لدى الإدارة الفرنسية كذلك ، لأن أسرته من أسر المخزن في عهد الأتراك ، وأقرها الفرنسيون على ذلك في عهدهم.
وبما أنها كانت تركب الخيل وتشارك في ألعاب الفروسية ، وتستقبل زوار زوجها وتشارك في الحفلات التي كان يقيمها الولاة العامون بالجزائر لأعيان البلاد ، فإن الناس كانوا يدعونها : «القايدة حليمة». وعند ما حجت أصبحت تدعى : «الحاجة حليمة» ، وتوفيت أوائل الحرب العالمية الأولى.
إن النسخة التي حققها ونشرها الشيخ المهدي البو عبدلّي لدليل الحيران ، ناقصة ومبتورة في الوسط ، ينقصها جزء من الدولة الثانية وهم المرابطون ، وكل الدولة الرابعة وهم الموحدون ، وكل الدولة الخامسة وهم بنو زيان.
وهذا القسم المبتور موجود كله في مخطوط : طلوع سعد السعود. وينقصها في الأخير ، الدولة التاسعة ويقال لهم الفرنج والكلام عليهم في ستة مواضيع. الأول. ا. ه.
وهذا القسم طويل جدا في مخطوط طلوع سعد السعود. يقع في مائتين وثمانية من الصفحات. ألا يكون المزاري أخذ هذه الأقسام الناقصة والمبتورة من مخطوط : دليل الحيران لأستاذه الزياني ، وضمها إلى مخطوطه بعنوانه الجديد ، طلوع سعد السعود.
سؤال مطروح. وسيبقى كذلك مطروحا إلى أن يتم العثور على النسخة الكاملة لدليل الحيران ، وعلى بعض الوثائق التي تسمح بالمقارنة والاستنتاج ، والخروج برأي صحيح ونهائي.
بقيت بعد هذا كلمة أخيرة حول المقصد الأخير من كتاب طلوع سعد السعود الذي خصصه المزاري للتأريخ لمخزن وهران ، وهذا المقصد لم يشر

إليه الزياني وهو المقصد الوحيد الذي لربما يكون من تأليف المزاري باعتباره من رجال المخزن. أو أحد أقاربه المثقفين من رجال المخزن كذلك ، إذا لم يكن الزياني نفسه ، لأنه من بلد المزاري ، ومن العائلات العلمية المشهورة بالمنطقة ، له خبرة ودارية بتاريخ العائلات المخزنية.
وهران ـ حي الصادقية
الأربعاء 6 شوال 1407 ه
3 جوان 1987 م
د. يحيى بو عزيز
جامعة وهران




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

بناء شخصية  الأطفال   ...