الخميس، 8 مارس 2018


جزء الثاني من الكتاب بإ سم : طلوع سعد السعود  ( الرحلة الورتلانية البجائية1 ) الجزء الرابع   من الكتابة
المذكور. وبموته دخل الرعب قلب العدو وساعده الفرور. فغنمت أموالهم وأتلادهم ، وسبيت نساؤهم وأولادهم. ومات منهم خلق كثير. ومات من المخزن ثمانية فوارس ما بين الدواير والزمالة منهم قائدان قول شهير. فحصل في ذلك اليوم للمخزن من الجنرال وأعيان الدولة الثناء الكبير. وبالغوا في شكر المزاري بجيشه وحل بالمخزن المدح الكثير ، قائلا لهم الجنرال هكذا أيها المخزن نعرفكم لما أشفيتم لنا ولأنفسكم العليل ، وأبردتم لنا ولكم الغليل ، وأخذتم الثأر فيمن تسبب في هلاك أبينا وأبيكم مصطفى بن إسماعيل ، الذي لحقنا الحزن منه بجزئه وكله ، وسنجدد الانتقام من العدو لأجله. ثم انتقلت المحلة ونزلت بالكرايش ، وكانت دائرة الأمير نازلة في الرشايقة من بلاد أولاد خلوف لحمل أثار الأحرار الباقية بمحل المعركة بغاية الترايش. وفي رابع جليت من السنة المسطورة ، الموافق للثامن والعشرين من رجب من السنة العربية المذكورة (241) ، نزلت المحلة بتيارت وسمعت بأن البعض من محلة الأمير أتوا لأخذ حب المطامير الذين هم للمذعنين. فركب المخزن ذو الغل والحقد على قاتل مصطفى ، والسرسور واتبعوهم إلى أن جاوزوهم اللوحة وأوصلوهم لسيدي العابد بالتبيين ، وقتلوا منهم أكثر من مائة وخمسين فارسا ، وغنموا مائة وتسعة عشر من الخيل أغناما حارسا ، ووقف الجنرال أبو هراوة هناك على ربوة / وعرض عليه رايس المخزن الحاج المزاري الخيول المغنومة فصففت أمامه في صحيح المنقول. ولما تأمل فيها بتمامها نزل من فوق فرسه للأرض وأمر المخزن بالنزول ، ثم قام فيهم بنفسه في الحين خطيبا ، رافعا لصوته ترغيبا لهم وتطريبا. وقال أيها المخزن السادات الكرام ، الشجعان الفرسان العظام ، يا جملة مخزن الدواير والزمالة ومن انخرط فيكم ، أنتم سادات الناس وليس لنا شك فيكم. فإني ما أمرتكم أن تأتوا بلا أخبية إلا لتأخذوا من العدو القاتل لمصطفى ثأركم ، وتزيلوا عنا وعنكم العار الذي حل داركم. وذلك مما هو واجب علي أن آمركم به وأعمى عنكم البصر لكون مصطفى قد أحزن الجميع ، وهو الذي دوخ الوطن ولو لا هو وابن أخيه بكم لم يكن لنا أحد بالمطيع. وقد لحقني لأجله الغضب

__________________
(241) 4 جويلية 1843 يوافق 6 جمادى الثانية 1259 ه‍ وليس 28 رجب.

والغيظ الشديد ، الذي زادنا بفقده ترادف الهم العتيد. وما تكلمت معكم به إلا لما نعرفه فيكم من الحماسة والبسالة ، لكونكم لستم من أهل الجبن والجزاعة المفضية للبطالة ، فغرضي بذلك أن أحرك لكم الإنافة باعلا (كذا) الأنوف ، لتموتوا عن آخركم أو تخلفوا الثأر بغاية القتال الكائن بالبنادق والسيوف. ولما خلفتم الثأر وأزلتم عنا وعنكم البخس والعار. فقد زال غضبي ، وذهب عطبي ، فإنكم اليوم عند الدولة بأعيانها في غاية العز والمكانة العالية أكثر مما كنتم فيه. وذلك شأن الرجال في مكائد الحروب السجالية فعليكم بالصبر على قضاء الله تعالى بالحكم له وحده منفرد به في ملكه وهو المتصرف فيه ، وأن الموت لازمه لكل مخلوق ، والفراق لا يخلوا (كذا) منه مخلوق.
قال الشاعر :
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
 

تعددت الأسباب والداء واحد
 
وفي اليوم المذكور وهو رابع جليت (كذا) سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف الموافق للثامن والعشرين من رجب سنة تسع وخمسين ومائتين وألف (1) تلاقى الجنرال بورجلي بالشريف بن عبد الله المتريس على الجيش الكثير في غيب زمورة ، فحصل القتال الذارع بين الفريقين وانهزم بن عبد الله بجيشه بعد ما قتل منه الكثير وصارت حالته مدمورة. ثم في الرابع عشر من جليت (كذا) الموافق لثامن من شعبان (242) اجتمعت المحال مع محلة الجنرال أبي هراوة بفرطاسة ، وتفرقت على غيب قربوسة وفليتة وأوديتها للتفتيش على العدو صاحب الحالة الغطاسة. فخرج الدواير والزمالة في الشرفة وأولاد سيدي يحيى وأولاد سيدي الأزرق ، فأسرفوا فيهم بالقتل وسبوا من نسائهم وأولادهم نحو الألف نسمة وأثخنوا فيهم إلى أن أذعنوا بالطاعة في القول المحقق ، وذهبوا بالسبي في عشرين جليت (كذا) الموافق لرابع عشر شعبان لوهران ، وذهب الأمير للناحية الغربية بالاتقان. وفي الحادي والعشرين من جليت الموافق لخامس عشر شعبان ، تلاقى به الكولونيل جيري بعيوت البرانس ووقع بينهما القتال بغاية ما
__________________
(241 م) 4 جويلية 1843 يوافق 6 جمادى الثانية 1259 ه‍ وليس 28 رجب.
(242) 14 جويلية 1843 م يوافق 16 جمادى الثانية 1259 ه‍ ، وليس شهر شعبان.

كان. فقتل منه الكولونيل مائتي وإحدى وخمسين رجلا منهم واحد مترجلا والباقي فوارس ، وأسر أربعة رجال وسبا (كذا) له جميع الزاد ومائة وإحدى / وعشرين فرسا من خيل الفوارس.
ولما رأى الأمير ذلك تقدم لغريس في اثنا عشر مائة مقاتل ثلثها رواجل ، وثلثها فوارس في غاية التواجل ، ما بين أنقاد والجعافرة وبني مطهر ، وهجم بهم على الحشم الذين بإزاء المعسكر ، وهم نحو السبعة دواوير في حكم آغة بالمصابيح ، ثم زاد إلى دخل (كذا) العرقوب وبابا علي في غاية التصاريح ، وحصل القتال بينه وبين أهل البلاد إلى أن أجلوه للكرط بالاحتكام ، ثم زاد للعسة التي تخدم في القنطرة والمدينة بواد الحمام ، فأثخن فيهم بالقتل الشديد ، إلى أن ترك الموتى أكواما بغير المزيد ، وجملة من بالعسة مائتان وخمسون نفرا ، فلم ينج منهم إلا من أطال الله عمره جهرا. وكان ذلك في السادس والعشرين من جليت (كذا) سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لعشرين من شعبان سنة تسع وخمسين ومائتين وألف (243) وفي اليوم السابع والعشرين من جليت (كذا) الموافق للحادي والعشرين من شعبان ذهب الجنرال أبو هراوة بمحلته والمخزن أمامه كأنهم العقبان إلى أن دخل بحلوية واجتمع بالقبرنور بأعلا (كذا) رهيو فجالوا في بني وراغ وجبال وانسريس بالتحرير ، وأذعن لهم بنوا مسلم والشكالة وحلوية والكرايش وجميع الأعراش التي هي في مصادقة الأمير قال وبعد واقعة واد الحمام ذهب الأمير للجعافرة واستقر ، وصار يغتنم الفرصة إذا ألفاها وافتقر ، واشتغل الجنرال بترتيب الأعراش وإدخالهم إلى التل وصير محمد بالحضري الملازم له آغة على الأحرار بالمرتل قال وفي أوائل أوت الموافق لأواخر شعبان وأوائل رمضان (244) ذهب من عند الجعافرة الأمير بجيشه إلى المرابطين أهل المسيد الذين بملغيغ ثم زاد للعين الصفراء بتاسلة وهو في التفريغ فسمع الكلونيل تمبور ليلا ببلعباس فخرج له بجيشه وقاتله إلى أن هزمه وقتل منه كثيرا
__________________
(243) 26 ـ 27 جويلية 1843 يوافق 28 و 29 جمادى الثانية 1259 ه‍ ، وليس شعبان. فالفرق شهران تقريبا.
(244) أوائل أوت 1843 م يوافق أواخر رجب وأوائل شعبان 1259 ه‍.

وبقتاله لزمه. ولما بلغ الخبر للدواير والزمالة خرجوا فورا من وهران ونزلوا بالجرف الأحمر بتليلات ، رائمين القتال الذين يصلو به لأعلى (كذا) الدراجات وفي سادس عشر أوت الموافق لثاني عشر رمضان (245) أتاهم الأمر بالذهاب ببلعباس ليكون أمام محلة الجنرال بيدو التي أتت من تلمسان فذهبوا وتلقوا بزيتوني أبي شارب خليفة الأمير على الجعافرة بوادي سفيون ووقع القتال إلى أن أسروه بنفسه وقتلوا منه كثيرا وفر الباقي في حال المغبون.
وأذعن دوي ثابت والأقل من الجعافرة وفرّ الكثير بعدما أخذوا ما بمطامير التل من الحب وحرق التبن في القول الشهير. وفي هذا اليوم نفسه خرج ستمائة فارس من المخزن في الجعافرة بواد الخشيبة المتخرج من سفيون ، فأثخنوا فيهم بالقتل وغنموا غنمة كبيرة وأتوا بالسبي للمخزن فكفاهم الجنرال مكافئة على ذلك بما هو مكنون. وحصل الثناء الجميل للمخزن على فعله ، وما ذلك إلا لكون الفرع في الخصال تابع لأصله. وفي العشرين أوت الموافق للسادس عشر رمضان (246) نزلت المحلة بحسيان تود موت ، وتلاقت بالعدو فقاتلته كثيرا إلى أن هزمته وسبت منه كثيرا وأتت بعدة أسارى والزاد في المثبوت. وفي السادس والعشرين من أوت الموافق للثاني والعشرين من رمضان (246) خرج الجنرال لموريسير بمحلته / فلقي محلة من محال الأمير التي كانت نازلة بوادي بربور. فقاتلها إلى أن قتل منها كثيرا وغنم أخبيتها وسائر بارودها وسلاحها وكسوتها وغير ذلك من أمتعتها وصار بفرح وسرور. وأما الأمير فإنه ذهب بالمحلة التي كانت معه إلى الحساسنة وهجم على محلة الكلونيل جيري باشتهار ، فقاومته تلك المحلة كثيرا وأثخنت فيه بالقتل والسبي إلى أن رجع إلى الفرار وخلص في تلك الواقعة من الدخول في الحبالة ولما رأى ذلك وتحقق بأنه وإن طال أمره لا بد من وقعة في الحبالة ، وبعث إلى جيشه الذي كان تحت رئاسة خليفته السيد محمد بن علال أحد أولاد سيدي علي بن مبارك الشجاع المشهور. وكان هذا الخليفة يحب الصلح مع الدولة كثيرا وليس كأهل الشرور. وفي السابع عشر
__________________
(245) 16 أوت 1843 م يوافق 20 رجب وليس رمضان.
(246) 20 أوت 1843 يوافق 24 رجب ، و 26 أوت يوافق 30 رجب 1259 ه‍.
(246) 20 أوت 1843 يوافق 24 رجب ، و 26 أوت يوافق 30 رجب 1259 ه‍.

ستانبر (كذا) سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف (كذا) الموافق للرابع عشر من شوال سنة تسع وخمسين ومائتين وألف (247) خرج الجنرال لمورسير أبو هراوة بمحلته من وزغت قاصدا لليعقوبية دون علم له بالمحال التي فيها الأمير نازلا بفوفط من أرض اليعقوبية فتركها الأمير إلى أن وصلت لسيدي يوسف وحلت بالوعر ، هجم عليها في أربعمائة فارس مقاتل في المشتهر وأثخن فيها بالقتل الشديد سيما من السرسور فإنه أفشا (كذا) فيه بما ما له من مزيد ، وغنم من المحلة ما ليس له إحصاء ، ولا انتها (كذا) ولا استقصاء ، وأخذ عددا كثيرا في أسره وفرح بنهيه وأمره. ولما رأى رجل من المحلة الجنرال يقال له اسكوفي من أهل الزمار ، ما وقع بالمحلة وتفرقه وموته وحلوله بالايسار ، وضرب زماره على باقي الجيش ، وهو في الافتراق والطيش فاجتمع وهجم على الأمير ، وقاتله إلى أن قتل منه كثيرا ومن جملة القتلى ابن خليفته ابن عبد الباقي الذي مات بالنوحة ورجلا كبراء الحشم الغرابة بالتحرير ، يقال له أبو زيان ولد باسيت ، وأخذ للأمير لواءه وصار في التشاتيت. وذهب الأمير في ثلاثة مائة فارس وترك بقية جيشه مع المحلة التي في رئاسة السيد محمد بن علال مفترقة في غيب اليعقوبية في صحيح الأقوال ولم تصل محلة الجنرال إلى سبدو إلا في عشرين من ستنمبر (كذا) الموافق للسابع عشر من شوال في القول المتحابر (248).
ولما رأت الدولة ذلك خرجت في محلتين إلى المعسكر إحداهما (كذا) تحت رئاسة الجنرال تمبور والأخرى لنظر الكولونيل جيري في المشتهر ، لاتباع الأمير حيث كان وقضاء نحبه بالسر والإعلان وكان الكولونيل جيري هو الذي خرج بجيشه أولا وحيث رأى الخليفة بن علال ذلك التجأ إلى غيب الحساسنة فرجع الكلونيل جيري للمعسكر وأعقبه الجنرال تمبور ولحقه القبرنور جنرال الذي قدم لامتحان المحال في المشهور. وكان ذلك في خامس نوفمبر (كذا) بالتحقيق ، الموافق لرابع ذي الحجة بالتوفيق (249) ولما سمع الأمير باتباع المحال
__________________
(247) 17 سبتمبر 1843 يوافق 22 شعبان 1259 ه‍ ، وليس شوال.
(248) 20 سبتمبر 1843 يوافق 25 شعبان وليس شوال.
(249) 5 نوفمبر 1843 يوافق 12 شوال. و 11 نوفمبر يوافق 18 شوال ، وليس ذو الحجة.

لخليفته بن علال ، أتاه وذهب به إلى قور أنقاد فيما يقال وكانت محلة المعسكر في أثرهم فاجتمعت بمحلة الخليفة بن علال في الواد المالح. وحصل القتال الشديد بين الفريقين بالقتل الذي وقعت به شدة المنايح / ومن تلك الواقعة لم يظهر للأمير خبر بالبيان إلا بواقعة بني اهذيل بنواحي تلمسان. وكانت واقعة الواد المالح في حادي عشر نوفمبر (كذا) سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف الموافق لعاشر ذي الحجة سنة تسع وخمسين ومائتين وألف (1).
وفيها مات الخليفة ابن علال واجتز رأسه وأوتي به لوهران في شكارة من الجلد فيما يقال. فطرب الجنرال أبو هراوة لما رأى رأس الرجل المحسن فتأسف كثيرا ، وقال هذا واحد من الأصدقاء الراغبين في الخير من جيش الأمير قد صار ميتا حقيرا.
قال ثم انتقل الأمير بدائرته من مسيون ونزل بطاعة سلطان المغرب مولاي عبد الرحمان ، وصار يشن الغارات على أهل المغرب الأوسط في كل وقت ومكان. وكان الجنرال تمبور في ذلك الوقت بمحلته غازيا على الجعافرة الذين بسيدي خليفة ، ومسلطا عليهم بقصد الإذعان في القولة المنيفة. كما كان الجنرال بورجلي بمحلته محاصرا فليتة ، ومدوخا لهم بحسب الكفاية إلى أن لم يدع لهم تفليتة ، والجنرال بيدو محاصرا للقبائل الذين بتافنة وهم معه في العذاب الشديد والعافنة.
ثم إن آغة الحاج المزاري سأل من الدولة التقاعد ، فوافقه القبرنور جنرال على ذلك وعين له خراج وصار في بيته مقبول القول مسموع الكلمة مطاع الأمر في جميع التراصد. وحصل البغض بين قرابته على التولية بمحله فلم تعطي لواحد منهم وجعل بها فسيانا يقال له فلصة سزاري لكي لا يقع الخلل بسبب ذلك منهم.
ثم خرجت المحلة من وهران لنظر القبطان المذكور ومعه من المخزن المؤيد بالفتح قاصدا محلة الجنرال بيدو بتافنة في المسطور. ثم محلة من
__________________
(249 م) نفس تاريخ الهامش السابق.

تموشنت (كذا) فيها ستمائة فارس وأجمعوا في أمرهم إلى أن وصلوا لمحلة الجنرال بيدو بغاية البيان فقاتلوا ولهاصة قتالا ذريعا إلى أن رجعوا إلى الإذعان. وفر عنهم البوحميدي خليفة الأمير وتركهم حيارى في ترك التدبير. فأحسنت الدولة لهم في غاية الإحسان وندم ولهاصة على ما صدر منهم وجدوا في الإذعان وقد تلاقوا معهم بتافنة بالموضع المسمى بأبي روبية ولو لا تأخر الدولة عنهم لتلاشوا في الحروبية. وقد حصل الثناء الجميل بالمخزن في هذه المعركة ، التي صارت بها ولهاصة وغيرهم في المتركة. وكانت هذه المقاتلة في الخامس والعشرين من ديسمبر من السنة المسحية المذكورة الموافق للخامس والعشرين من محرم سنة ستين ومائتين وألف في القولة المشهورة (250) وفي شهر جانفي سنة أربع وأربعين وثمانمائة وألف الموافق لصفر سنة ستين ومائتين وألف (250) أخذ غانم بن فريحة آغة بني عامر الشراقة ، وبعث مسجونا لافرانسا مدة ثم سرح في القولة البراقة.
قال وصار الدوك دومال في هذه السنة مشتغلا بتدويخ الجهة الشرقية من بر الجزائر. وتقاتل كثيرا مع خليفة الأمير محمد الصغير بتلك النواحي سيما ببسكرة إلى أن أخرجه من الزبيان في قولة الحاذق لا الحاير. واشتغل الجنرال ماري بالمقاتلة بتلك النواحي إلى أن وصل غربي عين مهدي (251) من تلك الضواحي كما كان المرشال مقاتلا لخليفة الأمير وهو ابن سالم ، وزاد إلى أن دخل على / زواوة بجرجرة ونال للمغانم. وبعد معركتان كبيرتان (كذا) أذعن له من بيمين يسر إلى الصفصاف ودخل في الطاعة وزال ما به إلى الاختلاف. قال ولنرجع بالكلام إلى الجهة الغربية بالتحقيق ، فإن الأمير لما دخل طاعة المغرب واستقر بدائرته ذات التصديق ، وكان جملة جيشه ثلاثة آلاف ومائتان وأربعة عشر مقاتل ، شن الغارة على أولاد سليمان إحدى بطون بني عامر للتقاتل وذلك في جانفي سنة أربع وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لصفر سنة ستين ومائتين وألف (250). وفي أول ماي من السنة المذكورة ، الموافق للخامس جمادى الثانية من السنة
__________________
(250) 25 ديسمبر 1843 م يوافق 3 ذو الحجة 1259 ه‍ وليس محرم 1260 ه‍. وشهر جانفي 1844 م يوافق ذو الحجة 1259 ه‍ ، وليس صفر 1260 ه‍.
(250) 25 ديسمبر 1843 م يوافق 3 ذو الحجة 1259 ه‍ وليس محرم 1260 ه‍. وشهر جانفي 1844 م يوافق ذو الحجة 1259 ه‍ ، وليس صفر 1260 ه‍.
(251) لعله عين ماضي.
(250) 25 ديسمبر 1843 م يوافق 3 ذو الحجة 1259 ه‍ وليس محرم 1260 ه‍. وشهر جانفي 1844 م يوافق ذو الحجة 1259 ه‍ ، وليس صفر 1260 ه‍.

المسطورة (252) ، ضربت محلة الدولة مدافعها في خراب الرومان وهو المسمى بلالة مغنية في هذا الزمان ، وكان ذلك اليوم عند المحلة هو عيد السلطان وأسست به مدينة سميت باسم المراءة التي كانت به ساكنة وهي لآلة مغنية البلاحية ذات البركة الظاهرة والكامنة. وقررت حدود إقليم الجزائر الذي في طاعتها وأسسته لرواج براعتها وكان من الجهة الشرقية مملكة باي تونس ، ومن الجهة الغربية مملكة سلطان المغرب الذي آخره ضريح سيدي يحيى بن تونس.
وفي ثالث العشرين ماي من تلك السنة الموافق للسابع والعشرين من جمادى الثانية من سنته المبنية (253) بعث قائد وجدة وهو السي علي القنواي جسوسا من عنده ليحقق له الخبر على البناء بالخراب المذكور ، لقربه من وجدة على نحو الستة عشر كيلومتر (كذا) في المسطور. وفي ثلاثين ماي الموافق للخامس رجب (253) غزت بغتة محلة المغاربة على محلة الدولة التي كانت بمغنية فتلقتهم المحلة بغاية المنال ولما رأت المغاربة ذلك رجعوا لمحلهم ولم يحصل بين الفريقين قتال. ولما سمع القبرنور جنرال لذلك وهو بجرجرة أتى فورا لوهران وخرج منها في السابع جوان الموافق للثالث عشر من رجب للبيان (254) بمحاله ومعه أربع مائة فارس مقاتل ما بين الدواير والزمالة. وجد السير إلى أن وصل لمغنية في ثلاث عشر جوان الموافق للتاسع عشر رجب بغاية الزمالة. وفي الخامس عشر من جوان الموافق للحادي والعشرين من رجب (254) اجتمع قائد وجدة بالجنرال بيدو بغرب وادي المولحة بقرب سيدي عزيز وحصل الكلام بينهما على الصلح فلم يتم وتكلم البرود من عند المغاربة الذين بمحلة المأمون لغاية التبريز ووقعة الملحمة العظمى بين الفريقين التي بقيت بها القتلى قوتا للوحوش والطيور. وأثنا (كذا) القبرنور في ذلك اليوم على المخزن الثناء الجميل الذي في غاية السرور. وفي التاسع عشر من جوان الموافق للخامس والعشرون من رجب (254) دخلت محلة الدولة وجدة بغير قتال ، وقد انجلا (كذا) أهل وجدة
__________________
(252) أول ماي 1844 يوافق 12 ربيع الثاني 1260 ه‍.
(253) 23 ماي 1844 م يوافق 5 جمادى الأولى 1260 ه‍ و 30 ماي يوافق 12 جمادى الأولى.
(253) 23 ماي 1844 م يوافق 5 جمادى الأولى 1260 ه‍ و 30 ماي يوافق 12 جمادى الأولى.
(254) 7 جوان 1844 م يوافق 20 جمادى الأولى 1260 ه‍ و 15 جوان يوافق 28 جمادى الأولى.
و 19 جوان يوافق 2 جمادى الثانية.

لسيدي ماخوخ في تحقيق المقال ثم رجعت المحلة للناحية البحرية واختطت مدينة الغزوات ، لأنها مجمع الطوق الآتية من وجدة ومغنية وندرومة بالإثبات والآتية من بني يزناسن وسيدي أبي جنان ، لترسّ (كذا) بها المراكب البحرية الآتية من كل وقت وزمان وبعد ذلك دخلت المحال في أول جليت (كذا) الموافق لسابع شعبان (255) لوهران. وفي ثالث جليت الموافق لتاسع شعبان هجم المغاربة على المحلة التي بمغنية فوقع بين الفريقين شديد القتال آل فيه الأمر إلى انهزام المغاربة بعد ما مات بينهم كثير وذهبوا / في أرذل الحال. ولما رأى المريشال ذاك قال لا يليق لهؤلاء إلا المخزن المقيم بوهران ، لشجاعتهم ومعرفتهم بالأرض وما فيها من الطرق والبلدان ، وأمر بقدومهم لمغنية من وهران. وفي اليوم التاسع عشر من جليت (كذا) سنة أربع وأربعين وثمانمائة وألف الموافق للخامس والعشرين من شعبان سنة ستين ومائتين وألف (255) اجتمع المخزن بالمريشال في مغنية ، وجال جولة حصلت بها راحة وتهنئة ولما سمع القائد الجديد بوجده وهو سي أحميدة بقدوم المخزن خشي من الحركة عليه صار يكاتب الدولة بأن سلطان المغرب يروم الصلح وتكرر منه ذلك لتحصل العافية في زعمه إليه لكن المخزن قال للدولة أن هذه المكاتب لا أساس لها وأنها هي مبنية على الغش والخديعة وغرض القايد بذلك الاجتماع بالجيوش المغربية السلطانية القادمة للزريعة لا لسد الذّريعة.
قال فذهب المريشال لتدويخ امسيردة والسواحل ، وهو على بال من المغاربة وليس بالمغافل ، فبينما هو سائر وإذا به تلاقي بمحال المغاربة ، لنظر السيد محمد ولد سلطان المغرب بالجيوش القاطبة وحصل القتال الشديد بين الفريقين بموضع يقال له واد سلي ، فصار المغاربة في الضرار وصارت الدولة بمخزنها في غاية التخلي ، وسبيت محلة المغاربة سبيا جسيما وأخذت أخذا عظيما ، وحصل الثناء الجميل للمخزن الذي ليس عليه في ذلك اليوم من المزيد لكونهم قاتلوا شريفا وابن أمير كبير ولم يخشوا منه ولا حصلوا في التنفيد. وكانت
__________________
(255) أول جويلية 1844 يوافق 14 جمادى الثانية 1260 ه‍ و 3 جويلية يوافق 16 جمادى الثانية.
ويوم 19 جويلية يوافق 3 رجب.

تلك الواقعة في اليوم الرابع عشر من أوت من السنة المسيحية المقررة الموافق للثاني والعشرين وقيل الرابع والعشرين من رمضان من السنة العربية المحررة (256).
ثم بعد أيام غزت مراكب الدولة بالبحر على طنجة وأقادير بسوس وحصل القتال الشديد الذي لا يطيق وصفه بالمزيد ، وآل فيه الأمر إلى الصلح بين الفريقين وذلك في الخامس عشر من ستانبر (كذا) من السنة المذكورة. الموافق للرابع والعشرين من شوال من السنة المسطورة (257).
وكان من شرط الدولة على أمير المغرب أن يطرد الأمير من طاعته ، وإلا فلا صلح ولا رواج لبضاعته. وقد حصل لعساكر الدولة على عساكر المغرب الفوز في البر والبحر ، وانتصرت عليهم بالانتصار المشتهر. ولم يحصل قتال من الأمير بجيشه في واقعة سلي ، لكون المرض بجيشه في غاية التعلي.
ثم في ثلاثين جانفي سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف الموافق للرابع عشر من ربيع الأول سنة إحدى وستين ومائتين وألف (258) ، ثار درقاوة بمدينة بلعباس في يوم سوقها وهو الخميس ، وشرعوا في القتال فلم يفدهم شيء إلى أن قتل كبيرهم شيخهم عبد الرحمان الطوط البراهيمي وصاروا في الحال النحيس. وحصل للمخزن غيظ وتخميم شديد ، لكون من أذعن بالطاعة بعدهم صارت له الجامكة بحسب ما يريد. وهم منعوا من ذلك ، ودخلهم الريب فيما هنالك.
ثم استيقظت الدولة من غفلتها في شأنهم ، وصيرت منهم أغوات لإزالة خزنهم. فبعضهم بصدامة ، والبعض بفليتة ، والبعض بسعيدة ، والبعض بتيارت إزالة للفليتة.
قال : وكان الأمير نازلا بالموليحة ، ويستخبر في هذا المحل على القبيحة والمليحة ، ويعرف من هو للدولة في خدمته بالنصيحة وبالسيرة الصحيحة / وصار يبعث للذين أذعنوا للدولة ليرجعوا لطاعته ، لتعلو كلمته ، كما كانت أولا ،
__________________
(256) 14 أوت 1844 يوافق 29 شعبان 1260 ه‍.
(257) 15 سبتمبر 1844 يوافق 2 رمضان 1260 ه‍.
(258) 30 جانفي 1845 يوافق 21 محرم 1261 ه‍.

ويصير الرواج لبضائعه ، ففر المنصح للدولة من مقالته ، ولم يلتفت لأمره ولم يعمل برسالته ومال إليه غير المنصح ظنا أنه أدركته الحيوة (كذا) بعد الموت. ولم يدر أنه لا رجوع لشيء إلى محله بعد الفوت. وخرجت محلة الدولة غازية على صحراء وهران في أول مارس سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف الموافقة لسنة إحدى وستين ومائتين وألف (259) فجالت بها عدة أشهر إلى أن وصلت بها لكسال والغاسول ، وستين والبرزينة ، والمشرية ، وغيرها من تلك النواحي ، وهجم عليها العدو ليلا بالغاسول ، فلم تلتفت له إلى أن ظهرت بالمأمول ، ووقع القتال بينها وبين أولاد سيدي الشيخ في تلك الجولة في أوائل ماي من السنة المذكورة ، فانهزم العدو بالهزيمة الشنيعة المشهورة ولا زالت جايلة إلى أن دخلت لفرندة في شهر جوان ، راجعة بالغنيمة لناحية وهران.
وقد جاء الأمير بجيشه لطلبها بالصحراء فلم ينل شيئا ، ولم يأخذ فيئا ، ثم افترقت محال الدولة لنظر أمرائها بعمالة وهران للتدويخ والحراسة ، وسيرها فيها مع أهلها بغاية السياسة ، فذهبت محلة الكلونيل مرت لحدود سعيدة بأرض اليعقوبية ومرت محلة الكلونيل قشوت لوادي الشولي بنواحي بلعباس ، وذهبت محلة الجنرال كافنياك للغزو على بني أبي سعيد ، وبني سنوس ، وسائر الجهة الغربية في غاية الشدة للاحتراس. ومرت محلة الجنرال برجلي لناحية فليتة وشلف ، والظهرة ، وهؤلاء (كذا) المحال لنظر الجنرال الكبير أبي هراوة ، وشرعت في تدويخ الوطن وتمدينه ببناء القرى والمدن (كذا) والقناطير (كذا) وتنجيز الطرق وتحجيرها لمشي الدواب والكراريط والكراريس وغيرها وتفجير المياه وجلبها لمحل النفع من الأماكن البعيدة والقريبة من القرى وغيرها وغرس الأشجار الدالة على العمارة والأحياء وكثرة السراوة.
ظهور الثائر بومعزة
فبينما الناس في راحة وعافية ، ونعمة شاملة وافية ، إذا بأبي معزة ويقال له أبو يوسف ، وأبو غزالة ، رجل من أولاد خويدم ثار بنواحي الأصنام ، واشتهر ذكره عند الخاص والعام.
__________________
(259) أول مارس 1845 يوافق 12 صفر 1261 ه‍.

ثم أتى على ما يحكى غفلة إلى المخزن الذي عليه العمدة في سائر الأمول النافعة والناكلة ، وهم الدوائر والزمالة في شهر جليت (كذا) من السنة المذكورة ، فألفاهم في مهرجان الشوفان وسأل منهم الإذعان والنصر له فأبوا ذلك ورجع فورا خفية إلى بلدته المسطورة فقتل الموسوس آغة صبيح غيلة ، وجمع جيشا للعثو وأظهر الحيلة. ثم ثار بفليتة رجل اسمه بالصافي ، وبصدامة رجلان لنيل الوافي أحدهما اسمه السي قدور بن جلول ، والآخر سي بن حليمة في القول المقبول ، وهؤلاء الثلاث خلفاء على أبي معزة ، وجعل آغة على بني نسلم اسمه بن رغيوة ورام فوزه.
وارتبط الأمير مع الجهة الغربية من بني يزناس وأولاد ملوك وبني واسين والأعشاش ، والترارة والسواحلية وندرومة والغسل وبني وارسوس وغيرهم من الأعراش فعند ذلك خرج عن الطاعة الغسل وترارة وولهاصة وسائر بني عامر ولما نزل بتافنة حرق قنطرتها وقنطرة يسر / وسدت الطرق عن مرور العابر وقتل أولاد ورياش كماندار (كذا) سبدو حاكم بير العرب وما معهما من الجيش وقتل جعافرة الضاية الكماندار شراس وقتل قايد سعيدة بعرشه الجيش الذي بسعيدة وأفسد البلد وحرق ديارها وأندرها وقطع سبل الاحتراس ، وقتل بنوا مديان حاكم تيارت بما معه من الجيش ، بعد تمكينه بيد الأمير على ما قيل. وانجلا (كذا) أولاد الشريف والأحرار وغيرهم عن أماكنهم وأذعنوا للأمير وكثر في العمالة الطيش ، وحرق بنوا مريانن ما بوزغت من الحشيش ونهب الفراقة الأمتعة الذاهبة من وهران للمعسكر ، وحرقوا القناطير (كذا) والقراريط إلى أن صارت تلك السنة تعرف بسنة القراريط ، وخرج عن الطاعة بنوا شقران وصار القتال بينهم وبين محلة المعسكر ثلاث أيام بغاية التحريش ، كما خرج البرجية الجبلية من مدينتهم للأماكن الموعرة ، ومن بالوطا منهم تحصن بالعريش ، وثار بالحشم الشراقة سي عبد القادر بو طالب المختاري ابن عم الأمير بأمر آغة الحشم قادة بالمختار.
وقتل من بحائطة المعسكر من الناس ولم يخشى من الواحد القهار ، وثار بالقلعة محمد بن حسن ، وبسجرارة الحاج محي الدين بن مخلوف وعمت البلوة من الأصنام إلى مغنية إلى أن فر الألف من المألوف ، ولم يبق على نصيحة

الدولة إلا الأعراش الثلاثة المتوالية ، وهم الدوائر والزمالة والغرابة في القولة الجالية.
معركة سيدي إبراهيم ونتائجها
وتفصيل ذلك أن في الثالث عشر سبتمبر (كذا) سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة واحد وستين ومئتين وألف خرج الجنرال برجلي النائب عن الجنرال الكبير أبي هراوة من مستغانيم بحملته لتمهيد فليتة فلم يحصل على طائل ، ولا ظفر بنائل. وفي ثالث العشرين منه وقعت المقاتلة العظيمة بين الدولة وفليتة بسيدي الطيفور. ولما سمع الأمير حال ارتباطه بالنواحي الغربية بواقعة سيدي طيفور ، وبثوران من ذكر في القول المشهور. وكان بجيشه ذاهبا للناحية لأنقاد لنيل الاستدراك ، رام التوجة لنواحي الشرقية فبلغه الخبر أن محلة الفرنسيس خارجة من الغزوات لنظر الكلونيل الذي تسميه العرب القريني واسمه مونتانياك قاصدة لناحيته أو لناحية تلمسان ، فتوجه نحوها لغنيمتها ونيل الرضوان ، ومعه جيش عظيم فيه من طلابة (كذا) المشارقة المسافرين للقراءة بتلك النواحي ، نحو الثلاثمائة طالب في غاية الصحاحي. فريس على الأولى سي المولود الصبيحي ، وعلى الثانية سي المختار براهمي ، وعلى الثالثة سي محمد بن اعمارة التحلايتي المعروف بالسوسي كثير المراهمي ، فنزل من يومه بشراعة وبها بات. ومن الغد نزل بأغبال الغربي وبه بات. وفي اليوم الثالث نزل بمناصب كيس وبهم بات. ثم بعث أمامه خليفته البوحميدي الولهاصي لتجسس الأخبار بغاية الثبات. فبينما خليفته سائرا بجيشه وإذا به رأى محلة الدولة بنواحي سيدي إبراهيم من نواحي زاوية بن ميرة. فبعث رسولا للأمير ليخبره بذلك في القولة الشهيرة ولما بلغ الخبر للأمير وقد رأى الحشم السرسور ومعه الكولونيل رايس (كذا) المحلة متقدما بعيدا عن العسكر والثقلة غاروا عليه من غير إذن من الأمير إلى أن أدركوه بغتة وغفلة ، فوقع القتال / بينهم وبين السرسور. وكثر الازدحام وتباعدت الناس عن النفور ، إلى أن أتى الحشم على آخر السرسور في القتل. ولم يخلص منه إلا فسيان واحد فلقيه خيال فقتله في صحيح النقل ، وجز رأس الكلونيل وحمل على عمود للأمير. فتهيأ الأمير للقتال

واجتمع بالبوحميدي وقسم جيشه على ثلاثة : مقدمة وميمنة وميسرة في القول الشهير ، فجعل في الميمنة خليفته الحاج مصطفى بالتهامي بجيشه. وفي الميسرة خليفته البوحميدي بجيشه ، وبقي هو في المقدمة بجيشه. وحصل القتال العظيم بين الفريقين ، مات فيه خلق عظيم من الجانبين. ولم يفلت من محلة الدولة إلا سبعون عسكريا دخلوا في قبة سيدي إبراهيم ، وجعلوا بها شارات ، وجعلوا دوابهم أمام القبة ترسا لهم وصاروا يدافعون عن أنفسهم بغاية المدافعات بحيث قتلوا بذلك من جيش الأمير وجرحوا كثيرا ، وقد جرح الأمير من أذنه اليسرى في ذلك اليوم جرحه فسيان في المعركة قولا شهيرا ، بحيث ضربه الفسيان برصاصة بشطولة ، فالتفت إليه الأمير وضربه بسكينه للجبهة ثم للخد الأيمن فجرحه من الموضعين وخلصه منه الخيالة وهو بدمه في هطوله.
قال ولما رأى الأمير لحوق الضرر بجيشه من الذين في القبة ، أمرهم بعدم التقدم لناحيتهم وجعل جيشا غزيرا عسة على القبة ، وأمرهم بعدم المقاتلة إلا إذا خرجوا منها وصاروا على بعيد ، وأن لا يبرح أحد من مكانه ولو بقوا مدة وذهب لولهاصة وبات بها في القول المفيد ، فمكث العسكر بالقبة ثلاثة أيام ، ولما لحقهم الجوع والعطش خرجوا ليلا وذهبوا لناحية الغزوات ، فظفرت بهم العسة وقتلتهم ولم ينجوا منهم إلا خمسة دخلوا لمدينة الغزوات. واتفق المحدثون على أن هذه الواقعة كانت في العشرين من رمضان ، وأن الأمير خرج بجيشه من دائرته في السادس عشر من رمضان (260) ، وربكم أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب.
ثم أمر الأمير بإحضار العسل فطبخ على النار اللينة (كذا) إلى أن علا (كذا) زبده. وزفت به محل القطع من الرؤوس (كذا) المقطوعة ، وإنما فعل ذلك خشية تغييرهم وفساد رائحتهم في الحكاية المسموعة ، وجعلهم في الأخراج وحملهم على البغال وبعث بهم لدائرتهم مع الذين أسرهم والمجاريح بالتحقيق.
__________________
(260) حصلت معركة جبل كركور قرب سيدي إبراهيم ليلة 22 ـ 23 سبتمبر 1845 التي جرح فيها مونتانياك ومات. وحصل حصار قبة سيدي إبراهيم يومي 24 ـ 25 منه وتم أسر عدد من الجنود الفرنسيين.

وكتب لنائب دائرته أن يذهب بهم إذا وصلوه ليلا لسوق الأحلاف ليشاهدهم كل عدو وصديق ، وكتب كتابا وضعه في جعبة نحاس وجعله مع رأس كبيرهم القريني (مونتانياك) في المنصوص ، مضمنه السلام على المغاربة ، عموما وعلى العلماء والأولياء والوزراء والأكابر خصوصا. وعلى مولانا السلطان خصوص الخصوص.
وبعد أن كنتم خصصتم لنا الإسلام دونكم قبلناه ورضيناه والحمد لله على ذلك إذا العبد فارح بما منحه به مولاه. وإن كان دين الإسلام لنا ولكم ، ونحن فيه أخوة والجهاد فرض علينا وعليكم فكيف بكم لم تحصل منكم إعانة لنا لا بنفس ولا بمال ونحن ببلدكم. ه.
ولمّا جاء الناس للسوق رأوا تلك الرؤوس (كذا) تعجبوا كثيرا ولما رأوا تلك الجعبة فتحوها فألفوا بها ما ذكر تحريرا ، فبعثوا (كذا) بها للسلطان مولاي عبد الرحمان ، ولما وصلته وعلم مضمنها / جمع العلماء والأولياء والوزراء وأكابر التجار وقرأه عليهم بالإعلان. وقال لهم أن الحاج عبد القادر الحشمي قد لزمكم في كتابه بأكبر التلزيمات فبماذا تجاوبونه في هذا الأمر. فاتفقوا على جوابه بما سيذكر ، وهو أنكم يا أهل المغرب الأوسط حاضركم وباديكم ، وسائر من هو من أهل ناديكم ، قد رزقكم الله القوة بالإثبات ، فأنتم على حد السواء في الصبر والثبات عن الفرار ولكم القرار والطاقة على سائر النوائب والبلايات ، ولذلك عظمت شجاعتكم ، وظهرت براعتكم ، ونحن أهل المغرب الأقصى لا يطيق حاضرنا وبادينا ، وسائر أهل نادينا على شيء من غير المهادنة على أنفسنا وأولادنا ومالنا وبلادنا ، فلا نطيق على إعانتكم لا بنفس ولا مال ، لأن ذلك يؤدي بنا لنكال ، وإن كنا إخوة في دين الإسلام ، فعليكم بأنفسكم خاصة والسلام. ه.
وحدثني الفقيه الرباني السيد إبراهيم (كذا) بالبخاري الشقراني وكان من الحاضرين لواقعة سيدي إبراهيم (كذا) وجرح بها في الغزاية ، إن واقعة سيدي إبراهيم لا يماثلها إلا واقعة الزبوج والمقطع وسكاك ومزاية.

الأمير يستولي على قافلة
تموين بعين تموشنت ورجالها
قال ثم ارتحل الأمير في تلك الغزوة من ولهاصة ونزل بتافنة وبها بات ثم ارتحل من الغد ونزل ببلاد أولاد الزاير ثم ارتحل ونزل ببلاد أولاد قانة من أولاد خالفة بالإثبات. فبينما هو بذلك المحل وإذا بالخبر بلغه أن محلة صغيرة قادمة من تلمسان إلى تموشنت بالزاد ، وعددها مئتان وخمسون نفرا في تحقيق المراد ، وأول من سمع الخبر وأشرف عليها وهي واقفة بسيدي موسى البريشي خليفته البوحميدي بجيشه ، فأراد جيشه المقاتلة فمنعه خشية لطيشه وبعث للأمير بذلك بالبيان ، فقدم وبعث لكبيرهم وهو قبطان واحد في غاية التبيان.
وقال له أيها الكبير لكم محلة صغيرة ، وجيشنا عدته كثيرة ، ولا محالة أنكم تقاتلون على أنفسكم كما هي عادتكم وذلك يؤدي إلى فنائكم بالكلية وفناء أكثر جيشنا في مقاتلتكم.
وكان المترجم شخصا من قرغلان ، قدم مع المحلة من تلمسان ، والذي أخبر بها عبد هرب من السخارة فظفر به الأمير. هذا هو القول الصحيح الشهير. ولكن الرأي الذي يليق بنا وبكم أن تقدم عندي لأتكلم معك مشافهة وعليك بالأمان. وها أنا أبعث لك صاحبي قادة بالهاشمي الحشمي آغة الخيالة ليمكث بمحلتك حتى يحصل بيننا الاتفاق على الأمر ويرجع كل منكما لمحله في أمان. ولما فهم القبطان ذلك ورأى قادة بالهاشمي وتيقن أنه من الأعيان ، استشار محلته على ذلك فأشاروا عليه بالقدوم عند السلطان ، فجاءه ومكث قادة بالهاشمي بالمحلة فيما انجلاء (كذا). ولما اجتمع الأمير بالقبطان وتكلم معه ألفاه من العقلاء النبلاء. فقال اختر لنفسك وجيشك أحد الأمرين الذهاب بجيشك معي لدائري (كذا) وتبقى على ما أنت عليه بجيشك من الاحترام. وأنت الكبير على جيشك إلى أن يحصل الفداء والصلح بيننا وبين الدولة بإذن المالك العلام أو القتال لكنه فيه الضرر للفريقين ، ولجيشك أكثر من جيشنا لقلتكم ولا محالة إني أعرفكم أهل شجاعة وضرب على لواء الدولة إلى أن يحصل الفناء بغير مين فأجابه بأنه اختار الذهاب على شرط رضاء الجيش بذلك. فتركه ذهب للمشورة إلى أن اتفق رأيهم على ذلك ولما / حصل الاتفاق جاء للأمير فقال له لا بد من

وضع السلاح. فوضع في الحين حتى السكين الصغير في الأقوال الصحاح. فجعلها الأمير في الإخراج على الدواب. وقال للقبطان من كانت له حرفة من صناعتكم فليأتي بها كالعادة على الصواب. فضربت الطنابير وتكلمت بألحانها المزيقة (كذا). وصوتت بنغمها المورثة للشريقة. وأدخل الأمير ذلك الجيش في جيشه ، وبعثه لدائرته وهو في فيشة. وكان أخذه لتلك المحلة صباح اليوم السابع والعشرين من سبتمبر (كذا) سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف الموافق للثامن والعشرين من رمضان. على ما قيل سنة إحدى وستين ومائتين وألف (261) ، وكانت الدولة وقع بينها وبين عدوها في اليوم الرابع والعشرين من سبتمبر (كذا) المذكور قتال شديد فغنمت منه مائتي وخمسين أسيرا في المشهور وحاز المخزن في هذه الواقعة لغاية الثناء الجميل لكونه لا يخشى في المصادقة من شيء ولا يرى أن الفرار من الفعل الجميل. وفي هذا اليوم نفسه بعث الأمير وهو بالجانب الأيسر من يسّر الغربي بتافنة لأولاد خالفة وغيرهم من بني عامر ، صحبة خيالته بأنه هو الغالب لا محالة وأنه هو الضافر.
وفي السادس والعشرين من المذكور جاء البوحميدي بجيشه قبل الأمير لحصار تموشنت (كذا) وبها محلة قليلة فنزل بأغلال في المشهور وهدم ما ألفاه بطريقه من البنيان فبلغ الخبر لمخزن وهران فاجتمعوا بالسبخة وألزموا أنفسهم بالحراسة في كل مكان. وأتى الأمير بجيشه فنزل بحسيان أبي رشاش ، ورام الغنيمة والرفعة وكثرت الفتن وتوارد الكلام بالأخبار الذميمة. وكان أولاد الزاير وأولاد خالف هم وغيرهم متهيئين للذهاب عند الأمير لنيل الكريمة ، وذلك في الثامن والتاسع والعشرين من الشهر المذكور ، وكان للمخزن والدولة خبرة بذلك فلم يشعروا بأنفسهم إلا والمخزن أحاط بهم من كل جهة ولا وجدوا عند ذلك سبيلا للنفور ، وصارت مدينة تموشنت (كذا) في غاية الانحصار. وبعث الأمير لرائسها (كذا) بالإذعان وقد انقضى لهم البارود وتيقنوا بالايسار ، فذهب لهم المخزن في التاسع والعشرين والثلاثين من الشهر المار في مائة وخمسين فارسا
__________________
(261) كان يقود هذه القافلة الضابط مارين Marin ، واستسلمت إلى الأمير دون قتال يوم الثامن والعشرين من سبتمبر سنة 1845 حسب رواية بول أزان ، وليس في اليوم الذي قبله ، ويوافق ذلك 26 رمضان وليس 28.

من الأنجاد ، وفي صحبتهم بغلة حاملة لصناديق البارود إغاثة لهم وإزالة لهم من الأنكاد.
ولشدة شجاعة المخزن وثباته ونجدته ، تعرض لهم العدو في الطريق بجيشه الكثير من عدته وهم في ذلك العدد القليل فقاوموه وقاتلوه شديدا إلى أن أطردوه عنهم ووصلوا للقرية بتلك البغلة الحاملة للبارود ففرح بهم القبطان كثيرا وأثنا (كذا) عليهم جميلا ، ونال المخزن في تلك الواقعة شكرا جليلا.
قال ولما بعث الأمير تلك (كذا) الأسارى لدائرته ، كتب رسالة لنائب دائرته ، على أن يستوصي بهم خيرا ويجري عليهم اليازيف (كذا) في كل شهر ويكون القبطان هو الكبير عليهم ، والمتولي لأمورهم والكلام معه في كل شيء من غير متعرض إليه وإليهم.
كما بعث الفسيان (كذا) الذي جرحه مع أصحابه وكتب لأمه كتابا ، مضمنه إياك والحقر (كذا) للذي جرحني / أو تدعي أحد يتعرض له بسوء على التحقيق ، وناوليه الأكل والشرب والدواء واخدميه بنفسك على التوفيق. لأن شأن الملوك وأجواد العرب وشجعانها لا يتعرضوا لمن وقع منه شيء في حالة الحرب إذا أسروه. وإياك ثم إياك أن تغفلي عن جملة الأسارى والقبطان الكبير عليهم في أمورهم وتتكلي على نائبي في الدائرة بل ابذلي جهدك في كل ما حاوره (كذا) فإن هؤلاء في الحقيقة ليسوا بأسارى ، وابذلي جهدك في الفعل الجميل مع القبطان وخلفائه لأنهم أعيان يجب الاهتمام بهم حتى يجعل الله الفرج لنا ولهم جهارا.
ثم ارتحل الأمير من نواحي تموشنت (كذا) مغربا لدائرته وبات بسكاك من تافنة لنيل المسالك. ثم ارتحل ونزل بحمام أبي غرارة فأمر الجويدات بالضيافة فأبوا ولجئوا (كذا) إلى كهف هناك ، ولما رأى ذلك غزاهم وهم في ذلك الكهف فلم يستطع على ضررهم بشيء من الأضرار ، فأمر خيالته بالنزول واتيانه من الجانب الآخر لقضاء الأوطار ، ولما رأى الجويدات ذلك خرجوا من الكهف فكان القتال بينه وبينهم شديدا ، فدام عليهم إلى أن هزمهم وغنم أموالهم وذهب بها لدائرته سائلا مريدا.

ولما وصل للعين الكبيرة من بلاد ترارة بالتبيين ، أحاطت به محال الدولة في الساعة والحين ، لكون الجنرال أبي هراوة قدم من الجزائر لوهران فألفى المخزن في غاية التعب وشدة النصح للدولة في السر والإعلان ، وكان ذلك في ثالث أكتبر و (كذا) من سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف الموافقة لسنة إحدى وستين ومائتين وألف ولم تحصل الراحة للمخزن من سادس العشرين ستانبر (كذا) إلى ثالث أكتبر (كذا) الذي قدم فيه أبو هراوة فزال التعب عنهم وحصلت لهم الراحة ذات الثراوة فكتب الجنرال المذكور في رابع أكتبر (كذا) لوزير الحرب بأن المخزن ازداد في صلاح حاله وحسن نيته وخلوص قوله وفعله ولولاهم لم تقم للدولة في هذه المرة وغيرها قائمة ولدخل العدو لوهران بالجيوش ، وصير من بها كالعهن المنفوش ، وحكى له الواقع بالتمام ، وأثنى على المخزن بثناء الكرام وأنه هو النافع للدولة في الليل والنهار وأنه هو الباذل جهده لحمايتها وجلب المنافع لها ودفع المضار عنها في السر والإجهار وأن الدولة بغير مخزن وهران تكون كالجسد بلا رأس في صحيح البيان ، وبعث بذلك لوزير الحرب وشكر المخزن بالشكر الجالب للنفع والدافع للوصب والكرب وأمر الجنرال المخزن بالمكث بوهران للاستراحة والاتيان له بدوابهم لحمل أثقال المحلة لإضاعة دوابها في القولة الصراحة ، فأتوه فورا بما طلب وسأله منهم وفيه رغب وخرج بجيوشه العديدة ذات الأعداد المديدة. وجد السير إلى أن نزل بالعين الكبيرة من بلاد ترارة. وحصل القتال الشديد بين الدولة والأمير وتلك القبائل إلى أن دخل (كذا) القبائل في خسارة وافترقت الأمحال على تلك الجبال ، ونزل الأمير بتاجراره ، ورأى ما حل بالقبائل من الويل والنكال / وصارت مقاتلة شديدة بالعين الكبيرة وأخرى بباب الحديد وأخرى بباب المسمار وذهب جل محلة الدولة لناحية الغزوات وجال الجنرال لناحية سيدي الخوان وصارت القبائل في الحالة العسيرة. ثم ذهب الأمير لدائرته ومكث بها أياما كثيرة وفي ثالث عاشر أكتبر (كذا) سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف الموافقة لسنة إحدى وستين ومائتين وألف ، قام سي عبد القادر بوطالب المختاري بن عم الأمير بالحشم الشراقة ، ومحمد ولد حسن بالقلعة ، والحاج محي الدين المخلوفي بسجرارة قاصدين للفتنة البراقة ، فأخذ الأول بعض دواوير الحشم النازلين بغرب

المعسكر بالبيان وحصل القتال من الأخيرين مع الدولة في واقعة بني شقران.
وجاء المريشال بيجو من افرانسا بالجيوش العديدة لمّا بلغه خبر هذه الفتنة وعمومها بهذا الوطن بالبلوة والمحنة فقصد الجهة الغربية بالمخزن في خامس عاشر الشهر المذكور.
ولا زال المخزن يفترس في العدو ويغنم منه إلى أن أذعنت تلك الجهة الغربية بالإذعان الماحق للنفور كما أذعنت نواحي المعسكر بغاية الإذعان ، بعد المقاتلة الفادحة بالتمازنية وأولاد رياح والبرج والقلعة وتلوانت وبني شقران. وفي الثامن والعشرين من الشهر المذكور جمع أبو معزة بالجهة الشرقية جيشا فيه نحو الثلاث أو الاربعمائة فارس فضلا عن العسكر وهجم على حشم داروغ بقرب مستغانيم ، فخرج له الكمندار سبريور (262) الذي بها بمحلته القليلة وقاتله إلى أن هزمه بغاية التهازيم.
قال ثم أن الأمير جمع جيشه بزاده وتوجه للمشرق غازيا غزوته الطويلة ، فارتحل ونزل بشراعة وبها بات ببنيته الجليلة ، ثم ارتحل ونزل بأغبال الغربي وبه بات ، ثم ارتحل من الغد ونزل بمناصب كيس وبهم قد بات ، ثم من الغد فنزل بتافنة وبات بها تحقيقا ، ومنها ارتحل قولا وثيقا ، فزاد لنواحي تموشنت (كذا) وبها بات ثم توجه لناحية الضاية فبدا (كذا) له في الرجوع من طريقه ورجع لعين لحجر وبها قد بات ثم من الغد توجه لناحية بلعباس فألفى جنود الدولة مشعرة به وهي في غاية الاحتراس ، ثم ارتحل ونزل بالمسيد ، وبه بلغه خبر التحقيق بقيام أبي معزة واجتماع الجيوش عليه للتبديد.
وأن بني شقران وسائر الجبلية قد خرجوا عن طاعة الدولة وتقاتلوا مع حاكم المعسكر ، وقد حرقوا القناطير (كذا) والقراريط وقطعوا الأشجار وخربوا الدور في المشتهر وأن ابن عمه سي عبد القادر بوطالب والحاج محي الدين السجراري ومحمد ولد حسن القلعي كلهم قد ثاروا فقال بعد تبسمه أما ابن عمي والقلعي والسجراري الثائرون فلم ينتج منهم شيء وهم في أمرهم قد حاروا ، وأما عصيان بني شقران فليس بصوان ، لأنهم في حلق الأسد ولا طاقة
__________________
(262) يقصد الحاكم الأعلى من الكلمة الفرنسية : Le Commandant Superieur.

لهم على الفرار والذهاب ، وقطعهم للأشجار وهدمهم للديار ، وحرقهم للقناطير (كذا) فذلك من الفساد بالاعتبار ، لأن هذه الأشياء ، نفعها للمقيم بها هم أو غيرهم ، وأما أبو معزة فالله أعلم به / ، غير أن أهل الشر سيظهر شرهم وأهل الخير سيظهر خيرهم ، ثم ارتحل ونزل بوزغت إلى أن سار في الاستراح ، فزاد لذراع الرمل وبه قتل اثنا عشرة رجلا من أعيان بني مريانن بإغراء الغير بعد ما ضيفوه فصاروا في الاقتراح بعد الافتراح.
ثم ارتحل ونزل بأم الرخايل برأس عين سعيدة وبها كان المبات. ومن الغد غزى قائد أولاد خالد ليقتله فألفاه بالمعسكر فأخذ ماله وله الافتيات. ثم ارتحل فبات بعين الحجاج بقرسيف ، ثم رجع لصدامة فضيفوه ولم يتعرض لهم بسوء بالتعريف ، ثم ارتحل ونزل بقرب فرندة لحصرها وبات ، ومن الغد سار لعين لحديد فنزل بها وبات ، ثم ارتحل جازما وجد السير للناحية الجديدة وهو قبلة العمور وسار له من عين الحديد خمس ليال متتابعة إلى أن أصبح على عرش العبيد وهم الأجواد فلم يتعرض لهم بشر في المذكور ، وزاد إلى أن وصل لأولاد شعيب وهم عرش الجديد ، فألفاهم نازلين مع أولاد خليف في محل واحد فلم يفر منهم في القول المفيد ، فأخذهم أخذة رابية وقتل منهم خلقا كثير.
وفر الجديد في سبعين فارسا من قرابته وأعيان عرشه هاربين بالنساء والأولاد فرارا شهيرا ، فأتبعهم في ثلاثة عشرة فارسا من جيشه بالتحقيق ، وهم خليفته والطيب بن قرنية آغة القوم الحمرا (كذا) ومحي الدين ولد الحاج قدور السايس الحشمي وآغة الحشم الشراقة عدة ولد محمد ولد التفنشي مع ابني أخيه أبي خنونة في القول الحقيق ، وابني بختي الاثنان والشريف النايلي مع ابني عمه ومحمد ولد عبد الرحيم البرجي الخيال وقادة ولد عيسى الحشمي الغربي ثم الموساوي.
وحصل القتال بين الفريقين إلى أن قتل ابن عم الجديد الطيب بن قرنية لما رآه ضرب الجديد فيما قال الراوي ، وتلاقى الجديد مع الأمير في الحرب فضربه الأمير وكسره من ترقيته اليمنى ، ولم يسقط بها للأرض وهرب جريحا من غير اليمنى فضرب شخص من أبناء عم الجديد الأمير وجاءت غير صائبة ،

فضربه عند ذلك قادة ولد عيسى الموساوي فكسره من ترقيته وخر ميتا لتلك الضربة الصائبة. ثم زاد الأمير للسواقي الحمر ونزل عند سيدي عيسى وأمر لفتح القبور لدفن الأموات. فدفن الطيب ابن قرنية بملبوسه وكذلك غيره من الأموات. وبه جاء الجديد مذعنا للأمير ، فباع له الغنيمة ، بالنقد المعجل من الثمن الكثير ، ثم ارتحل وزاد إلى أن وصل لطاقين ، وشهد بها محل الأخذ لدائرته وهو من الشاقين.
ثم غزى أولاد عياد وهم بالوانسريس ، فمر بالشلف وجد لهم السير ليلة كاملة بالتوارسريس ، ولما دنى منهم أخبر بأن محلة الدولة هي بوسطهم نازلة لأجل الشرايش ، فكر راجعا على عاقبيه للصحراء وصار يتابع المحلة وهي جائلة عليه إلى أن وصل للقطيفة فرجع للكرايش.
قال فسأل منه أهل الوانسريس أن يدع عندهم خليفته سي قدور بن علال وهم ضامنون فيه وفي جميع ما يقع من الأعلال ، فتركه عندهم وزاد إلى الجهة الشرقية / إلى أن وصل لجبل الصحاري ، فأقام به يومين للراحة وقدم أمامه أبا زيد بن أحمد آغة البويرة وغيره في القول الجاري. ثم سار ليلا ونهارا إلى أن وصل للحمام فنزل به وبات. ومن الغد ارتحل وسار ليلا ونهارا قاصدا للغزو متيجة إلى أن يذعن له كما قد فات ، ورايس (كذا) تلك الناحية سي محمد بن محي الدين.
فقال ذلك الرايس لمن كان بقربه إذا رأيتم الدخان بمتيجة فلتأتوني في الحين. ولما وصل الأمير لموضع يقال له تمضيقت بلغه الخبر بأن محلة الدولة نازلة بثنية بني عائشة قادمة إليه فرجع إلى بني سالم وأهل يسر الشرقي ونهبهم نهبا شنيعا من غير وقوع دائرة عليه ، ورجع من يسّر الشرقي إلى شمذر وبه بات وارتحل من الغد ونزل بموضع يقال له بغّال بإثبات ، فغزته محلة الدولة وأخذته أخذا عظيما ، وفرقت جمعه بذلك المكان تفريقا جسيما ، وهذه الواقعة تعرف عند أصحابه بواقعة واد سباو ، وبها مات باش سائسه محمد ولد مصطفى ولد عون الله العداني الغربي وكاتب إنشائه سي محمد بن عبد الرحمان التيجيني الحشمي الغربي من بني مقضاو ، وصار النهب في محلته في تلك اليلة (كذا) من جيشه لبعضهم بعض وهم في قلق ووجل في نفلهم والفرض. ثم ارتحل من

بغّال ونزل بواد الروافع وأقام به يومين ، وأمر برد ما نهبه كل واحد لصاحبه فرد بغير مين ، وبه أتاه نجع الدروع بفرس من عتاق الخيل قادة للإذعان ولما سمعوا بأخذ محلة الدولة له نكثوا في الإذعان ، فغزاهم وأخذهم أخذا وبيلا ، إلى أن ترك عزيزهم ذليلا ، ثم ارتحل ونزل بثلاثاء الطايد في أمليل من بلاد فليسة ، وهو جبل جرجرة من بلاد زواوة وأقام بها ثلاثة أيام وذهب لضريح سيدي محمد بن عبد الرحمان الجرجري فزاره لإزالة ما به من التفليسة.
ولما سمع بمحال المريشال وهو رايس الجزائر نزلت بتمضيقت ورامت فوزة ، رحل من ثلاثاء الطايد ونزل على بني أبي معزة ، وتهيأ للحرب وسأل من المريشال الخروج معه للبراز ، فأبى المريشال ذلك وقال هذا الفعل انقطع منذ أمد جاز ، فلم يقع قتال في تلك المرة ولا حصل لفريق منهم شيء من المعرة. وفي هذا المنهل جاءه الخبر من عند خليفته البوحميدي بأن دائرته انتقلت من صبرا ونزلت بعين زورا ، وأن الحشم وبني عامر والجعافرة ذهبوا بأهلهم للمغرب وجعلوا أمرهم بينهم شورى. وأن ابني عمه أحمد بوطالب والمولود بوطالب وآغته المولود بن عراش ، ذهبوا بأهلهم إلى فاس وتركوا المكث معه سائلين للاقتراش وأن المكاتب تكررت من عند الدولة لسلطان الغرب مولاي عبد الرحمان على أخذ الأسارى الذين بالدائرة رغما عليها واطراد الدائرة من طاعته لأن أميرها قد أكثر الفساد بالمشرق وإن أبى لا بد من حربه بالإعلان ، وأن أهل الدائرة لما تحققوا بذلك جزموا بقتل هؤلاء الأسرى لينفصم الحبل وتحصل الراحة من النفقة وذلك صحبة المكاتب التي بعثتها الدولة للغرب ولما اتصلت بيد الوزير سي محمد بن إدريس / بعثها لخليفة الأمير للشفقة ، ولما قرأها الأمير تأسف وقال يا عجبا من الدولة كيف تكاتب أهل المغرب بذلك ، وهو لا طاقة له على شيء من ذلك فكان المراد منها تكاتبا على ما تحبه. وأما سلطان المغرب فهو جالس على كرسيه سائلا للنجاة من المهالك. ثم كتب لخليفته البوحميدي كتابا ، مضمنه أما الذين ذهبوا من عندنا لغيرنا فلا نفع في بقائهم ولا ضرر في ذهابهم ولا نزيدك على هذا جوابا. وأما كون سلطان المغرب يأخذ من أيدينا الأسارى قهرا ، ويطردنا من بلاده وطاعته جهرا ، فلا طاقة له على شيء من ذلك وإنما أمره وأمر الأسارى وسائر الخلق بيد الله تعالى الواحد المالك.

وأما كون أهل الدائرة قد اتفقوا في غيبتنا على قتل العسكر الأسير ، فإن اتفاقهم كالعدم بقدرة الله القدير ، وأن هؤلاء الأسارى ليسوا عندهم وإنما هم عندنا بالبيان. وهم في الحقيقة ليسوا بأسارى وإنما هم أهل أمان. وأن مؤنتهم (كذا) ليست من عندهم حتى يتضرروا بها وإنما هي من عندنا من بيت مال المسلمين ، الذي يجمع في الغزو وغيره بالتعيين ، فمؤنتهم (كذا) ومؤنتنا (كذا) وأهل الدايرة كلها من عند الله. ونؤكد عليك أن تكف أعيان الدائرة المجتمعين على هذا الرأي الفاسد المتكلمين به الشائع في الأفواه. وإن هم قتلوا شخصا واحدا فإن من ظفرت به منهم ننتقم منه بإذن الله انتقاما جامدا. واحذر نفسك من خديعتهم لك بقتلهم ليلا وإن راموا ذلك فبادرهم بالقتل قبلا ومكن الأسارى من سلاحهم ليكونوا لك عونا ودعهم في محلهم حتى يفتح الله علينا وعليهم ويجعل لنا ولهم صونا وأني سأقدم نحوكم بإذن الله والأمر كله بيد الله.
قال ثم ارتحل إلى بني مدوّر بوادي تاسالة الشرقية وأقام به يومين ، ثم انتقل إلى مطمر الخرابشة فنزل به وبات وقلبه متعلق بالأسارى بالدائرة بغير مين. ثم ارتحل من الغد وجدّ السير ليلا ونهارا لنجع آغة شورار. وكان بناحية المسيلة بالصحراء في القول المختار. ولا زال سائرا إلى أن بلغه فأرسل جيشه عليه وأخذه أخذة رابية. ولما رأى شورار ذلك سأل الإذعان وأذعن قولة وافية وكانت خيول جيش الأمير قد كلّت من السير المترادف وعجز نحو الثلث من السير ، وتخلف الأمير بمخزنه عن سرعة السير فبينما هم في تلك الحالة وإذا بمحلة الدولة قد ظهرت وله قاصدة فنكث شورار في فعله وأذعن للدولة وصار بعرشه معها وهي على الأمير وافدة وحصل القتال الشديد بين الفريقين في صحيح الأخبار فانهزم الأمير بجيشه وكانت الدائرة عليه واتبعته تلك المحلة إلى وادي أبي حمار وقد ظفرت بالعاجز منه وبنصف الغنيمة التي أخذها من عرش شورار ونجا في فل جيشه فبات بوادي أبي حمار ، ثم ارتحل من الغد مغربا بما معه من الجيش رحلة الإياس من المشرق ولا يزال يتنقل من محل لآخر في الأشهر إلى أن اجتمع بخليفته سي قدور بن علال والثائر أبي معزة بأصحابهما في الخضر لكون أبي معزة فرّ من الظهرة لما تكاثرت عليه محال الدولة ، كما فرّ / سي قدور بن علال المذكور من وانسريس لما تكاثرت عليه محال الدولة وقد عجز

عن الصولة ووقت اجتماعه مع من ذكر بالخضر بلغه الخبر القطعي من المغرب بقتل الأسارى وهو بالسواقي الحمر فتأسف كثيرا وجد السير مرادفا للمراحل إلى أن وصل إلى دائرته في حالة الهوان والخسر. قال ولنرجع إلى وقائع عمالة وهران مع الدولة ، وكيفية جولانها بها وإظهارها الصولة ، ففي جانفي من سنة ستة وأربعين وثمانمائة وألف مسيحية جاءت الحوادث طائعة بعد انهزام أبي معزة والمقاتلة مع خيالة الأمير بحافة مدغوسة قولة ساطعة ، ثم سأل صدامة الإذعان لما نهبت مطاميرهم الدولة ولحقهم الجوع الفادح فلم يقبل منهم الجنرال ذلك إلا بعد إعطاء خطية كبيرة في القول الواضح ، وهدم سور فرندة وجعل بها حامية للدولة ، وأخذت أربعة دواوير من مرابطي الأحرار وهم في حالة المذلة. ورجعت محلة الدولة لسعيدة وكان الفصل شاتيا ، فأخذت من بطريقها وأذعنت الحساسنة للدولة بمشتت مايه وصار حالها وافيا ، ثم غزت المحلة على بني مريانن في شهر فبري من تلك السنة فأخذتهم بغتة أخذة معينة وفي شهر مارس من تلك السنة رجع أبو معزة من مدغوسة لناحية الظهرة. وهجم على الكثير من دواويرها (كذا) وأعراشها إلى أن هجم على أولاد سيدي عريبي في بالعسل في القولة ذات الشهرة فتلقاه ليتنان كلونيل (كذا) مليني بجيشه من مستغانيم وقاتله شديدا إلى أن هزمه أبو معزة ورجع في تسليمه فريدا. ثم جدد جيشا لقتاله فكان الفوز للكلونيل وخلف ما ضاع له وكثرت عليه المقاتلة ، ولم يبقى صدوق للدولة إلا أصحاب الشط الشمالي من أهل الشلف صدوقة المباتلة. وفي شهر أبريل من تلك السنة غزت الدولة على الشلافة والهرارسة وهجمت على مجاهر والأمير بشرق قبلة العمالة في القول الظاهر. فأخذت الهرارسة ومن كان عدميا بقربها أخذة رابية ، وأشفت غليلها منها شفوة شافية ، ونزلت بسور كلميت فألفت به مطمرا كان لها فيه كافية من الشعير ، ثم جعلت قنطرة على شلف وعبرت عليها فأخذت الشرفة أخذة أورثتهم للتدمير ، ثم اتبعت فورا أثر الأمير بالأماكن التي فيها ، فلم تشعر به إلا أن مربوطاء مينا وعرجة القطف وصدامة وتوجه للناحية الشرقية وقد خفا (كذا) سيره عليها فحارت في أمره للسطارة التي هو فيها ، فاتبعت أخباره وتوجهت لناحية قجيلة إلى أن وصلت للوسخ وإلى غاي ولم تجد لذلك حيلة ، وتمادت في سيرها إلى أن لحقت بالأحرار وأولاد خليف فغنمت

منهم نحو تسعة آلاف من الغنم وأذعنوا للطاعة ، وجعلت عليهم خطية عظيمة تودى بالاستطاعة.
وفي شهر ماي من السنة المذكور / الموافقة لسنة اثنين وستين ومائتين وألف من الهجرة المبرورة ، صارت الكلون (كذا) متفرقة بالسكنى في الاقليم الجزائري لاحيائها ، وإزالة مشعراتها وتمدينها وتفجير مائها.
وفي شهر جوان من السنة نفسها اطمأنت نفوس الكلون بالسكنى وقسمت عليهم الأراضي للتمدين ، ورأوا الاقليم يوافقهم للمكث وزال ما بنفوسهم من الحدس والتخمين ، ورتبت الدولة قوانينها على أن تجعل الأحكام سبيلا ومنتيرا ، وحكاما جنرالات وابريفيات (1) للتصرف بالإقليم تصرف جميلا شهيرا. وجهز الكلونيل رنول (RENAULT) محلة ذهب بها للشلالة لكونه سمع بأن الأمير مدّ يده عليها في تحقيق القوالة ، وكان المريشال لم يرضى بنزع الأرض من يد العرب وإعطائها للأوروبيين ولا ما استعمل فيها من القوانين ، لكونه رأى العرب قد تضرروا من ذلك وأعطاهم الحق في الضرر وقال اللائق بالدولة الرفق بالعرب في الحركة والسواكين لكن الدولة أبرمت أمرها وصار فعلها قانونا مؤرخا بتاسع ديسانبر سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف بالتحقيق ، وأبرز العمل به بهذا الاقليم بعناية التوفيق ، وأن العرب تؤخذ منهم البلاد للمعمرين لها بالثمن بلا ريب. وقد كان آغة مصطفى عين للدولة أرض البايلك التي كانت في حيازة الأتراك فدخلت في يد الدمين (263) بلا ريب وذلك في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف باشتهار ، فجرى ذلك العمل في سائر الأقطار.
ثم فر بنو عامر عن بلادهم وبقي جبل تاسالة وجبل القعدة بما فيها من الوطاء إلى رأس الماء خاليا من أهله ، وأما وطاء ملاتة فهو عامر بأهله لكون كل واحد ملاحظ بشكله.
__________________
(262 م) الكولون هم المستوطنون الأوروبيين من الكلمة الفرنسية : Les Colons.
ومنتيرا هم العسكريون من الكلمة الفرنسية : Les Militaires.
وبريفيات هم حكام المقاطعات من الكلمة الفرنسية : Les PrefetS.
وسفيلا هم المدنيون من الكلمة الفرنسية : Les Civiles.
(263) يعني ملك الدولة من الكلمة الفرنسية : Domaine.

وبعد أمد قدم أولاد بالغ وبنو مطهر ونزلوا بالتل مع الأغواط ، وانضاف إليهم أولاد عبد الله الذين لم يفروا لمجاورتهم للدواوير وهم معهم في الاختلاط. وفي ديسانبر من سنة ستة وأربعين وثمانمائة وألف جعلت الدولة قدور ولد عدة البحثاوي الذي هو قريب النسب لآغة مصطفى وابن أخيه الحاج المزاري آغة على بني مطهر وأولاد بالغ بتاسالة ، وكان رجلا شجاعا له نجدة كثيرة وشدة وحزم موصوفا بالبسالة فرضوا به وفرحوا ، وسيسهم بسيرته الحميدة إلى أن نجحوا.
وفي مدة ستة أشهر من توليته اجتمعت عليه منهم أربعمائة خيمة ، وركب منهم مائتا فارس وأزال عن كل منهم ما كان به ضيمة وحل بملاتة وأهلها العافية والراحة وحصل ببني مطهر وأولاد بالغ السرور والفراحة وشرعت الدولة في غزو أعراش الصحراء وبانت نجاحة آغة قدور ولد عدة فأمن أهل التل وصار يغزو بجيشه أمام جيش الدولة وتارة وحده على أهل الصحراء وصار الأمير بالمغرب في الزيادة إلى أن امتدت دايرته لملوية وأهلها في الانقيادة ثم أنه غاب بالمشرق غيبته الطويلة فقتل أهل دائرته ما عندهم من عسكر النصارى الذي / أخذ في واقعة سيدي إبراهيم وتموشنت (كذا) ولم يخلص من القتل إلا الفسيانات والكماندار (264) وكان ذلك فعلا ذميما من الدائرة عند العبيد والأحرار. وقد مر الكلام على قتل هؤلاء الأسارى وتأسف الأمير عليهم سرا وجهارا. ولما سمع الجنرال كافنياك بقتل جيشه الأسير وهو بتلمسان أراد الذهاب بجيشه لأخذ الثأر من أهل الدائرة ويدخل في حدود المغرب في السر والإعلان ، لكون سلطان المغرب ليست له طاقة ولا يستطيع للأمور الشاقة لأنه تأخر لما نظر لأمر الصلح الواقع بطنجة بين سلطان المغرب والدولة وأنه يطرد الأمير من بلاده ويزيل ما له من الصولة.
ثم أن الأمير ظهر له في التوجه بجيشه لناحية الصحراء بعد ما أيس من الجهة الشرقية في واقعة شورار جهرا ، فغزى حميان في وقت الربيع سنة ستة وأربعين وثمانمائة وألف الموافق لسنة ثلاث وستين ومائتين وألف وقد جد لهم
__________________
(264) يعني الضباط والحكام من الكلمتين الفرنسيتين : Commandants ,Officiers.

السير فلم يحصل على طائل ورجع لدائرته في غاية الطائل.
ثم أخذ الفسيانات (كذا) والكماندار (كذا) ، وبعثهم لمليلية ليبعثوا لافرانسا بالعز والافتخار وفي رواية أنه ذهب بهم بنفسه لمليلية في خمسمائة فارس من الجيش ، ومعه خلفاؤه وهو على فرسه الأصفر المزيل للطيش. وحصل بينه وبين الاسبانيين مداخلة ومخالطة ، ورجع لدائرته وهي بعين زورا من بلاد المطالسة بغير خلاف ، ثم رحل منها ونزل بحمار العرعار المعروف بواد زلاف ، فأقام به أيام ثم ارتحل ونزل ببلاد بطيوة بالبيان. وأقام أمدا ثم ارتحل ونزل بسيدي وردان ، فمكث به أمدا وفي وقت الربيع بعث خيالته وأهل الدائرة بخيولهم وجميع دوابهم إلى واد قارت ، لكثرة خصبه وبقيت الدائرة بما فيها من الأعيان والعسكر مفترقة حللا مطمئنة وفي أمر المغرب حارت ، فبينما الأمير غافلا وإذا بسلطان المغرب مولاي عبد الرحمان جهز جيشا لقتاله ونفيه من بلاده تحت رئاسة باشته هشام الأحمر مشتملا على تسعة آلاف مقاتل فنزل بمدشر تفرسيت من مداشر الريف ومكث أياما بالبيان فتنافس الكلام بأنه جاء لأخذ الدائرة ونفيها وقبض الأمير وقتله ، فسمع بذلك طالبان من الغرابة أحدهما يقال له الحاج محمد بن أبي خالفة من دوار أهل العيد بتصحيح نقله والآخر يقال له سي الأخضر بالقاضي من دوار العمايمية كانا متزوجين هنالك. وكان سي الأخضر شجاعا والحاج محمد ذا رأي وتدبير فجاءا للأمير وأخبراه بذلك. ولما تيقن الأمير لكلامهما خزنه في سويداء قلبه وسكت. ولما سمع الأحمر بانتشار الخبر نهى الناس عن ذلك ودس الخديعة ومقت ، وصارت المكاتبة بينه وبين الأمير متداولة على التوافق وكل منهما من صاحب على حذر والخيالة لا زالوا بقارت في القول الأشهر.
ثم إن الأحمر انتخب من جيشه كتيبة تشتمل على خمس مائة فارس مقاتل من الأنجاد ، وبعثهم ليلا للدائرة وأمرهم بأن يجعلوا أنفسهم زائرين إذا وصلوا لخيمة الأمير فإذا ظفروا به حيا يأتونه به وإلا قتلوه وأتوه برأسه لأن الحرب خدعة وبه يبلغ للمراد ولكم عنده الاحترام والتوقير ، فجاءوا بقصد ذلك وهم في الطمع بالظفر في الفرح الكثير ولما / وصلوا للدائرة كان وقوفهم نهارا على خيمة الجيلاني ولد السايح القصيري في حلته ، لأنهم رأوها بيتا من الشعر كبيرة

محترمة وهي في بطحاء وادي فظنوا أنها للأمير وهو في حلته. ولما سمع ابن السايح حس المهاميز وحوافر الخيل خرج مسرعا فألفاهم قرب بيته فقال من هؤلاء فقالوا جيش الأحمر جئنا للتبرك بالأمير ونيل حرمته وبيدينا مكاتب الباشا الأحمر بعثها له فقال لهم هو أمامكم وتلك بيته وأراهم إياهم فظنوا أن ذلك خديعة لهم وتكلم البارود من عندهم بالقوة في قولة من رواها. فبعث ابن السايح للأمير وأمر من معه بالضرب وركب فرسه. وكان من الشجعان فجال بأصحابه في وسط حومة الميدان إلى أن فرقهم وساروا في فلولهم ولما سمع أهل الدائرة تراكم البارود اجتمعوا على خيولهم وكان الأمير معهم فقاتلوهم شديدا سريعة وهزموهم هزيمة شنيعة وركبوا أكتافهم وهم منهزمون من غير التفات ، فلم يرجعوا عنهم إلى أن أوصلوهم لقرب محلتهم فرجعوا معهم بعدما أتوا منهم لثمانين فرسا غنيمة قتلوا أهلها بالإثبات ، ولما حل هذا الأمر بعث الأمير لخيالته بأن يأتوه ويدعوا بقارت الرعاة بدوا بالدائرة ، ولما اجتمع بخيالته بعث للطالبين المذكورين بالإتيان ليجعل جيش الأحمر بباشته في شبكة الدائرة ولما جاآه أمرهما بالذهاب ليلا مع العسكر لمحلة الأحمر لمعرفتهما بالطريق وهو بخلفائه وخيالاته وقوم الدائرة في أثرهم بالتحقيق ، وأمر رايس (كذا) كبراء العسكر. والعسكر وهو سي الحبيب بن التراري الحشمي بأن يأمر كل كبير يأمر عسكره بأخذ السلاح والذهاب مع الطالبين لمحلة الأحمر ومن أعانه من القبائل لمقاتلهم (كذا) مقاتلة الفلاح فامتثل الكل أمره وذهبوا مع الطالبين ليلا ، وجد الطالبان بالعسكر السير سيرا عجلا ثم ركب الأمير في إثرهم بخيالاته وخلفائه وأغواته والمطاوعة وسار وكانت ليلة ممطرة لا يطيق فيها أحد على المنازعة فسبق الطالبان بالعسكر وتربص الأمير بمن معه لما حل به من المطر والظلام بحيث صارت قوائم الخيل تسوخ بالأرض من شدة المطر وهم في الظلام ثم سأل الأمير رايس (كذا) العسكر المذكور عن العسكر فقال له أنه لمعنا والحال أنه لا علم له بشيء من سرعة سيره مع الطالبين لشدة المطر والظلام في المشتهر ولا زال الأمير متربصا في سيره بجيشه يترقب ظهور الضوء لكون الفجر قريبا من الطلوع فبينما هو في المكالمة مع الجيش وإذا به رأى شفق البارود وتعدد ضربه بناحية الأمير فقال الرايس (كذا) العسكر غررتني إلى أن هلك جيشي وانقطع عسكري وصرت في

حالة المخدوع ، ثم أسرع في السير بجيشه إلى أن وصل للمدشر وبه أحاط ، فوجد الأمير قد تم إتمام نشاط بأن قتل العسكر من محلة الأحمر ثمانمائة وأخذوا المحلة بأجمعها وظفروا بالأحمر بغاية التحصيل. فقتله محمد بن الخير الذي هو آغة بموضع الميموني الذي هلك واجتز رأسه وجعله على رمح طويل. وهذا محمد بن الخير قد كان ارتكب ذنبا يعاقب به وتضرر بذلك الأمير ، فأمر بعقوبته إذا ظفر به لكونه فر ، ولما قتل الأحمر عفى عنه الأمير ، وتركه / في رتبته وظفروا بابني الأحمر وجاريته وفرسه الأشقر بسرجه ذهبا وجميع ذخائره.
ودخل الطلبة المشارقة الذين مع العسكر لغرفة الأحمر وشرعوا في تلاوة القرآن جماعة لهم دوي عظيم نكاية لنظرائه. وفي وقت المقاتلة افترق العسكر على المحلة فلم يهتدوا بعد الفراغ من قتلها لبعضهم بعض لشدة الظلام. فقال أحد الطالبين لصاحب الترنبيط (كذا) وهي الموزقة (كذا) الذي معهما اتبعني لجمع العسكر والانتظام. فصعد به لمحل مرتفع وأمره بضربها ولما سمع العسكر صوتها أتوها إلى ان اجتمع الجميع عندها بالتحرير. ثم ذهب الطالبان بالعسكر لقصبة الأحمر إلى أن علا النهار فذهب الجميع مع الطالبين عند الأمير ، فجاء الأمير ودخل إلى القصبة ثم ارتحل راجعا بجيشه بما في أيديهم من الغنائم لدائرتهم إلى أن استقر بها في فرح وسرور. ثم أن الحشم وبني عامر والجعافرة المضافين لهم الذين ذهبوا سابقا من عند الأمير كاتبوا الأمير بالقدوم إليهم لأنهم صاروا مع المغاربة في المقاتلة ذات الشرور. ولما بلغه الخبر (كذا) سار لناحيتهم خمس ليال متتابعة إلى أن بلغ لمكناسة بإزاء غياثة. ولم يبقى بينه وبين الذين بعثوا له إلا يوم واحدا فبلغه الخبر ثانيا أنهم رفضوا القدوم لناحيتهم وراموا البقاء بالمغرب فرجع الأمير لدائرته وترك الإغاثة. فبينما هو بدائرته وإذا به أتاه الخبر مرة أخرى من عنده وذكر بأنه إذا لم يدركهم هلكوا لا ريب وأنهم قادمون إليه ، فركب وسار لنجدتهم فأدركه الخبر بالطريق بأنهم أخذوا وشتت شملهم فلم يحصل له تصديق إلى أن لقي فلّهم قادمين عليه ، وكانت واقعة الحشم بموضع يقال له المزارية حذاء زرهون ، وواقعة بني عامر بوادي ورغة وجبالها فيما يروون ، فأخذوا شنيعا ، وقتلوا قتلا ذريعا ، بحيث ملكت بناتهم ونسائهم وبيعت بالأسواق. فسبحان المعز المذل العظيم المالك الخلاق. وسبب ذلك أنهم لما

أرادوا الرجوع للدائرة وقد كانوا في غاية الراحة والتوفير ، فشرعوا في نهب الأموال وحرق الأندر والأشجار وقطع السبل ووقع ذلك منهم من الكبير والصغير. ولما سمع سلطان المغرب مولاي عبد الرحمان بذلك ، أمر القبائل كأولاد جامع والشراقة وغيرهما من القبائل والبرابر بالتسلط عليهم لذلك. فتسلطوا عليهم بالأخذ والقتل والأسر والسبي والإجلاء في كل زمان ومكان ، فحل بهم ما وقع ووقعت لهم الإهانة الكبيرة وشأن العز والذل يتعاقبان. ولما وصل للدائرة من خلص منهم كان ذا مال أم لا أكرمه الأمير بما عنده وصار في عز وعلو كلمة ، بعد أن كان في ذل وإهانة.
ثم انتقل الأمير بدائرته من سيدي وردان ونزل بكهف سيدي الحاج بالغربة بلا نكث. فمكث أياما ثم ارتحل ونزل بقصبة سلوان ويقال له أوزيّ وهي عين تخرج من جبل كبدرانة وتصب في واد سلوان ومكث. فبينما هو في ذلك المكان وإذا بطالب اغرسي كان متزوجا بمزوجة (كذا) أحد بطون قلعية جاءه فورته ، وقال له أيها الأمير إن الوطن والإنافة لم يدعيا لي صبرا على ما سمعته ، وذلك أن قبائل الريف الشلحية / من بني يزناسن إلى صنهاجة الأخماس ، قد اتفقوا مع سلطانهم مولاي عبد الرحمان ابن هشام على قتلك ونهبك وسبيك واجلائك من رعيتك بالعلانية والاختلاس ، وأنه سيجهز جيشا عظيما لنظر خليفته ولده مولاي محمد يقدم به لقتالك ، وأن قلعية هم الذين يبتدئون (كذا) كما ستراه بقتالك ، فقال له الأمير جزاك الله خيرا ، وأعد لك مثوبة وأجرا ، فإني لا أكذب طلبة المشارقة في قولهم من قضية الأحمر ، ولا أنسا (كذا) خيرهم معي في واقعة سيدي إبراهيم وما سمعته الآن منك وواقعة الأحمر ، وأنه لم يكن لي صدوق من طلبة الشلح إلا الفقيه السيد جدّ بن محمد التمساني (كذا) ، وغيرهم أعداء لا خير فيهم ولو كان البعض فيهم أصله تلمساني. وكان الأمير قد أراد القبض على الفقيه السيد محمد الحضري السعيدي لما سمع بأنه يغري (كذا) أهل الريف على الفتك به. فوجده هرب لمدينة تيطاون لما بلغه الخبر بأنه وقع في شبكة الأمير ولا محالة يظفر به.
ثم أن قلعية صاروا في كل يوم يجيشون الجيوش ويريدون الهجوم على الأمير. ولما رأى الأمير ذلك جمع جيشه لغزوهم وبعث إلى قبائل العرب الدائرة

به في المنزل كالأحلاف والمطالعة والسجع وغيرهم بالتحرير. ولما جاءته قال لهم ما عندكم من الرأي في شأن قلعية فإنهم أرادوا الهجوم عليّ وأني أريد الغزو عليهم. فأما أن تكفوهم عنا ونحن أخوة في الدين ومهاجرون بأرضكم وأما أن تكونوا لنا عونا عليهم.
فقال له الأحلاف أيها الأمير أما الكف فلا سبيل لنا إليه. وأما الإعانة فنحن لا نعينك ولا نعينهم فيما مآل أمركما إليه. وإنما ننتظر الغالب لنشاركوه (كذا) في الغنيمة ، سواء كنت أنت أو هم في القولة العميمة. فضحك الأمير وقال صار حالكم كسلوقي الفارس بلا محالة ، إذا مات الفارس أكل منه وإذا مات الفرس أكل منه فهو آكل على كل حالة. فجهز الأمير جيشا لنظر خليفته البوحميدي وأمره بالذهاب ليلا للوادي من ناحية زغنغان أحد بطون قلعية ولا يظهر لهم ولا يبدأهم بالقتال إلا إذا بدوه به وما وقع يخبره به بغاية البيان. فذهب البوحميدي ليلا إلى أن وقف بجيوشه بالمحل الذي عينه الأمير إليه وإذا بأهل أزغنغان وغيرهم من أهل قلعية جاءوا بجيوشهم عسكرا وخيلا لدائرة الأمير بقصد الهجوم عليه فألفوا بطريقهم البوحميدي فبدؤه (كذا) بالقتال. ولما رأى البوحميدي ذلك أمر جيشه بالقتال وبعث للأمير فارسا على الواقع ، فذهب وأخبره بالأمر الواقع ، فلم يك (كذا) غير ساعة وإذا بالأمير بجيشه ركابا ومشاتا قد وصل للبوحميدي وقد ارتفع النهار ، فشرع في قتالهم وأثخن فيهم إثخانا عظيما وحلت بهم الهزيمة شديدة الفرار. واتبعهم الأمير وركب جيشه أكتافهم ارتكابة قطيعة. فلم يك غير ساعة إلا وانفصل القتال عن قتله لسبعمائة وخمس وسبعين من قلعية.
يحكى أن أربعين امرأة من الذين (كذا) مات أزواجهم (كذا) بها أسماؤهن عائشة فضلا عن أسامي النساء الأخرى (كذا) بالتتمة.
ورجع الأمير لدائرته فارحا مسرورا ظافرا بالغنيمة / ثم صارت القبائل والأعراش ثانية بالهدايا والخيول المسوّمة قادة. وهو يقول لهم ما كان زيارة وهدايا فنأخذه عادة. وما كان قادة فلا نأخذه لأني لست عليكم بسلطان. وأنا وأنتم كلنا في طاعة السلطان مولانا عبد الرحمان وأن الأقوام الذين حل بهم الانتقام إنما ذلك لما تعدوا علينا واجترءوا وبدأ منهم الظلم والخصام ، ولو كفهم السلطان عنا

لم يصدر منا شيء ، ولا يكون منا ولا منهم شيء. قال فاستحسن كبراء العرب كالأحلاف والمطالسة وهوارة والسجع وغيرهم كلامه وكتبوا بذلك لمولاي عبد الرحمان مخبرين له بأن الأمير معترف له بالفضل والمملكة وأنه كواحد من خلفائه ونحن نشهد له بذلك فإنه لا يريد مقاومته ولا خصامه ، ولما بلغ لمولاي عبد الرحمان مكاتب العرب حوقل وقال الناس ما بين مادح وقادح ، وزام ومازح ، والله أعلم بمن هو أهدى سبيلا ، وأصدق قيلا ، وبقي الأمير بسلوان أمدا وقد أذعنت له الشلح وأجرى حكمه عليهم ، بحيث أمر بحفر مطمورة قدر ما يجلس ثلاثة ثلاثة بلا مزيد عليهم ، ثم صار كل من يسجنه منهم يدخله لتلك المطمورة ويناوله القفة والفأس بتحقيق الأمر ، ويقول له احفر لنفسك فيها محلا لجلوسك إلى أن عظمت تلك المطمورة بالحفر ، ثم أن المولود بن عراش وسي المولود بوطالب وأخاه سي أحمد بوطالب الذين فروا من الأمير لفاس ، اجتمعوا بمولاي عبد الرحمان على وزرائه وقالوا له لنا علم بحيل الأمير وحربه فجهز لنا جيشا نذهب به لحربه لاجلائه عن طاعتك أو الاتيان به حيا أو برأسه ميتا لك فوافقهم على ذلك بغاية الاقتباس.
فأشار عليه بعض وزرائه بإبطال ذلك وقال له هذا من خبث فعلهم وقبح نعوتهم ، لأنهم لما أرادوا خديعة أميرهم وقريبهم الذين كانوا في نعمته وحرمته لا ريب أنهم يخدعونك أو جيشك فأطردهم مولاي عبد الرحمان وأمرهم بإلزام بيوتهم.
ثم أن كبراء الأحلاف وغيرهم من العرب أتوا للأمير وحثوا عليه في إرسال الهدية التي كان جهزها لمولاي عبد الرحمان وتوانى عن إرسالها بسبب واقعة الأحمر وقلعية فتشاور مع خلفائه وأعيان دائرته وجيشه على ذلك فأشاروا عليه بإرسالها ، فانتخب من جيشه فرسين ذكرين من عتاق الخيل أحدهما للجيلاني ولد السايح ، وثانيهما لمحمد ولد العزري الحشمي فتبين بفرس الثاني عيب مفرط فتركه في القول الراجح. وأخذ فرس السيد أحمد بن الشريف المعسكري وكان كميتا وبأرجله الأربعة سواد خلقة سار بهم في غاية الجمال يقال له البصري لكونه اشتراه من قبيلة بإزاء تيارت يقال لهم البصرة وهو في غاية الكمال. وجعل عليهما سرجين جيدين من ذهب خالص مع أشياء جليلة في الهدية وبعثها مع

خليفته البوحميدي وكان غرض هذا الخليفة السكنة في فاس والراحة من التعب إلى أن يموت في القولة المحكية ، بعد ما كتب له الأمير المكاتب لمولاي عبد الرحمان / ومكنه من المكاتب التي كان يكاتبه بها الوزير السيد محمد بن إدريس وزير مولاي عبد الرحمان ، وأمر بأنه إذا لم يتعرض له أحد من الوشاة بشيء فلا يظهرها للسلطان ، وإلا فليظهرها والأمر كله للمالك الديان. ثم شيعه ورجع وقلبه في فلق من فراقه. وأما السيد محمد البركاني خليفته أيضا فكان قدم سابقا بالإذن لفاس بقصد السكنى فأكرم مثواه مولاي عبد الرحمان وعين له خراجا لاتفاقه. ثم جدّ البوحميدي السير بتلك الهدية. وصحبته أعيان الدائرة وأعيان العرب المريدين للهدية. ولما وصل لفاس اجتمع بالسلطان فدفع له الهدية ووقع الكلام بينهما على الأمير بالإحسان فبالغ البوحميدي في الثناء على الأمير ، وزينه في قلب السلطان فأصغى له السلطان غاية الإصغاء بالتحرير. فقام الوزير ابن ادريس وقال له يا سيدنا لا تصغي لكلام هذا الخلاط الشيطان ، فإنه هو وأميره وجميع الخلفاء شياطين مفسدين في الأرض وأن كلامه هو البهتان ، قد أفسدوا المغرب الأوسط بفعلهم وقولهم وعثوا فيه إلى أن فر أهله منهم للفرانسيس فإنهم لأولاد إبليس لصلبه. ثم جاءوا لمغربنا وشرعوا في الفساد فغزوا الأحلاف ثم الأحمر وقتلوه وأخذوا محلته ثم قلعية وقتلوهم وأخذوا أموالهم وتصرفوا بالحكم فيهم فقد وقع هذا كله منهم وظفرت بواحد منهم ولم تبادر بالفتك به. فعلا الغضب على وجه مولاي عبد الرحمان ، ولما رآه البوحميدي قال له يا سيدنا نعم السلطان إن ما نسبه لنا من الشيطان والخلاطة ليس ذلك من شئننا وإنما ذلك من شأنه الغادر اللئيم. وأنت خبير بأن أميرنا هو بايالته وفي أيامه وهو مذعن لك بالطاعة ومعترف لك بالبيعة ومرسل لك بالهدايا الجليلة ومكاتبه لا تنقطع عنك فما تأمره به يفعله وما تنهاه عنه يتركه بمحله فضلا عن هذا المحل العظيم. وإنما الذي جعل الخلاط الجليل ، وأبعد بينك وبين الفعل الجميل ، وصار بينكما شيطان ، وأوقد للحرب بينكما النيران ، هو الغادر لك والماكر بك فرخ إبليس ، وهو وزيرك هذا محمد بن إدريس لأنه كان يكاتب الأمير بغير قياس ، ويقول له في مكاتبه جدّ السير لتملك المغرب بأسره وتسكن مدينة فاس ، فإن بابها من كل ناحية لك مفتوح ، إن شئت فادخل من باب القيسة وإن شئت من باب الفتوح ،

وأني متفق مع الكبراء من التجار والأعيان والعلماء وأهل الديوان ، على تمليك المغرب لك على حسب ما تريد ، وتكون أنت سلطانه الطود العظيم والليث الشديد. فإن وطئة العلاويين وظلمهم قد عظمت عجل الله بمحقها على يد الأدارسة. فالغرب لا يسعد إلا على الأدارسة وأنت واحد من الأدارسة. وإن أكذبتني يا سيدنا في مقالتي ، وأصدقته في تغيير حالتي ، فمكاتبه تحتي خذها واقرأها ثم قل له اقرأ كتابك ليزول / عنك الريب ويحل لك الانتقام منه لأنه عدو غادر ماكر لك وبك في الشهادة والغيب.
ثم استخرج المكاتب من جيبه بسرعة وناولها للسلطان ، ولما قرأها الأمير مولاي عبد الرحمان ، اشتد الغضب به على وزيره الغادر ، ابن ادريس الخادع الماكر ، وقال له اقرأ كتابك يا خادع ، لتعرف أنك أنت الماكر وهو الصدوق الذي بأمره مصادع. ثم أمر مولاي عبد الرحمان كل من حضر بقتل ابن ادريس بالنعال ولا يدعوا له بابا للمفر. فاشتغلت الناس بضربه بالنعال. لكل ناحية من جسده إلى أن مات بأشد النكال. وأمر بطبع أبواب ما يملكه من الدور ، ونزع الملك من يد الجسور ، فنزعت في الحين ، وصارت ورثته من جملة الفقراء والمساكين. وقرب البوحميدي وأدناه. ولأحسن الدور بفاس ملّكه وأعطاه ، وزوجه من ابنة العلامة السيد محمد بن عبد الله سقاط ، وتولى مئونه (كذا) وجعل له راتبا شهريا وأعطاه من يخدمه من الإيماء فصار في عز وانبساط. ولا زال كذلك إلى أن سأل الزيارة لدار وازان ، وضريح القطب مولاي عبد السلام فأذن له السلطان. ولما تمت زيارته ورجع لأهله بفاس قبض عليه السلطان لكون الوشاة قالوا له أن جولانه ليس للزيارة وإنما هو للتجسس والاختلاط والاتفاق مع الناس ، وسجنه إلى أن سقاه سما به مات ثم ندم السلطان على ذلك. وعلم أن تلك شيطانة حلت به إلى أن ارتكب تلك المهالك.
قال ولما رجع أصحاب البوحميدي المصاحبين له لفاس ، اعلموا الأمير فتأسف كثيرا وحصلت له الندامة على إرساله وقال يا ليتني لم أتركه ذهب (كذا) عند الظالمين البخاس.
ثم ارتحل الأمير بدائرته من سلوان ، ونزل بملوية ومكث بغاية الإطمنان

(كذا). فبينما هو بها وإذا بالخبر بلغه أن سلطان المغرب جهز جيشا لنظر ولده مولاي محمد خليفة عهده محتويا على سبعة محال كل محلة لا طاقة على إحصاء عددها بلا محال. وأمره بالغزو على الأمير ليأخذ دائرته ويقتله إن ظفر به أو يجليه من طاعته ، فجاء ابن السلطان بجيوشه ونزل بقارت ، ثم بسلوان ، ثم بملوية ، بالارتحال والمكث على عادته. ولما رأى الأمير ذلك انتقل من الجهة الغربية فعبر ملوية وهي (كذا) حاملة ونزل بالجهة الشرقية ، وهيأ نفسه وجيشه للقتال وذلك سنة أربعة وستين ومائتين وألف. الموافقة لسنة سبع وأربعين وثمانمائة وألف ، ولما كان اليوم الرابع من محرم تلك السنة كما للقائل ، زحف الأمير ليلا للمغاربة فلم يحصل على طائل. وكانت الدولة الفرانسوية واقفة في الحدود ، ولها جيش عظيم لتنظر من هو الغالب ممن هو في الصدود ، فصار الأمير بين الجيوش فجيش الدولة من جملته المخزن من الجهة الشرقية إن اتصل (كذا) به قتله بجيشه وأخذ محلته ، وجيش المغاربة من الجهة الغربية ، إن اتصل به قتله / بجيشه وأخذ محلته. وكان رائس (كذا) الجيوش الفرانسوية كبيرين (كذا) أحدهما ولد الرّي (265) صاحب الدراوة ، والآخر الجنرال أبي هراوة ، واستدارت جيوش المغاربة بالأمير واتبعته من البعد وخشيت أن تقربه فتحل في الأمر العسير. وكان ابن سلطان المغرب قد فتح طريقا للأمير ليخلصه من الأهوال إلى جانب الظهرة. فلم يلتفت الأمير لذلك لأمرين : أحدهما خشية أن تكون تلك مكيدة. والثاني لقربه من الجنرال أبي هراوة بجيوشه وظن أنه إن فعل يحل في الحسر. وكان الواحد من جيش الأمير يقابل العشرين من المغاربة ، الذين لا خير فيهم بالقاطبة. ولشدة شجاعته وثباته في الحروب ، لم يلتفت لكثرة المغاربة ولم يظن أصلا أنه في الكروب.
قال ثم إن الأمير مكث إلى اليوم التاسع من المحرم ودبر حيلة لعله يظفر بابن سلطان المغاربة ، ويخلص نفسه من الأهوال القاطبة. فعقد إلى جملين من خيار الإبل وجمع الحلفاء وجعلها حملين مشدودين بالغاية ، وطلاهما بالقطران
__________________
(265) يقصد الملك من الكلمة الفرنسية : Le Roi ، والابن المقصود هو الدوك دومال : Le Duc D'aumal.

ووضعهما على أظهر الجملين وأحسن ربطهما في البداية والنهاية ، وأمر أصحابه أن يعبروا بهما وادي ملوية ليلا ويضرمون الناس في حملي الجملين بوسط محال المغاربة ليلا ، ثم يرتكبون ظهور المغاربة بالقتل حال الفرار. وكان ابن سلطان المغرب سمع بذلك فصار مرتقبا للأخبار. ففعل جيشه ذلك غير أنهم أتوا بالجملين من الجهة الغربية لنيل المراد ، ولو فعلوا ذلك من الجهة الشرقية لنالوا المراد لكون المغاربة لما فروا للمغرب وجدوا الخيالة أمامهم ، فرجعوا لناحية البحر فنجوا وبلغوا ذمامهم ، ولو كان فرارهم لناحية المغرب لم تقم لهم قائمة. ووقع الرغاء بالجملين والصدود من مكان إلى مكان وأحوالهما سائمة. وصار جيش الأمير يقتل في المغاربة شديدا إلى أن أصبح الله بخير الصباح. ونادى المؤذن بحيّى على الفلاح. وغنموا من فسطاط ابن السلطان نحو المدفعين. ولما علا النهار اجتمعت الأمحال من الفريقين ، وكثر القتل من جيش الأمير في المغاربة وهم ابن سلطانهم بالفرار فثبته ولد البشير بن المسعود كبير بني يزناسن وقال لا بد من المحاربة. وكان للأمير في حال القتال زهير كزهير الأسد : وهو من شدة الشجاعة لا يخشى في الحرب من أحد. وقد ضاع له النصف من الجيش. وصار في حالة الغضب والطيش. ثم تقدم مولاي محمد بجيشه لناحية الأمير. فازداد الأمير في الغضب والزهير. ولمّا رأى الحشم وبنوا عامر ذلك فروا وجاءو (كذا) بأموالهم ودوابهم لناحية الدولة وخدعوا. وتلك عادتهم من أسلافهم فقبحهم الله على فعلهم وبئس ما صنعوا.
ثم بعث الأمير خليفته الحاج مصطفى للحشم وبني عامر ليردهم إلى الجهاد في سبيل الله. ولما وصلهم أمرهم بالرجوع فأبوا فشدد عليهم فضحكوا منه ثم سألهم برفق فأبوا فتركهم ورجع / له ولم يرجع منهم عنده إلّا من لحقه الحياء أو دخله خوف الله. ولمّا لم يبق الأمير إلا في قليل الجيش تأخر عن الوادي وصار ابن السلطان يعبر فيه بجيوشه فأكمن له الأمير شرذمة من جيشه ما بين العسكر والخيالة. فشعلت نار الحرب وتقدم الأمير للحرب ببقية جيشه وهو في غاية العيالة. فالتقت الأبطال بالأبطال ، والفرسان بالفرسان والرجال بالرجال. وطلع لجو السماء الغبار ، وعظمت المصيبة وكبر النهار ، واشتد القتال ، وكثر الطعن والضرب والنزال. وصارت الحرب بين الفريقين تارة في الغلب وتارة في

السجال. وحمي الوطيس ، وغاب الأنس عن الأنيس وبقي الحرب بينهما من أول النهار إلى أن قرب اليل (كذا). وفشت الجراحات في جيش الأمير وكثر القتل في جيش المغاربة مع الويل. ودخل الأمير للحرب بنفسه وهو في غيظه وعبوسه ، بمكحلته وسيفه وكبوسه ، وانحرقت ثيابه بالبارود ، وانجرح من ساقه ومات تحته ثلاثة من الخيل في المعدود ، وخلصه أصحابه من يد العدو ، وهو كالأسد الغضبان ، وتغير وادي ملوية من دم الفريقين ، فرجع مختلف الألوان وكان ذلك عند الموضع الذي مات فيه كبراء الدولة. وضعف حاله ونقص جيشه من الصولة. وهرب كثير أصحابه إلى وادي كيس ، ودخل كثير دائرته إلى وطن الدولة للراحة من الطيش. وقد مات من المغاربة نحو الألف وستمائة في صحيح الرواية. ولما رأى الأمير قلة جيشه صعد ليلا لبني يزناسن. ومن الغد أخذ عياله وصار بمن معه في التردد هل يرجعون لناحية الدولة أو يذهبون على وجدة لناحية توات في غاية الدراية. وقد سدت الدولة عليه طرق المجاز وهو لا علم له بذلك. ثم أسرع السير بقصد أن يأخذ أسفل الجبل ، ويصعد على وجدة ، ويذهب لصحراء المغرب إلى أن يصل إلى توات ، ويستريح من جميع المهالك.
فبينما هو سائر إذا به وجد نفسه قد دخل بعسة الدولة. وكان في تلك العسة رجلان أحدهما يقال له محمد بن خوية الزمالي ، والآخر يقال له أحمد بن حطّاب الدايري ، وهما من أهل السياسة في الفعلة والقولة فاجتمعا به وعرفاه بأنفسهما (كذا) وقالا له أيها الأمير أين تريد الذهاب ، فأخبرهما بالواقع فقالا له نحن لا طاقة لنا على إهلاكك ولا تسريحك للجواز بغير ارتياب. ولكن الرأي عندنا الذي لا ندلّاك (كذا) عليه هو أن تسلم نفسك للدولة وتكتب لهم بأنك رجعت لهم برضائك ونحن نضمن لك إن شاء الله تعالى أنه لا يقع لك شيء وتريح نفسك من هذا التعب. ونحن من تلامذتك فخذ رأينا لأنه لك مصلحة وتصير من أهل الراحة لا من أهل الوصف.

الأمير يستسلم وينقل إلى فرنسا
قال فوافقهما على ذلك وكتب لهما كتابا للجنرال لمنسير (266) يطلب فيه من الدولة الأمن والأمان لكون الدولة في غاية تأسيس البنيان. فأخذ محمد بن خوية الزمالي تلك الرسالة وذهب مسرعا لولد الرّي وأبي هراوة. ولما وصلهم ذلك حصل بهم السرور للمقيمين وأهل السراوة. / وقد ذهب مع خوية طائفة من كبراء الأمير لاتمام الأمر وإزالة التعسير. فبعث الجنرال سيفه للأمير علامة الأمان على القدوم. فقدم الأمير وسلم نفسه للجنرال وكان غائبا فعرض خليفة الجنرال وهو الكلونيل منتوبه للأمير فاجتمع به بسيدي إبراهيم المعلوم. ولما أقبل الأمير عليهم ، جاز على الفرسان وحياهم بغاية التحية وتوجه إلى جامع الغزوات وقلبه مائيل غاية إليهم. فوصل إليه عشية فألفى هناك أهل بيته ، فأتى الجنرال في أثره مع الباقين من ناس الأمير في وقته. وفي ثاني يوم اتفق الجنرال مع الدولة على بعث الأمير وكبراء دائرته لمكة أو عكة وكان يوم دخول الأمير في حماية الدولة يوما مشهورا بإقليم الجزائر. وضربت المدافع بجامع الغزوات الدالة على سرور القاطن والزائر.
وكان الأمير لما دخل الغزوات دخلها حاملا لسيفه ، علامة على أنه لم يؤخذ قهرا وإنما أسلم نفسه للدولة وليس به شيء من خوفه. ولما اجتمع الجنرال بالأمير أهدى له الأمير سيفه وتأسّف وأخذه البكاء والحزن وبات هو وخلفاؤه في غاية من الحزن. ومن الغد صباحا ركب فرسه وذهب معه أصحابه إلى محل ولد الرّي وهو الدوك دومال فنزل بالبعد وأخذ فرسه بيده وأقبل على ابن السلطان فرحب به وهنأه وأظهر له جميع الكمال. ثم رجع الأمير ماشيا إلى قيطونه ، وعند الزوال ركب ابن الرّي والجنرال والأمير البحر فوصلوا للمرسى الكبير بوهران في نصف اليل (كذا) وأزال الأمير ما كان بقلبه من حزونه (كذا) ، وفوض أمره لله وتوكل عليه. فكان مآله الصلاح في كل ما عول عليه.
__________________
(266) يقصد لاموريسيير. الذي يلقبه بأبي هراوة. أما ولد الرّاي فهو الدوك دومال ابن الملك الفرنسي لويس فيليب.

ثم كلفت الدولة بحفظ الأمير وخدمته من كان مريشالا مرطمبري (267) صاحب التأليف المشهور. فطلب منه الأمير أن يأتيه بطبيب لدواء ساقه المجروح منه في المسطور. فأنسه وأجابه بلذيذ الخطاب. وقال له لا تجزع فلقد نلت على دينك ما نلت من الملك الوهاب. وإنك في عام خمس وثلاثين وثمانمائة وألف حصل لك الرج في تافنة ، وفيض العطش ، والزبوج والمقطع ، لما كانت صولة ملكك لأني حضرت لتلك الوقائع والآن لما زال ملكك فلا تكن من أهل الجزع. لأن الأيام جعلها الله متداولة بين عباده. وكل منهم يبلغ منها بإذن الله ما شاء من مراده. وكان الأمير منكسا لرأسه لا يتكلم بشيء من الكلام. وإنما هو مشغل بالكتابة وحوله خليفته صهره السيد الحاج مصطفى بن التهامي يملي عليه في بعض الأحيان بعض الكلام. وعند الثمانية جاءت الفرقاطة لحمله بأصحابه وخلفائه وأهلهم وهم في غايات الجراح. فركبوا بقصد الذهاب لمرسيلية ولزموا أنفسهم بالانشراح. وعند العشرة توجهوا لافرانسا بمراء (كذا) العيون. ووقت الاثنا عشر غابت بهم في لجة البحر عن العيون. ولما دخل ولد الرّي لوهران ذهب ومعه الجنرال والحكام أهل النظام. للكنيسة وأنشدوا أشعار السلطان / لوي (LOUIS) وبالغوا في الثناء على إزالة الفتنة بعد هطل الدماء الكثير وعلى قبضهم للأمير وبعثهم إياه لافرانسا وعلى تملك الوطن والعلو على الإسلام. ولما أثبتت الدولة للجنرال أبي هراوة قبض الأمير هنوه (كذا) على ذلك بغير الحدسة.
فأجابهم بأنه قبضه على وجه أن يبعثه للمشرق هذا وجه القبض لا مطلقا فقالوا له هذا منك وقع على وجه الهندسة ، فإنه لا يخرج من افرانسا أبدا لأنه إذا خرج بأهله لا محالة أنه يأتي من صحراء القبلة ويعود لما كان عليه. فقال لهم الجنرال الشرط لازم وقد ذكرته لكم من غير ميل مني إليه. ثم إن الدّوك خرج من وهران لمسرقين ومنها زاد لسيق. ثم لمستغانيم ثم رجع للمقطع وركب البحر من رزيو لوهران ثم توجه للجزائر بالتحقيق. ثم توجه الجنرال لمنسير (كذا) لافرانسا ليتكلم في قضية الأمير مع أهل القامرة. ولما ذهب الأمير لافرانسا رجع بنوا عامر من المغرب لبلادهم بعضهم برا وبعضهم بحرا وهم في سوء حال وقلة عيش والكثير منهم ضاع في القولة القامرة.
__________________
(267) يقصد الضابط مارتيمبري : Martimprey.

إطلاق سراح الأمير وذهابه
إلى تركيا ثم دمشق ووفاته
ومكث الأمير بافرانسا بعد مروره بمدينة طولون بمدينة يقال لها أنبواز (268) فيما يقولون من سنة سبع وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة أربعة وستين ومائتين وألف إلى سنة اثنين وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام ثمانية وستين ومائتين وألف. فاتفقت الدولة على تسريحه للمشرق وسرح لمدينة برسا وهي ابروس فحل بها وصار في غاية الهناء وعلت كلمته عند جميع الرءوس (كذا) ، ثم انتقل إلى دمشق الشام في سنة خمس وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام اثنين وسبعين ومائتين وألف ، فحل بها واستراح ، ونال العز والأفراح وصار مقصودا عند الخاص والعام لقضاء الأوطار ، وجعلت له الدولة راتبا جليلا سنويا شهريا للإنفاق بغاية الاشتهار. وارتفعت رتبته عند جميع الدولة ، وعلت كلمته على الآخر والأول. وصار لا يضاهيه في الرتبة من أبناء جنسه عند الدول إلا القليل ولا يرقا (كذا) لسمائه إلا بضوء المصباح والقنديل. ولا زال على ذلك إلى أن نشبت فيه المنية أظفارها لما دعاه داع الارتحال ، والإقبال في قدومه على الكبير المتعال. فتوفي في منتصف ليلة السبت من آخر رجب سنة ثلاثمائة وألف ، الموافق لخامس عشرين ميي (كذا) سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وألف. ودفن بالصالحية جيرة ضريح ولي الله الأكبر الشيخ محي الدين بن العربي الحاتمي داخل القبة بالإيصاء منه ، فنفذت وصيته من غير إحالة عنه. ولما توفي أخبرت الدولة بموته في الورقة الخبرية التي يقال لها المبشر المؤرخة بثالث شعبان سنة ثلاثمائة وألف في المشتهر ، المعلمة بعدد 2438 بالتحقيق. وهاك نصها بالحرف في الأمر الحقيق ، قد صار / إلى رحمة الله السيد الحاج عبد القادر بدمشق وكان ازدياده بالمعسكر سنة 1806 وأما سبب موته فهو مرض بقلبه لازمه مدة سنين حتى أن أقاربه كانوا يتوقعون وفاته في كل وقت فأخبرنا بوفاته ولده السيد محمد برسالة تلغرافية وجهها إلى رائس (كذا) الحكومة الجمهورية في يوم 27 مي (كذا) ونص عبارته : ها أنا أخبر أيها السيد بما قد لحقني من
__________________
(268) يقصد : Amboise.

الحزن بوفاة والدي في منتصف ليلة السبت وأنه أوصاني وقت وفاته أن أكون متصرفا على عائلته ورضي بي جميع العائلة فاقبل مني أيها الحضرة السنية مزيد السلام لجنابكم وتأكيد محبتي للدولة الفرانسوية ، ففي سنة 1880 كان المظنون أنه قد قضى نحبة لورود رسالة أشاعت وفاته ونقلتها الأوراق الخبرية ورثوه بما علموا من سيرته فذكروا بطوليته (كذا) وحسن أخلاقه إلى غير ذلك فعربت تلك النبذات وأطلع عليها المذكور في حياته بعد أن شفاه الله مما كان اعتراه فاضطرب قلبه عند قراءتها اضطرابا عظيما وتفكر هنيئة ثم قال : الحمد لله الذي أجرى الوهم في افرانسا بوفاتي حتى تحققت بذلك أنه لا ينقطع احترامي لديها بعدي وهذا المؤمل من البخت ومقالته هذه لا ريب فيها لأنه بعد أن قاومنا مدة خمسة عشر سنة ودارت عليه الدائرة سلم للقضاء والقدر وأحب الأمة التي قهرته وتمتت (كذا) اعتزازها بتعظيم من ألزمته بالطاعة والإذعان وصار يستحيل التغلب عليها حتى أنه في سنة 1870 لما تحتم انكسارنا لم يصدق بالواقع وعندما تحقق لديه ما لحقنا من الانهزام اعتراه حزن شديد ورأى ذلك مما يستهون به فشله وفي ذلك الأيام (كذا) قدم إلى دمشق عدة من المسافرين الأجنبيين فزاروه وظهر لهم أنه يشفي غليله بذكرهم له ما حاق بافرانسا فاعتذر إليهم بمفارقته إياهم برهة ثم عاد إليهم وهو متقلد بنيشان الحرمة فأعلمهم بذلك سماحة كلامهم ومن ذلك اليوم صار يتجنب من الزائرين ولا يقبل إلّا من قدمه القنصل بل رغب منه أن يخفف عنه مشقة الزائرين ولازم المكث بداره الموجودة في حومة كان تملك لديارها شيئا فشيئا وكل من تلك الديار مختصة لشأن من الشئون (كذا) فبعضها لجميع حريمه ونحو عشرة منها لولديه الذين (كذا) هما من زوجته التي أخذها بالمعسكر في صغره منذ سنة 1830 وأعظم الديار التي في الوسط صيرها مسجدا للعبادة وديارا صغيرة جعلها سكنى لأهل الجزائر الذين رحلوا معه وهم ما بين 300 إلى 400 نفر فكان الحاج عبد القادر في وسطهم شيخا مالكا بل أبا وسلطانا وكان يلقبه بالسلطنة كل من قصده وقبل يده وبايعه ولم يزل وجهه إلى آخر ساعة من حياته في سماحة وبشاشة ومن طبعه أنه دائما يكتحل بالإثمد كعادة العرب ويخضب لحيته وأنه قصير القامة نحيل الجسم منطلق في حركته كالسهم وذلك مما يذكر كل من رآه في فروسيته وحزمه وضربه بالحسام /. ومن ثيابه أنه يلبس

عباءة زرقاء مفتوحة اللون وعلى رأسه عمامة بيضاء ومما اتصف به خلاف ما هو في عادة العرب أنه لم يتعاطى الفروسية وأهمل العلم بل أنه جمع بينهما كما قال رحمه‌الله في قصيدته التي كان أنشدها في أيام سلطنته:
فإن شئت علما تلقاني خير عالم
 

وفي الروع والوغا أحاديثنا تروى
 
نشاط الأمير في دمشق
هذا وله خوض في جميع الفنون لم يقتصر على الفقه فقط ، لا سيما علم الأدب والشعر كما شوهد من عدة رسائله ، فقد قال أهل دمشق أنه حصل سرور عظيم حين صادف فرصة في حماية النصارى من الفتك بهم حيث الثورة التي وقعت في سنة 1860 ، وفرح بإعادته لما كان متحلفا به من الحومة في ميدان الحروب بعد التخلي عنها زمانا لا سيما إذا كان ذلك دون نقض المعاهدة مع الدولة الفرانسوية فوثب على الفاتكين بالنصارى كالأسد الضاري ولا زالت دكانه في دمشق تشهد على جلوسه عليها متحزما ثلاث ليالي لدفع كل هجوم يقع على المساكين الملتجئين إليه فبينما كان والي دمشق أحمد باشا لم يبرز منه أمر بكف ذبح النصارى تريس (كذا) الحاج عبد القادر على عدة من الجزائريين المصادقين له ، وقصد دار قنصل افرانسا ومنها خرج سبع مرار (269) للتفتيش على النصارى الفارين في الأزقة الفازعين من شدة الرعب ليبوأهم (كذا) في داره حتى اجتمع عنده ثلاثة آلاف نفر.
كما أمن في القلعة عشر آلاف وجعلهم تحت حماية جزائرية فمات من خدامه بإزائه سبعة أنفس ثم إن شيخ الإسلام أمر بمقاتلة الأمير عبد القادر في داره وهو تأهب للمدافعة عن نفسه إذا بألف نفس من دروز حوران دخلوا البلاد تحت أمر أسعد عمر الذي هو محب لقنصل اليونان ووعده بنصرته كلما حل الخطر وحمي الوطيس وكان الأمير كذلك فجاء أسعد إلى الأمير وقال له ها أنا بين يديك فأمرني بما شئت ؛ وبمساعدته أمكن للأمير تخليص الثلاثة آلاف من الفتك.
__________________
(269) يقصد سبع مرات.

واعلم منذ يوم 22 دسمبر (كذا) 1847. الذي طاع فيه الحاج عبد القادر لافرانسا وسلم نفسه إليها التزمت أوربا (كذا) بصرف النظر إليه مراقبة لما يصدر منه. ففي سنة 1863 مرّ بمصر وشاهد أعمال خليج السويس وصعد إلى الحج وقضى مناسكه. ثم في سنة 1867 حضر المعرض العام المتخذ بباريز. وفي شهر نونبر (كذا) 1869 كان في محفل من حضر افتتاح خليج السويس (270). ولما اتقدت الحروب بين افرانسا والمانيا طلب هذا الهمام من سلطان افرانسا في شهر جليت 1870 أن يعطيه التريس على العساكر الافريقية ، وفي شهر سبتمر (كذا) السنة المذكورة وكذا في شهر جانفي 1871 جدد طلبه من أرباب الدولة. ثم في شهر جوان 1871 اتفق أن ولده الكبير تحزب مع بعض الأشرار الساعيين (كذا) في الفساد كي يفتن أهل الجزائر فأنكره والده وتبرأ منه ، وفي سنة 1873 أثبت ثانيا محبته لافرانسا بإرساله ثلاثة آلاف فرنك لفقراء ألزاس لورين. هذا وقد / وقعت جنازته يوم 26 ماي 1883 حضرها جميع الحكام من الأهاليين والعسكريين بخلعهم الرسمية وكذلك قناصل الدولة وخمسة جنرالات فبلغ عدد من شيعها ما ينيف على ستين الف نسمة وقد دفن بضريح هناك مراعاة لشرف قدره كأنه ولي من أولياء الله رحمة الله عليه ه.
العودة للحديث عن الجزائر
ولنرجع بالكلام على أحوال الدولة بإقليم الجزائر فنقول : ومن الله أسئل (كذا) تمام المأمول ، أن في سابع مارس من سنة سبع وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق للرابع والستين ومائتين وألف ، سأل المخزن من أمراء الدولة تقسيم البلاد عليهم بالتمليك. ويبني كل منهم في المحل الذي يريده فوافقهم على ذلك بغير التحليك. وفي مي (كذا) من السنة المذكورة جال الجنرال كفنياك بالقبلة جولانا عظيما. وزاد لأهلها تدويخا جسيما. وفي أوت منها حصل الجولان من الجنرال طاربوفيل (D'ARBOUVILLE) بمسيردة وبني سنوس فدوخها تدويخا ، وألزمها بالإذعان والعقوبة ووبخها توبيخا. وفي دسانبر من السنة
__________________
(270) يقصد قناة السويس.

المارة وقع بين الأمير قبل تسليمه نفسه لافرانسا وبين الكماندار (كذا) مليلة (271) مخالطة عظيمة. وسعى له في الصلح لكنه لم يتم سعية جسيمة. وفي الثاني والعشرين منه سلم الأمير نفسه للدولة كما سبق الكلام ، وحصل الخلاف بين الدولة على شأن الأحكام صارت جمهورية إلى أن لحق ذلك العرب الذين ببر الجزائر بالتمام. وذلك في شهر فبري (كذا) سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة خمس وستين ومائتين وألف. ثم بعد ذلك حصلت الراحة الكثيرة لجميع الناس وصار كل منهم مشتغلا بما ينفعه بغير الاختلاس وفي سنة تسع وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لسنة ست وستين ومائتين وألف : غزت الدولة على مدينة زعطاشة ففتحها عنوة ، وهي في عمالة قسمطينة (كذا) وليس هفوة (272).
الامبراطور نابوليون الثالث
ثم ثالث سبعينهم نابليون الثالث بنبارط القائم بالدولة قيام الارتباط ، تولى في ثاني دسانبر سنة اثنين وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة تسع وستين ومائتين وألف. ومن خبره أنه تولى أول رئاسة الحكم الجمهوري الواقع في عاشر دسانبر سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافق لعام خمس وستين ومائتين وألف. ثم تولى ثانيا رئاسة الحكم الجمهوري على عشرة أعوام في ثاني دسانبر سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافق لعام ثمان وستين ومائتين وألف. ثم تولى ثالثا السلطنة بافرانسا في السنة المتقدمة أولا المقررة ، الموافقة للسنة الهجرية المذكورة سابقا المحررة ، وتسمى باسم نابليون الثالث فأذعنت له الأمة الفرانسوية بأجمعها من غير المناكث. ولما على (كذا) الملك احتوى وتولى ،
__________________
(271) يقصد الاتصالات التي أجراها الأمير مع حاكم مليلية الاسباني في ربيع وصيف 1847 م.
انظر كتابنا مراسلات الأمير عبد القادر مع إسبانيا وحكامها العسكريين بمليلية ط 2 (الجزائر ـ 1986 م).
(272) يقصد انتفاضة سكان واحة الزعاطشة والشيخ بوزيان. عام 1849. انظر عنها كتابنا ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين (الجزائر ـ 1980) ص 59 ـ 68.

ورسخ به قدمه واستقلّى (كذا) سرّح الأمير للمشرق كما سبق عليه الكلام ، وحط كلكله على كل أحد وتم له المرام.
حركة الشريف محمد بن عبد الله
وفي وقته حركت الدولة بجيوشها ومعها المخزن الفخيم ، لصحراء الجزائر ووهران لفتح مدينة الأغواط ، ولها النصر الجسيم ، ولما وصلت الجيوش لموضع يقال له الحويطة ، بقي الجنرال أبو سكران بالمخزن وجل الجيوش بالحويطة ، وسبق المريشال بليسي (PELISSIER) والجنرال دوليني (DELIGNY) بالشاسور (273) والصبايحية ونحو الستمائة عسكري محمولة على الإبل في صحيح المقال ، فأسروا ليلا نحو الاثنا عشر ساعة لناحيتها لتمييزها بساحتها ومحلّ النّزال. ومن الغد لحقت الأثقال واجتمعت الجيوش ، وخيمت المحلة على البلد قبالة سيدي عيسى الأغواطي وعظم الحال على أهل البلد وزال الفشوش. وفي اليل (كذا) أمر المريشال بليسي الجنرال بوسكران بالاستيلاء على سيدي عيسى فنصبت المدافع ، واشتد الأمر وزال المدافع. ومن الغد شرع العسكر في القتال ، وإرسال المدافع على البلد واشتعلت نار الحرب واشتد حال النزال ، وجاء الجنرال يوسف العنابي بمحلته من المشرق فنزل من ناحية الخير ، وجاءت محلة من جهة أبي سعاد فنزلت قبلة بغير الطير.
ودام القتال إلى أن انهدم السور وصعد العسكر بالسلاليم والحبال المعدة للصعود. فلم يك (كذا) غير ساعة وإذا بالمدينة فتحت عنوة بعد ما مات من أهلها نحو ألف ونصف في المعدود. وكان الهجوم عليها على السبعة (كذا) صباحا في اليوم الرابع من دسانبر سنة اثنين وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة تسع وستين ومائتين وألف. وكان الإنهدام للسور وقت العشرة (كذا) ، فبانهدامه حصل الدخول للمدينة ، فدخلها المريشال بليسي بجيوشه. وكانت الأغواط على مسافة مائة مرحلة من الجزائر في القولة المدينة. وفي سنة ثلاث
__________________
(273) يقصد بالشاسور القناصة : Chasseurs. والحادث هو حركة الشريف محمد بن عبد الله الذي سيطر على الأغواط وورقلة وأعلن سلطانا عليهما.

وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة سبعين ومائتين وألف ، وجه المريشال راندون (RANDON) محلة لمدينة ورقلة ومعها المخزن الباسل ، لتفقد أحوالها وأحوال سي حمزة البوشيخي (274) فيها وسيرته لنظر الكلونيل دوريو (DURIEU) الكامل ومحلة ثانية من المعسكر لنظر الكلونيل نيكو (NICOT) ، ومحلة ثالثة من المكيّة لنظر الكمناندانث (كذا) دورباي وأمرهم بالاجتماع في متليلي في بادي الرأي. فلما وصلوه في ذلك الحال ألفوا به رسول سي حمزة جاءهم بأنه وجه لهم من ينتظرهم في باروخ ، وباروخة ، ليكون قائدا لهم في جميع الأحوال فزادت المحال الثلاثة في سيرها إلى أن وصلت لورقلة وبها جاءهم سي حمزة مع أعيان ورقلة ، وسعيد عتبة ، والمخادمة ، وشعانية متليلي ، فزادوا جميعا للأغواط واجتمعوا بالمريشال راندون ، فكافأهم بالهدايا ، وخاطبهم بخطاب التمرتيلي.
المشاركة في حروب القرم شمال البحر الأسود
وفي سنة رابع وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة إحدى وسبعين ومائتين / وألف ، اتحد السلطان المذكور مع الانجليز على إعانة السلطان العثماني على قتال الموسكوا (275) فأعانه إلى أن انعقد الصلح لديه بباريز ما بين سلطان الترك والموسكوا (كذا).
ثم في سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة ست وسبعين ومائتين وألف ، جهز جيشا عظيما لقتال لتريش (كذا) (276) والطليان. فانتصر عليهم إلى أن صيرهم في الهوان ، واستولى على مدينة منجينب من بلاد الطليان.
__________________
(274) يقصد به سي حمزة ولد سيدي الشيخ الذي عين خليفة على الغرب الوهراني بعد نجاحه في طرد الشريف محمد بن عبد الله من الأغواط. انظر كتابنا ثورات الجزائر. ص 121 ـ 132.
(275) يقصد حروب شبه جزيرة القرم التي نشبت بين روسيا والدولة العثمانية من 1854 إلى 1856 م.
(276) يقصد النمسا بوسط أوروبا.

أحداث بني يزناسن
وفي هذه السنة جهز جيشا محتويا على مائة ألف من المقاتل (كذا) لقتال بني يزناسن أحد قبائل الريف الذين بالحدود الغربية من بر الجزائر لتغير المشاكل ، فكان الصلح بين الفريقين بلا كبير قتال ، على أن يعطوا بني يزناسن قدرا معينا للدولة من المال. وتم قتاله لبر الجزائر في عام الستين وثمانمائة وألف الموافق لسنة سبع وسبعين ومائتين وألف.
نابوليون يزور الجزائر
وفي هذه السنة قدم نابليون بأهله مرة أولى لمدينة الجزائر ، التي هي مأوى للقاطن والزائر ، فتلقته الرعية بها من العرب والنصارى واليهود من كل جهة بغاية القبول. واجتمعت عليه الجيوش من الفروع والأصول ، وجاء لملاقته (كذا) باي تونس محمد الصادق فأجابهم السلطان بالترحب الذي ذهلت منه العقول ، وأبذل العطا (كذا) بحسب عادة الملوك للكافل والمكفول. وفيها جهز جيشا لفتح لزية من إقليم الصين ، فاستولى على مرسى يقال لها كنشالشين (كوشنشين). وفيها جهز أيضا جيشا لبلاد لمريك (كذا) الشمال (امريكا الشمالية) طالبا للفخارة ، فاستولى على بلد يقال لها المكسيك وذلك للتجارة.
ثورة أول سيدي الشيخ
وفي سنة أربع وستين وثمانمائة وألف. الموافقة لسنة إحدى وثمانين ومائتين وألف ، خرج عن الطاعة أولاد سيدي الشيخ رايسهم (كذا) سليمان بن حمزة مع الأحرار وحميان ، وفليتة تحت رئاسة السيد الأزرق بالحاج فدام القتال عليهم إلى أن حصل منهم الإذعان. وقد مات القبطان (كذا) بوبريط (277) بعوينة أبي بكر على ما قيل.
وعظم الأمر واتسع الخرق على الراقع وصار كل واحد من الخارجين
__________________
(277) Beapretre. عن ثورة أولاد سيدي الشيخ انظر كتابنا : ثورات الجزائر. ص 133 ـ 176.

كالفيل : وحل بآغة إسماعيل ولد المزاري ما حل من قتل أصحابه ونهب العدو لأموالهم ، والكثير منهم جرح وهم في الحالة الرذيلة الدالة على فساد أحوالهم وخلص إسماعيل من الموت ، ونجا من الفوت. ومات سي الأزرق بالحاج قتيلا ، وتشتت أمر فليتة بحيث صار الوجيه فيهم لا يساوي فتيلا ، كما مات في الصحراء (كذا) من أولاد سيدي الشيخ سليمان بن حمزة أيضا قتيلا. وجاء المريشال مرطمبري (MARTIMPREY) والجنرال لبسيط (لاباسي) لفليتة فمهدوهم (كذا) تمهيدا وأمكرت الدولة بفليتة مكرا عتيدا ، وصار سي محمد بن حمزة وعمه سي العلا يترددان في صحرا (كذا) وهران والدولة تجهز لتدويخهما الجيوش في كل زمان ومكان ، ثم افترق العلا مع محمد بن حمزة. فمنها العلا غرب بمحلته لناحية راس الماء بنواحي بلعباس ، ومنها محمد بن حمزة بقي يجول في نواحي البيض إلى أن حل كل منهما في الإفلاس /.
وفي شهر اكتبر (كذا) من سنة أربع وستين وثمانمائة وألف الموافقة لسنة إحدى ومائتين وألف غزت محلة الدولة ومعها المخزن الذي به يكون الفتح في كل معركة ، ويحصل له الثناء في مقحمة ومحركة ، على دواوير محمد بن حمزة وهو بالبنود ، فلم يشعر بنفسه إلّا وأحاط به المخزن ولم يجد سبيلا للصدود. فقاتل. إلى أن جرح وسقطت به رمكته ميتة ، ثم حمل جريحا بآخر رمق إلى فقيق فمات بها قولة محيتة.
زيارة نابوليون الثانية للجزائر
وفي سنة خمس وستين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة اثنين وثمانين ومائتين وألف ، قدم نابليون (الثالث) مرة ثانية إلى بر الجزائر ، فجاله لتفقد الرعية ، وحصلت منه الصلة العظيمة للمخزن خاصة وإعطاء الهدية ، ولشدة محبته للعرب ورغبته فيهم خاطبهم بالخطاب المقبول ، بأنه سلطانهم كما أنه سلطان النصارى بغير الملل. ونص خطابه وفصاحة جوابه :

إعلان نابليون لسكان الجزائر
إعلان من حضرة لمبرور سلطان الفرانسويين إلى كافة المسلمين أهل المملكة الجزائرية أن الدولة الفرانسوية لما وضعت قدمها بوطن الجزائر منذ خمس وثلاثين سنة لم يكن مرادها في اندثار شمل سكان الوطن المذكور بل المراد في خلاصهم من الظلم المترادف عليهم منذ أحقاب. وقد جاءت بحكم أحلم وأعدل وأبلغ رشدا مما كانت عليه التصرفات التركية أخلفناها. ومع ذلك فإنكم في السنين الأولى من الاستيلاء حصل لكم قلق حيث رأيتم أمة أجنبية تتصرف فيكم فلذلك قاتلتم من خلصكم من الظلم فمعاذ الله أن نظن أن ما صدر منكم وقتئذ كان ذنبا يوجب الملام عليكم بل نوقر ما جبلتم عليه من الخصال الحربية التي حملتكم على رفع السلام ساعتئذ حال كونكم منتظرين فبل الإذعان إلينا إجراء حكم الله ولكن قد نفذ حكمه بما أراد فليس إلا الرضى بما قدرته الحكمة الإلاهية (كذا) الخفية عنا أسرارها التي تبلغ المرء إلى الخير في الغالب ويضطر المرء إلى نيل مراده مع خيبة قصده وعكس اجتهاده ، فمثل ما وقع بكم حل بأسلافنا منذ عشرين قرنا بأن هجمت عليهم أمة أجنبية فلم يرضوا بطاعتها وقاتلوها ثم هزموا ومن يومئذ تجددت حالتهم إلى ما كان أحسن منها وهو مبدؤا (كذا) تاريخ ارتقائهم ، وإن القولوة (كذا) أي أسلافنا لما انهزموا تخلقوا بأخلاق الرومانيين المنتصرين عليهم وبالاتصال الملازم مع اختلاف فضائلهم الأدبية ومضادة عادتهم تولدت منه على مرور الأزمنة هذه الأمة الفرانسوية التي وقت الله لها وقتا لتنشر في الدنيا ما ألهمها الله به من زرع محاسنها فمن يعلم أنه لا يأتي يوم تجد أمة العرب فيه مساعدة على الاستقلال بتصرفات أمورها كما كانت قبل في القرون الماضية مالكة لبعض سواحل البحر الأوسط ولا يكون ذلك / إلا بعد صلاح أحوالها واختلاطها بالأمة الفرانسوية فارضوا أيها العرب بما حكم الله ، وقد قال تعالى في سورة البقرة «وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» على هذا الملك بقدرته ، نريد أن نصرفها في جلب فوائدكم وخيركم وأن مرادي لا يخفى عليكم فقد قررت لكم ملكية الأراضي التي كنتم تستغلونها تقريرا بتّا (كذا) مستمرا ووقرت مقام كبرائكم ، ومرغوبي أن نزيد في رفاهيتكم ونشرككم معنا في تصرفات الوطن زيادة عما أنتم عليه الآن. كما أن

مرغوبي في مشاركتكم في أنواع خيرات التمدن ، لكن ذلك مقرون بشرط وهو أن تطيعوا وتحترموا أنتم كل من ينوبني في الحكم والتدبير وأخبروا إخوانكم المغرورين بأن تكرار سعيهم في النفاق يعود بالنحس عليهم ، فالمليونان من العرب لا يقدر (كذا) على مضادة أربعين مليونا من الفرانسويين ومن الحمق أن يتعنت الواحد على العشرين وذلك ظاهر. ومع هذا فقد حلفتم لدي على الوفاء بالعهد وذمتكم توكد عليكم الميثاق بالوفاء ، والتمام حسبما هو مذكور في كتابكم الشريف بسورة التوبة ، ونستكثر خير جماعة كثيرة منكم الذين لم يغيروا صدقهم باتباع الآراء الفاسدة المتولدة من الجهل والتعمق والغلو في الدين حيث تحققتم بأني سلطانكم فاعلموا أني حام لكم وأن كل من عاش طائعا في ظلم حكمنا فله حق مساوي في اعتنائنا. واذكروا ما هو مرسوخ بأذهانكم من انتسابكم إلينا إذ كنتم منذ عشرة أعوام أخذتم حظا من صيت نصر جنودنا ووقف أولادكم بإزاء أبنائنا في المعارك الواقعة بالكرم والإيطالية (كذا) والصين والميكسيك ، ولا ينحل الارتباط المنعقد في ميادين الحروب. وقد شاهدتم ما أمكنكم التحقق به من طاقتنا وما نفعل مع عدونا وقت عداوته ومحبنا وقت محبته فاعتمدوا يا معشر العرب على الدولة الفرانسوية حيث أن أحوالكم وأحوالها متحدة واعترفوا بأن من يهدي الله فهو المهتدي حسبما نطق به القرآن في سورة الأعراف. كتب بالجزائر في الخامس من شهر ماي سنة 1865.
ولما جال السلطان بإقليم الجزائر ووصل إلى وهران ، ونظر إلى مخزنها الفائق للأقران ، أعجبه غاية الإعجاب ، وأكثر من الثناء عليه وصاله بالصلة التي تحير فيها أولوا الألباب. وفي سنة ست وستين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف حركت الدولة بمحالها ومخزنها على فقيق ، وصممت على ذلك في القول الحقيق. وسبب ذلك أنه لما مات سي محمد بن حمزة كما سبق قام مقامه أخوه سي أحمد بن حمزة فجيش الجيوش وغزى بهم على فرقة من أولاد زياد ، كانت قادمة للبيض فأخذها وأضافها إليه وارتحل بها لناحية الغرب للترداد فلحقه الكلونيل دكلوب بمحلته وقاتله شديدا وقاومه عتيدا. ولما سمع الجنرال الكبير بوهران ، جهز الجيوش لقتاله في كل زمان ومكان ، فأدركت نجوع دراقة والكثير من أولاد / ازياد وظفرت بالمخالفين ، وأخذتهم أخذة

رابية وغنمت الغنيمة التي ليست في وصف الواصفين ، وأتبعت أثر أحمد بن حمزة إلى أن تركت مدينة فقيق خلفها. وأخذت عرب الظهرة كعرب الطرافي وغيرهم وألزمتها بالرجوع لمحلها ولا تعرف حلفها ، وذلك في المحل المسمى اثنا عشرة قارة وقارة وبلاد المحروق. ودخل للبايلك من تلك الغنيمة خمسة وعشرون ألف فرنك في القول المصدوق. قال ، ولما رجع السلطان من جولانه لباريز أعقبه الشر العظيم والوفاء المفرط للجائز والمجيز.
مجاعة عام 1867
وفي سنة سبع وستين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة أربعة وثمانين ومائتين وألف ، حصلت المجاعة العظمى بسائر البلاد ، ووقعت تلك المسغبة الكبرى التي أفنت كثير العباد.
جلب الماء لمدينة وهران
وفي تلك السنة جلبت الدولة لوهران ماء يفري في الموازب الحديدية (278). ثم في أعوام السبعين والثمانين المسيحية جلبوا لها أيضا ماء البريدية. وفي سنة سبعين وثمانمائة وألف الموافقة لسنة سبع وثمانين ومائتين وألف ، جهزت الدولة جيشا للصحراء الغربية من وهران فجالوا بها بالتحرير ، وحصل القتال بينهم وبين أهل عين الشعير ، ووادي قير ، ولم يحصلوا في ذلك على طائل ، ولم يدركوا النائل. ومرا لمدينة القنادسة ، وصاروا في جولاتهم بالحالة الحادسة.
الحرب الفرنسية البروسية عام 1870
فبينما هم في تلك الجهة يموجون ، وإذا بالبروس وهم الألمان فاضوا عليهم في برهم وصاروا لهم من كل ناحية يخرجون ، فتركوا حال الإقليم الجزائري وتوجهوا لقتال البروس. ودام القتال الشديد بينهم إلى أن سلم نابليون
__________________
(278) إيفري قرية صغيرة على الضفة اليسرى لواد الرّحي الذي يعرف اليوم بواد راس العين ، حيث حي راس العين. والموازيب يقصد بها القنوات الحديدية.

نفسه وألقى سلاحه للبروس ، وذلك في أول ستانبر (كذا) من السنة المذكورة الجروس. ثم حصل الصلح بين الفريقين ، بعد القتال الشديد وموت الكثير من الجانبين. وصار أمر الدولة جمهوريا شوريا. ولم يبق لهم الحكم السلطاني من ذلك الوقت للآن تحقيقيا ، وهو سنة تسعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة ثمانية وثلاثمائة وألف. ولوفاء المسلمين بالعهود ، لم يحصل منهم شيء من نقض المواثق والعهود. فلم يكن منهم نفاق ولا مخالفة ولا شق للعصا بل بقوا على ما كانوا عليه من المؤالفة.
الجنرال أتراش : TROCHO
ثم تولى الجنرال أترش أبرزدان (كذا) ، ومعناه رائس (كذا) الدولة الجمهورية للاتقان. في رابع ستانبر (كذا) سنة سبعين وثمانمائة وألف ، وتسمى بكل عمالة من افرانسا عامل ، وكثر القتل والهرج الغير المشاكل.
الرئيس تيير
ثم تولى اتياري (تييرTHIERS) رئاسة الجمهور (كذا) في الثامن والعشرين من جانفي سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وألف الموافقة للثامن والثمانين ومائتين وألف. فهدن افرانسا بأسرها وعقد الصلح بينها وبين الألمان على أن ترك لهم للزس (كذا) ولرين (كذا) بالبيان. ونقد لهم إثر القتال خمسة ملايير ، وانبرم الصلح انبرام التخايير.
وفي هذه السنة اتفق أولاد سيدي الشيخ الشراقة برئاسة سي أحمد بن أحمد بن حمزة والغرابة تحت رئاسة الحاج العربي ولد سيدي الشيخ بن الطيب مع نجوع الغرب على الدخول للتل من ناحية سبد (كذا) للهجوم على الذين في طاعة الدولة. وأرادوا إظهار ما بهم من القوة الكاملة والصولة فخرج لهم الكلونيل مالواز (MELOISE) بمحلته من تلمسان ، وصمم على قتالهم في كل مكان وزمان : فكان المصاف بينه وبينهم بمحل يقال له ماقورة. فألزمهم بالقتال إلى أن أطردهم وكانت تلك الواقعة تعرف بواقعة ماقورة. وفي التاسع والعشرين

من أوت سنة اثنين وسبعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة ثمان وثمانين ومائتين وألف ، دخل أهل التل بأجمعهم مخزنا وغيرهم تحت الحكم العمومي وهو السبيل (279) وخرجوا عن الحكم الخصوصي وهو الملتير (كذا) فسمي عام التبديل. وانتقل الحكم الخصوصي للصحراء ، وهما بمنزلة الجناحين للطائر فلا يطير بأحدهما دون الأخرا (كذا).
الرئيس جول قريفي : JULES GREVY
ثم تولى جول قريفي الرئاسة في سنة تسع وسبعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة ست وتسعين ومائتين وألف ، فلم يستقم له الأمر من عام توليته إلى رابع عشر جليت سنة ثمانين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة سبع وتسعين ومائتين وألف ، فاستقام له الأمر وتقرر ، وتمكن من الملك وتحرر.
ثورة الشيخ بوعمامة والحملة على تونس
وغزو الطونكان
وفي سنة إحدى وثمانين الموافقة للثامن والتسعين من القرنين المذكورين ، جهز جيشا للثائر بالصحراء وهو أبو عمامة البوشيخي الدرقاوي تلميذ السيد محمد بن العربي العلاوي الفلالي بغير المين ، فأجلاه من الأرض وجعل بالصحراء مدونا (كذا) جليلة بها الحكام. وصيرها أمهد وأمدن من التل بغاية الاحتكام وأصل القضية من شهر مارس من السنة المذكورة ، اتفق الأحرار الشراقة والطرافي والأغواط على التخليط والخروج عن الإذعان مع أبي عمامة في القولة المشهورة فثارت الفتنة وحل القتال بين الفريقين إلى أن حل ما حل بالفسيان (كذا) فانبرونير (WEINBRENER) بمحل يقال له الجرامنة ، فجهزت الدولة الجيوش ومعهم المخزن لإجلائه من الأرض إلى أن أجلي ولم يبق له أثر بالصحراء ذات الجرامنة. وفيها جهز جيشا لغزو تونس فوقع القتال بين تلك
__________________
(279) يقصد الحكم المدني من الكلمة الفرنسية : Civil. والميليتير يقصد بها الحكم العسكري من الكلمة الفرنسية : Militaire.

الجيوش وخمير إلى أن انهزت خمير. وحل بهم ما حل من الضرور وذهاب الخير. ثم تقدمت الجيوش لتونس فاستولت عليها بسائر ضواحيها ، وكافة بواديها بنواحيها. ثم في سنة الثلاث والثمانين الموافقة لسنة ثلاثمائة وألف بالتعيين ، جهز جيشا. لغزو طونكان فاستولى عليها بغاية ما كان. ثم اطلعت الدولة على تخليط كبير فعله زوج ابنته ، فشددوا إلى أن سلم في الوظيف جبرا عليه بغيته ، وذلك سنة ثمان وثمانين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام خمسة وثلاثمائة وألف.
سعدية كارنو : SADI CARNOT
ثم تولى سعدية (كذا) كارن (CARNOT) في عام التسليم / وهو العام المار بغاية التحكيم ، وهذا الرائيس (كذا) هو الموجود الآن في عام التسعين والثمانمائة والألف ، الموافق للعام الثامن والثلاثمائة وألف. وهو من بيت الرئاسة والعلم ، والسياسة والحكم ، فكان جده الأول وزير الحرب بوقت البوبليك (كذا) الأول وكان في غاية الربط للأمور والتدريب ، بحيث نظم العسكر غاية التنظيم إلى أن غلب عدوه بالشجاعة والسياسة والترتيب. وكان جده الآخر في غاية من العلم لكونه هو الذي ترجم ما أتى به الشاعر سعدية الفارسي ، من تلك اللغة إلى لغة الفرانسي (كذا) ولذلك سمي بسعدية كارن لترجمته لقصيدة سعدية قارن.
تكميل وتذييل جليل
ـ أول مرشال (كذا) تولى بالجزائر فاتحها الكنت دوبرمون (DEBOURMONT) تولى في خامس العشرين ميب (كذا) سنة ثلاثين وثمانمائة وألف مسيحية ، وبقي حاكما بها إلى ثاني ستانبر (كذا) من تلك السنة قولة صريحية.
ـ ثم الكنت كلوزيل (CLAUZEL) في المرة الأولى تولى في ثاني ستانبر (كذا) سنة ثلاثين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة ست وأربعين ومائتين وألف ، وبقي بها إلى حادي عشرين فبراير من تلك السنة ، المقررة المبينة.
ـ ثم البارون برتيزن (BERTHEZE ? NE) تولى في ثاني دسانبر من السنة المذكورة ، المقررة المشهورة.

ـ ثم دوك دورفيقوا (كذا) (LEDUC DEROVIGO) تولى من سنة إحدى وثلاثين إلى سادس جوان من سنة ثلاث وثلاثين.
ـ ثم الكنت دوري درلون (DROUET D'ERLON) تولى من سادس جوان سنة ثلاث وثلاثين إلى ثامن أوت من خمس وثلاثين.
ـ ثم الكنت كلوزيل (CLAUZEL) في المرة الثانية تولى من ثامن أوت سنة خمس وثلاثين إلى ثالث عشر جانفي سنة سبع وثلاثين.
ـ ثم الكنت دني دودنرمون (DENIS DE DAMRE ? MONT) قولة مقضينة ، تولى من ثالث عشر جانفي سنة سبع وثلاثين إلى ثاني عشر أكتبر (كذا) من تلك السنة وقتل بقسنطينة.
ـ ثم الكنت فالي (VALLE ? E) تولى من ثاني عشر أكتبر (كذا) سنة سبع وثلاثين ، إلى عشرين جانفي سنة إحدى وأربعين. وهو الذي انتقض في وقته الصلح الثاني بالتحائر ، بسبب مروره في البر من قسنطينة على البيبان إلى الجزائر.
ـ ثم بيجوا (كذا)(BUGEAUD) تولى في عشرين جانفي سنة إحدى وأربعين وبقي في تصريفه إلى حادي عشر ستانبر (كذا) من سنة سبع وأربعين فسلم في وظيفه.
ـ ثم الدوك دومال (LEDUC D'AUMALE) قولة حليفة ، تولى في حادي عشر ستانبر (كذا) من سنة سبع وأربعين وبقي إلى ثالث مارس من سنة ثمان وأربعين فأخّر وبقي نائبا بمحله سنقرلي (كذا) لأنه خليفة (280).
ـ ثم كفيناك (CAVAIGNAC) تولى من ثالث مارس سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف إلى حادي / عشر ماي من تلك السنة وحكم شهرين بالوصف.
ـ ثم شنقرلي (شانقارني) تولى من حادي عشر ماي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف ، إلى ثاني عشرين جوان من تلك السنة فأخر وبقي ماري (MARIE) خليفة عنه في غاية الوصف.
__________________
(280) يقصد شانقارني : Changarnier.

ـ ثم شارون (CHARON) تولى من ثاني عشرين جوان سنة ثمان وأربعين ، إلى رابع نوانبر (كذا) سنة خمسين.
ـ ثم الكنت دوتبول (D'AUTEBOULE) تولى من رابع نوانبر سنة خمسين إلى ثالث عشرين أبريل من سنة إحدى وخمسين ، وبقي بمحله بليسي (PELISSIER) خليفة ، إلى أن تسمى الحقيقي بغاية التوصيفة.
ـ ثم رندون (RANDON). تولى من ثالث عشرين أبريل سنة إحدى وخمسين ، إلى سابع عشرين جليت من سنة ثمان وخمسين.
ـ ثم نابليون جروم (JE ? ROM NAPOLEON) عم السلطان بالخرايرية ، تولى من سابع عشرين جليت سنة ثمان وخمسين إلى رابع عشرين جوان من تلك السنة.
وجلس بباريز وهو يحكم على الإيالة الجزائرية.
ـ ثم الكنت دو شاسلوا لوبة (CHASSELOUP ـ LAUBAT) تولى في الرابع والعشرين من جوان سنة ثمان وخمسين وثمانمائة وألف ، إلى رابع عشرين مارس من سنة تسع وخمسين. ومكث بباريز ويحكم على إقليم الجزائر كالذي قبله في الوصف.
ـ ثم بيليسي دوك دومالاكوف (PELISSIER DUC DE MALAKOFF) تولى في رابع عشرين مارس سنة تسع وخمسين ، وبقي متصرفا في الحكم به إلى أن مات في ثاني عشرين ماي سنة أربع وستين.
ـ ثم دوك معون (ماكماهون). تولى في الثاني والعشرين ماي سنة أربع وستين وبقي إلى سادس عشرين جليت سنة سبعين.
ـ ثم البارون دوري (دوريو : DURIEU) خليفة في تلك السنة.
ـ ثم السان خليفة.
ـ ثم ليشمتين (LITCHLIN) خليفة.
ـ ثم دوبوزي (DU BOUZET) الذي كان بريفي (كذا) بوهران. تولى على يد الحكم الجمهوري وبقي ثلاثة أشهر غير ثمانية أيام في التحريري.

ـ ثم ألكسيس لامير (ALESIS LAMBERT) الذي كان بريفي (كذا) بوهران أيضا ، وبقي شهرين غير تسعة أيام محضا.
ـ ثم الكنت دوقيدن (DE GEYDON) وهو ميراند صغير تولى في الحادي والعشرين من مارس سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وألف ، وبقي إلى سابع عشر جوان سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وألف.
ـ ثم شانزي (CHANZY) تولى في سابع عشر جوان سنة ثلاث وسبعين وبقي إلى ثامن عشر فبري (كذا) سنة تسع وسبعين.
ـ ثم ألبير قريفي (ALBERT GREVY) صنورائس (كذا) الدولة الجمهورية تولى في ثامن عشر فبري (كذا) سنة تسع وسبعين ، وبقي إلى سادس عشرين نونبر (كذا) سنة إحدى وثمانين.
ـ ثم ترمان (TIRMAN) تولى في سادس عشرين نونبر (كذا) سنة إحدى وثمانين وثمانمائة وألف ، وهو الموجود الآن سنة تسعين وثمانمائة وألف.
الضباط الذين حكموا وهران
ـ وأول جنرال دفزيون (كذا) (GENERAL DIVISION) بوهران ، ومعناه رايس (كذا) القسمة لعمالة وهران ، داريمن (DAMREMONT) تولى بالمرسى الكبير في رابع جانفي سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة وألف مسيحية بالتحرير ولم يجلس بالبرج الأحمر وإنما كان ماكثا بالمرسى الكبير /.
ـ ثم خير الدين التونسي وجلس بالبرج الأحمر ، تولى سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة وألف في الأشهر.
ـ ثم المركيز دوفودواس تولى سنة إحدى وثلاثين أيضا بتقييد القرطاس.
ـ ثم بوي (BOYER) تولى في سابع عشر أوت تلك السنة المقررة المعينة.
ـ ثم ديميشل (DESMICHELS) تولى سنة ثلاثة وثلاثين.
ـ ثم تريزيل (TREZEM) صاحب الزبوج والمقطع تولى سنة خمس وثلاثين.

ـ ثم دوليتان (DELETANG) تولى سنة ست وثلاثين.
ـ ثم ابروسار (BROSSARD) الموافق للأمير في أحواله تولى سنة سبع وثلاثين.
ـ ثم قهنك (GUEHENEUC) تولى سنة ثمان وثلاثين.
ـ ثم لمرسيار (LAMORICIERE) المكنى عند العرب بأبي هراوة تولى سنة أربعين.
ـ ثم كفنياك (CAVAIGNAC) تولى سنة ثمان وأربعين.
ـ ثم بليسي (PELISSIER) تولى بعده بشهرين سنة ثمان وأربعين.
ـ ثم منطوبان (MONTOBAIN) وتسميه العرب بن طوبة ، تولى سنة خمس وخمسين قولة مكتوبة.
ـ ثم دو منطانبري (MARTIMPRY) وتسميه العرب مرطبلي تولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام أربع وسبعين ومائتين وألف.
ـ ثم دوليني (DELIGNY) وتسميه العرب أدلي تولى سنة تسع وخمسين وثمانمائة وألف.
ـ ثم ومفان (WIMPFFEN) صاحب وادي قير تولى سنة تسع وستين وثمانمائة وألف.
ـ ثم هسترازي (WALSIN ESTERHAZY) تولى سنة سبعين.
ـ ثم وسمون (WISMON) تولى سنة إحدى وسبعين.
ـ ثم سريس (CERIZ) تولى سنة ثمان وسبعين.
ـ ثم دلبيك (DELBIC) تولى سنة إحدى وثمانين.
ـ ثم طوماسة (THOMASSIN) تولى سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وألف في القول الأشهر.
ـ ثم ديتري (DETRIE) تولى سنة أربع وثمانين وثمانمائة وألف وهو الموجود الآن بالبرج الأحمر.

الحكام المدنيون لوهران
وأول حكام السبيل بوهران وهو الحكم العمومي بإيضاح البيان :
ـ الديركتور (كذا) سبيل مرسي لكب. (MERCIER LACOMB) تولى في أول ستانبر (كذا) سنة سبع وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة أربعة وستين ومائتين وألف.
ـ ثم الديركتور (كذا) سبيل پريني تولى في سابع عشر مارس من سنة ثمان وأربعين.
ـ ثم صار البريفيات (كذا) بوهران وأولهم قري تولى في اثنين وعشرين فبري من سنة تسع وأربعين.
ـ ثم دفيل درميت تولى في حادي عشرين جوان سنة خمسين.
ـ ثم ماجوريل تولى في الحادي والثلاثين من اكتبر (كذا) سنة إحدى وخمسين.
وصدر الأمر السلطاني في سنة أربعة وستين بغير قول قال ، على أن يكون البريفي (كذا) على يد الجنرال.
ـ ثم ابروسلار (BROSSARD) تولى في خمس وستين. ثم دبرزي ، ثم لانتيري. ثم دلونك ، بالتبيين ، ثم مياس. ثم نوفى. ثم بتريل.
ـ ثم لوزي ماتي ثم دونقير (DENE ? GRIER) وهو الموجود وقتئذ بوهران المواتي.
تولى في مارس سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وألف / الموافقة سنة ثلاثمائة وألف.

مساحة عمالة وهران
واعلم أن مساحة عمالة وهران بأجمعها أحد عشر مليونا من الهيكتارات وخمسمائة ألف هيكتار. واثنان وسبعون ألف هيكتار وسبعمائة هيكتار واثنان وسبعون هيكتارا باشتهار. منها للحكم العمومي وهو السبيل مليونان من الهيكتارات وتسعمائة ألف هيكتارا ، وتسع وسبعون ألف هيكتار وتسعمائة واثنان وسبعون هيكتارا بغير اختصار. ومنها للحكم الخصوصي وهو الملتير (كذا) ثمانية ملاين (كذا) من الهيكتارات وخمسمائة ألف هيكتار (كذا) بالعيان ، واثنا وسبعون ألف هيكتار (كذا) وثمانمائة هيكتار (كذا) وهيكتاران بالبيان.
الطبقات الفرنسية الحاكمة بالجزائر
وهؤلاء النصارى هم في الحكم على ثلاثة أقسام ، خصوصي ، وعمومي ، وشرعي ، فيهما (كذا) بالتزام ، فالخصوصي هو الحربي وهو المنتير (كذا) سمي بذلك لتصرفه في الجنود وأمور الحرب في القول الشهير ، والعمومي هو السياسي وهو السبيل ، وله التصرف في الأمور السياسية والترتيل. وطبقات الخصوصي سبعة فيما يقال ، وهي الكبلار (كذا) ، والمرسلوجي (كذا) ، والفسيان (كذا) ، والقبطان (كذا) ، والكماندات (كذا) ، والكلونيل ، والجنرال. وطبقات العمومي أربعة في غاية التوظيفي وهي المير (كذا) ، والدمنسترتور (كذا) ، والسوبريفي ، (كذا) ، والبريفي. والشرعي هو المتصرف في الأمور الشرعية لا غيرها ، سواء كانت مالية أو بدنية جناية أو غيرها ، وطبقاته أربعة باعتدال وهي : الجوج ، (كذا) ووكيل الدولة ، والبرزدان ، (كذا) والبركرور (كذا) جنرال. وأما الضبطية وسائر أصحاب الشرطة من البليسية (كذا) وغيرهم باتقان ، فهم تحت تصرف الأحكام الثلاثة التي هي الشرعي والخصوصي والعمومي لأنهم لهم أعوان. وجميعهم تحت نظر والي الولات (كذا) بالجزائر ، وهو تحت نظر رائس (كذا) الدولة بافرانسا في القول الثاقب الناير.

المقصد الخامس
مخزنها وهو عين المراد


المقصد الخامس
في ذكر مخزنها وهو عين المراد ، والتعرض إلى سيرته التي لا يكون فيها الانتقاد.
اعلم أنار الله قلبي وقلبك بأنواره وأفاض علينا وعليك ما يكون به النفع في الدارين من علومه وأسراره ، أن المخزن هو الناصر للدولة كيف ما كانت وحيث ما وجدت وتملّكت وبانت والنسبة إليه مخزن ومخازني مفرد المخازنية في تحقيق المباني ، سمي بذلك لأنه يخزن بصدره ما يؤلمه إلى وقت الظفر وحصول الانتقال ، فيفعله بصاحبه وبه يلزمه. وقد يطلق المخزن (كذا) مجازا على دار الحكم نفسها في المستبن ، ومنه قولهم إني ذاهب إلى دار المخزن.
أقسام مخزن وهران
ومخزن وهران على قسمين ، وهما : المخزن الشرقي ، والمخزن الغربي بغير مين ، فالشرقي هو نجع المكاحلية وأولاد سيدي عريبي ، وصبيح ، وأولاد العباس ، وغيرهم من أهل النواحي الشرقية من مينا لشلف بغير التباس ، / والغربي هو نجع الدواير والزمالة والغرامة ، والبرجية ، لا غير هؤلاء الأربعة في القولة المحكية. فمنها الدوائر والبرجية فهم أخوة بالتحقيق والخدمة بينهما متفاوضة في القول الحقيق ، وجميعهما الفريق الكبير ، وغيرهما هو الفريق الصغير ، وأصل الرياسة في الدواير إنما هي للبحايثية.
ثم في إيالة الترك صارت تدول على ثلاثة وهم : البحايثية والكراطة (كذا) ، والبناعدية. وصارت في إيالة الدولة (1) للدوايدية ذات المحايثية ، وهي
__________________
(1) يقصد بإيالة : عهد ، وبالدولة عهد الاحتلال الفرنسي.

نوبة بين هؤلاء الأربعة فرق بالترتيب وأكثرها للبحايثية بينهم نوبة أيضا بحسب الترتيب. وأصل الرئاسة في البرجية نوبة بين فريقين في إيالة الترك ، وهما النقايبية والبلاغة الزيانيون بحسب الشّرك. وفي إيالة الأمير صارت لغيرها إلى وقت الدولة صارت لها دين الفريقين. ثم تمخضت للنقايبية بغير المين.
أصل قبائل البحايثية ونسبها
فأما البحايثية فهم من أولاد المسعود وهم من سويد بلا خلاف ، وإنما اختلف في سويد على قولين بغية الائتلاف فذهب ابن خلدون في تاريخه الكبير في الخبر على أولاد مالك بن زغبة بشجرتهم إلى أنهم من قبائل العرب الهلاليين وأنهم من المحال. وذهب ابن الخطيب التلمساني (2) وأبو مهدي بن موسى بن عيسى المغيلي المازوني ، وأبو راس الحافظ في أحد قوليه : إلى أنهم من بني مخزوم ويقال لهم المضارب لا من المحال. واختلف في هذا القول أيضا على قولين : فقال ابن الخطيب التلمساني أنهم من ذرية خالد بن الوليد بغير مين. زاد ابن خلدون في نظمه أن جدهم للأب هو خالد بن الوليد ، وأن جدهم للأم هو الزبير بن العوام بغير التوليد. وقال الشيخ موسى بن عيسى المغيلي المازوني في تاريخيه ، والحافظ أبو راس في عجائب الأسفار ، أنهم من ذرية صعصعة بن حادثة الذي هو من ذرية هشام بن إسماعيل المخزومي ونصه بالاشتهار. والإمام المازوني المذكور هو الذي جعل كتابا في نسب قبائل المغرب الأوسط بغاية ما يكون ، وقد ذكر فيه أن المحال أهل البطحا (3) من بني هلال ، كما قال ابن خلدون ، وأن الذين يقال لهم المضارب كأولاد دفيش وأولاد حميدة العبد ، وأولاد وزمار ، وأولاد عريف ، وأولاد أبي بكر ، وأولاد المسعود الذين منهم البحايثية كثير الأعراج ، هم من بني مخزوم من ذرية صعصعة بن حارثة من ذرية هشام بن إسماعيل المخزومي ، وقد أجمل ابن خلدون ، والمشاهد الآن من إقرار المحال للمضارب بالسيادة والتعظيم والتسليم لهم يشهد للمازوني لا لابن خلدون. وقد كانوا قبل تلاشيهم وركود ريحهم لا يزوجون بناتهم للمحال ، مع
__________________
(2) الأصح هو السلماني ، لأن ابن الخطيب أندلسي غرناطي ، وسلماني.
(3) مكانها اليوم هو المطمر غرب غليزان على بعد عشر كلم منها.

أن المحال لا يتوهمون ذلك ولا يطمعون فيه تعظيما لهم ولا يخطر لهم ببال. قد أخذا ذلك عن آبائهم. فهم على ذلك بأولادهم / وأحفادهم.
ومن المضارب نفر بقبيلة الشكالة ، ونفر بأولاد فارس ، ونفر بوادي سلي ، وغيرهم ، وكلهم درس ذكرهم وعفت مراسمهم وصارت مظلمة كليل دامس. ولم تبق لهم الصولة إلا في البحايثية الذين بدواير وهران. فإنهم للآن في غاية الرئاسة في كل زمان ومكان. قال وقد يقال أن الولي الصالح سيدي أحمد الناصر بن عبد الرحمان كثير المسالك المدفون بالصحراء بالوادي المشهور ، أنه من بني مخزوم والله أعلم بحقيقة ذلك. وقال الحافظ أبو راس في القول الآخر في كتابه : سلسلة الذهب ، فيمن ثبت له الشرف بالمغرب الأوسط باشتهار النسب ، أنهم شرفاء الآل ، وهم من ذرية عبد القوي النصبي فهم إخوة النقايبية والمخاترية بغير الإشكال. ه. فشجرتهم على أنهم من المحال ، أحد بطون بني هلال ، هم أولاد البشير الباحث الثالث بن أحمد نجد الملقب بحث الباحث الثاني بن أحمد الباحث الأول بن عودة بن محمد بن عبد الله بن عطية بن نور الدين بن سعيد بن يحيى بن عثمان ابن عمر بن مهدي بن عيسى بن عبد القوى بن حمدان بن مقداد بن مجاهر بن سويد بن عمر بن مالك بن زغبة بن أبي ربيعة بن هلال بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن يزيد بن حفصة بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وشجرتهم على أنهم من المضارب من ذرية صعصعة ، هم سويد بن مضرب بن عمر بن ربيعة بن عمر بن يزيد بن صعصعة بن حارثة بن حفصة بن هشام بن إسماعيل بن عامر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو قريش بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزال بن معد بن عدنان.
وعلى أنهم من المضارب من ذرية خالد بن الوليد فهم سويد بن عامر بن ربيعة بن اعمر بن سليمان بن خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن عامر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وهو قريش بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان.

وشجرتهم على أنهم من الآل من جهة أبيهم فهم البحايثية أولاد البشير بن أحمد نجد بن أحمد بحث بن بن عودة بن محمد بن عبد الله بن عطية نور الدين بن المسعود بن يحيى بن عثمان بن اعمر بن مهدي بن عيسى بن عبد القوي الثالث بن علي بن أحمد بن عبد القوي الثاني بن خالد بن يوسف بن أحمد بن بشار بن محمد بن مسعود بن طاوس بن يعقوب بن عبد القوي الأولى بن أحمد بن محمد بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم. وعلى الشرف من جهة أمهم هم البحايثية أولاد البشير بن أحمد نجد بن كاملة / بنت أحمد بن حنظلة الزياني بن أبي يقور محمد بن داوود بن أحمد بن يحيى بن فارس بن يوسف بن أبي زيان بن عبد الله بن عبد الرحمان بن محمد بن أبي حمّ (كذا) موسى بن يوسف بن عبد الرحمان بن يحيى بن يغمراسن بن زيان بن ثابت بن محمد بن يندوكس بن طاع الله بن علي بن يمل بن يزوجن بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن الريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي كرم الله وجهه وابن فاطمة بنت محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم ومجد وعظم. وكان جدهم المسعود على كل قول من مشايخ العرب فكانت له الرئاسة على سويد في الدولة المرينية والزيانية بالبيان. فكانت سويد شيعة لبني مرين كما كانت بنوا عامر شيعة لبني زيان. وكان المسعود يأخذ نوبته مع ابن عمه وزمار بن عريف. ولما حرك أبو الحسن المريني على الزيانيين بتلمسان ونزل بتاسالة في القرن الثامن (4) بغاية التعريف وفد عليه المسعود مع ابن عمه وزمار بن عريف وقومهما في القول المشهور فعقد أبو الحسن لوزمار عليهم دون المسعود في المذكور. ولما رأى ذلك فر منه ولحق ببني عامر في الفقر في السر والإعلان. وأجلبوا على وزمار بدعاء ابنه صرارشة أبي عبد الرحمان ، فجمع لهم وزمار الجموع وقاتلهم إلى أن هزمهم بعد القتال الشديد الطويل.
وفيه مات المسعود في ثامن القرون بالترتيب. وخلف أربعة أولاد بغير
__________________
(4) الهجري. الموافق لعام 1347 م.

اشتباه ، وهم : نور الدين عطية ، وعيسى ، وسعيد ، وعطاء الله. فتنسل من عطية البحايثية ، وتنسل من عيسى العوايسية : وتنسل من سعيد السعايدية بالإثبات. وتنسل من عطاء الله العطوات ، ثم تولى ابنه عطية رئاسة قومه مزاحمة لوزمار إلى أن مات محضا. فقام ابنه عبد الله مقامه في رئاسة قومه إلى أن مات أيضا. فقام بعده ابنه محمد برئاسة قومه سويد مع تجين. ثم قام بعده بالرئاسة ابنه بن عودة بالتبيين. ولما مات قام بعده برئاسة قومه ابنه أحمد بحث ، الذي في العطاء لا يعدّ وأنا يحث ، فهو بفتح الباء الموحدة من تحت وسكون الحاء المهملة وضم الثاء المثلثة في صدورها. ومعناه المفتش في الأمور ، الباحث عليها غاية لاستخراجها وظهورها. لقب بذلك لشدة بحثه على الأمور الدينية والدنياوية في جميع أحواله واحترامها ، إلى أن يعرف حقها من باطلها ، وصحيحها من فاسدها ، وحلالها من حرامها. وجاء لملاتة في وسط القرن الحادي عشر. وسبب مجيئة على ما اشتهر ، أن أخاه لأمه وهو سعيد بن محرز الهلالي لما قتله المهدي بن يعقوب العامري غيلة وفر هاربا خشية على نفسه في الأيام والليالي ، جاء أحمد بحث بن عودة المسعودي في إثره يبحث عليه في الأمكنة والأزمنة ليقتص منه في رسمه ، فسمي بالباحث ويبحث واشتهر به إلى أن غلب لقبه على اسمه ، فقيل لذريته البحايثية جمع باحث ، وتوارث / ذلك خلفا عن سلف فهذا سبب تسميتهم بالبحايثية بالتوارث ، ولما وصل أحمد بحث لملاته ألفى المهدي بن يعقوب العامري قاتل أخيه لأمه سعيد بن محرز الهلالي بغمرة خلف جبل هيدور وهو جبل وهران فقتله أحمد بحث المسعودي أخذا بثار أخيه حينذاك ولذلك حصلت العداوة بين البحايثية وبني عامر وصارت مطردة للآن وكل زمان غابر. ثم أن أحمد بن حنظلة الزياني لما رأى أحمد بحث في غاية الثبات والشجاعة ، والفروسية والقوة والعقل والمعرفة الكاملة والبراعة وعلو القدر والهمة والأنافة (كذا) والبسالة والغاية القصوى في اللبابة والظرافة ، سأله عن نسبه ، ومنصبه ، وحسبه ، فأخبره بأنه هو أحمد بن بن عودة من أولاد المسعود بن سعيد بن يحيى بن عثمان السويدي المضربي ، المخزومي بغير فرار من الحربي. وحين تحقق ابن حنظلة بنسبه ، واطلع على مقامه ومنصبه ، زوجه من ابنته السانية القدر الفائقة في الجمال والفخر ، وهي الحرة العذراء أمة الله كاملة ،

المحذرة في بيت رئاسة أبيها بنعمة شاملة. وكانت في غاية الحسن والجمال ، والقدّ والاعتدال ، فاقت نساء وقتها في المعرفة وجميع الأحوال وتخلى له عن رئاسة القوم والجلوس بالتختي ، فمكث بها بضواحي وهران رافلا في عدل الرئاسة إلى أن مات في عام ثمانين وألف (5) فدفن في سيدي بختي ، فهو الباحث الأول من جدود البحايثية بغير مين ، وقد ترك زوجه حاملا فأتت بولدين ذكرين توأمين ، وهما مصطفى أبو كاملة ، وأحمد الصغير نجد محضا ، ومنه تنسل البحايثية أيضا.
فتولى مصطفى رئاسة قومه مزاحمة لأخيه أحمد نجد ، وخلف بعد موته ابنه بن عودة ، وهو خلف ثلاثة أولاد : الصحراوي ، وأبا كاملة ، وعابد الجعد. فخلف الصحراوي عليا وأحمد ، وقد خلف عليّ عبد القادر ، والصحراوي ، ولم يعقبا بولد. وخلف أحمد ابنه القايد ، ثلاثة أولاد : سي أحمد ، والبشير ، وعليا ، بغير الزايد ، فسي أحمد هو حي الآن ، وخلف البشير ولدين : عامر ، وقدورا ، كليهما في الحيوة (كذا) الآن. وخلف علي ابنه أحمد وهو حي بالبيان ، وخلف أبو كاملة خمسة أولاد وهم : عبد الرحمان ، واعمر ، وعامر ، وعبد الله ، والموفق الكبير ، بالبيان. فخلف عبد الرحمان ولدين : محمد ، ومنصورا ، فمنصور هو حي للآن ، ومحمد خلف محمد وهو حي أيضا قولا محصورا. وخلف اعمر محمدا ومات ولم يعقب شيئا. كما أن عامرا لما مات لم يعقب شيئا. / وخلف بن عبد الله ولدين : دالي ، والحاج ، فخلف دالي ابنه عليا وهو حي من أهل الإنتاج. وخلف الحاج ابنه عدة وهو خلف المولود ، وبن عثمان ، ومات بلا عقب بغاية البيان. والموفق الكبير لا عقب له أصلا ، وعابد خلف أربعة أولاد : أبا عزة ، وعدة ، والأكحل ، وأحمد ، حررناه نقلا. فخلف أبو عزة ابنه عدة وهو حي الآن ، والثلاثة الباقون وهم عدة والأكحل وأحمد لم يعقبوا شيئا بغاية البيان. وهذه صفة شجرتهم بالوصف السابق ، وإنما فيه زيادة الإيضاح لاتصال كل من اللاحق بالسابق :
__________________
(5) هجرية الموافق 1660 ـ 1670 م.


قال وأحمد نجد ويقال له أحمد الصغير سمي على أبيه بحث فهو الباحث الثاني من جدود البحايثية. فإنه لما كبر وبلغ مبلغ الرجال صار من أهل النجدة في القولة الحايثية. فلقب بنجد لحصول النجدة منه في جلب خيرها ودفع شرها وضيرها وبانت شجاعته وظهرت رئاسته وعلت كلمته عند الأتراك بتلمسان وغيرها. تولى رئاسة قومه بمزاحمة أخيه مصطفى له فيها في بعض الأحيان ، وكثر غزوه على الإسبانيين بوهران. / وصار في رئاسته بغاية الارتفاع. وعدل في سيرته بأحسن ما يكون إلى أن صار في أعلا (كذا) درج الارتفاع. وتزوج بابنة خاله الكامل ابن أحمد بن حنظلة الزياني ، وهي الدرة الفائقة نساء وقتها أمة الله العالية ذات القدر والحسن والصيت المنتشر عند القاصي والداني. ولا زال يزيد في الفضل والنجابة ، وإصابة الرأي والتدبير وحصول البسالة في غاية الإصابة ، والعطاء المديد في الرخاء والشدة ، والذب عن قومه بغاية الدرء والعدة إلى أن جاء سلطان المغرب وهو مولاي إسماعيل بن علي العلاوي الشريف ، بجيشه العرمرم الذي جمعه من أقاصي سوس إلى بني يزناسن ، ووجدة غازيا على وهران لقتال الاسبانيين بها في اثنا عشر من القرن الثاني عشر بالتعريف. وحل بجبل هيدور ، وقد افتقر لزبد وتمر للفطور ، فأتاه به أحمد نجد مع الضيافة الجليلة. ودام بإتيانه له كل يوم مع الضيافة الجميلة. ثم أن الشريف لما اطمأن بذلك ونظره بالإحسان ، سأله عن اسمه ونسبه فعرفه به بأوضح البيان. فقال له الشريف لك النجدة والرئاسة المؤبدة لست بالباحث وإنما أنت الباخت بالبخت والرئاسة والفضل والنجدة والجمال وحب الفاخت يتوارثون فيك وفي ذريتك إلى قيام الساعة مهما غاب نجم من ذريتك طلع الآخر في غاية الضوء والشعاعة. فقال له أحمد نجد يا سيدي إني لا ذرية في هذا الوقت بلا تشكيك. فقال له الشريف أن زوجك حاملا وعن قريب يأتيك البشير بابن مطاع مهاب مترئس يكون في ذريته اسمي ويلقب بلقب أبيك.
وأخبرني بعض الطاعنين في السن ، من أهل الفضل والكمال والمن ، أنه لم يقع له ذلك مع الشريف حال الإقدام على وهران ، وإنما وقع له بعد الصدود عنها وحال رجوعه من التشريف وهو في جوعة وتعب من أعراب الأوطان ، فأتى له بالضيافة وفيها الزبد والتمر. فنال منه الدعاء الصالح المخلد في ذريته بطول

الدهر. قال ولما رحل الشريف بقصد الجزائر فيما قد اشتهر ، حيث أيس من وهران وقال أنها أفعى (كذا) تحت حجر تضر ولا تضر ، ذهب معه أحمد نجد بأهله وكافة مخيس واستقر بابناء عمه أولاد المسعود ، إلى أن حدث عنده الابن فسماه البشير لما قال له الشريف سيأتيك البشير المسعود. ولما كبر البشير وبلغ مبلغ الرجال تنازع مع ابناء عمه ، فقتل منهم أشجعهم ميمون بن العباس ابن سعيد المسعودي وتركه ملقى بدمه. وبحث في الأرض فارا منهم فقالوا فيه قد بحث فيه البشير صحيحا. وقد أحسن في فراره ولم يفعل قبيحا ، فقدم لفليتة ، ثم زاد للمعسكر ، ثم لمستغانيم ، ثم زاد لضواحي وهران عند أخواله واستقر.
وقد مات أبوه بأولاد المسعود فلقب بالباحث أيضا ، فهو الباحث الثالث من جدود البحايثية محضا ، فقيل لأولاده البحايثية / وتوارث ذلك فيهم للآن ، بل النسبة باقية فيهم إلى آخر الزمان.
ولما مكث بضواحي وهران وبانت شجاعته وحاز الرئاسة عند الأتراك بغير الجحودي ، تزوج بابنة عمه عائشة بنت مصطفى أبي كاملة بن أحمد بحث الباحث الأول المسعودي. وزاد في علو الكلمة والرئاسة إلى أن صار في وقت مصطفى أبي الشلاغم المسراتي آغة المخزن بأسره في عمالة وهران. ولا زال في المنصب الكبير إلى أن مات بمزغران ، ثم حمل إلى مستغانيم فدفن بها بمدينة المطمر بالقبة التي فيها الباي مصطفى أبو الشلاغم المسراتي ، باي مازونة وتلمسان ، والجامع بين الإيالة الغربية لكونه لها هو المواتي. وتقدم تاريخ موته وسيرته وما قيل فيه من الأشعار ، في ترجمة أبي الشلاغم بغاية الاشتهار.
ولما مات خلف خمسة أولاد ذكور ، وهم بن عودة ، وإسماعيل ، وعدة ، ويوسف ، والموافق الصغير ، في المشهور. فأقام بعده ابنه بن عودة بالرئاسة الكبرى وهي آغة مخزن وهران بأسره في حياة والده لكونه تخلى له عنها باختياره فعلت كلمته عند العرب والأتراك ، لا سيما أتراك الجزائر أهل الرياسة وقاعدة الملك في غاية الاشتراك ، وكان في وقت المسارتية الثلاثة أهل التراجي ، وهم يوسف ، ومصطفى الأحمر ، ومحمد أبو طالب المجاجي. وانتشر صيته في المشارق والمغارب إلى أن تخوف منه المجاجي فقتله غدرا كما تقدم الكلام عليه لما خشي منه من المعاطب. ولم يخلف عقبا لا من الإناث ولا من الذكور ،

ودفن مع أبيه بالمطر من مستغانيم المذكور ، وتقدم ما كان من سيرته وما قيل فيه من الشعر ، بما يغني عن إعادته في الذكر.
ثم قام برئاسة المخزن بأجمعه أخوه إسماعيل وسكن المعسكر. كما سكن أخوه وأبوهما مستغانيم في القول الأشهر ، واختط بالمعسكر دارا بالعرقوب بأحسن التأويل ، فنسب ذلك إليه وقيل عرقوب إسماعيل. ومن خبره بالاختصار ، لكون الكلام تقدم عليه بغاية الاشتهار ، أنه لما مات أخوه آغة بن عودة قدم بأمه وإخوته إلى الغرابة بغاية المرام ، وسكن عند القايد أبي علام ابن الحبوشي فأحسن مثواه وبربه غاية البرور وأكرم مثواه ، وتزوج دموش بأمه فصار عنده من جملة الأولاد ، مقدما له على الأزواج والأفراد ، وبقي عنده في غاية الإكرام ، إلى أن تولى الخدمة عند الأتراك بالمعسكر بحسن المرام ، فتولى أولا خليفة على الشريف الكرطي التلاوي ، في زمان الحاج عصمان ، وحسن باي ، ثم ارتقى آغة المخزن بأجمعه لما بانت شجاعته في وقت الباي إبراهيم / الملياني فانتشر ذكر البحثاوي ، وصير أخاه عدة خليفة عليه ، كما صير أخاه الموفق الصغير قايدا على الدوائر وضم كل شيء إليه. وكان من أهل الفضل والإحسان ، محبا للعلماء ، والأولياء ، والفقراء ، والمساكين ، وضعفاء الزمان. ولا زال آغة إلى أن مات بالمعسكر فدفن بها على التحقيق وتقدم الكلام على توليته وحاله من أوله إلى آخره بالتدقيق.
وهذه صفة شجرة أولاد البشير بحسب الوصف الشهير :
طبقات أولاد البشير
واعلم أن الكلام على أولاد البشير ينحصر في أربع طبقات بالتحرير.
الطبقة الأولى
الطبقة الأولى أولاد إسماعيل وهم سبعة في القول الحري وهم : قدور الكبير ، وعثمان ، وقدور الصغير ، ومصطفى ، وعدة ، ومحمد ، والحاج بالحضري. وذكر فروعهم بشجراتهم / للآن. ونبتدىء بوضع شجرة إسماعيل في البيان.
وهذه صفتها بالتحقيق. والله الموفق لسواء الطّريق :

الآغا قدور الكبير
ثم اعلم أن إسماعيل لما مات قام بعده بالرئاسة ابنه قدور الكبير ، وصار آغة المخزن بأسره في القول الشهير. فسار سيرة حسنة. وصارت أحواله مستحسنة. وعدل في سيره بغاية المراد. وأظهر العدل للحاضر والباد. وكان محبا للعلماء والأولياء وجميع أهل الصلاح ، وكافلا لليتامى والأرامل وسالكا سبل النجاح. ومشفقا بأحوال المساكين (كذا) والضعفاء ومعظما للطلبة والشرفاء ، وكان يميل مع الحق حيث مال ، ومدحضا للباطل ولا يتبع فيه قول من قال. وكم له من حملات على العدو وفي فتح وهران ، حتى دهش منه العدو في كل زمان ومكان. وكان بطلا شجاعا ، ومحبا للخير ومهابا مطاعا ، لا تأخذه في الله لومة لائم. حتى كانت عمامته فوق جميع العمائم. ولما أراد الباي محمد الكبير فاتح وهران إجلاء الطلبة من المدرسة لما تكررت بهم الشكاية من أهل البلد بادر إلى إطفاء ذلك وقال للباي لا تطرد الذاكرين الله المكلمين له بكلامه في كل وقت بهذه المحدسة. وإنما اجعل نظرك عليهم وعاقب من جاوز الحدود ، واكفف أهل البلد عن الشكاية بحاملين كلام الالاه (كذا) المعبود. فسر الباي بقوله وفرح ، واطمأن قلبه وانشرح ، وعمل برأيه السديد ، فكان الثناء الجميل عليه من كافة الناس على ذلك القول المفيد. وصارت الناس من فعله الجميل في غاية الهذيان إلى سارت (كذا) الركبان بجميل فعله لسائر النواحي في كل زمان ولقد كان محمود الأفعال والأقوال ، ومقبول الكلام ومطاع الأمر في سائر الأحوال. فلا تجد مثله في زمانه من علا صيته وانتشر ، وفرحت الناس بسيرته غاية الفرح وكل منهم / به قد استبشر. ولا زال في علّو الهمة ورفع الكلمة والارتفاع في الرئاسة وبذل الجهد في فعل المعروف مع الكبير والصغير ، إلى أن توفي فدفن بوهران بمقبرة سيدي البشير. وتقدم الكلام على سيرته وما قيل فيه من الأشعار في ترجمة الباي محمد الكبير بالزيادة ، بما يغني عن الإعادة. ولما مات خلف أربعة أولاد باشتهار ، وهم : الحاج محمد المزاري ، والحاج عبد القادر ، والموفق ، ومحمد الفار.

الآغا الحاج محمد المزاري والد المؤلف
فالحاج المزاري تربى عند كافلته الغولية وكافلة العربي بن نعمة إلى قرب الاحتلام وزار ولي الله الضرير سيدي محمد أبي دية فدعا عليه بالخير ونيل علوّ المقام ، فرجع لأهله عند أعمامه وتدرب بالخيل إلى أن صار في غاية الفروسية والنيل لمرامه. وقد ولد بالمعسكر في عام واحد ومائتين وألف الموافق لسنة أربعة وسبعين وسبعمائة وألف ، ولما صار في عمره ستة عشر سنة دخل خدمة المخزن بالتحقيق ، وبانت شجاعته إلى أن بادت للعدوّ والصديق. وحين قام رايس (كذا) درقاوة وهو السيد عبد القادر بن الشريف ، على الباي مصطفى بن عبد الله في ولايته الأولى لينزع منه الملك ويدع الترك في صورة التحريف ، وهو عام تسعة عشر ومائتين وألف ، الموافق لسنة ثلاثة وثمانمائة وألف ، اجتهد هذا الشجاع المزاري وهو مع عسكر الأتراك في القتال البديع على لواء الباي ، واشتهرت شجاعته عند الغبي وبادي الرأي ، وما ذلك إلا لكونه من أبناء البيوت الكبار ذات النجم الناير ، وكبير القدر والجاه وقد ظهر منها آغوات عديدة في عرش الدواير. ولا زال ملازما للقتال إلى أن تعجب منه سائر الناس وهو لا يعبؤا (كذا) بالعدوّ وكثرة الحراس. ثم تولى الخدمة المخزنية في وقت الباي محمد المقلش في عام إحدى وعشرين ومائتين وألف ، الموافق لسنة خمس وثمانمائة وألف ، ولما رجع الباي مصطفى إلى منصبه مرة ثانية رجع المزاري لخدمته سيارا علانية ، أي مختصا بالسير من وهران للجزائر ، واسطة بينه وبين الباشا مالكا بر الجزائر. وهذا المنصب في ذلك الوقت كان من أعلا (كذا) المناصب ، المعتبرة عند الأجانب والأقارب. فابتدأ في خدمتها من عام ستة وثمانمائة وألف ، الموافق لعام اثنين وعشرين أو ثلاث وعشرين ومائتين وألف : ثم ارتقى قايدا على بني مطهر وذلك في أيام محمد أبي كابوس في عام ثمانية أو تسعة وثمانمائة وألف ، الموافق لعام أربعة وعشرين ومائتين وألف ، ومكث فيها إلى سنة سبعة عشر وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام اثنين وثلاثين ومائتين وألف في وقت حسن باشا. فصار خليفة على عمه مصطفى بن إسماعيل آغة الدوائر ، وظهرت نجابته وعلت كلمته عند القاطن والزائر. فلم يك (كذا) إلّا أمد قليل وإذا به ارتقى لمنصب آغة الدوائر. وصار يأخذ نوبته مع عمه مصطفى بن

إسماعيل ، ومضاهيا له في النواهي والأوامر ، فارتفع على أقرانه وفاز بالخصائل الحميدة. وظهرت صولته وانتشر صيته وطلعت نجومه بالسعادة / الجديدة. وحين جاء التجيني حاركا من عين ماض على الباي حسن آخر بايات الأتراك ، وحل بغريس ودخل بابا علي من المعسكر وخرج الباي حسن لقتاله بجيشه من وهران فكان المصاف بأسفل خصيبية من بلاد غريس ووقع الفريقين (كذا) في الاشتراك ، قاتل المزاري إلى أن انجرح (كذا) من ساقه الأيمن في عام اثنين وأربعين ومائتين وألف الموافق لسنة ستة وعشرين وثمانمائة وألف ثم انجرح ثانيا في واقعة السيد محي الدين بوهران. وثالثا في واقعة السيد قدور الدبي بتليلات وكليهما في الجهاد بالبيان. ورابعا في وقعة (كذا) عين تموشنت حال مقاتلة المخزن مع بني عامر. وخامسا بالمهراز من تحت سرته حال المقاتلة مع الأمير في الأمر الظاهر. وسادسا في الجهاد وهو مع الأمير في وطى سيف في واقعة الزبوج وسابعا في الجهاد مع الأمير في وقعة سيدي مبارك حاملا على العلوج وانجرح (كذا) تحته أربعة من الخيول في صحيح المقال ، ثلاثة في واقعة الزبوج اثنان منهم له ، والثالث للأمير ، والرابع له في واقعة السبت ببني زروال وقد مات له الجواد في واقعته مع بني عامر وقتل في تلك القضية أبا شويشة ولد العسري رايس (كذا) بنو عامر ولم يزل مضاهيا لعمه مصطفى وعضدا له في الحكم على الدواير ، من وقت حسن باشا إلى وقت استلاء (كذا) الدولة الفرانسوية على الجزائر. ولما تولى مولاي علي بن سليمان ، بأمر مولاي عبد الرحمان. حكم المغرب الأوسط واستقر بتلمسان ، تولى الحاج المزاري آغة المخزن وجد في العمل الصالح المزيل للمحن ولما دخل المخزن تحت طاعة الأمير سكن عمه مصطفى تلمسان وتولى المزاري آغة المخزن عند الأمير وسكن بأهله بالمعسكر إلى أن فتحها المريشال كلوزيل فحينئذ دخل هذا الشجاع تحت الدولة وأذعن بغاية الإذعان وسمي آغة بمستغانيم عند الباي إبراهيم أبي شناق فألزم نفسه الذب عن الدولة بغاية جهده وبقي بذلك المنصب إلى أن سلم إبراهيم في منصبه فانتقل هذا الشجاع لوهران ولم يفتح بابا للشقاق وحضر عند ذلك كل معركة وقعت هناك إلى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام ست وخمسين ومائتين وألف ، وفي تاسع غشت (كذا) من السنة المذكورة ،

أرسل بمثل وظيفه لمستغانيم عند الحاج مصطفى ولد عصمان لما تسمى بها بايا في القولة المشهورة. ولما توفي المرحوم عمه مصطفى بن إسماعيل بفليتة في ثالث العشرين من ماي سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة للعام التاسع والخمسين ومائتين وألف ، تولى السيد الحاج المزاري بعد رجوعه من الحج في المرة الأولى حكم أعراش المخزن ولم يزل مع الدولة الفخيمة في سوق الطعن والضرب ، مع القبائل والعرب وهو في الغاية القصوى من أنواع الحرب ، وكان على يديه العسكر والقوم ، وجواده محزوما بالذهب وهو لا يخشى أحدا ولا يفعل ما يؤديه للوم ، وزناده مكحولا ، وسيفه للقتال مسلولا ، وصار شوكة في عين الأعداء ، كعمه وأسلافه إلى أن خففت على الدولة الألوية والبنود / ، وضربت الطبول ونغمت النغائر من الجزائر إلى أقصا (كذا) عجرود ، وقام مقام ليث الحروب الأوفى ، وهو عمه المرحوم مصطفى وبقي على ذلك في العز والإقبال ، والهزم للعدو يضرب النضال ، إلى أن سلم في وظيفه في شهر دسامبر (كذا) من السنة المذكورة ، لدى المريشال بيجو وهو بوهران فقبل منه ذلك واستعفاه لما سأله في المقالة المشهورة ومن كثرة فواعله الذاتية الباهرة ، والتي كشمس الآفاق الظاهرة أنه قد تشرف من عند الدولة بالحاشية الوردية الزاهرة ، ثم رجع ثانيا إلى مكة المشرفة ومكث بها إلى سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام أربعة وستين ومائتين وألف رجع إلى بلده فسكن أولا بالجزائر ، وبقي بها نحو السنة مجاورا للباي أحمد باي قمسطينة (كذا) في القول الناير (6) ، ثم قدم إلى ملاتة وسكن بها أمدا ثم ظهر له أن البادية لا توافقه ، ولا تجانسه ولا ترافقه ، فانتقل لوهران وبنا (كذا) بيتا برأس العين باليقين وسكن بها إلى أن أتاه اليقين وقد جعلت له الدولة ستة آلاف فرنك سنوية ويأخذها مشاهرة واشتغل بالعبادة ولازم قراءة المصحف إلى أن ختم فيه عدة ختمات وترك المفاخرة ، ولا زال يأخذ شهريته إلى أن توفي بداره برأس العين من وهران ، في يوم الأربعاء الموفي عشرين من شعبان ، عام ثمانية وسبعين ومائتين وألف ، الموافق لتاسع عشر فبري (كذا) سنة اثنين وستين وثمانمائة وألف ، وله من العمر ثمان وثمانون سنة ، في الرواية الصحيحة المبينة ودفن يوم الجمعة ثاني عشرون
__________________
(6) الذي كان في إقامة جبرية. بمدينة الجزائر.

شعبان ، الموافق للحادي والعشرين فبري (كذا) بالبيان من السنتين المذكورتين ، بمقبرة سيدي البشير بن يحيى بوهران بغير المين وقد وافقه صاحبه قدور بن المخفي في يوم الموت والدفن أيضا فلشدة محبتهما كانت الموافقة بينهما محضا وشيع جنازته عدد لا ينحصر وحضر لمواراته بقبره أمة لا تحصى تعديدا ، ما بين المسلمين والنصارى واليهود رجالا ونساء كبارا وصغارا أحرارا وعبيدا ، فكان التأسّف عليه كثيرا والثناء جميلا والتفجع جليلا وحضر لجنازته جميع المخزن وأرباب الدولة الذين بوهران ما بين عمومها وخصوصها وفعلت به ما فعلت بعمه مصطفى وقام الجنرال رايس (كذا) القسمة الوهرانية خطيبا بنفسه على قبره فبالغ في الثناء عليه في خطبته وذكر جميع سيرته من حين ولد إلى أن توفي والناس واقفة تسمع من المخزن وجميع أعيان الدولة ومن نالوا للرئاسة والصولة ولما طار خبر موته للولي العام وهو والي الولات (كذا) بالجزائر ، تأسف كثيرا وعزى أولاده وقرابته بما يسليهم وأدرج أخباره كلها بسيرته المحمودة من حين ولد إلى أن مات في الرسم الخبري المعبر عنه بالمبشر المستعمل بالجزائر (7) وذلك الرسم لا يستعمل إلا على يد الدولة بمكتب واليها العام بالجزائر ، مكتوبا في ورقتين أحدهما (كذا) بالخط العربي ولغته ، وثانيهما بالخط الفرانسوي ولغته ، في سابع عشر مارس سنة اثنين وستين / وثمانمائة وألف الموافق لحادي عشر رمضان عام ثمانية وسبعين ومائتين وألف وقد نسيت رقم عدده لطول العهد بالوصف ، ونصه بالحرف :
هذه سيرة المرحوم السيد الحاج محمد المزاري ولد قدور بن إسماعيل آغا عرش المخزن كان : إن السيد الحاج محمد المزاري ازداد في المعسكر سنة أربعة وسبعين وسبعمائة وألف مسيحية وأنه ابن خيمة كبيرة ذات قدرة وجاه ظهر منها أغوات في أعراش الدواير فهذا الرجل دخل في خدمة مخزن وهران وهو ابن ستة عشر سنة ، وفي سنة ثلاثة وثمانمائة وألف حيث قام ابن الشريف على الباي مصطفى ليفك له منصبه اجتهد الحاج محمد المزاري في قتال ابن الشريف مع عسكر الباي واشتهرت شجاعته. وفي سنة خمس وثمانمائة وألف كان في
__________________
(7) يقصد جريدة المبشر.

الخدمة المخزنية تحت أمر الباي محمد المقلش. ثم في سنة ست وثمانمائة وألف وسنة ثمان وثمانمائة وألف حين رجع الباي مصطفى إلى منصبه عاد المزاري إلى خدمته وكان وقتئذ سيارا مختصا بالمسير إلى الباشا وهذا المنصب كان في ذلك الوقت من المراتب المعتبرة فخدمها نحو السنة.
وفي دولة الباي محمد أبي كابوس سنة ثمان وثمانمائة وألف وتسعة وثمانمائة وألف تولى قيادة بني مطهر فمكث بها إلى أن تولى حسن باشا المملكة سنة سبعة عشر وثمانمائة وألف فعند ذلك ارتقى إلى منصب خليفة عند عمه مصطفى بن إسماعيل آغة الواير ، ثم ما كان إلا قليلا وإذا به نال منصب عمه في العرش المذكور وفاز بالخصايل الحميدة وانتشرت صولته ولما ظهر النفاق من التجيني وأراد معاندة الباي ووقع قتال بينهم انجرح فيه السيد الحاج محمد المزاري كما انجرح أيضا في وقعة (كذا) عين تموشنت حين وقع القتال مع بني عامر ومات جواد تحته هذا ولم يزل واقفا مع عمه مصطفى بن إسماعيل في الحكم على الدواير من زمان حسين باشا إلى وقت استيلاء الدولة الفرانسوية على الجزائر ولما دخل مخزن الدواير تحت طاعة الحاج عبد القادر وكان وقتئذ عمه مقيما في مشور تلمسان تولى المزاري آغا الدواير على يد الأمير الجديد ثم لم يزل مقيما بداره في المعسكر إلى أن فتحها المريشال كروزيل (كذا) فحينئذ دخل تحت طاعة الدولة الفرانسوية وسماه آغة عند الباي إبراهيم أبي شناق في مستغانيم فمكث في ذلك المنصب إلى أن سلم إبراهيم المذكور في منصبه فعند ذلك دخل وهران وحضر في كل حركة كانت هناك إلى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف وفي اليوم التاسع من غشت (كذا) هذه السنة أرسل في مثل وظيفه إلى الحاج مصطفى والد عصمان باي ، ولما توفي المرحوم السيد مصطفى بن إسماعيل في اليوم الثالث والعشرين من ماي سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف تولى السيد الحاج المزاري بعد رجوعه من الحج حكم أعراش / المخزن لاكن (كذا) في شهر ديسمبر (كذا) من هذه السنة سلم وظيفة لدى المريشال بيجوا الذي كان وقتئذ في وهران فقبل منه ذلك ثم رجع ثانيا إلى مكة ومكث فيها إلى سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف وفي تلك السنة رجع إلى إقليم الجزائر وسكن في داره التي بناها برأس العين في ناحية وهران وكانت الدولة تتفضل عليه بستة

آلاف فرنك سنوية إلى أن توفي رحمة الله عليه في اليوم التاسع عشر من فبري (كذا) سنة اثنين وستين وثمانمائة وألف وهو في سن ثمان وثمانين سنة فمات وهو ثابت العقل وقد كانوا يشهدونه (كذا) مرارا يركب جواده إلى وهران لقضاء مشاربه (كذا) فخلف خمسة ذكور وثلاث بنات أكبرهم السيد إسماعيل والسيد الحاج مصطفى فأما الأول فإنه آغا بتيارت والثاني آغا ببني مسلم من دائرة عمّ (كذا) موسى. ه.
وقال في ظهور سعود الدراري ، في أخبار المرحومين قدور بالمخفي والحاج محمد المزاري ، ما نصّه : تنبيه وافق هذا المرحوم الإمام أحمد بن حنبل صاحب المذهب رضي‌الله‌عنه في شيئين : أحدهما أن الإمام رضي‌الله‌عنه دفن يوم الجمعة بعد الصلاة وكذلك هذا المرحوم دفن يوم الجمعة ، ثانيهما في كثرة حضور الناس للجنازة فقد روي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنه حضر جنازته ثمانمائة ألف رجل وستون ألف امرأة وأسلم يوم موته ودفنه نيف وعشرون ألفا من (كذا) النصارى واليهود والمجوس ، وكذلك هذا المرحوم حضر جنازته العدد الكثير الذي لا ينضبط حصره ما بين النصارى والمسلمين واليهود رجالا ونساء كبارا وصغارا أحرارا وعبيد.
واعلم أن كثرة العدد في حضور الجنائز مما يدل على صلاح حال الميت لأن الجنائز هي الفرق بين أهل السنة وغيرهم فقد روي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنه كان يناظره المعتزلة قبّحهم الله وأقلّ عددهم وأخلا منهم الأرض ولما يفحهم (كذا) يسدلون لقولهم بكثرة أتباعهم وقلّة أتباعهم فيقول لهم رضي‌الله‌عنه الفرق بيننا وبينكم الجنائز. ولمّا مات حضر جنازته وأسلم ما مرّ ، ولا ريب أنّ الثناء على الميت والشهادة له بالخير مما يدل على صلاحه ، ونجاته ونجاحه ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حق أمته أنتم شهداء الله في أرضه من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار. رواه الإمام أحمد والبخاري والنّسائي ، وروى مسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بجنازة فأثنى عليها خيرا فقال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجبت وجبت وجبت ومرّ بجنازة فأثني عليها شرا فقال وجبت وجبت وجبت. فقال عمر فداك أبي وأمّي مررت بجنازة فأثني عليها خيرا فقلت وجبت وجبت وجبت. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أثنيتم

عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في أرضه. وقوله شرا وخيرا بالنصب كذا في كثير الروايات وهو منصوب على نزع الخافض وفي رواية بالرفع قاله النووي.
هنا يوجد بتر ثماني صفحات من المخطوط : 538 ـ 545
/ عليك بتقوى الله العظيم في الحركة والسكون ، والأداء لما فرضه الله عليك من قواعد الإسلام الخمسة التي هي نقطة الظل والحركة والسكون ، وملازمة الطهارة مائية أو ترابية ، لبدل الثانية عن الأولى في حالة الأعذار المصابية ، وعليك بالمداومة لذكر الله حتى يكون لسانك رطبا بذكر الله ، وإياك والتراخي أو الغفلة عن أداء فرض الله ودع الظلم فإنه ظلمة يوم القيامة ، والزم العدل فإنه يكون صاحبه في أعلا (كذا) الدرج في الجنان ولا يخشى في مواقف القيامة ، وكن محبا للعلماء والأولياء وسائر الطلبة والشرفاء ، وراحما بالفقراء والمساكين والأرامل واليتامى والضعفاء وكن كافلا لليتامى والأرامل ، ومرفقا برعيتك ومشفقا من حالهم في سائر المسائل ، فإنك راع لهم وكل راع مسئول عن رعايته ، والزمهم الصدق تخلص من رذائل الشيطان في بديانه (كذا) ووسطه ونهايته ، ومل مع الحق حيث مال واجتنب الباطل ولا تلتفت فيه لقول من قال ، واخفض جناحك لجملة العباد ، وإياك الكبر والتجبّر فإنه هو عين المضرة والفساد ، وعليك بزيارة ذوي الفضل أحياء وأمواتا ، وادع لنفسك ونسلك وقرابتك وكافة المومنين عندهم بما فيه النجاة يوم تصير الناس عظاما رفاتا ، ولا تملل (كذا) من مطالعة الكتب سيما كتب الفقه والتفسير والحديث ، فإنّ فيها النجاة من البلاء القديم والحديث ، فهذا ما أوصيك به وإذا عملت بهذه الوصية الباهرة ، نجوت من سائر الأضرار والمهلكات في الدنيا والآخرة. وكتب محمد بن يوسف الزياني ، رحمه‌الله ورحم أبويه وكافة المؤمنين وأسكن الجميع دار التهاني ، ولي في هذا الوقت ولدان بلا مين ، أكبرهما إسماعيل والآخر الحسين.

وخامسهم عبد الدايم أمّه أم ولد مكية تسمى بالزعفران ، واسمها دال على المسمى الدال على الصدق والإيقان وقد ولد بوهران ، ولمّا شبّ أعجبته الخدمة الجندية فصار جنديا ، ثم انتقل للاصبايحية (كذا) فصار إصباحيا ، ثم تولى قايدا بالدواير ، ثم انتقل قائدا بأهل الواد من عمالة تلمسان في القول الناير ، ثم تولى قايدا أيضا بتلك الناحية بعين إفزاء وهم بنوا أصميل فازّ عدوّه من حينه ازّاء ، وسار في جميع ذلك بالسيرة الحسنة ، وراضهم بالرياضة المستحسنة ، إلى أن فرحت به رعيته والدولة ، وغنم السياسة وبانت له الصولة ، ولا زال قائدا للآن بالحالة المرضية المصابة ، وله معرفة باللسان الفرانسوي تكلّما وقراءة وكتابة في غاية الانتخابة ، وله من الأولاد اثنان في صحيح تحقيق وإعلام وهما الشابان المكرّمان الحبيب وشقيقه أبو علام.
والحاج عبد القادر ولد قدور الكبير بن إسماعيل ، كان سيارا ثم صار رائس (كذا) السيارة ثم خليفة آغة ثم قايدا بالدواير بأحسن التأويل ، وكان من أهل العدل والسياسة والعقل الوافر والمعرفة والكياسة ، وكان نصوحا في الخدمة / بغاية النصيحة ، وصدوق القول وحسن الفعل في القولة الصحيحة ، ولمّا مات خلّف ثلاثة أولاد ذكور ، وهم : الحبيب ولم يتولّ ، ولم يعقب شيئا في المشهور ، ومحمد ولم يتولّ أيضا ، وخلف ولدين : علي ، وعبد القادر ، هما في الحياة محضا ، والحاج قادي ولم يتولّ وخلّف خمسة أولاد ، وهم : بن عودة هو رائس (كذا) الدوار والأخضر ، ومحمد ، وأبو مدين كان شاوشا (كذا) بمحكمة تموشنت ثم تقهقر بأخياره إلى حراسة ضاحية الصباح لنيل المراد ، والحبيب كان شاوشا (كذا) بمحكمة تموشنت ثم انتقل بمثل وظيفه لسعيدة ، ثم انتقل بذلك الوظيف لفرندة وبها مات وكانت خدمته جيدة سعيدة ، وله ثلاثة أولاد في القول الباهر ، وهم : بن عودة ، ومحمد ، وعبد القادر.
والموفق ولد قدور الكبير ، فكان قايدا بالدواير وكانت سيرته جيدة مستحسنة بغاية التدبير ، وخلّف بعد موته ولده عبد القادر ، تولى قيادة عرش الدواير في الأمر الظاهر ، وكانت سيرته مقبولة ، وأحواله بالإحسان مجبولة ، وخلّف بعد موته ثلاثة أولاد وهم بالحضري لم يتول ولم يعقب شيئا ، ومحمد ولم يتول أيضا وخلّف بعد موته ابنه عبد القادر هو حي الآن ويطلب من مولاه
فيئا ، ومصطفى وهو قايد بالبرجية ، وله سيرة حسنة وأحوال مستحسنة بالغاية المرضية ، وهو حي للآن في غاية الحالة المستحسنة المحكية.
ومحمد الفار ولد قدور الكبير بن إسماعيل ، ولم يتولّ ومات ولم يعقب شيئا في تحقيق المقيل.
وهذه صفة شجرتهم كل فرع ملحق بأصله اتجد الفرع أو تعدد فافهم حقيقة ذلك ، وميز جميع ما هنالك ، تنل صوابا ، وتحسن خطابا وجوابا :







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

بناء شخصية  الأطفال   ...