الخميس، 8 مارس 2018

جزء الثاني من الكتاب بإ سم : طلوع سعد السعود  ( الرحلة الورتلانية البجائية1 ) الجزء الاول من الكتابة 
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الدولة التاسعة : الفرانسيس
أصل جنس الفرنسيس :
ثم ملك وهران الدولة التاسعة وهي الفرنسيس ، ويقال لهم أيضا الفرنج ، فتسميتهم بالفرنج قديمة التأسيس ، ثم سمتهم العامة بعدها بالفرانسيس ، نسبة إلى بلدة افرانسا بقطع الهمزة المفتوحة وهي قاعدتهم القديمة ، وملك دارهم القويمة ، وتقرأ بالجيم بدل السين أيضا لا حرجا ، كما في ابن خلدون وغيره فيقال لها افرنجا. وعلى كل حال فهم منسوبون إلى قاعدتهم القديمة بلاد الرّنج ، سواء قلنا الفرانسيس أو الفرنج.
واختلف في نسبهم على قولين مع اتفاقهم على أنهم من ولد يافث بن نوح عليه‌السلام. فقال أبو الفوز محمد أمين السويدي في سبائك الذهب بالإلمام ، أنهم من ولد طوبال بن يافث بن نوح عليه‌السلام ، فهم إخوة الألمان بفتح اللّام. وقال الحافظ المحقّق أبو راس الراشدي في زهرة الشماريخ باحتكام ، أنهم من ولد كومر بن يافث بن نوح عليه‌السلام ، ثم اختلفوا في هذا القول على قولين ، بغير حدس ومين. فقال أبو الفوز السويدي في سبائك الذهب أنهم من أريغ أو أريغات بن كومر بن يافث بن نوح وحكاه بصيغة قيل في التاريخ ، وبه قال الحافظ أبو راس في أحد قوليه في كتاب الشماريخ. وقال فيه في القول الآخر ، أنهم من ولد عصرة بن كومر بن يافث بن نوح ، فهم إخوة الصقالبة وغيرهم كما مر بالمفاخر. وهم من الأمم المنتصرة التي يقال لها نصارى كالإسبانيين والروم والأرمن والقرج بالبيان ، والجركس والروس والبلغار والألمان والبرجان ، والباشقرد والجلالقة والبنادقة والإنقليز ، والبربر والفلاميك والدينمرك ، المشتهرة ، والذوبرة

والماعون والبرتقال والطليان والنامسة إلى غير ذلك من الأمم المنتصرة التابعة لدين المسيح عليه‌السلام ، وعلى إخوته الأنبياء الكرام خصوصا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
موقع فرنسا الجغرافي وسكانها ومساحتها وديانتها
ومملكة افرانسا كانت تسمى في السابق ببلد القولية ، وأرضهم بين الأندلس وخليج القسطنطينية يجاورون الروم من المشرق ، وبإزائهم جليقة من المغرب في القول المشرق وإليها تنسب الجلالقة بتحقيق الأمر ، وكماله ، فهم في / بسائط على عدوة البحر الرومي من شماله ، يفصل بينها وبين الأندلس جبال متوعرة ذات مسالك ضيقة يقال لها البرت يسكنها الجلالقة من شعوبهم المفترقة ، وقد استولوا على قطعة من الأندلس إلى برشلونة كما مرّ ويأتي في المعلومة ، ويحد بلدهم غربا البحر المحيط وقبلة جبل يسمى البريني والبحر المتوسط وشرقا وجوفا جبل يسمى بالألب وواد الرين في العلانية. وكانت الروم غلبتهم قديما كغيرهم من الأمم المارة وحملتهم على دين النصرانية وكانت البربر تؤدي الجباية لهرقل ملك الروم فولى الفرنج أمر إفريقية في المعلوم ، ولم يكن للروم بها ولاية ، ومن كان بها منهم فإنما هو من جملة الفرنج بالدراية ، وما في كتب الفتح من ذكر الروم في فتح إفريقية فمن باب التغليب وإلّا فجرجير الذي قتله الصحابة إنما هو من الفرنج بالتجليب ، وأجازوا البحر قبل الإسلام إلى إفريقية ، ملكوا أمصارها العظيمة مثل جلولا وسبيطلية وقرطاجنة ومياروقة (؟) وغيرهم ، فلما جاء الإسلام نزع العرب كل ذلك من أيديهم ما بين خيرهم وضيرهم ، ثم رجع لهم الآن كل ذلك. فهم فيه كاوّلا بجميع المسالك. وقاعدتهم الآن يقال لها البريز التي هي عندهم أفضل من اللجين والإبريز. ومحل فرانسا من الأقسام الأروبية هو الجزء الخامس كما مرّ في الدولة الاسبنيولية. وموقعها في غرب أروبا الوسطى في القول المحقق المجسطي. وعائلتهم من عيال الشعوب اللاتانية التي لهم أسوة. كاهل إسبانيا وإسيانيا وبرتغال وطليان وغيرهم كما مر لأنهم أخوة. وديانتهم قسمان في السرّ والعلانية ، وهما : الكاثوليكية والبرستانية ، فالقسم الأول هو عمومهم وأهله هم المتبعون

للقسيسين والرهبان ، المتخذين للصوامع والمساجد بغاية الإمكان ، واستعمال الصليب والصور في المساجد لنيل المسالك ، وضرب الناقوس وغير ذلك ، والقسم الثاني هو خصوصهم (؟) وأهله هم المجتنبون لكل ما ذكر ولا يرون شيئا من ذلك وإنما هو بمنزلة الضير ، وليس لهم تصديق لقسيسهم ورهبانهم في شيء من ذلك وغيرها وينكرون عليهم العزوبة والكل من أهل معرفة الوجود لا غير. ومساحة افرانسا قبل فقدها للورين وألزاس خمسمائة وثلاثة وأربعون ألف ألف كيل متر (كذا) / وأما الآن فهي خمسمائة وثلاثون ألف ألف كيل ميتر (كذا) مع جزيرة كروسا (1) اللاحقة وهي من أكبر أقسام أروبا السّابقة. وسكانها يبلغ عددهم سبعا وثلاثين مليونا ونصفا بالتبايين. دون سكان مستعمراتها البالغين نحو الستة ملايين. والمليون هو ألف ألف كما مرّ بالتغاير.
مستعمرات فرنسا
ومستعمراتها في إفريقية تونس والجزائر ثم سنغال وكابون (2) يقتفيها ، وبرلون وهايوت وما يليها. وفي إيسيّا بنديشري وتوابعها إلى شرقي الهند المرغوب وسيكون مع توابعها في امام الجنوب. وفي أوقيانيا كليدونيا الجديدة والجزائر المركزية وطايطي (طاهيتي) الفريرة. وفي أمريكا كويانا الفرنسية وغوادلوب ومرتينيك وهما من الجزائر الأنيليات العديدة ، وجزيرتا سان بيار القديس بطرس وميقلون بقرب تارنف الأرض الجديدة ، وهؤلاء زيادة على افرانسا ، فانظر لعظمة هذه الدولة التي قاعدتها سابقا افرانسا.
أشهر مدن فرنسا
وأشهر مدنها مدينا باريز وهي موضوعة على واد سين محصّنة بغاية التحصين فأسوارها صحيحة غريقة ، وفناديقها (كذا) كثيرة غميقة. وفيها ما يزيد على ألفي سكة نافذة عريضة ، مبنية على صفين مستقيمين وكل صف مزيّن بديار
__________________
(1) يقصد كورسيكا على ما يبدو.
(2) يقصد قابون ، أما برلون وهايوت فلم ندر ما هما.

عجيبة بالحقيقة بالفريضة بأسافلهن دكاكين للتجارة لبيع السلع المختلفة الأصناف في غاية الصناعة بالأبنية الظّراف ، وبداخلها اثنان وعشرون قنطرة بلا المزيد ، بعضها من الحجر وبعضها من الحديد. ثم مدينة ليل وهي على حدود افرانسا من جهة الشمال بالبيان ، فهي حصينة بالغاية يستعمل بها الخيط والكتان. ثم مدينة روان بالتبيين موضوعة على وادي سين وبها التجارة العظيمة المختصة بها ، ولو كانت بعيدة من البحر لأمكن وصول المراكب إليها لغمق الوادي الذي يمر بها ، ويستعمل بها أقمشة الصوف والكتان ، لكثرة مصانعها ذات البيان. ثم مدينة ليون وهي على وادي رون حيث اجتمع مع وادي سون وهي بعد باريز من أكبر مدن افرانسا بالتحرير ، لكثرة أنواع الصنائع التي بها والعمارة والتجارة وصنعة الحرير. ثم مدينة مرسيلية وهي مدينة جسيمة على البحر الأوسط ذات مرسى عظيمة ، تسع اثنا عشر مائة مركب ، ومرساها ذات أمن لا ذات عطب / ، وقد امتدت تجارتها في جميع البلاد ، وهي أقدم مدن افرانسا بغير الانتقاد. ثم مدينة بوردو وهي على وادي جيرنود ولها مرسى كبيرة تسع ألف مركب حال الورود وهي أغنا (كذا) مدن افرانسا وأعظمها تجارة ، لقربها من البحر وصناعة أهلها وجودة الشراب الذي ينتج من عنبها لما في عمالتها من الغزارة ، ثم مدينة سرط سبور (3) ذات الخير المشرق ، وهي قريبة من وادي الريّن على حدود افرانسا من المشرق ، فهي من أحصن مدن افرانسا في المشتهر. والذي ادخلها في حكم افرانسا سلطانهم لويز الرابع عشر وفيها آلة الصناعة لجميع الصنائع الجسيمة ، وبها التجارة العظيمة.
أشهر مواني فرنسا العسكرية
وبافرانسا من المراسي الحربية خمسة في القول الأربط ، وهم شربور وبريست ولوريان ورشفور جاء على البحر المحيط المغربي وطولون جاء على البحر الأوسط.
__________________
(3) يقصد ستراسبورق.

أشهر مواني فرنسا وجبالها ووديانها
وخلجانها وجزرها
وأعظم مراسيها التجارية ثلاثة بالأحوط ، وهي : هافر ، وبوردو ، جاء على البحر المحيط المغربي ، ومرسيلية جاءت على البحر الأوسط. وأشهر جبالها خمسة وهي الأصول عندهم في المحقق ، وهم جبل ألب في الجانب الشرقي ، وجبل البيريني في الجنوب ، وسفيان في الوسط ، وفوج في الجهة الشرقية ، وجورة في المشرق. وأشهر أوديتها خمسة بالبحث والنبش ، وهي وادي سين يجري من المشرق للمغرب ويصب في خليج المنش ويمر بثلاث مدن عظام وهي باريز وروان وهافر و (كذا) وطول مجراه ثلاثمائة كيل ميتر (كذا) والكيل ميتر يماثل الميل عندنا فيما حاوروا.
قال في القادية فإن هذا المحل الغريب يشقه أحد الأودية العظام في الدنيا المسمى لا سين قيل هو المعروف بجيحون قنطرته المعتادة تسع مرور أربع عربات محاذية لبعضها. ووادي لوار ويجري من المشرق للمغرب ويصب في البحر المحيط المغربي فيستتر ويمر بثلاث مدن عظام وهي ورليان. وطور ، ونانط ، وطول مجراه ألف وأربعون كيل ميتر (كذا). ووادي جيروند ويجري من المشرق للمغرب ويصب في البحر المحيط المغربي ويمر بمدينة عظيمة وهي بوردو وطول مجراه سبعمائة وخمسون كيل ميتر (كذا) بلا ريبي. ووادي رون ويجري من الشمال للجنوب ويصب في البحر الأوسط بقرب مرسيلية ، ويمرّ بمدينتين عظيمتين وهما ليون وأفنيون وطول مجراه / ثمانية ثمانمائة (كذا) وأربعون كيل ميتر تحقيقة. وواد الرين ويجري من الشمال للجنوب منبعه من بلد سويس ومصبّه في بلد هولاند باشتهار ، ويمرّ بمدينتين عظيمتين وهما سطرسبور وقلمار وطول مجراه ألف ومائة وخمسون كيل ميتر (كذا) بلا زيادة غيرها ، منها مائتان وعشرون كيل ميتر في أرض افرانسا والباقي في غيرها. وغير هذه الأودية فيما راويا (كذا) ، مائتان واثنان وعشرون واديا ، فالتي تحمل منها المراكب ثلاثة مشهورة وهي وادي مارن ومزيل وقارون مسطورة ، وأما الأودية الصغار (كذا) في المقترب فإنها كثيرة العدد ولا تحسب. وأشهر خلجانها أربعة وهي خليج نمرمنديا وسان مالوا وكلاهما في بحر النمش (المانش) كما حكيا. وغسكونيا

وهو في الأوقيانوس الاتلنتيكي بالمرتبط. وليون وهو في البحر المتوسط. واخصّ بواغزها اثنان أحدهما بوغاز يادكالة وهو بين افرانسا وانقلتيرة ، والآخر بوغاز بوتيفاشوا وهو بين كورسيا وسردينيا شهيرة. وأشهر جزائرها تسعة فيما يروه ، وهي سّان ، وبلّيل ، ونوارموتية ، ويّو وريّ والرّون وكلها في الأنتلنتيك وكورسيا الكبيرة ذات المتاسع ، وهي إحدى أقسام افرانسا الستّ والثمانين التي يقال لها المقاطع. وهيا وكرنيس كلهم في البحر المتوسط بغير تخليس.
الأجناس التي تعاقبت على فرنسا
قال شيخنا الزياني في دليل الحيران ، وكانت افرانسا في السابق قبل الفرانسيس في حيازة ثلاثة أمم وهم البلج والأكيتون والقوليون باليقين ، فكان البلج في الجهة الجوفية بين وادي السين ووادي المارن ووادي الرين وأصل هؤلاء من الجرمانية وهي بلد الألمان ، وكان الأكيتون في الجهة القبلية بانحراف إلى المغرب بين واد القارون والبريني بالبيان ، وكان القوليون فيما بقي من افرانسا حوالا ، إلا أن المملكة كانت للقسمين الأخيرين ولا يعلم أصلهما إلا الله تعالى. ثم قدمت قبل نبوة المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ستمائة لافرانسا بالتزام. طائفة من اليونانيين يقال لهم القوسيون. ونزلوا بالقول وصاروا فيه بما شاؤوا. يتزيون. فتزوج أميرها بابنة سلطان / القول وأقطعه أبوها أرضا بشاطىء البحر فبنا (كذا) بها مدينة مرسيلية في المنقول. وكان القوليون أهل شجاعة وجرأة في المسطور غير أنهم لا ينتظرون عواقب الأمور ، وكانوا يعبدون الأصنام ويحملون السلاح للنزال ، ومعيشتهم في الصيد وما قلّ من المواشي ولا يتركون على الأبد القتال ولم يظهر فيهم دين المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ، إلا في القرن الثاني المسيحي وذلك قبل الهجرة بجملة مائة من الأعوام حيث استلاء (كذا) الرومان على ملكهم بالطول والعرض وجال هؤلاء الفوسيون جولانا عظيما في الأرض إلى أن استولوا على الإنقليز ، وبعض بلاد الإسبانيين. بالتبريز. ثم على الجهة الجوفية الطليانية باتقان ، ثم بنوا في بلاد الجرمانية ودخلوا لإفريقية والشام وبلد اليونان ، ثم تخطوا الرومية (4) كرسي مملكة جنس
__________________
(4) يقصد مدينة روما.

الرومان فاستولوا عليها وحرقوها بالمشاهدة والعيان ، وذلك قبل نبوءة المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ، بثلاثمائة وتسعين من الأعوام ولما كبر خلافهم وحلّ بهم النقض ، ضعف حالهم فتفرقوا في الأرض.
فرنسا الرومانية
ثم استولى عليها الرومان بخمسين عاما قبل مبعث المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ، إلزاما ، وأمير هم وقتذاك جول سيزار وحصل القتال بين الفريقين مدة تسعة أعوام باحتراز ، إلى أن ضعفوا فأذعنوا للطاعة ، وانسحب عليهم الحكم بالجبر والاستطاعة ، فاشتغلوا بتعليم الصنائع والعلوم والقوانين العقلية بالجد والتحتيم ، فحصل لهم في ذلك الاستلاء عليهم النفع العظيم واستقر الرومانيون بالقول نحو الخمسمائة سنة ، وعمروها بالغرس والبناء للبيوت المحصنة. قال ولا زال أثر ذلك بافرانسا واضح البيان ، من القناطر والقنوات والأبراج وغيرها للآن. ولما ضعف الرومانيون هجم عليهم أمم عديدة من الجرمانية ، واستولوا على بعض الأرض فعمّروها بالبناء في القولة البيانية. وكان ذلك في ابتداء القرن الخامس المسيحي ، وهو قبل الهجرة بعد مائة أعوام بالتصحيح وكان منهم السويف ، والفندال ، والألين ، والبوركينيّون ، والفيزكوت والاسكلافون والفريسيّون والبفورة والنورمان والفرنك ، وغيرهم مما حصل لنا به الترك. غير أنّ الثلاثة الأولين منهم لم يستقروا في الملك ولا اشتهروا به ، بل رحلوا إلى برّ الإسبانيين وتوطّنوا به / وكان بين هؤلاء الأجناس من العداوة ما لا يحصى ، حتى صار كل واحد منهم مستقلا بنفسه ومستقصى. وقد حصل منهم قبل ذلك الغارة الكثيرة ، المتعددة على بلاد القول الشهيرة واطردهم الرومانيون بالتبيين ، ولم يبق إلا البعض من الفرنك تركوا بين وادي الموزو ووادي الرين وذلك سنة ثمان وخمسين من القرن الرابع من ميلاد المسيح ، وهو قبل الهجرة بسنين كثيرة ذات قرون في الصحيح. قال وأصل مجيء الفرانسيس لإفرانسا أن أمة اسمها الفرنك خرجت من بلادهم لضيقها وكثرتهم ، وعدم معرفتهم بتدمير ما تكون به المعيشة من الفلاحة وغيرها مع قوّتهم وشهرتهم وليس لهم ببلادهم اقتيات إلّا بألبان المواشي ونحوها من عروق الأرض الرواشي ، فهجمت مع جملة من الأمم على بلاد القول كما مرّ في القولة المروية وكانت هذه الأمة الفرنكية مشتملة على

جملة من القبائل البربرية ومحلهم في الجهة الجوفية بالانحراف إلى المغرب من الجرمانية بالاستبان ، وقطعت من هجومها وادي الرين الفاصل بينها وبين افرانسا الآن. وكان ذلك سنة عشرين من القرن الخامس من ميلاد عيسى بن مريم عليه‌السلام ، والذي هو قبل الهجرة بقرون وأعوام ، واستقرت ببلاد القول وعمرتها بالبناء والغرس والجولان ، وتعاشرت مع الأمة القولية معاشرة الإحسان ، واختلطت هاتان الأمتان بالأنساب ، فصارت جنسا واحدا بالارتساب ، تسمى بالفرانسيس ، وعلا واستفحل بالتأسيس وكانت بلاد القول وقت نزول الفرنك بها تحت الرومان ، بأمد يزيد على الأربعة قرون ، والسبعين سنة بالبيان ، وكان سلطانهم يقال له فرامون كما سيأتي قريبا. وكانت كل قبيلة تحت حكم كبير منها ترتيبا.
الطبقات الأربعة للملوك الفرانسيس
قال شيخنا في دليل الحيران : واعلم أن جملة سلاطين الفرانسيس من أول أمرهم إلى الآن ، هم اثنان وسبعون سلطانا ، غير الرؤساء الجمهورية بيانا. وهم على أربع طبقات سلكا ، الأولى يقال لها بلغتهم الميرفينجيان وملكوها اثنان وعشرون ملكا ، والثانية يقال لها الكارلوفينجيين وملكوها ثلاثة عشر ملكا بالتبيين ، والثالثة يقال لها الكبيسيان ، وانقسمت إلى ستة فروع بالبيان ، الفرع الأول يقال له بلغتهم الكابي ، وملوكه أربعة عشر بغير الارتكابي والثاني يقال له روميارد فالوا وملوكه سبعة فيما قالوا / ، والثالث يقال له دورليان وملكه واحد بالعيان. والرابع يقال له سيقوا بذ ديفيالوا وملوكه خمسة قد جالوا ، والخامس يقال له دوربون وملوكه خمسة معربون ، والسادس يقال له أرليان وملوكه اثنان بالبيان ، والرابعة يقال لها النابليونون وملوكها ثلاثة معينون.
الملك فرامون
فأول ملوك الفرانسيس يقال له فرامون تولى في عشرين من القرن الخامس المسيحي الذي هو قبل الهجرة بقرن وعدة أعوام مرامون ، وبقي في الملك ثمانية أعوام ومات بالبيان ، وكان وقت ذلك سلطان الفرنك يقال له السّاليان وفي الحقيقة ليس هو سلطان وإنما هو كبير قبيلة بالعيان.

الملك كلوديون : CLODION
وثانيهم هو ابنه كلوديون تولى يوم موت أبيه فيما قال الراويون ، وذلك سنة ثمان وعشرين وأربعمائة من ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وهو قبل الهجرة بعدة من الأعوام ، ولقبه قومه بذي الشعور لطول شعر رأسه ، غير أنه لا يختص بهذا في نفسه ، لكون عادة ملوكهم يتميزون على غيرهم بطول شعر الرؤوس حتى أنّ الذي لا يوافق أمتهم منهم للمملكة يحلقون رأسه لما يريدون اطراده وإبعاده عن الإيوان في الجلوس ، ووقع بينه وبين ايسيوس أمير الرومان الحرب الكبير وكان له فيه الانتصار على قبيل الرومان وتجدد الحرب بينه وبينهم وانتصر أيضا عليهم ، واستولى على مدنهم إلى أن بلغ وادي السوم فيما لديهم وعمّرت بوقته قبيلة الفرنك ما بين وادي الرين ووادي الموز وأذعنت إليه إلى أن نالت من فضله الفوز ، وتوفي بمدينة أميان حزنا على موت ولده بعد ما ملك عشرين سنة بالبيان.
الملك ميروفي : ME ? ROVE ? E
وثالثهم ميروفي أحد أمراء الفرنك وأصله مجهول ، تولى سنة ثمان وأربعين من القرن الخامس المسيحي وهو قبل الهجرة بعد أعوام ، في المنقول ، وصارت بلد القول في أيامه في حيازة أربعة أمم عظيمة ، وهم : الفرنك ، والبوركينيون ، والفيزيكونت ، والرومان ، بحالة جسيمة وغزاهم سلطان الإنس وهو أتيلة التتاري الذين شرقي الموسكو بجيوش تبلغ خمسمائة ألف يروم الاستلاء فدخل البلاد وأفسد زرعها وضرعها واحتطب بساتينها وخرّب عدة مدنها ومنها ما عنها لأهلها أجلا ، وكان / قاسي القلب ذا سطوة مهاب ، كثير التعدي والجور والاغتصاب ، فاجتمعت الأجناس على قتاله ، وتبديد شمله وإفساد نواله ، فوقع المصاف بنواحي شالون المار على وادي المارن المظنون ، واشتد القتال فهزموه ، وقتلوا من جيشه مائتي ألف ومنهم من سبوه وغنموه وفرّ هو لبلاد الألمان ، ومات بها بعامين بعد الواقعة وأراح الله منه العباد والبلاد بنزول الموت الصاعقة ، وكان الساعي في انهزامة ميروفي السلطان فسميت ذريته بالميروفنجيان ، لخلود ذكره

على الأزمنة وظهورها على لسان كل إنسان ، فبعد عشر سنين من ملكه حلّ به الموت وأدركه بغتة الفوت.
الملك تشيلديريك : CHILDERIC
ورابعهم ابنه شيلديريك بترتيب التحريك ، تولى يوم موت أبيه وهو عام ثمان وخمسين من الخامس المسيحي ، الذي هو قبل الهجرة بعدة أعوام التصريحي وكان ظلوما غشوما خبيث السريرة رديء الطبيعة جسوما ، فأطردته الأمة من الملك بلا توان وجعلت مكانه ايجيديوس وهو من الرومان ، فذهب عند ذلك للألمان واستقرّ عند التورنج بأمان ، ثم أنّ الفرنك نفرت من غير جنسهم ، وبعثوا بالرجوع لشيلديريك لنحسهم فجاءهم مصاحبا لزوجة مجيرة وتزوجها ، وأحسن إليها وبهرجها ووقع بينه وبين ملك الرومان الحرب الشديد ، فغلبهم وجلس على كرسيه لعتيد ، ومات بعد ما ملك ثلاثا وعشرين سنة معددة محسوبة مبيّنة.
الملك كلوفيس الأول : CLOVIS.1
وخامسهم ابنه كلوفيس الأول المغرر المعلل ، تولى يوم موت أبيه وهو عام إحدى وثمانين وأربعة مائة مسيحية التي هي قبل الهجرة بسنين عديدة صريحية وهو ابن خمسة عشر سنة فألفى الملك غير مؤسّس فأسّسه وأتقنه واستولى على أكثر بلاد القول بما عمله وبيّنه وحل الحرب بينه وبين ملك الرومان بمدينة سواسون فقتل ملكهم سياكريوس واطردهم من القول وصارت قومه هم الجواسون. وكان من الذين يعبدون الأصنام ، وقد تزوّج بامرأة نصرانية تابعة لدين المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام. يقال لها كلوتياد مجتنبة لعبادة الأصنام وعابدة لخالق جميع العباد ، فغزاه الألمان / بقصد الاستيلاء على بلده وقاتلوه شديدا ، فأصيب من جيشه سيحيبر أمير الربيوبر من الفرنك بجرح في ركبته وانهزمت العساكر فاشتد حزنه شديدا ، وقال إن نصرني إلاه (كذا) زوجتي لا تديّن بدينها القويم ثم شجع نفسه وقومه وثبت عزمه ، وهجم بهم عليهم فأحاطوا بهم إلى أن ظفروا منهم بالظفر الجسيم ، ومات سلطان الألمان وأذعن قومه فبر

يمينه ووفى بنذره فاتبعه من قومه نحو الثلاثة آلاف وزال لومه ، وغزى الفيزيكوت وقاتلهم بمدينة بواطي إلى أن قتل نفسه سلطانهم الأريك الثاني فاشتد بهم الطلب والعواطي وحمل عليه من العدو فرسان وضرباه بالرماح ، إلى أن انجرح جسده ، وفرّ به فرسه لجنسه فزال كمده ، وفرّ باقي العدو للإسبانيين واستولى من فورهم على ملكهم الأكيتين ، ثم استولى على سائر البلدان التي كانت بيد الحكام ، ما بين القتل والنفي والظفر وغير ذلك بالاحتكام ، وأقطع للعساكر ما شاء من الأراضين ، بغير توظيف وتوريث للنساء منها فعد هذا الفعل من جملة ما وضعه من القوانين ، ثم بعده بثمانية قرون حدث القانون العام الذي لا تتولى الأنثى المملكة خشية دخول من ليس من الجنس بذلك فهم له حافظون ومحررون ، وحدثته نفسه بالاستيلاء على البوركينيين ، فخرمته منيته قبل ما وقع من التعيين ، ومات بمدينة بريز ذات اللجين والابريز في انسلاخ يونيه وهو اجوان بلغتهم سنة إحدى عشر من القرن السادس ، من ميلاد المسيح عيسى بن مريم الرسول المقدس القادس وهو قبل الهجرة بجملة من الأعوام ، ليست ببالغة في الكثرة بالأقوام ، بعد ما ملك ثلاثين سنة بالالتزام.
الملك شيلديبير الأول : CHILDEBERT.1
وسادسهم ابنه شيلديبير الأول الملك المقوّل تولى يوم موت أبيه كما مرّ ذلك قريبا ، وكان الملك في عادتهم وقت ذاك يقسم بين الأولاد كالمال المتروك وكان الأمر غريبا ، وكان كلوفيس خلف أربعة أولاد ثلاثة كالثوار ، وهم شيلديبير وكلوتير وكلودمير ، وتيار ، ولم تبطل قسمة الملك عندهم في الميراث ، إلا عند انقطاع الطبقة الثانية ذات التراث ، فكان الذي ناب لشيلديبير الأول في القسمة البريز وناب لغيره غيره بالتحرير والتبريز ، وبقي في الملك إلى أن مات سنة ثمان وخمسين وخمسمائة قواما ، بعد ما ملك سبعا وأربعين عاما. /.
الملك كلوتير الأول : CLOTAIRE.I
وسابعهم أخوه كلوتير الأول تولى يوم موت أخيه وهو العام المار ، وذلك قيل الهجرة بأعوام يسيرة بالاشتهار ، فحاز جميع الملك ، ودخلت الناس فيما

بيده من السلك ، وفرّ منه ابنه شرامن بأهله وأولاده للبروتون وغزى مع أميرهم أباه في غاية الهتون ، فلقيهما أبوه بجيوشه واشتدّ الحرب إلى أن مات أمير البروتون ، وانهزمت جيوشه بالهزيمة الشرورة ، وآوى شرامن بأهله إلى دار فظفر بهم أبوه فقيدهم وتركهم ثم أمر بإحراقهم في تلك الدّار المذكورة وبقي في الملك إلى أن مات سنة إحدى وستين من القرن السادس المسيحي الحرام ، بعد ما ملك أربعة أعوام.
الملك كاريبير : CAREBERT
وثامنهم ابنه كاريبير تولى يوم موت أبيه وهو عام إحدى وستين وخمسمائة من سنين المسيح ، الذي هو قبل الهجرة بأعوام ليست بكثيرة في الصحيح ، ولما مات والده خلّف أربعة أولاد كلهم مشاهير وهم : سيجبير وشيلبيريك وكونطان وكاريير فاقتسموا ملك أبيهم على العادة وأباه شيلبيريك ، ورام الملك بأجمعه بالمشادة ، وجاء فورا إلى منزل أبيه فأخذ ما به من الأموال وفرقها على الأعيان وأرباب القول ليبايعونه ويدرك المنوال ، ففعلوا ذلك وذهب بمحلته لبريز فلقيته إخوته بالجنود الطامة بالسرعة ، وحصل الحرب إلى أن ألزموه القسمة فرضي بماله بالقرعة فنابه في حظه البريز ، ونال كلا منهم ربع مملكة الفرك بالتبريز ، وتزوج بست نسوة ، منهن اثنتان في غاية الرذالة في النسب وشدة القسوة ، إحداهما بنت الراعي والأخرى بنت الحيّاك ووقعت العداوة بين الأخوة رغبة في الملك واشتد الاشتباك ، واجتنب كاريير تلك الحروب وأعرض عنها ، وفارقها وأبعد نفسه منها ، وبقي في ملكه إلى أن مات سنة سبع وستين من القرن السادس من الميلاد ، ولم يعقّب ولدا فتنازع إخوته على الملك وأخذ الطارف والتيلاد ، ثم اتفقوا على إبقاء بريز بينهم شركية ، ولا يختص به واحد منهم بل يبقى بينهم شركة قوية مراضات وجبرية.

الملك شيلبيريك الأول : CHILPERIC.I
وتاسعهم أخوه شيلبيريك الأول ، كما عليه القول المعوّل ، تولى يوم موت أخيه وهو سنة سبع وستين وخمسمائة / مسيحية ، وذلك قبل الهجرة بأعوام قليلة صريحية ، فنقض ما بينه وبين إخوته من الاتفاق واستولى على بريز ، قهرا وغصبا ، ومكر بالناس قتلا وأخذا ونهبا ، وكان جبارا ذا مكر ودهاء في الظّعن والمقام ، حتى اشتهر بذلك عند الخاص والعام ، فنفرت منه الأمة ، وزالت عنه الأهمّة واشتد جوره وظلمه للرعية ، بسبب زوجته فريديكوند المتعدية ، فقتلت أخا زوجها سيجبيرا ، ثم تحيّلت على قتل زوجها شيلبيريك إلى أن قتله شهيرا ، بحكاية أعرضنا عن ذكرها ، لشدّة دهائها وظلمها ومكرها ، وذلك سنة أربع وثمانين وخمسمائة مسيحية بعد ما ملك سبعة عشر سنة ، محقّقة مدقّقة معيّنة.
الملك كلوتير الثاني
وعاشرهم ابنه كلوتير الثاني المشهور عند الفرادى والمثاني ، تولّى يوم موت أبيه وهي السنة المارة ، وذلك في السنة الأولى من الهجرة القارة ، التي لم يبق لنا إلّا بها التوريخ وإضرابا عن المسيحية بالتصريح ، وهو ابن سنة واحدة فيما حكي عليه ، فتصرّفت أمه فريديكوند بالنيابة عليه فكثر ظلمها وقامت عليها الأمة بالقيام السّديد وحصل بينهم وبينها الحرب الشديد ، فانتصرت والدته عليهم ، وأذعنوا لها بالطاعة فمالت إليهم ، وكثر الحرب بينها وبين برونهو حليلة سيجبير النائية عن استازى والبوركونيو حفيديها وكل منهما صغير وصارت تدير ملكه إلى أن مات سنة أربعة عشر هجرية (5) إضرابا عن ما هي مسيحية ، فقامت عليه في حياته برونهو وحاربته طويلا إلى أن ظفر بها سنة ثلاثين فطيف بها بالجيوش ، وهي محمولة على جمل كأنها العهن المنفوش ، ثم ربطت بذنب دابة كثيرة الجموح ، فاسحبتها على الحجارة إلى أن ماتت أشرّ قتلة بالحال
__________________
(5) الموافق 635 م. إن تواريخ هؤلاء الملوك لا تتوافق مع ما في قاموس لاروس. وكذلك ترتيبهم.

المفضوح. وقسّم في سنة أربع وثلاثين ماله على أولاده (6) فأعطى لداكوبير وهو ابن خمسة عشر سنة الاسترازي بأفراده ، وكان رايس الوطن بيبان فلم يحصل منه ما يخالف الإذعان ، ثم خرج السكسون عن داكوبير وامتنعوا من إعطاء الضريبة فحاربهم بجيوشه فلم يطق عليهم واستصرخ بأبيه فجاءهم بجيوشه القوية ، فهزمهم وأسّر بعضهم ثم ركز سيفه بالأرض بعد ما صقله ، وأوقف الناس الأسارى معه فكل من جاوزه قتله ، وكان كلوتير عالما بحسب زمانه ، ووقته وأوانه لكنه كان مشغوفا / بقنص الصيد ، متولعا بالنساء ، وصاغ لوساوسهن وهن ذات الكيد ، وبقي على حاله إلى أن مات سنة خمس وأربعين (7) بعد ما ملك أربعا وأربعين من السنين.
الملك داكوبير الأول : DAGOBERT.I
وحادي عاشرهم ابنه داكوبير الأول ، الذي عندهم في الالتحام المعول ، تولي في اليوم الذي مات فيه أبوه كما سبق ، ونقل كرسي المملكة من الاسترازي إلى بريز لمن حقّق ، فعظم على أهل مملكته الانتقال عنهم ، وبعده منهم وكان ذا أمور حسنة ، ومسائل مستحسنة منها جولانه وفحصه عن الرعية ، ونظره في أمورهم المفيدة المرعية ، فمهدت له البلاد وأذعنت له العباد ، خشية سطوته وما رأوا منه من الإحسان ، ودعت له بالنصر على العدوان فهمّ أخوه كاريير بالتعرض له في ملكه ، فقهره وأبقاه على الأكيتين بفلكه وفي العام الثالث من توليته حصل له بالحرب مع الفنيد المستقرين بالأيلب ، من الألمان العتيد ، لما نهبوا قافلة من رعيته وقتلوا بعضها ، فأرسل بعض خواصه لسلطانهم برسالته فلم ينظر لفظها ، ورجع الرسول خائبا ، ولمالكه ذميما كائبا ، فجهز لهم محالا ثلاثة ما بين الألمان واللومبار والاسترازي وساروا حثاثة ، وتحارب الفريقان ثلاثة أيام فظهر من الألمان واللومبار القتال الذي لا فيه لئام (كذا) ولا احتشام وهزموا العدو وأذاقوه نكال الدوام ، وظهر من الأسترازي جر الهزيمة لكون داكوبير سلب
__________________
(6) الموافق 654 ـ 655 م.
(7) الموافق 665 ـ 666 م.

أموالهم وسجن أعيانهم وانتقل عنهم فدسّوا ذلك لوقت الجزيمة. ولما كثر فساد الفنيد ودام ثلاث سنين تحير داكوبير من ذلك وصار في حدس وتخمين إلى أن أشار عليه بعض الأسترازي بأن يرسل ولده سيجبير ، سلطانا على الاسترازي ففعل واطمأنت نفوس الأستراز وبادروا لقتال الفنيد ومنعوه من الدخول للفرانسيس. لملاسقة الفنيد لهم في الملك الجسيس ورام داكوبير الاستلاء (كذا) على ملك أخيه كلوتير لما مات فمنعه السكسون كما حقّه الرّوات ، وقصد بجيوشه للقتال فجمع داكوبير جيوشه الكثيرة الأثقال ، وقسّمها على عشرة أقسام ، وجعل على كل قسم أميرا لا يخالف المرام وخرجوا للقتال فهجموا على مدينة بواطي وجميع ما انضم للسكسون ، واستولوا عليها واستخدموا الاكيتين وهزموا السكسون / فسأل كبراؤهم منه الأمان فأمّنهم وألزمهم الإذعان وهدنهم ، وقدّمت جيوشه للبروتون لما خلعوا طاعة السلطان فحاربهم وهزمهم بما لا يصفه لسان ، وقدم أميرهم إليه بهدايا عظيمة ذات أموال جسيمة وكان لداكوبير وزير صائغا (كذا) فصاغ له كرسيا من خالص الإبريز ، وهو الذي بنا (كذا) الموضع المعروف بساندي بالدير الكبير بالبريز وأقطعه أملاكا لا تحصى في العدد ، ولا تحصر في المدد ، بحيث أقطعه في يوم واحد خمسا وعشرين مدينة ، وصيّره محلا لدفن الملوك الفرانسوية تصييرا موبدا مدينة. ومات بأواسط ينيّر (كذا) سنة الخمسة والخمسين (8) بعد مالك (كذا) عشرة من السنين. قالوا ولم تقع منه إلّا الفلتة التي قتل فيها نحو التسعة آلاف من التتار المؤتمنين.
الملك كلوفيس الثاني
وثاني عاشرهم ابنه كلوفيس الثاني المعروف عند القاصي والداني ، تولى يوم موت أبيه لأن أباه لما مات خلف ولدين وهما سيجبير وكلوفيس بغير مين ، فبايع رؤساء الدولة كلوفيس على البوركينو والنستري وجعلوا وزيره لإدارة ملكه
__________________
(8) الموافق 675 م. والغريب أنه استعمل اسم الشهر الفرنجي ، في السنة الهجرية. وسنورد في آخر الكتاب قائمة الملوك الفرنسيين مرتبين بتواريخهم التي ضبطها قاموس لاروس الكبير طبعة 1984 م.

وأمره إيكا البهتري ، وتركوا الاسترازي لأخيه سيجبير ووزروا عليه لإدارة الملك بيبان لما كان كل منهما صغير ، فمات بيبان وتوزّر ابنه كريمولد ، ثم مات سيجبير وترك ابنا من سبع سنين ليس له قوة ولا جهد ، فراع وزيره الاستلاء (كذا) على الملك وحلق رأس الولد وأرسله لجزيرة الإيرلند في الفلك فمنعته الأمة وقبضته ثم مكنته مع ولده من كلوفيس فقتلهما وانفرد بالملك الأنيس ومات سنة ثلاث وسبعين (9) بعد ما ملك ثماني عشرة من السنين ، وخلّف ثلاثة أولاد بالأكمل ، وهم كلوتير الثالث وشيلديريك الثاني وتياري الأول.
الملك كلوتير الثالث
وثالث عاشرهم ابنه كلوتير الثالث الذي لملك أبيه وارث وحالث ، تولى يوم موت أبيه على الملك بالتمام ، وهو صغير ابن ستة الأعوام (كذا) وتوزّر عليه لإدارة أموره ايركيفولد ومات وتوزّر بعده ايبروين الرند وهو من عقلاء الوزراء والأعيان الكبراء ، فجعل شيلديريك الثاني سلطانا على الاستراز لطلبهم ذلك ومراده وضع الوزراء وإدخالهم في حكم السلطنة للاحتراز ، غير أنه علا قدرهم وطما / (كذا) وانتشر صيتهم وسما ، ومات كلوتير سنة سبع وثمانين (10) بعد ما ملك أربعة عشر سنة بالتبيين.
الملك شيلديريك الثاني
ورابع عاشره أخوه شيلديريك الثاني تولى يوم موت أخيه ذي البياني وهو ابن تسعة عشر سنة ، محررة محقّقة معيّنة. وسببه أن إبيروين الوزير أقعد تياري الأول على الكرسي من تلقاء نفسه ، من غير مشاورة أبناء جنسه ، فأنفت الأمة وغضبت واتفقت على العناد وله طلبت وبايعت شيلديريك المار ، وخرجت بجيوشها لمحاربة الوزير وسلطانه المشهار ، ولمّا رأى الناس ذلك تأخروا عن الفتنة وتمكّنت الأعيان من الوزير وسلطانه فحلقوا رأسيهما وأرسلوهما لبعض
__________________
(9) الموافق 692 م.
(10) الموافق 706 م.

الديور للمكث به للمهنة ، واستخلص الملك هذا الأمير الثاني ، وجعلوا له وزيرين هما فولفولد وليجي السّبلاني ، وكان هذا السلطان شديد البغض وشرّير الأخلاق ، فكرهته الدولة وحلّ بها الاستقلاق ، حيث رأوه سجن وزيره ليجي وربط مع عمود أباديون وهو من الأعيان ، ثم جلده وخلّ سبيله للذل والأهوان فدبّر أبوديون الحيلة إلى أن وجد الفرصة في هذا السلطان فرآه ذات يوم خرج بأهله وولديه للتنزه والمهرجان ، وتركه إلى أن وصل إلى غابة بنواحي شيل فأدركه فورا بأصحابه وقبضه وقتله ولم ينج إلا ابنه الصغير وهو دنيال فنفاه لدير إلى سنة مائة وأربعة وثلاثين (11) لما أراد الله صيرورة الملك له بالتحصيل ومات شيلديريك الثاني سنة تسعين (12) كما حققه أهل المعاني ، بعد ما ملك أربعة أعوام ومن تياري الأول إلى آخر الطبقة الأولى قوي تصرف الوزراء وأدام ، حتى أتبعهم من أمتهم الخاص والعام ، وفاز بطول مدة الوزارة منهم ثلاثة ، وهم بيبان وابنه شارل مرتيل وحفيده بيبان لوبريف إلى أن قصدهم الناس للإغاثة ، وتصرف بيبان ديرستال من عام إحدى وتسعين إلى عام مائة وإحدى وثلاثين (13) وجلس ، على كرسي المملكة في أيام وزارته أربعة ملوك ، وهم تياري الأول وكلوفيس الثالث وشيلديريك الثاني وداكوبير الثاني ذو السلوك.
الملك تييري الأول : THIE ? RRY.I
وخامس عاشرهم أخوه تياري الأول الذي هو عندهم من ملوكهم التي عليها الاتكال والمعوّل. تولى سنة تسعين وهو العام الذي مات فيه أخوه بالتمرين ، فأخرج الوزيرين أليجي وابيروين من السجن ، فأطاعه أبيروين وأذعن وخرج من فوره بالجيوش لحرب النستري إلى أن أثخن فيهم وأخذ الأموال ومن لم يذعن منهم أذاقه العذاب والنكال ، وعصاه أليجي وقدم بجيوشه وهم لاتون للقتال ، ولما رأى كثرة الجيوش سلّم نفسه للوبال ، فتمكّن منه ابيروين وقلع عينيه
__________________
(11) الموافق 751 م.
(12) الموافق 709 م.
(13) الموافق 710 إلى 748 م.

وحلق رأسه وسجنه. وتوزّر لما قوت شوكته على تياري رغما بما عيّنه وتصرف في النستري والبوكوكنيو بما أراد ، وتقبّض على أمير الاسترازي وهو مرطان بالأمان فقتله وأباد وتمادى بجيوشه للاسترازي فاغتاله في طريقه شخص من النستري سنة ثمان وتسعين (14) وتولى مكانه بيرتير فقمع الأعيان ولم يراع لهم حرمة بعد ما كان التوفير ، ولمّا رأوا ذلك فروا من عند بيبان رايس الاستراز ، فجاء الرايس بالجيوش إلى تياري بقصد المقاتلة والبراز ، وتصافّا بمدينة تسترى فانهزم تياري وتمكن منه بيبان وأصحابه حيارى ، واستولى على الملك فقامت عليه الفريسون فقصدهم بجنوده إلى أن أذعنوا وأدوا المطالب والمحصون ، ومات تياري سنة مائة وسبعة (15) مبينة بعد ما ملك سبعة عشر سنة.
الملك كلوفيس الثالث
وسادس عاشرهم كلوفيس الثالث تولى سنة مائة وسبعة وهو ابن عشرة أعوام في الحال الحالث وبقي التصرف بيد الوزير بيبان لقصور هؤلاء الملوك ومكثهم بقصورهم بحيث لا يأتوا لقصر الإمارة إلّا وقت اجتماع الأعيان لتدبير أمورهم ، لتحصل منهم الموافقة على القوانين ، ولا شيء لهم غير هذا بالتبيين ، ولو شاء بيبان الاستقلال بالملك لفعل بالجهارة ، لكنه لم ير الفضل له في ذلك وإنما رآه في الوزارة ، وأيضا توقيرا لنسل ميروفي فإنه كان عندهم من ذوي الفضل المظروفي ، وغزى الألمان مرارا ثلاثا ، وعاقب الفريسون لما امتنعوا من المطلب حلاثا ، ومات كلوفيس الثالث سنة اثنا عشر ومائة (16) بأقوام ، بعد ما ملك خمسة أعوام.
الملك شيلدبير الثاني
وسابع عاشرهم أخوه شيلديبير الثاني تولى يوم موت أخيه كلوفيس ، وهو ابن اثنا عشر سنة بغاية التنفيس ، ولقصوره عن التصرف بقي التصرف لبيبان كمن قبله
__________________
(14) الموافق 716 م.
(15) الموافق 725 م.
(16) الموافق 730 م.

من الملوك كان إلى أن مات سنة ثمانية وعشرين ومائة (17) وافية / ، بعد ما ملك ستة عشر سنة عافية.
الملك داكوبير الثاني
وثامن عاشرهم ابنه داكوبير الثاني تولى يوم موت أبيه وهو ابن أحد عشر عاما ، فقام الوزير بيبان بإدارة الملك كالذين قبله التزاما ، وسار هذا الوزير سيرة حسنة ، وحاز بعقله أمورا مستحسنة ، ومات سنة أربع وثلاثين ومائة (18) معينة بعد توزّره أربعين سنة ، ولم يمت حتى عيّن حفيده للوزارة وهو تيودولد ابن ستة أعوام ، والتصرف لزوجة جدته بليكترود ، باحتكام وقد كانت في بلاد الاستراز ، فقدمت لبريز بجيوشها لتجعل حفيدها في مكان جده بالإبراز فغضب النستري من ذلك وأراد القتال ، فوقع بنواحي كومبيانيو وثمّ كبر النزال فهزمت وريّسوا عليهم رنيفورة وكانت أحواله مشكورة ، ولما نال هذا المقام سمى عليه دنيال سلطانا لنيل المرام ، وسماه شبلبيريك الثاني فجمع من ذكر الجيوش وقصد لمحاربة الاستراز في السرّ والعلاني ، وكان الجيش المبعوث للقتال ، جندي الفريسون والسكسون في الانقال فخلعت الألمانية لذلك الطاعة وأكثرت الفساد والوقاعة ، وكان لبيبان ابن من الزنى شديد البأس والعنى ، يقال له شارل قد سجنه أبوه رضاء لزوجه ، وفرارا من إيقاعه به بلوجه وحين بلغه ذلك هرب من سجنه ، وقصد الاستراز ، ربما الوصول للملك بالقتل والبراز ، وكانت الاسترازى شديدة الشوكة لكن خمدت نارها لما قلّ عزمها وبار جارها ، ولما جاءهم شارل فرحوا واستبشروا ، وريسوه عليهم بعد ما استنفروا ، وراموا العناد والشتات فبلغهم الخبر بأن داكوبير الثاني قد مات سنة مائة وثلاث وثلاثين (19) بعد ما ملك خمسة أعوام بالتعيين ، وخلّف ابنا يقال له تياري الثاني باحتكام فمنعه من المبايعة الخاص والعام وتولى شارل مرتيل الوزارة ، وتصرّف في الملك تصرّف من له الربح في
__________________
(17) الموافق 745 ـ 746 م.
(18) الموافق 751 م.
(19) الموافق 750 م.

التجارة ، من عام أربعة وثلاثين بعد المائة إلى عام ثمانية وخمسين بعد المائة (20) وجلس في وقته على كرسي المملكة ثلاثة سلاطين وهم كلوتير الرابع وشيلبيريك الثاني وتياري الثاني بالتبيين.
الملك كلوتير الرابع
وتاسع / عاشرهم كلوتير الرابع تولى سنة مائة وثلاث وثلاثين في القول الشائع وهو ليس من نسل ميروفي فبادر شارل مرتيل لمحاربة الفريسون والسكسون ، لما حركا للاسترازي كما مرّ وقاتلهما فهزمهما وتوجه للنستري بجيشه الهتون ، فاجتمع به بامبلي وهزمه وفر سلطانه ووزيره فزاد شارل للوطن واعتزمه فالتقى به بفنسا وحاربه بأشد القتال إلى أن أذاقه الغاية من النكال ، وذلك عام أربعة وثلاثين والمائة فضعف النستري وأجاب للطاعة ثم دخل شارل بريزا وبايعه بالوزارة كافة الجماعة ، وتوجه بجنوده لكولونيو قاعدة الاستراز لكون زوجة أبيه وهي بليكيرود بها لنيل الإنجاز ، فسلمت له البلد وما تركه أبوه من الذخائر والأموال رغما عليها خشية من العذاب والنكال ، ولا زال كلوتير الرابع ملكا إلى أن مات سنة أربع وثلاثين بعد المائة وهي السنة المارة بعد ما ملك سبعة عشر شهرا فكانت مدته في النلد القصارة.
الملك شلبيريك الثاني
والموفي لعشرينهم شلبيريك الثاني تولى يوم موت كلوتير الرابع بالتعيين ، ومات سنة المائة والسبع والثلاثين (21) بعد ما ملك أربعة أعوام ، ولا زيادة بعد هذا في الكلام.
__________________
(20) الموافق 751 م.
(21) الموافق 754 ـ 755 م.

الملك تياري الثاني
وحادي عشرينهم تياري الثاني تولى يوم موت شلبيريك وهو ابن خمسة أعوام ، فدبر أحواله وأدار ملكه شارل مرتيل بأقوام وعظمت شوكة شارل في الوزارة ، وعلا صيته في السرّ والجهارة وشرع في تمهيد من خرج عن الطاعة ، ولم يرد الدخول في الصناعة فطرّد السكسون من النواحي الجوفية ، والمسلمين الذين بالأندلس من النواحي القبلية ، لكون الإسلام دخل بر الأندلس سنة اثنين وتسعين من الهجرة (22) في القولة الصحيحة المعتبرة. ثم استولى شارل على أملاك القسيسين ووزّعها على عساكره ، فقوت همّته وعظمت دولته وأطاعته الناس في نواهيه وأوامره ، ثم حارب السكسون وما انضم إليهم من الألمان واليافورة والفريسون وغيرهم إلى أن هزمهم ولم يستخدمهم لكثرة الغيظ وتوعر بلاد السكسون ، وزادت قوته في الارتفاع للسماء ، وانتشر صيته وأمره سما ، خصوصا وقت محاربة المسلمين لما يكابده من الأمور الشاقة / فيظهر قوته بين النصارى والمسلمين لكون المسلمين غزوا سنة مائة وخمس وثلاثين (23) مملكة الفرانسيس فاستولوا منها على الّلنكدوك ونريون (24) وصار لهم فيها التجسيس ثم قدموا سنة سبع وثلاثين من المذكور (25) إلى الأكيتين وحاصروا مدينة تولوز واسم أميرها أودّو فبرز للقتال فهزم بعد الحرب الشديد المبروز ، ولما خرج عن طاعتهم اللنكدوك ، قطعوا البريني ورجعوا لبر الاسبانيين بالشّدوك ، وبقوا هناك إلى سنة اثنين وأربعين والمائة (26) رجعوا واستولوا على ما كان بأيديهم من التراب وأزالوا منه الشرك والارتياب ، وهجموا على الناحية القبلية كثيرة المدن والقرى والحصن والاخصاص والدوفانص ، التي يقال لها البروفانص (27) ونشب أميرها أودو المذكور الحرب فهزمهم ، ودخلوا بر السبنيول بما جزمهم. ثم قدم عبد الرحمان
__________________
(22) الموافق 711 م.
(23) الموافق 752 ـ 753 م.
(24) لعلها ناربون.
(25) الموافق 754 ـ 755 م.
(26) الموافق 759 ـ 760 م.
(27) يقصد البروفانس.

الأول الأموي سنة تسع وأربعين ومائة (28) بجنود لا تحصى ولا تعد ، ولا يطيق لإحصائها بالعد أحد ، وتوجّه لمدينة بوردو الأفرد ، واشتد القتال بينه وبين أميرها أودو فهزم أودو ومات منه خلق كثير فاستولى عبد الرحمان على بوردو ونهب جميع أموالها وغيّر لرونقها وأحوالها ، ودخل المسلمون وطن الاكيتين فأحرقوا الكنائس وسبوا ونهبوا وأسّروا وقتلوا كثيرا بالتبيين ، وتوجهوا لناحية الجوف بقصد الاستلاء (كذا) والتخريب والإجلاء وكان أودو بعد انهزامه ، قدم إلى شارل يقصد استنصاره واحتزامه ، فلبّاه لمطلوبه وجهّز الجيوش لقتال عبد الرحمان وحروبه ، فاجتمع به بين مدينتي بواطي وتور فتقابل الفريقان ، واشتدّ القتال فمات وزير عبد الرحمان ، وكان مديرا لجيشه بغاية ما كان ، وهزمت جيوشه واستولى شارل على محلته ، فألفاها موسوقة بالأموال التي سلبت من الاكيتين برمته ، ومات من المسلمين خلق كثير ، وحاز النصارى المحلة بما فيها من قليل أو كثير ، وبهذه الواقعة لقّب شارك بمرتيل لشدة ضربه في النزال بلا تحويل ، لأن مرتيل بلغتهم المطلقة معناه المطرقة ، ورجع المسلمون للّنكدوك والبورفانص بغير الشك ، لكون سكان تلك العمالتين يميلون للإسلام ويفضلون أهله على الفرنك ، فذهب إليهم شارك مارتيل واستولى على ليون وأفينيون /. وغيرهما من سائر المدون (كذا) وجعل في كل مدينة من قبله حاكما ، ورجع لمحلّه عازما ، فقام أناس الوطنين ، وأدخلوا المسلمين عندهم بلامين ، واطردوا أتباع شارل مرتيل ولما بلغه الخبر رجع يرادف الترحيل إلى أن وصل فاستولى على البروفانص وتمكن من أفنيون بعد الهجوم ، وقتل من بها من المسلمين قتل الحاقد الظلوم ، وتوجه للنكدوك فحاصر نربون ثم جاءته المسلمون بجيوشهم لإعانة إخوانهم وصار القتال في أشد ما يكون وحصلت الدائرة له لكنه لم يستول على نربون وذلك سنة مائة وأربع وخمسين (29) في القول المحرر المبين ، وجال في الوطن المذكور فخرق مدينة نيم المشهورة ، وأرل ، وبيزيا وهدم مدينة ماكولون الموفورة ، ونهب أموالا جسيمة وأسّر أناسا عظيمة ، ورجع مقيدا للأسارى اثنين اثنين ومات تياري
__________________
(28) الموافق 766 ـ 767 م.
(29) الموافق 771 م.

الثاني بغير مين ، سنة أربع وخمسين والمائة المارة الذكر ، بعد ما جلس على الكرسي سبعة عشر سنة بغير النهي والأمر ، وبموته وقعت الفترة من الملوك خمسة أعوام ولم يبق التصرف فيها إلا لشارل منفردا ، ولو شاء الاستلاء (كذا) لفعل لكنه اختار الوزارة وبقي منجردا وطال وصال وهاج وجال وقدم في سنة خمس وخمسين من القرن (30) المذكور لمحاربة السكسون فبادر أمير البورفانص وهو مورونت بجنوده إلى أفينيون واطرد منها عساكر شارل مرتيل فتوجه له شارل واستولى عليها بالتحصيل وتمكّن من أرل ومرسيلية وغيرها عدا نربون وشيئا قليلا من الناحية القبلية ، وأطرد المسلمين من غير المستثنى وأذعنت له الرعية ونال ما تمنى ، وقدم لقصره سنة سبع وخمسين من القرن الثاني للاستراحة (31) وهو فارح بنيل المراد وفاه لسانه بالفصاحة فأتاه كتاب من عند الباب (32) وهو شيخ دين المسيح طالبا منه الإعانة على اللمبار لهجومهم عليه فعزم على إجابته فأحزته منيته بالصحيح وذلك سنة ثمان وخمسين ومائة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، بعد ما تصرف في الملك خمسا وعشرين سنة ، وكان له جملة أولاد منهم اثنان شقيقان ، وهما كارلومان (33) وبيبان فقسم التصرف بينهما بحسب إشارة رؤساء الدولة من أهل العيانة ، والصولة ، فناب الأول الاسترازي والألمان وناب الثاني النستري / والبوروكونيو والبورفانص بالبيان ، وبقي الاكيتين والبافير والفسكونيو والبورطانيو مخالفين ، لكنهم يدفعون شيئا من مطالب السلاطين ، فأهمل كارلومان الملك وترهب ببعض الديور ، واختص بيبان بالملك بتمامه الموفور.
الملك شيلديريك الثالث
وثاني عشرينهم شيلديريك الثالث الذي تولى الملك بالأمر الحالث ، سنة تسع وخمسين من القرن الثاني (34) كما هو المقرر بالتعول ذات المعاني ، وبقي
__________________
(30) الموافق 772 م.
(31) الموافق 774 م.
(32) يقصد البابا في روما رئيس المسيحيين الكاثورليك.
(33) يقصد شارلمان.
(34) الموافق 775 ـ 776 م.

بيبان لويريف بن شارل مرتيل يتصرف بالوزارة نائبا عن السلطان إلى أن ظهر له الاستلاء على الملك ورأى أنه لا يتم له ذلك إلا بموافقة الباب زكرياء فبعث له بعض خواصّه العيان ، وأخبره بما في ضميره فوافقه على ذلك الخطاب ، ولما رجع الرسول كتب الوزير للباب بما نصه : أيها الخليفة أخبرني هل الملك للمتصرف أو للمسمّى سلطانا ولكنه لا يفارق بقصره للباب فأجابه الباب زكريا بأن الملك للمتصرف ، لا للذي في قصره جالس وبه معترف ، فاجتمعت عليه الرؤساء وعقدوا له بيعة السلطان ، وذلك سنة تسع وستين ومائة (35) فصار بيبان هو السلطان فأخذ شيلديريك الثالث وحلق رأسه وبعثه إلى دير فبقي به إلى أن مات سنة إحدى وثمانين من القرن المذكور (36) وبموته تعرضت الطبقة الأولى في المشطور بعد ما ملكت تلك الطبقة ثلاثمائة واثنين وثلاثين سنة. وانتقل الملك للطبقة الثانية مبينة.
الملك بيبان لوبريف : PE ? PIN LE BREF
وثالث عشرينهم بيبان لوبريف الذي هو في ملك له مطلق التصريف تولى سنة تسع وستين كما سبق فأذعنت له الرعية لكونه هو أول الطبقة الثانية في المحقق ، وكان ذا عقل رشيد ، ورأي سديد ، واشتهرت أيامه بالفخر والمجد فجرّ فيها لأذياله ، لما ناله من النجاح في سائر أحواله. ولقب بلوبرف لقصر قامته وشدة قوته ولامته ، وغزى اللمبار لما تعدّا على أرض الباب فحاصره بمدينة يافا وكرّر عليه القتال أضعافا فأضعافا ، إلى أن استلبه من خزائن الأموال ، ونزع منه جميع الأراضي فأعطاها هدية للباب وأعطى الأمان لاستولف ملك اللمبار الجوال ، ورحل راجعا لمحله سنة اثنين وسبعين ومائة في صحيح الأقوال (37) ثم رجع اللمبار لرومية وحاصرها ، وضيّق عليها وقاهرها ، فاستنصره الباب أيضا فنصره ، / وقدم بالجنود للمبار وقهره ، وألزمه برد ما أخذ فامتثل لأمره ، وأذعن بعد القسم
__________________
(35) الموافق 785 ـ 786 م.
(36) الموافق 797 ـ 798 م.
(37) الموافق 788 ـ 789 م.

أنه لا يرجع لرومية ورحل من فوره ، والتزم بدفع المغارم ، وآل على نفسه أن لا يعود للظلم ولا يكون هو الظالم ، وارتحل بيبان راجعا لوطنه صائلا صولا عتيدا ثم ذهب للسكسون وقاتلهم قتالا شديدا ، إلى أن أذعنوا له بالطاعة الكلية ، فارتحل عنهم وتوجه للجهة القبلية. لمحاربة المسلمين فحاصر نربون التي هي قاعدة المسلمين بافرانسا واستولى عليها بما يكون وذلك سنة ست وسبعين ومائة (38) بعد القتال الشديد وخلصت اللنكدوك له بالمريد ثم زحف لقتال الاكيتين وطال الحرب بينه وبينهم ثمانية من السنين إلى أن أذعنوا له بعد موت أميرهم مع أكثر الأعيان. وكان لبيبان ولدان وهما شارلمانيو وكارلمان ولما خشي الموت جمع الرؤساء وقسم الملك عليهما ، وحقق الأمر إليهما وكانت له قوة شديدة وعناية مديدة ، حتى أنه لما اجتمع مع قومه ينظرون المبارزة بين الثور والأسد ، وقد اشتدّ الكفاح بينهما قال لقومه أيكم يحجز بينهما فلم يجاوبه أحد ، فنهض فورا ودخل الميدان بينهما وطعن الثور فقتله ، والتفت للأسد فضربه بسيفه وقطع رأسه وبالموت أعجله ، ثم التفت لقومه وقال لهم هل أصلح أن أكون عليكم سلطانا أم لا فاستعجبوا من قوته وقالوا له أهلا أهلا ، ومات سنة خمس وثمانين ومائة (39) بعد ما ملك سبعة عشر من الأعوام ، والبقاء لله المالك العلّام.
الملك شارلمانيو : CHARLEMAGNE
ورابع عشرينهم ابنه شارلمانيو تولى يوم موت أبيه بارتباط ، ثم وقع بينه وبين أخيه تنافر فانصرف عنه أخوه ومات باحتياط ، فاشتغل شارلمانيو بإقامة المصالح ، وجلب المنافع للأمة ودفع المقابح ، ثم خرج للاكيتين لما خلعوا الطاعة سنة ست وثمانين من المار بالاستطاعة وهم بأثقل ما يكون بالسلاح ، فهزمهم واستولى على جميع ما بأيديهم (كذا) سيما الرماح وبنا (كذا) بأرضهم وعمر ما بناه بالعساكر ثم رحل عنهم وتوجه للسكسون فبلغ أرضهم واستقبله
__________________
(38) الموافق 792 ـ 793 م.
(39) الموافق 801 ـ 802 م.

العدوّ بالعساكر ، وحصل بينه وبينهم الحرب الذي شاب له رأس الغراب ، ومهمى حلّ بموضع عمّره بالبناء بلا ارتياب ودام الحرب ثلاثا وثلاثين سنة إلى أن أذعنوا وتنصروا متعينة ، ولقوة هذا / الملك شارلمانيو ونجدته ، استنصر به غيره وطلب لنجدته ففي سنة مائة وتسعين (40) استنصر به الباب على اللمبار ، فنصره بجنوده إلى أن سلب ما لهم ورأوا ما حلّ بهم منه من الأدمار ، ونقضوا العهد ورجع لهم سنة ثلاث وتسعين من المذكور ، فأذاقهم النكال وجعل الحكام عليهم من طائفته فلم يقع منهم بعد ذلك النفور ، وجعل أحد أولاده سلطانا على الطليان ، وقدم إليه في سنة أربع وتسعين من المار بالبيان (41) بعض أمراء المسلمين من الأندلس للاستنصار به على الحاكم الأموي حفيد عبد الرحمان لما ترك اسم آل العباس من الخطبة بالقبول ، واستقل بالأمر بوطن السبنيول فأجابهم لمطلوبهم وجهز محلتين كبيرتين وحرك على جهتين وجدّ السير إلى أن ضرب محلته تحت ساركوس (42) واجتمعت جيوشه فحاصر تلك المدينة إلى أن استخدمها مع غيرها وعلت كلمته فيها بضرب الناقوس ، ورحل في السنة التي بعدها راجعا لمملكته ، فاتّفق القسكون مع المسلمين على محاربته مع قوته ، وقصدوا الجبل البريني وكمنوا به بشعب شديد الوعر ، كثير الغيظ والأخاديد والحجر ، إلى أن جاوز الشعب نصف الجيش ، وهجموا على المتأخرين ووقع القتل فيهم بتمامهم وكثر الطيش ، فلقد مات في هذه الواقعة أكثر الأبطال ، منهم قريب الملك شارلمانيو وهو رولون واشتد الكرب والوبال ، فهجم عليهم وكثر القتال إلى أن هزمهم ، وتمكن من أمير القسكون فقتله ، وبالغرائم لزمهم وجعل الاكيتين والقسكون واللنكدوك مملكة وحدها. وسلطن عليهم ابنه القاصر عن التصرف وهو لونرو عن افرانسا أفردها ففرحوا بذلك ونزلت العافية وكثرت التجارة ، والتمدن الكثير وذهبت الخسارة ، وحرك للتورنج لما خلعوا طاعته في المشهور ، سنة ثلاث ومائتين بالمذكور (43) فحاربهم وظفر بأميرهم فقلع عينيه ،
__________________
(40) الموافق 806 م.
(41) الموافق 809 ـ 810 م.
(42) يقصد مدينة سرقسطة.
(43) الموافق 818 ـ 819 م.

وصيّر رعيته من دويه ، وفي التي بعدها حرك للبروتون لما امتنعوا من أداء الضريبة ، وطال الحرب بينه وبينهم إلى أن أطاعوه وصاروا له من جملة الرعية ، وخرج في سنة خمس من القرن الثالث (44) في ثلاث محال للبافورة والهنش فأطاعه أمير البافورة ومكنه للتوثق من أولاده ، وأنشأ الحرب مع الهنش إلى أن هزمهم ونال / لمراده ، وحصل القتال بينه وبين المسلمين مدة ثمان سنين ، وقد جال المسلمون في اللنكدوك ورحلوا منه مختارين ، سنة مائتين وعشرة شهيرة (45) وبأيديهم أسارى كثيرة فقام الأكيتون على المسلمين بعد ذلك وحاصروا نربون إلى أن استولوا عليها ، وانجلا (كذا) المسلمون منها ولم يرجعوا إليها ، ثم حصل الصلح بين المسلمين والفرانسيس وتصرّف كل فيما بيده من الأراضي بالتمدّن والتأسيس ، وقد غزى شارلمانيو ثلاثا وخمسين غزوة ، وكلها مشهورة عندهم ومعزوة ، وحصلت المراسلات والهدايا بينه وبين الخليفة العباسي ببغداد هارون الرشيد ، فأتحفه الرشيد بهدية فيها المقانة لمعرفة الأوقات وكانت إذ ذاك بافرانسا مجهولة التقييد ، وهذا القول يخالفه ما في الخبر المعرب بغير حميّة ، من أنّ أول من اخترع المقانة ليعرف بها الأوقات أبو القاسم عباس بن قرناس (46) البربري الفلسوفي المنجم حكيم الأندلس مولى بني أميّة ، وتوفي كما في الدياربكري ، سنة أربع وسبعين ومائتين في القول المحرى (47). ومات شارلومانيو في الرابع والعشرين من ينيّر (كذا) سنة إحدى وثلاثين ومائتين (48) بعد ما ملك ستا وأربعين عاما ، ولا تجد لغير الله تعالى (كذا) بقاء ولا دواما.
__________________
(44) الموافق 820 ـ 821 م.
(45) الموافق 825 ـ 826 م.
(46) لعله فرناس بالفاء.
(47) الموافق 887 ـ 888 م.
(48) الموافق 845 ـ 846 ، وقد أرخ بالشهر الفرنجي يناير للسنة الهجرية ويوافق ذلك شهر ربيع الثاني.

الملك لويس الأول : LOUIS.I
وخامس عشرينهم ابنه لويز الأول تولى يوم موت أبيه في القول الذي عليه المعوّل ، وقسم ملكه بين أولاده سنة أربع وثلاثين ومائتين (49) بالاعتبار ، وفي التي بعدها قام عليه ابن أخيه بريزنار فظفر به وقلع عينيه وبقي كذلك إلى أن مات بعد ثلاثة أيام ، وسجن زوجته سنة سبع وأربعين ومائتين باحتكام ، ثم قام عليه أولاده في عام تسع وأربعين من المذكور وخلعوه من الملك وهو في حالة المغلوب المقهور المحبور ، ومات في عشرين ينيه سنة سبع وخمسين ومائتين (50) بسبب ما أحاط به من أولاده من الهم وقد رأى منهم كل محنة بعد ما ملك ستا وعشرين سنة.
الملك شارل الأول الأصلع
وسادس عشرينهم ابنه شارل الأول ولقبه الأصلع ، تولى الملك يوم موت أبيه في الأصلح واختصّ بافرانسا عن أخويه ، وعظم أمر أجوادهم في وقته إلى أن خرجوا عن الطاعة وانفرد كل بما لديه وتميزوا فيما بينهم بالألقاب الدالة على الرفعة ، وهي مراتب بحسب الأعلا والأوسط والوضعية ، ومات مسموما من بعض أطبّائه سنة أربع وتسعين ومائتين (51) بيّنة / بعد ما ملك سبعا وثلاثين سنة.
الملك لويس الثاني
وسابع عشرينهم ابنه لويز الثاني الملقب لوبيك ومعناه الألكن بلا تشريك ، تولى يوم موت أبيه بالتحريك. فهو أول من سمّي بسلطان الفرانسيس ، وعليه فسلاطينهم على الحقيقة ست وأربعون بالتجريس ، وقامت عليه النورماندي
__________________
(49) الموافق 848 ـ 849 م.
(50) سنة 257 ه‍ يقابلها 870 م. وشهر يونيو من هذه السنة يقابلها شهر رجب وشعبان من تلك السنة الهجرية.
(51) الموافق 907 ـ 909 م.

والأكيتين بالجيوش ، التي مع عدتها كأنها العهن المنفوش فتوجه لقتالهم ومات بمدينة طروة سنة ست وتسعين ومائتين بعد ما ملك عامين (52).
الملك لويس الثالث
وثامن عشرينهم ابنه لويز الثالث وكارلومان وتوليا يوم موت أبيهما بالبيان فناب للأول النورمان وهي الجهة الجوفية وناب للثاني البورفانص وهي الجهة القبلية ، وحصل الحرب بينهما وبين أميري البورفانص والنورمان مدة من عامين إلى أن انهزم النورمان ومات منهم نحو التسعة آلاف مقاتل ، وتوفي لويز الثالث في تلك المراحل سنة تسع وتسعين من الثالث (53) وسببه أنه سقط من فوق فرسه فمات وسير به فورا إلى رمسه ، وحاز أخوه كارلومان الملك بأجمعه وهو في ضعف من المال وجمعه ، ومات سنة واحد من القرن الرابع بعد ما ملك خمسة أعوام ، وسببه أن بعض خواصه ضرب خنزيرا فحصل له من ذلك ما مات به من الأسقام.
الملك شارل لوقران الأكبر
وتاسع عشرينهم شارلوقر بن الألكن ، ومعنى لوقر الضخيم الأبدن ، تولى سنة واحد من الرابع (54) فقام عليه النورمان في السنة الثانية ، من توليته ، وأفسدوا افرانسا شديدا بكليته واشتد الحرب بينه وبينهم عامين ، ووقع الحصار للناس بغير مين ، ودفع لهم الأموال للرحلة وسلّم في وطن البورفونية وهو في وجلة ، فخلعته الأمة سنة أربعة من الرابع ومات بعد خلعه في الخامس من الرابع.
__________________
(52) الموافق 908 ـ 909 م.
(53) الموافق 911 ـ 912 م.
(54) الموافق 913 ـ 914 م.

الملك أودو : OTTON
وثلاثينهم أودو تولى سنة خمس من القرن الرابع (55) بلا نقد وكان ذا شجاعة عجيبة وأخبار غريبة ، ومات سنة خمسة عشر من الرابع مسطورة ، بعد ما ملك عشرة أعوام مشهورة ، ومن وقائعه أنه أنشأ الحرب مع النورمان وقاتلهم بمدينة مونفوكون فقتل منهم تسعة عشر / ألف مقاتل وهزمهم وأذعن للطاعة وبذل الأموال بغاية ما يكون ، ونشأ (كذا) الحرب مع الجهة القبلية لما خلعت الطاعة. فبينما هو في قتالهم إذا بالجهة الجوفية بايعت شارل الثالث في الحين والساعة ، فقدم إليهم وحاربهم ، وفاتنهم وضاربهم ، ثم حصل الصلح بينه وبين شارل على تسليم الجهة الجوفية ، ويريح الأمة من المحاربة القاوية ، ومات سنة خمسة عشر من الرابع المذكور بعد ما ملك عشرة أعوام في المسطور.
الملك شارل الثالث البسيط
وحادي ثلاثينهم شارل الثالث الملقب لوسينبل ومعناه الغشيم ، تولى سنة خمسة عشر وثلاثمائة بالتقويم (56) وسجن سنة أربعين من الرابع بإثبات وبقي في السجن سبعة أعوام ومات. ومن وقائعه الدالة له على الثبات أن النورماندي المسمة (كذا) في السابق بالتستري لما استقرت بافرانسا وكان اسم ملكهم رولون ، وظهر منها العبث والفساد ورأى ذلك تزوج بابنت ملكها ليحصل الهناء بغاية ما يكون ، وصيّره أميرا على جهته فكان الأمر كذلك برمته ، وعلّق سوارا ذهبا بشجرة ليختبر رعيته في الأمان والطاعة ، فبقي السوار بمحله عامين من غير أخذ ولا ضياعة وغضبت عليه الأمة فخلعت ما له من الطاعة وبايعوا روبير سلطانا ستة تسع وثلاثين وثلاثمائة (57) فخرج له وقاتله إلى أن قتله وضاع دمه هدرا بما حمله ، فجاء ابنه هوق لأخذ ثأر أبيه ، وتقاتل مع شارل إلى أن ظفر به فسجنه في السنة التي تقدم عليها التنبيه ، وخلف شارل ابنا قاصر التمييز ، فهربت به أمه إلى برّ الانقليز ، إلى أن بويع كما سيأتي عليه الكلام في غاية ما به المرام.
__________________
(55) الموافق 917 ـ 918 م.
(56) الموافق 927 ـ 928 م.
(57) الموافق 950 ـ 951 م.

الملك راؤل : RAOUL
وثاني ثلاثينهم راول تولى في شهر جليت سنة أربعين وثلاثمائة (58) ومات سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة بعد ما ملك ثلاثة عشر عاما ، وكان له الموت ملتزما إلزاما ، ومن أموره أنه وهب لأعيان الدولة الأوطان ، حتى لم يبق بيده إلّا لان ، وأقبلت النورمان من الدير لافرانسا بعضها فوق بعض يموج ، فقاتلهم شديدا ، وأذاقهم الوبال بنواحي ليموج وخرجت الجهة القبلية عن الطاعة / فلم يجد لها للنهوض الاستطاعة.
الملك لويس الرابع
وثالث ثلاثينهم لويز الرابع تولى على الصحيح سنة أربعين وثلاثمائة بالتصريح (59) وكان الذي بايعه هوق لوفران ولو شاء الاستقلال لفعل ما كان. وكان في عمره وقت المبايعة ستة عشر سنة بالمشايعة ، ومات بمدينة برانس ساقطا عن فرسه سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة مبينة (60) بعد ما ملك ثمانية عشر سنة. ومن أخباره أنه بادر لمحاربة الخارج عن الطاعة ، فبقي ولم ترج له البضاعة ولو لا الباب نهى الخارج لزلت قدم لويز ولنزع من الكرسي وبقي في الحيز واستولى سنة ثمان وأربعين من المذكور على النورماندي ، ثم سجنه هوق إلى أن ترك له وطن لان وصار عليه متمادى.
الملك لوثر : LOTHAIRE
ورابع ثلاثينهم لوتير تولى سنة إحدى وسبعين من الرابع (61) المذكور ومات مسموما من زوجته سنة سنة (كذا) ثلاث وأربعمائة بعد ما ملك اثنين وثلاثين سنة في المشهور (62). وفي وقته مات الوزير هوق وخلّف ولدين أحدهما كابي والآتي
__________________
(58) الموافق 951 م. وهو ما يوافق شهر صفر بالنسبة لشهر جوليت.
(59) الموافق 950 ـ 951 م. وهذا التاريخ يتعارض مع تاريخ تولى سلفه.
(60) الموافق 981 ـ 982 م.
(61) الموافق 981 ـ 982 م.
(62) الموافق 1012 ـ 1013 م.

الذكر بحقوق ومن خبر هذا السلطان أنه استولى على وطن أوطون الثاني ملك الألمان ، سنة خمس وتسعين من المتقدم البيان وبطل في وقته قسمة الملك بين الأخوة ، وجعل قانونا بأن الكبير من الأولاد هو الذي يختص به من بين الأخوة.
الملك لويس الخامس
وخامس ثلاثينهم لويز الخامس ، تولى سنة أربعمائة وثلاث بالخامس وهو ابن تسعة عشر عاما إلزاما ولم يجلس على الكرسي إلّا عاما ، ومات كأبيه مسموما ، ولم يخلف عقبا معلوما وذلك سنة أربع من الخامس المذكور ، وبه انقرضت الطبقة الثانية بعد ما ملكت مائتين وست وثلاثين سنة في المسطور. وانتقل الملك للطبقة الثالثة ذات الستة الفروع ، التي هي المرامة الآن بالشروع.
الملك هيو كابي الأول : HUGUES CAPET.I
وسادس ثلاثينهم هوق كابي أول الفروع ، تولى سنة أربع وأربعمائة بالشيوع (63) ومات ببريز سنة ثلاثة عشر من المذكور ، بعد ما ملك تسعة أعوام في المشهور. ومن / خبره أنه سجن شارل أمير اللورين لمّا تعرّض لمحاربته ، وأجلب الأعيان لمبايعته وردّ عدة من الديور لجلب القسيسين واشتدت شوكة الأجواد عليه إلى أن وقعت منهم الوقاحة بدليل أنه لمّا كتب لأمير الأكيتين وقال له أعرف من جعلك أميرا فقال وأنت من جعلك سلطانا فتناسبك الفلاحة وكان من أهل المودة العجيبة للرعية ، والمشاورة لهم في الأمور النافعة لهم وله المرضية.
الملك روبير الثاني : ROBERT
وسابع ثلاثينهم ابنه روبير الذي له مزية تولى سنة إحدى عشر وأربعمائة (64) وتوفي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ومن خبره أنه تزوج امرأة من أقاربه المخالف تزويجها للقوانين فغضب عليه الباب ومنعه من موجبات الدين ، وبقي على ذلك
__________________
(63) الموافق 1013 ـ 1014 م.
(64) الموافق 1020 ـ 1021 م.

ثلاث سنين ، ثم طلقها وتزوج بابنت أرل التي تسمى كونسطانس فلم توافقه في الطبيعة ولم تجانس فحصل له معها الطيش ، ونقصت له لذة الحيوة وطيب العيش ، ونشأ الحرب مع البورفونية بقصد إدخالهم تحت حكم الجماعة ، فدام الحرب بينهما اثنا عشر سنة ثم أذعنوا للطاعة ، ولسيرته الحسنة مع الرعية استوجب المدح ولرفقه بالضعفاء ومودته للمساكين أطردت عنه القدح وكان قانعا بملكه لا يحب الزيادة عليه وعفا عن من تجاسر على قتله من الأشرار وكان الحلم منه وإليه. وهو عندهم في دينهم أعلم زمانه وأوحد فصاحة لأوانه ، فقد أنشد جملة من القصائد هي عندهم كالعرائس ، ولا زالت تذكر عندهم وتقرأ في الكنائس.
الملك هنري الأول : HENRI.I
وثامن ثلاثينهم ابنه أنري الأول تولى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة بالأكمل (65) وهو ابن ست وعشرين سنة في المشهور ، ومات سنة سبع وخمسين من القرن المذكور بعد ما ملك تسعة أعوام في المسطور. ومن خبره أن زوجة أبيه كونسطانس أرادت أن تجلس ابنها روبير على كرسي المملكة وتجعله هو الموافق المجانس فحاربها مع إبنها إلى أن صار له من جملة الرعية ، ثم خصص أخاه بالبورفونية وتزوج آن ابنة / سلطان الموسكوا ووقع الخلل فجعل رؤساء الدين قانونا ينهى عن الفساد سمّوه بزعمهم مهادنة الرب فنوسكوا ، وجعلوا لعبا شبه الحروب والقتال وما فيه من المكافحة والنزل ، وزالت العداوة والمنافسة بين الأجواد ، بسبب الاجتماع لذلك اللعب وراجت السّلع وكثرت التجارة وفرح العباد وافتتح النورمان برّ الطليان ، فكان ذلك سببا لتأسيس الصقلية والنابوليطان.
الملك فيليب الأول وأحداث الحروب الصليبية
وتاسع ثلاثينهم ابنه فليب الأول الذي كان لهم عليه الاعتماد والمعول ، تولى سنة سبع وخمسين من القرن الخامس (66) وقد عاهد له أبوه بالسلطنة في
__________________
(65) الموافق 1056 ـ 1057 م.
(66) الموافق 1065 م.

حياته وهو ابن ثمان سنين بالخامس ، وأناب عنه أمير الفلاندرين بودوان ومات سنة خمس وعشرين من السادس بالبيان (67). ومن خبره أنه لما طالت مدّته حدث بها حوادث عظام. بقي ذكرها على مرور الليالي والأيام فقاتل قيليوم ثم اصطلح معه ثم تجدد الحرب بين الفريقين يروم كل منهما لصاحبه أن يقمعه فجاء قيليوم حاركا ، ولقتاله عازما لا تاركا ، وحلّ بمدينة مانط ، فحرقها ، واحتطبها وخرقها ، وذلك سنة أربع من القرن السادس بالعيان ، وزاد لباريز فمرض بقربها وتوجّه إلى روان ، وبها مات في صحيح البيان ، وكان المسلمون استولوا في القرن العاشر المسيحي ، وقاعدته القدس المطهر من القبيحي وانتشر الإسلام ، وظهر دين الله تعالى على يد سيد الأنام ، ثم أصحابه من بعده وأمته وهلمّ جرّا إلى يوم القيامة ، فرأى قسيس يقال له بيّار أحكام المسلمين ، فتخيّل له في عقله لمخالفتها لقوانين النصارى أنها ظلم وجور بالتبيين فامتلأ قلبه غيضا وغضبا ، وكثر همه ونوى لهم عطبا ، فعاهد نفسه أن يخبر الدول النصرانية بذلك ، ونام ليلة فرأى بزعمه أن عيسى بن مريم عليه‌السلام أمره أن يبادر بذلك ، ولم يدر أن ذلك من أضغاث الأحلام ومعاذ الله أن يأمره بذلك نبي الله عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وإنما ذلك من عمل الشيطان الملعون ما دام الزمان ، فرحل فورا ولمّا وصل / أخبر أجناس النصارى جنسا بعد جنس ، وعيّن لهم الاجتماع باصطنبول وقال لهم هي ذات الخنس ، وكان ذلك سنة تسعين من القرن الخامس (68) فعبروا خليج قسنطنطينية وهم في أشد المحامس ، ووصلوا إلى خليج أرسلان بن سليمان بن قطلمش وهي قونيّة وغيرها بالتدليج وجرى الحرب بينهم وبين قليح أرسلان. فانهزم قليح ثم ساروا إلى ليون الأرمني بغاية الظهور وخرجوا لأنطاكية فحاصروها تسعة من الشهور (69) ، وظهر لباغي سيان في ذلك شجاعة عظيمة ، ثم هجموا أنطاكية ودخلوا عنوة وقوتهم جسيمة ، وكان بها ثلاثمائة وخمسون كنيسة ، وأكثر أهلها نصارى لهم حالة دنيسة ، وخرج أميرها باغي سيان باليل (كذا) هاربا مرعوبا ، وخائفا مدحوضا في نفسه مطلوبا ، فلما أصبح ورجع وعيه أخذ يتلهّف
__________________
(67) الموافق 1131 م.
(68) الموافق 1097 م.
(69) يشير بذلك إلى الحملة الصليبية الأولى على المشرق الإسلامي.

على أهله وأولاده والمسلمين فلشدّة ما لحقه سقط مغشيا عليه في الحين ، فأراد من معه أن يركبه فلم يكن فيه من المسكة ما يثبت به على الفرس ، فتركوه مرميا وأبدل سعده بالمنتحس ، واجتاز به إنسان أرمني كان يقطع الخشب وهو بآخر رمق فقطع رأسه وحمله للفرنج ففاز به وبالظفر سبق ، وملكوها في جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وأربعمائة (70) بالتحقيق ، ووضعوا السيف في المسلمين الذين بها وسلبوا أموالهم بتمامها في القول الحقيق. ثم بعد ثلاثة أيام من الواقعة ، قدم أمراء الموصل وحلب ودمشق ومعهم ثمانية وعشرون أميرا بالواقعة ، وجيشهم فيه ثلاثمائة ألف مقاتل وحاصروا انطاكية وقطعوا منها وعنها المراحل ، وصارت النصارى في الضيق العظيم من قلّة الزاد ، ولما أراد الله بالمسلمين بأمر فيه النفاذ ، صار حاكم الموصل كربوع يتكبّر على الجيوش والأمراء ، ويستهين بالقواد والوزراء ، فخبثت نية الناس عليه ، ونووا جر المكر إليه ، ولما ضاق الأمر بالفرنج ثبّتوا نفوسهم ، وألقوا للقتال رؤوسهم ، وخرج منهم نحو المائة ألف مقاتل فانهزم المسلمون ، وكثر القتل فيهم للذاهب والقابل ، ونهبت الفرنج خيامهم ، وتقوّوا بالأقوات التي أخذوها والسلاح / فلم يقف أحد أمامهم ، ثم تقدم الفرنج للمعرة فاستولوا عليها ووضعوا السيف في أهلها فقتلوا فيها بالتحرير ، ما يزيد على ألف إنسان وسبوا السبي الكثير ، وأقاموا بها أربعين يوما. ومنها مختارين ارتحلوا وساروا إلى حمص ولمّا لها وصلوا صالحهم أهلها واستراحوا ستة أشهر وفيها أصابهم وحلها من القحط والسقم العسير ، إلى أن مات منهم به الخلق الكثير. ثم جهّز أمراؤهم جيشا فيه نحو الأربعين ألف مقاتل وقصدوا للقدس فحاصروها نيفا وأربعين يوما بحصر هائل ، وقيل حصروها سبعا وثلاثين يوما ، ثم اقتحموها واستولوا عليها حوما ، وذلك يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة اثنين وتسعين وأربعمائة بالبيان (71) وبقوا يقتلون في المسلمين أسبوعا فرادى وأزواجا يوعا ، حتى قتلوا في المسجد الأقصا ما يزيد على سبعين ألف نفس بالتعريف ، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن جاور في ذلك الموضع الشريف ، وغنموا لما لا يقع
__________________
(70) الموافق أبريل وماي 1098 م.
(71) الموافق 14 جويلية 1099 م.

عليه الإحصاء ، ولا يضبطه الحصر والاستقصاء ووصل المستنفرون إلى بغداد في رمضان فاشتكوا واجتمع أهل بغداد في الجوامع واستغاثوا وبكوا إلى أن أفطروا من عظم ما جرى لهم بالاجتهاد ووقع الخلف بين السلاطين السلجوقية فلذلك تمكن الفرنج من البلاد ، وقال في ذلك المظفر الأبيوردي أبياتا من الطويل منها هذه الأبيات بالتحصيل :
مزجنا دماء بالدموع السّواجم
 

فلم يبق منّا عرصة للمراجم
 
وشر سلاح المرء دمع يفيضه
 

إذا الحرب شبّت نارها بالصوارم
 
وكيف تنام العين ملء جفونها
 

على هفوات أيقظت كل نائم
 
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم
 

ظهور المذاكي أو بطون القعاشم
 
يسومهم الروم الهوان وأنتم
 

تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
 
وكم من دماء قد أبيحت ومن دمي
 

تواري حياء حسنها بالمعاصم
 
أترضى صناديد الأعاريب بالأذى
 

وتقضي على ذل كماة الأعاجم
 
/ فليتهم إذ لم يذودوا حيّة
 

عن الدين ظنوا غيرة بالمحارم
 
ومات من النصارى ما بين حتف ومعركة نحو الخمسمائة ألف ، ثم تركوا بالقدس أميرا يقال له قود فرد بويون ومعه خمسمائة من أجوادهم باتباعهم بالكلف ، ورجعوا لبلادهم عازمين ، وبتمهيد أوطانهم جازمين ، وملكوا القدس تسعين سنة وحصل التخالف بين أجوادهم فذلك سبب خروجهم من المشرق وهلاكهم بأحفادهم ، وفي مدة إقامتهم بالمشرق كان لهم التسلط العظيم على المسلمين ، وغزوهم لهم في كل الوقت والحين. فغزوا في سنة أربع وتسعين وأربعمائة (72) أرسوف ، بساحل عكّا وقيسارية وملكوها ، وفي التي بعدها سار صنجيل الفرنجي بجمع قليل وحصر ابن عمار بطرابلس الشرق إلى أن صالحه بمال أخذه وسار يهوم هيوما ، فحط كلكله على أهل انطرطوش إلى أن فتحها ، وقتل من بها من المسلمين وربحها ثم صار الأكراد فحصر (كذا) حصنه فأتاه جناح الدولة صاحب حمص بجيوشه فوثب عليه باطني وهو بالجامع فقتله فارتحل صنجيل وسار إلى حمص فنازلها وملك أعمالها وأحلّ بأهله وبله ، ثم أغاروا في
__________________
(72) الموافق 1100 ـ 1101 م.

سنة سبع وتسعين (73) من الخامس المذكور على قلعة جعبر والرقة واستاقوا مواشيهما وأسروا من وجدوه بالعلانية لا بالسرقة. ثم سار صنجيل لما وصله مدد الفرنج من البحر إلى طرابلس الشرق ، في تلك السنة باليقين والحق ، فحاصرها برا وبحرا ، ولما لم يجد لها مطمعا رحل عنها فورا ، وعاد إلى جبلة من أرض الشام بالعيان ، فحاصرها وتسلمها بالأمان ، ثم سار إلى عكّا ووصله مدد من بيت القدس الأطهر ، وحصروا (كذا) عكّا في البر والبحر ، وجرى بينهم وبين أميرها بنازهر الدولة الجيوشي قتال طويل الفضيعة ، فملكوها بالسيف وفعلوا بأهلها الأفعال الشنيعة ، وهرب ملكها ثم قصدوا حران ، فاتفق ملك الموصل مع سقمان ومعه التركمان ، وقصدوا للفرنج فاجتمعا على الخابور ، والتقا (كذا) الجمعان على نهر البليخ ، فكانت الدائرة على الفرنج وقتل منهم خلق كثير / وأسّر ملكهم القومص الفليخ؟ وفي السنة التي بعدها استولى على ارتاح ثم في سنة تسع وتسعين من الخامس (74) ساروا إلى قامية لنيل ارتياح فحصروها (كذا) وملكوا البلد والقلعة وقتلوا قاضيها المتغلب عليها وبقوا في انشراح ، ثم سار صنجيل إلى طرابلس الشرق فحصرها (كذا) وبنا (كذا) بالقرب منها حصنا وقهرها وبنا (كذا) تحته ربضا وهو المعروف بحصن صنجيل ، فخرج إليه أبو علي ابن عمار صاحب طرابلس بجيش حفيل ، فأحرق الربض ووقف صنجيل على بعض سقفه المحرقة فانخسف به فمرض من ذلك وبقي عشرة أيام ومات في القلقلة وحمل إلى القدس فدفن فيه ودام الحرب بين الطرابلسيين والفرنج خمسة أعوام وظهر في الحرب من صاحبها ما يعنيه ، ثم ساروا ثالثا إلى طرابلس الشرق وحلوا بها في أول رمضان سنة ثلاثة من القرن السادس (75) فحاصروها في البر والبحر وضايقوها ، وشددوا عليها وخانقوها فأرسل إليها نواب خليفة مصر العلوي اسطولا ، فرده الهواء ولم يقدر على الوصول إليها ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، فملكوها بالسيف وقتلوا ونهبوا وأسروا وسلبوا وذلك في حادي عشر ذي الحجة
__________________
(73) الموافق 1103 ـ 1104 م.
(74) الموافق 1105 ـ 1106 م.
(75) الموافق 24 مارس 1110 م.

من السنة المذكورة (76) وقد طلب بعض أهلها قبل استلائهم (كذا) عليها الأمان ، وخرجوا منها إلى دمشق فنجاهم الله مما كان. وفي التي بعدها ملكوا صيدا في ربيع الآخر بالأمان (77) ثم ساروا ومعهم صاحب أنطاكية إلى الأرثاب لقربها من حلب فحصروه (كذا) ودام القتال ثم ملكوه عنوة بعد ما قهروه وقتلوا من أهله ألفي رجل وأسروا الباقين ثم ساروا إلى ـ ذردنا ـ فملكوها عنوة وجرى لهم كأهل الأرثاب باليقين ، ثم ساروا إلى منيح وبالس ، فألفوهما خاليين من أهلهما فعادوا عنها بلا مخالس ، وصالحهم رضوان صاحب حلب على اثنين وثلاثين ألف دينار مع خيول وثياب ، ودخل الخوف والرعب قلوب أهل الشام منهم وصاروا في هم وكراب ، فشرعوا في الصلح ببذل الأموال خشية من النكال والوبال. فصالحهم أهل مدينة صور على سبعة آلاف دينار وصاحب شيرز على أربعة آلاف ، وصاحب حماه على ألفي دينار ، وزادوا في هذه السنة وقيل في سنة إحدى عشر للديار المصرية ، وكبيرهم بردويل فانتهوا إلى الفرما فدخلوها بالقهرية ، وأحرقوها ومساجدها وجوامعها ، وأفسدوا محاسنها ومصانعها ، ورجعوا إلى الشام ، وكبيرهم بردويل مريض بالحريش فهلك في الطريق قبل وصولهم إلى العريش ، فشق أصحابه جوفه ورموا هنالك حشوته ، فهي تعلّم للآن بالحجر فورته ، وزادوا بجثته فدفنوها بقمامة ، وهو صاحب القدس وعكّا ويافا وغيرهم من المدن المرامة.
ثم هجموا على ربض حماة ولم يتمكنوا منها ، لكنهم قتلوا من أهلها ما يزيد على مائة رجل ، ثم عادوا عنها ، وذلك سنة إحدى عشر من القرن السادس الشهير (78) ثم زادوا سنة ثلاثة عشر من ذلك القرن ، بالتحرير (79) إلى ربض حلب فلقيهم ايلغازي بن أرتق الأمير واشتد القتال بينه وبينهم فدارت عليهم الدائرة حال التدوير فهزمهم وقتل وأسّر منهم كثيرا وكان في القتلى سرجال صاحب أنطاكية شهيرا ، وكانت الواقعة في منتصف ربيع الأول من تلك السنة (80) وزاد
__________________
(76) الموافق 1 جويلية 1110 م.
(77) الموافق اكتوبر ، نوفمبر 1110 م.
(78) الموافق 1117 ـ 1118 م.
(79) الموافق 1119 ـ 1120 م.
(80) الموافق جوان 1119 م.

إيلغازي عقبها بالبينة ، ففتح الأثارب وذردنا ورجع فارحا لأهله يترنّنا فمدحه بعض الشعراء بقصيدة منها هاتان (كذا) البيتان :
قل ما تشاء فقولك المقبول
 

وعليك بعد الخالق التعويل
 
واستبشر القرآن حين نصرته
 

وبكا (كذا) لفقد رجاله الإنجيل
 
وفي التي بعدها أغاروا ورايسهم (كذا) جوسلين صاحب الرها على جموع العرب والتركمان ، وهم نصفين فغنموا من أموالهم ومواشيهم شيئا كثيرا وعادوا إلى تراعة فخربوها بالبيان. ثم ساروا في سنة سبعة عشر من السادس (82) إلى خرتبرت التي بها منهم جوسلين وغيرهم حال كونهم محبوسين ، فاستولوا عليها وخلصوهم من سجنهم في الساعة والحين ، وفي التي بعدها استولوا بالأمان على صور ، فدخلوها في العشرين من جمادى الأولى (83) وخرج أهلها بما قدروا على حمله من أموالهم لغيرها من المدن والثغور وفيها / حاصروا حلب فلم ينتج لهم منها شيء ، وارتحلوا وقصدوا محلهم فله ولوا وانتحلوا. ثم في سنة عشرين من السادس (84) قصدوا دمشق ونزلوا عند قرية شقحب ، فلقيهم طغتكين الأمير مع التركمان في أواخر ذي الحجة (85) منها واشتد القتال فانهزم جيش طغتكين وانقلب ، واتبعهم الفرنج فثبت التركمان على الهروب وقصدوا مخيم الفرنج فقتلوا كل من وجدوه وأخذوا الأموال والأثقال وسلموا من العطوب ، ولما رجع الفرنج وجدوا أثقالهم وخيمهم قد نهبت ، فانهزمت حينئذ وهربت. وفيها حصروا (كذا) رقينة وملكوها ، وبرجالهم دخلوها وسلكوها ، ثم قصدوا دمشق أيضا سنة ثلاث وعشرين من المذكور (86) فحصروها (كذا) ولم يظفروا بشيء منها ، وكان البرد والشتاء شديدا فرحلوا شبه المنهزمين عنها ، فأتبعهم تورى بعسكر دمشق في
__________________
(82) الموافق 1123 م.
(83) الموافق 24 جويلية 1123 م.
(84) الموافق 1126 م.
(85) الموافق أوائل جانفي 1127 م.
(86) الموافق 1128 م.

أثرهم وقتلوا كثيرا منهم من غير أسرهم. وهذه الوقائع كلها في أيام فيليب الأول سلطان الفرانسيس ، الذي به حصل لدولتهم القوة والتأسيس.
ثم أنهم لما رجعوا من المشرق لبلادهم ، بضعفائهم وشدادهم وتركوا بالقدس كما مرّ أميرا ، وحلوا ببرهم خفيا وشهيرا ، أسس أحد أجوادهم جرارد مرتين محلا للغربا (كذا) ومن ليس له رفيق ، وذلك سنة سبعة عشر من السادس (87) وعظمت شوكة هؤلاء الأجواد وشاع خبرهم في البلاد والعباد ولهم عند أجناس النصارى خواتم للتمييز ، منقوش عليها ما يحصل لهم به من العلامات الشريف وعلو النسب والتبريز ، كصورة الأسد وغيره ، وسببها أن أسلافهم حال على حربهم بالمشرق جعل كل منهم على درقته وبيضته ما يمتاز به من تلك العلامات على غيره فاتخذ النسل تلك العلامة ، يتذكر بها سلفه حال السلامة.
الملك لويس السادس السمين
والموفيّ لأربعينهم ابنه لويز السادس تولى يوم موت أبيه وهو سنة خمس وعشرين من القرن السادس (89) ولقبه عندهم لوقّر ومعناه الضخم بالأشهر ، وكان أبوه في حياته عاهد له بذلك وألبسه التاج وأناله الكمال والادراج وتوفي سنة أربع وخمسين / من السادس المذكور (90) بعد ما ملك تسعا وعشرين سنة في المسطور. ومن خبره أنه كان ذا عقل ورأي ، وشجاعة وتدبير وقوة وصناعة ، واشتغل بحرب أجوادهم الذين خلعوا طاعته فحاربهم جهده واستطاعته ، فنصره الله عليهم بسبب خلع الرعية لطاعتهم ، لما أضرّوا بهم في أنفسهم وبضاعتهم فجعل لهم ساداتهم القوانين المتضمنة عتقهم وطلبوا من الملك الموافقة عليها فأجابهم ولنيل عتقهم ، فمالت له الرعية ، وصيّر لهم القوانين لفصل دعاويهم المرعية ، وعين حكّاما لتنفيذ الأمور وفصل الدعاوى وتيسير
__________________
(87) الموافق 1132 ـ 1133 م.
(89) الموافق 1131 م.
(90) الموافق 1159 م.

المعسور ، وعدمت حكومة الأجواد ، وحلّ الهناء بالمملكة في العباد والبلاد وتحارب مع أنري الأول سلطان الانقليز ، ليتميّز كل منهما بالملك والتحييز وذلك سنة ست وثلاثين وخمسمائة (91) فالتقيا برانفيل واشتد القتال ، فانهزم الفرانسيس وبقي ملكهم وحده للنزال ، فتعلق بلجام فرسه أحد عساكير (كذا) الانقليز وهو ثابت في القتال من غير فرار ولا تحييز ، ونادى العسكري أن الملك في يدي أسيرا ، فأكذبه (كذا) الملك وضربه بحسامه (كذا) فتركه ميتا خسيرا ، ثم انعقد الصلح بين الجانبين وصارت الأمة في الراحة التي ليس بها المين. ثم في سنة سبع وثلاثين من المذكور (92) سارت الفرنج من صقلية إلى طرابلس الغرب ، فحاصروها وعادوا عنها بلا نيل الأرب. ثم ساروا في الأسطل من صقلية إلى ساحل إفريقية بالتختيم فملكوا مدينة برسك (93) وقتلوا أهلها وسبوا الحريم. وذلك سنة تسع وثلاثين من المذكور (94) ثم ساروا في سنة إحدى وأربعين منه (95) إلى طرابلس الغرب فملكوها ودخلوا شوارعها وسلكوها ، وسبب ملكها أنهم نزلوا عليها وحاصروها وضايقوها وقهروها ، فلما كان في اليوم الثالث من نزولهم عليها ، سمعوا ضجة عظيمة وخلت الأسوار من المقاتلة ولم يرجع أحد إليها ، بسبب اختلاف أهل المدينة المحصورة ، فمنهم من أراد تقديم بني مطروح للإمارة ومنهم من أراد الملثمين ولم ينظروا للحالة المقهورة ، فنشأ الحرب بين الفريقين وخلت الأسوار ، فاغتنم الفرنج الفرصة / وصعدوا بالسلالم (كذا) الأسوار ، وملكوها بالسيف في محرم السنة المذكورة (96) وسفكوا دماء أهلها في القولة المشهورة. ثم أعطوا الأمان لمن بقي من أهلها ، فتراجعت الناس وحسن حالها بأهلها.
__________________
(91) الموافق 1141 ـ 1142 م.
(92) الموافق 1142 ـ 1143 م.
(93) يقصد مدينة برشك (بالشين) بين مدينتي شرشال وتنس غرب مدينة الجزائر.
(94) الموافق 1144 ـ 1145 م.
(95) الموافق 1146 ـ 1147 م.
(96) الموافق جوان جويلية 1146 م.

الملك لويس السابع
وحادي أربعينهم ابنه لويس السابع الملقب لجون ومعناه الصغير فيما يرجون ، تولى يوم موت أبيه وهو سنة أربع وخمسين وخمسمائة (97) ومات سنة سبع وتسعين وخمسمائة بعد ما ملك ثلاثا وأربعين سنة مرتبة معينة ، ومن أخباره أنه لمّا تزوج بايلير نورا بنت سلطان الأكيتين ، أتته في مهرها بوطني البواطر ، والأكيتين ، فعظمت بهما مملكة افرانسا ، وترافعت عن غيرها وسلطانها تواسا ، ووقع الحرب بينه وبين البّابّ شنئان ، فتعصّب أمير الشمبانية مع البّابّ وبان منه العدوان فغضب عليه الملك وذهب له بجيوشه من مدائنه وعروشه ، واستولى على فيتري وأحرق كنيستها بما فيها ، وهو ثلاثة عشر مائة نسمة لدخولهم على سبيل الالتجاء فيها ، ثم ندم وسأل للتكفير ، فقال له البّابّ لا بد من قدومك للقدس ليكون لك التطهير ، وفي خلال هذه المدة تغلّب المسلمون على النصارى الذين بالشام ، واستولوا على مدينة أرفة بالتزام ، وقتلوا ثلاثين ألفا وأسروا عشرين ألفا في منقول الكلام ، وذلك سنة إحدى وستين من القرن المار (98) فحين وردت عليه بذلك الأخبار ، توافق مع البّابّ وسلطان الألمان وراموا القتال والأشرار ، وقد قال أحد القسيسين للملك لا يغفر ذنبك إلّا بالقتال وقال له الآخر اللائق بالملك الاستقرار في ملكه ولا يليق به أن يكون من أهل الجوال ، فرحل في جيش قدره مائة ألف وخلف بمكانه سوجر وعزم بالمسير وابتدر ، وذلك سنة أربع وستين من المذكور (99) بإلزام ووقع القتال بينه وبين الأتراك باحتكام ، فمات له نحو النصف من جيشه ما بين القتل والجوع وأسقام ، وبلغ القدس سنة خمس وستين من المذكور (100) ثم توجّهوا لعكّا وعقدوا مجلسا على محاربة / دمشق في المسطور فجهز لها الجيش وقصدوها وحصروها فعجزوا عن الحصار ، فتركوها ورجع كل منهم لمحله بالاشتهار ، وكان الألمان
__________________
(97) الموافق 1159 ـ 1160 م.
(98) الموافق 1165 ـ 1166 م.
(99) الموافق 1168 ـ 1169 م.
(100) الموافق 1169 ـ 1170 م.

حصرها في سنة ثلاث وأربعين من المذكور فلم يفد حصارهم شيئا ورجعوا عنها خائبين وعن الرجوع لها في رأيهم نادمين وتائبين.
ثم أن زوجة ملك الفرانسيس لويز السابع طلبت منه الطلاق والخروج عن عصمته في الشائع ، فطلقها وتزوّجت بأنري سلطان الانقليز وحاز لعدة بلاد بغاية التحويز ورام قتال السلطان ، والخروج عن طاعته ، بكل ما كان ، وذلك سنة ست وسبعين (101) ، وحصلت بينهما المهادنة سنة سبع وسبعين كل ذلك من القرن السادس (102) الذي فيه الكلام المنافس. وفي أيامه صارت المدن بأنفسها قائمة ، وارتفع حجاب الجهل عن بريز ورجعت العلوم له لازمة ، فأنشئت به المدارس إلى أن قصدته الناس من كل ناحية للعلوم ، وسعا (كذا) أهله في زيادة البناء المحكوم المعلوم.
الملك فيليب الثاني أوغسطس
وثاني أربعينهم ابنه فيليب الثاني المقلب أوقست ومعناه العظيم المشهور ، تولى يوم موت أبيه المذكور ، وهو سنة سبع وتسعين وخمسمائة (103) وتوفي سنة أربعين وستمائة. وكان بطلا شجاعا ، وعابدا عندهم متورعا مطاعا ، ومن خبره أنه بمجرد أوليته بالارتفاق ، بادر لطرد اليهود من مملكته وحاز كل ما لهم من الأملاك والأرزاق ، لا حتوائهم على الصنائع وحوزهم لأموال الغير بتعاطيهم الربى وكثرة التجارة فصار كل منهم في الضير ثم أمرهم بالرجوع ولم يرد لهم أموالهم ، وأمرهم بأن يكونوا تحت الذمة ومن الأرذال. ثم حصلت فتنة بسبب أن أعمامه أرادوا التصرف في الملك عليه لصغره ، فأزال ذلك سلطان الانقليز وصيّر كلا منهم في حجره. وبلغه الخبر قلقا بأن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب الكردي قد استولى على القدس سنة أربع وستمائة (104) بعد هزمه لملك طبرية
__________________
(101) الموافق 1180 ـ 1181 م.
(102) الموافق 1181 ـ 1182 م.
(103) الموافق 1199 ـ 1200 م.
(104) الموافق 1207 ـ 1208 م.

وأخذه أسيرا مع جملة من الأمراء وأربعة عشر ألفا من النصارى ، وطرده لمائة ألف من القدس بالتقدم والسبق واستلائه على ما عدا صور وأنطاكية وطرابلس الشرق ، فاشتدّ حزم النصارى / واتفقوا على الرحيل للقتال وقالوا لا بد من تذويق المسلمين بالنكال ، والاجتماع بعكّا بلا شك ولا إخلال ، فذهبوا بجيوشهم سنة سبع وستمائة (105) وشرع القتال بينهم وبين أهل المدينة بالبيان ، إلى أن ضعف أهل المدينة وسألوا الأمان. ثم حصل التحالف بين ملوك النصارى ، خصوصا بين فيليب وريشار ، وبقوا حيارى ، فمرض فيليب شديدا ورجع لبلاده ، وبقي غيره وهو ريشار بجيوشه وقواده ثم وقعت المهادنة بين الفريقين ، على أن يكون بيد النصارى من يافا إلى صور بلا مين. ولسياسة فيليب الثاني قالت له النصارى أبا الملك الباني.
الملك لويس الثامن
وثالث أربعينهم ابنه لويس الثامن ، الملقب بالأسد ، لبطشه وصبره على الكد ، تولى يوم موت أبيه وهو سنة أربعين وستمائة (106) واجتمعت على توليته جميع الأمة من غير ملك الانقليز ، وهو أنري الثالث وكان حقه الحضور لوضع التاج على رأس السلطان بالتنجيز. ومن خبره أن أجل المهادنة التي بين الفرانسيس والانقليز ، لما تمّ أراد لويز الحرب وجهّز الجيوش بقصد حرب الانقليز. فاشتدّ القتال بين الفريقين ، وانهزم الانقليز بغير المين ، واستولى لويز على ما كان بولايتهم من بعض الأوطان ، ولم يترك لهم إلّا القسقونية وبوردو بالتبيان. ونشأ (كذا) الحرب مع الأليبجو وأذلهم بعد امتيازهم ، واستولى على أفينيون التي كانت في احيازتهم ثم أصيب بمرض شديد وبه مات بمدينة مونبانسي سنة ثلاث وأربعين من السابع (107) بعد ما ملك ثلاثة أعوام ، والله منفرد بالبقاء والدوام. وذكر بعض المؤرخين أن أمير الشمبانية هو الذي سقاه السم
__________________
(105) الموافق 1210 ـ 1211 م.
(106) الموافق 1242 ـ 1243 م.
(107) الموافق 1245 ـ 1246 م.

السمين الذي يمتزج به الجسد بالجلد واللحم والعظم والدم والعصب ويسري لشاربه بجميع العلل والعطب.
الملك لويس التاسع وحملاته على مصر وتونس
ورابع أريعينهم ابنه لويز التاسع الملقب صان ومعناه بلغتهم القديس الشان ، تولى يوم موت أبيه وهو عام ثلاث وأربعين من القرن السابع ، ومن / خبره أنه جلس على كرسي المملكة في الشايع ، وهو ابن اثنا عشر سنة بمعاهدة أبيه في حياته إليه بذلك وصارت أمه بلانش تتصرف عنه في الملك تصرّف المالك إلى أن بلغ سن التصرف فبادر لقمع أعدائه وشمر عن ساعده لطردهم بحمل لوائه ، فجهّز الجيوش العظيمة لحرب المعاندين ، وهم أمير المارش وأمير الانقليز بالجيوش الواردين وارتحل نحوهم سنة تسع وخمسين من القرن المار (108) وتقدم بغاية الاشتهار ولما وصل إلى وادي الشارنت ألفى أعداءه بجيوشهم هنالك وتمكن ملك الانقليز من قنطرة بون د طابيور التي يكون عليها المسالك. فهجم عليه ببعض خواصه فأتبعه قومه وبدأهم بالحرب الشديد فزال لومه ، وزاد عليهم إلى أن هزمهم وأبلغهم إلى سانط المدينة المشهورة ، وجدّد من الغد الحرب فهزمهم وأطرد الانقليز بملكهم وهم في الحالة المغمورة ، وطلب منه أمير المارش الأمان فأمنه وعفى عنه. ورده لمحله والمحل الأول أبعده منه ، وحصلت المهادنة بينه وبين الانقليز خمس سنين وأصيب بمرض شديد فنذر إن شفاه الله أن يزور القدس في الحين ، فشفي ورام أن يتمّ نذره ، فمنعته أمه ورؤساء قومه فلم يلتفت إليهم وفعل أمره ، ورحل سنة خمس وستين من المار (109) وعين أمه وإخوته في التصرّف في المملكة ، لكي يرتفع الغبن لارتفاع المهلكة. وكانت جنوده مائة ألف مقاتل فعين لاجتماع جنوده جزيرة قبرص ذات الخارج والداخل ، ولما اجتمعت تعسّر عليه الذهاب لمصر لشدة البحر وهيجانه فمكث بها إلى الربيع وقد أعانه ملكها بالزاد وروجانه ثم ركب في الربيع أساطيله
__________________
(108) الموافق 1261 م.
(109) الموافق 1266 ـ 1267 م.

ونحا (كذا) من ديار مصر ثغر دمياط فبلغه بعد أربعة أيام وهو في أشد رباط ، وذلك سنة ست وستين وستمائة (110) في صحيح الأقوال ، فنزل في الزوارق للبر بجيشه ، فألفى المسلمين مستعدين للحرب والقتال ، نازلين بالشواطىء بالخيل والرجال ، ولما رأى ذلك رمى نفسه في الماء وذهب سابحا إلى أن بلغ البر ناجحا ، فتبعه قومه والتحمت ببعضها بعضا الرجال واشتد الحرب / والقتال ، ثم خرج المسلمون من دمياط منهزمين ودخلها لويز التاسع واستولى على جميع ما فيها من أموال بالجيش المتتابع ، وذلك في سابع ينيه (111) ، ومكث بها خمسة أشهر ونصفا ، ثم توجّه لمصر وسار لقرية على مرحلتين منها وصفا ، فألفى المسلمين مخيمين بمقربة منها بالعدوة القصوى من النيل ، فاشتغل بعمل رصيف خمسين يوما بلا طائل ، والقتال متكرر وليس بالقليل ، فجاءه رجل من أهل البلد وأظهر له موضعا سهلا للعبور ، على أخذ مال منه فوفاه به بلا تراخ منه ولا فتور. وقطع صنو الملك وهو الكونت دارتوه النيل فورا ، ومعه ألف وأربعمائة وهجموا على المسلمين جورا وألزموهم الفرار إلى أن دخلوا للقرية المذكورة فدخلوا أثرهم من غير انتظار لملكهم وأغلق المسلمون عليهم أبواب القرية المسطورة ، وشرعوا في مقاتلتهم إلى أن قتلوهم عن آخرهم بعد المحاربة سبع ساعات وصار القطع لدابرهم ، وذلك في ثامن فبراير سنة سبع وستين من المذكور (112) ثم اشتد القتال بين لويز والمسلمين إلى أن حلّ بهم الانهزام في النزال ومن الغد تجدّد بين الفريقين القتال ، ودام مدة بين هؤلاء الرجال وجاءت ريح لوجوه المسلمين صيّرتهم في النكال. وكان حاضرا للواقعة القاضي الولي العلامة العزّ بن عبد السلام الشافعي فقال يا ريح خذيهم فانقلبت عليهم شديدة العصف المتتابعي ، فقال الناس الحمد لله الذي أرانا في هذه الأمة رجلا سخّر الله له الريح ورام الطاغية الرجوع لدمياط فالتجأ إلى المنصورية ليستريح ، وإذا بشخص من جيشه توجه للجيوش في الساعة والحين وقال إن السلطان يأمركم بإبطال الحرب
__________________
(110) الموافق 1267 ـ 1268 م.
(111) من عام 1268 م ـ الموافق شوال 666 ه‍.
(112) فبراير من عام 1269 م والموافق 667 ه‍.

وتسليم أنفسكم للمسلمين فتمكن المسلمون من الملك وأخويه وجملة من الأمراء المشهورة فقيدوهم وأرسلوهم إلى قرية المنصورة ، ووقع القتل فيهم كثيرا بالتحرير ، بحيث بلغ ذلك خمسين وقيل سبعين ألفا ما بين جريح وقتيل وأسير ، وبعث بلويز ومن معه إلى دار ابن لقمان فاعتقل بها ووكل به الطوائي صبيح ، وبقي هناك إلى أن فدا (كذا) نفسه ومن معه بتسليم دمياط فأسلمها وذهب صريح ، وكان ذلك سنة سبع وستين وستمائة (113) وقال أبو الفدا وغيره أن ذلك كان سنة ثمان وأربعين وستمائة (114) وربك أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمئاب. وفي هذه الواقعة يقول جمال الدين أبو زكرياء يحيى بن مطروح ، الشاعر بأبيات منها هذه بالشروح :
قل للفرنسيس إذا ما جئته
 

مقاله صدق عن قول نصيح
 
أتيت مصر تبتغي ملكها
 

تحسب أنّ الزّمر يا طبل ريح
 
وكل أصحابك أوردتهم
 

بحسن تدبيرك بطن الضريح
 
وخمسون ألفا لا يرى منهم
 

غير قتيل أو أسير جريح
 
وقل لهم إن أضمروا عودة
 

لأخذ ثأر أو لقصد صحيح
 
دار ابن لقمان على حالها
 

والقيد باق والطوائي صبيح
 
ثم توجه لعكّا مع أربعة آلاف مقاتل ، ومكث بالمشرق نحو الأربع سنين في الحاصل ، ثم أوقع الحرب مرارا مع المسلمين وأصلح أسوار عكّا ويافا وغيرهما من المدن الباقين (كذا) وخلص جميع من كان بمصر أسيرا بالتحريز ، فبلغه خبر موت والدته فركب البحر وتوجّه لباريز ، وذلك سنة سبعين وستمائة (115) بالتبريز ولما بلغ بلده شرع في تأسيس الملك واجتناء العافية ، ودفع المضار وجلب المنافع الوافية وحطّ على الناس من واجب الغرامة وخفض جناحه للضعفاء ، وهو من أهل الزعامة وجعل القوانين النافعة ، وترك الأمور القامعة ، ونصب نفسه للتسوية بين الناس ، وأبعد عن الرعية ما هو من ذات البأس ، وصار
__________________
(113) الموافق 1268 ـ 1269 م.
(114) الموافق 1269 ـ 1270 م.
(115) الموافق 1271 ـ 1272 م.

يخرج لغاية بوادي فانسين ويجلس لفصل الدعاوى بين الأقوياء والأغنياء والضعفاء والمساكين ، وصارت معه فرانسا في أطيب عيش ، وإبعاد همّ وطيش.
ثم توجه لتونس بقصد القتال ، وجهز جيشا قدره ستون ألفا للنزال ، ورحل / لها في أول يليل (كذا) باللام سنة سبع وثمانين من السابع (116) ، وقال الحافظ أبو راس سنة ثمان وستين من السابع ، وربك أعلم بمن هو أهدى سبيلا ، وأقوم قيلا ، ومعه أولاده وأخوه وابن أخيه ومواليه ، فلما بلغ أرضها أنزل الجيش من أساطيله وشرع في حصار قرطاجنة (كذا) الكائنة بغرب تونس المدينة ، واشتد بأسهم وحصروا (كذا) تلك المدينة وبها خندقوا ، وبالمسلمين أحدقوا ، وقد أمر السلطان محمد ابن أبي زكرياء الحفصي ممدوح حازم المسلمين بلا منازعة بحمل السلاح وجمع الحشود فامتلأ الساحل بالأجناد والمطاوعة ، حتى أن أهل المغرب الأوسط حضروا ذلك في عسكر ضخم ، وعليهم زيان بن عبد القوي التجيبي (كذا) صاحب تاقدمت رائسا (كذا) في أشد عزم ، فكان المصاف بخرب قرطاجنة (كذا) حيث البحيرة اليوم ، فاشتد القتال وكثر صياح البوم. ثم هجم الفرانسيس على العسكر فأثخنوا فيه بالبيان ، بعد أن قتل منهم نحو الخمسمائة وظنّ المسلمون الظنون وهم السلطان بالرحيل للقيروان ، واستولى النصارى على تلك الخربة ، دون مشقة ولا محنة تضاحيها ، واستقر البعض منهم بها والبعض بنا (كذا) بنواحيها وصار لويز يرتجي قدوم أخيه شارل صاحب صقلية بجيوشه من أقطارها ليزحف إلى تونس بقصد حصارها ، فكان من لطف الله بالمسلمين أن أحاط الوباء بجيش الفرانسويين إلى أن مات منهم خلق كثير وأصاب سلطانهم المرض العسير ، فمكث به اثنين وعشرين يوما ومات والقتال حوما حوما ، وذلك خامس عشرين غشت سنة سبع وثمانين (117) المارة ، بعد ما ملك أربعا وأربعين سنة بالحارة ، ويقال أنّ سبب موته أن السلطان الحفصي دسّ له سيفا مسموما كثير الضّرر ، من سلّه ونظر فيه أثّر فيه سمه نظير الأفاعي التي تقتل بالنظر ، فبعثه له مع رسول بعد أن رصّعه بنفيس اليواقيت والجوهر ، وقال للرسول هذا الطاغية
__________________
(116) يوليو عام 1288 م يوافق جمادى الثانية 687 ه‍.
(117) 25 أوت 1288 م يوافق 25 رجب 687 ه‍.

كثير الطمع ولو لا ذلك ما عاود بالمسلمين بعد أسره بمصر فسيرى السيف ويكثر النظر إليه فإن فعل فانزعه من عنقك والقه إليه ، وقل له هو هدية مني إليك فلا / نملكوه ، لأن من رأينا أن كلّما وقع النظر إليه بالقصد يحرم علينا أن نمسكه ، فلما وصل الرسول ورأى الطاغية السيف وبقلبه استحوذه ، فعل معه الرسول ما أمر به ففرح الطاغية بذلك وأخذه ، وأسرع الرسول في الرجوع لمدينه ، فلما سلّه الطاغية ونظر إليه هلك من حينه ، وفرج الله على المسلمين بموته وحصلت لهم الغنيمة ، فرام ابنه إنشاء الحرب ثانيا لتكون له الرفعة والقيمة ، فمنعه من ذلك قومه ، ولازمه غبنه ولومه ، ثم اصطلح السلطان مع زوجة لويس على عشرة أحمال من النقد المصون ، وتولى عقد الصلح القاضي أبو القاسم بن زيتون ، ثم انصرفوا وتركوا تسعين منجنيقا ، وأمر الحفصي بهدم قرطاجنة (كذا) التي تترسوا فيها وكانت لهم توثيقا ، ولما انصرف ابنه فيليب حمل معه تابوت أبيه ومن معه من صهره وأخته وزوجته وأخيه ، ودفنهم بمقبرة ملوكهم سانداني التي يدفن فيها كل ملك منهم قاص أو داني ، ورحلتهم لتونس هذه هي آخر رحلات الملوك النصرانية للقتال لأقاليم الإسلام ، وإنما صاروا يبعثون الجيوش للقتال تحت رئاسة من انتخبوه من العمال والحكام ، وبهذه الرحلات حصل لهم ضعف الخزائن ومات لهم نحو ألفي ألف بالاحتكام غير أنهم برحلتهم للمشرق وتسلطهم عليه ، استفادوا العلوم من المسلمين وجلب المنفعة منهم وإليه ، فانتشرت في بر النصارى بذلك الصنائع والفنون والتجارة وحصول التفريح ، واستعملوا أقماش الخيط والمقانات وطواحين الريح.
الملك فيليب الثالث
وسادس أربعينهم إبنه فيليب الثالث الملقب لوهردي ومعناه المتجاسر بالأزواج والفردى ، تولى يوم موت أبيه وهو عام سبع وثمانين من القرن السابع المذكور ، ومات سنة اثنين وسبعمائة (118) في المسطور ، بعد ما ملك خمسة عشر سنة ، متوالية معينة. ومن خبره أن في وقته وقعت الفتنة بقصد قتل الفرانسيس
__________________
(118) الموافق 1302 ـ 1303 م.

الذين بصقلية وذلك في ثلاثين / مارس الذي هو يوم العيد الكبير عند النصارى بالكلية ، فهجم الصقليون على الفرانسيس الذين بها وقت صلاة العصر ، وقتلوهم عن آخرهم بغير التراخي والفتر ، وجملتهم ثمانية آلاف نسمة حتى أن من شدة بغض الصقليين ، شقوا بطون نسائهم ذات الحمل من الفرانسويين ، واستخرجوا الأجنّة فقتلوهم ، ولما كان أصلهم الفرانسيس فلم يقبلوهم ، فعند ذلك جهّز فيليب جيشا وأخذ في الرحلة للأندلس وهم مشاقون ، لأخذ الثأر من ملك الأراقون وذلك سنة اثنين وسبعمائة فأوقع الحرب معهم واستولى على بعض مدونهم (كذا) وقريهم (كذا) وحصونهم فأصاب قومه المرض فارتحل راجعا بما معه من الجيش فأدركته منيته بالطريق وهو في حال الطيش.
الملك فيليب الرابع
وسادس أربعينهم (كذا) ابنه فيليب الرابع الملقب لوبيل ومعناه بلغتهم الجميل ، تولى يوم موت أبيه وهو سنة اثنين وسبعمائة حارس ، وهو ابن سبعة عشر سنة فلبس التاج بمدينة رانس ومن خبره أنه لمّا تزوّج بابنة الملك النّفار ساقت له في مهرها ذلك الوطن مع وطن السمبانية فضمهما إلى مملكته واتسع في القرار ، وجهز جيشا لقمع الفلاندر لما قتلوا من جنسه الذين عندهم ثلاثة آلافا (كذا) وريّس عليهم ابن أخيه الكونت سرت اتصافا ، فجدّ مرتحلا إلى أن اجتمع بالفلاندري بنواحي كوتوري وتقابلت المحال ، فاشتد القتال وضاق المجال ، فكانت الدائرة على جيش فيليب ، ومات من جيشه نحو العشرين ألفا بتقريب وذلك سنة تسعة عشر من الثامن المذكور (119) عاجلة ، ثم جهّز جيشا قدره اثنان وستون ألفا الراكب منها اثنا عشر ألفا والباقي راجلة ، وذهب مع الجيش فكان المصاف بمونس انيوال واشتدّ بين الفريقين القتال فكانت الدائرة له وقتل من عدوه نحو الخمسة عشر ألفا ثم وقعت المهادنة بينهما عشرة أعوام تلفا ، وذلك سنة إحدى وعشرين من القرن المذكور (120) وسجن البّابّ وقتل الأخوان في
__________________
(119) الموافق 1319 م.
(120) الموافق 1321 م.

المشهور ، ومات سنة إحدى وثلاثين من المذكور التزاما (121) بعد ما ملك / تسعا وعشرين عاما ، وخلف ثلاثة أولاد كلهم بويعوا على التّوال ، كما ستراهم إن شاء المتعال.
الملك لويس العاشر
وسابع أربعينهم ابنه لويز العاشر الملقب لوهوتان ، تولى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بالبيان (122). ومن خبره أنه قتل خزناجه أنقيران شنقا وصدر الحكم منه على أكثر وزراء أبيه بالقتل سيفا وخنقا وغزى الفلاندر فعسرت عليه الأحوال ، لكثرة المطر وضاق بجيشه المجال ، فارتحل وترك ما له من الأثقال فضاعت له بأقلّ الحال ، وأمر أصحاب الفلاحة بعتق رقابهم بالمال ، فالبعض اشترى نفسه وصار من حينه حرا ، والبعض رضي بما كان عليه لألفته بذلك ولم يرد فخرا ، ومات سنة ثلاث وثلاثين من الثامن بعد ما ملك عامين ولم يخلف عقبا ، وكانت زوجته وقت موته حبلى رقبا.
الملك فيليب الخامس
وثامن أربعينهم أخوه فيليب الخامس ، الملقب بلولون ومعناه الطويل ، تولى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة بالتكميل (123). ومن خبره أنه كان في ابتداء أمره نائبا عن الحمل الذي خلفه أخوه باحتكام ، ولما ولدت زوجة أخيه ولدا ذكرا ومات بعد ثمانية أيام ، اختصّ بالملك لما أراده له المالك العلام ، وكان له علم مديد ، وعقل رشيد ، ورأي سديد فاستيقظ لأحوال البلاد ، وتحصيل النفع للعباد ، واجتهد في جلب العافية للرعية ، التي غاية الأمنية ، وجعل كأخيه قانونا للحرية ، فمن رامها فليشترها بالفورية ، ورام التوجّه للمشرق فمنعه البّابّ ، فغضبت الرعية وأرادوا التوجّه للقدس بلا ارتياب ، فلم تكن لهم طاقة ، وألفوا الأمور
__________________
(121) 1330 ـ 1331 م.
(122) الموافق 1330 ـ 1331 م.
(123) الموافق 1332 ـ 1333 م.

شاقة ، فشرعوا في فساد الأوطان ، وقتل اليهود بالعدوان ، فجمع فيليب جيشا قاهرا ، وقصدهم باطنا وظاهرا ، وذلك سنة سبع وثلاثين من الثامن الشهير (124) ، فقاتلهم وهزمهم بالتدمير ، وفرّق أخرابهم بعد موتهم الكثير ، وقتل في سنة ثمان وثلاثين من المذكور جميع المجذومين واليهود حيث كانوا ، وحيث ما وجدوا وبانوا ، وكان بافرانسا ما يزيد على ألفي مرستان ، لهؤلاء المرضى الخدام وغيره بالبيان ، وإنما قتلهم لاتهامهم بجعل السم في العيون والأبار ، بقصد هلاك الناس وحصول الأضرار ، واستولت الدولة على / ما لهم من الأرزاق ، إلى أن وسم بالطمع بقصد الارتزاق.
الملك شارل الرابع
وتاسع أربعينهم أخوه شارل الرابع الملقب لوبل ومعناه الجامع ، تولى عام تسع وثلاثين من الثامن (125) المسطور ، وتوفي سنة خمس وأربعين من المذكور. وبعد ما ملك ستة سنين وخلف زوجه حبلى فولدت بنتا بالتعيين. ومن خبره أنه بوقته حصل النّزاع بين الفرانسيس والانقليز بسبب القويان ، فادعى الانقليز أنها له واستولى عليها بالقهر والعدوان ، فزحف إليه الفرانسيس واستولى عليها ، وخلع سلطان الانقليز من كرسيه لما لم يطق إليها. وانقرض الفرع الأول من الطبقة الثالثة بموت شارل بعد ما كانت من المملكة اللّابثة ، وقد ملك أحد وأربعين وثلاثمائة سنة. متوالية محققة مبيّنة.
الملك فيليب السادس
وخمسينهم فيليب السادس الملقب دوفال (126) وهو أول ملوك الفرع الثاني ، من الطبقة الثالثة ذات الأفحال ، تولى سنة خمس وأربعين وسبعمائة (127) في صحيح الأنقال. ومن خبره أنه وقع النزاع بينه وبين الانقليز على المملكة
__________________
(124) الموافق 1336 ـ 1337 م.
(125) الموافق 1338 ـ 1339 م.
(126) يقصد فالوا من أسرة فالوا.
(127) الموافق 1344 ـ 1345 م.

فصحت له بإجماع الرؤوس من أهل المملكة وأرادت أمة الفلاندر خلع الطاعة ، والخروج عن تلك الجماعة ، وجمعت جيشا محتويا على ستة عشر ألف مقاتل ، وجعلوا صورة ديك على سور المدينة وجاهة الخارج والداخل ، وكتبوا تحته سخرية إذا ظهر هذا الديك بكلامه يصيح ، فثمّ يدخل الملك المدينة ليستريح ـ فجهز فيليب لقمعهم جيشا قدره ثلاثون ألفا وأخذ مرتحلا نحوهم عزما وشضفا ، وذلك سنة توليته ، وهو جازم بنصرته وحليته ، ولما وصلهم خيّم قرب كسل بمحلته فهجم رايسهم (كذا) عليه ليلا ، واشتد القتال بين الفريقين بجملته ، ومات خلق وافر من جيش فيليب ولم يخلص من القبض عليه إلّا لشجاعته وعظم سطوته ، ثم جاءت جيوشه وأحاطت بالعدوّ إحاطة الخاتم بالخنصر فهزموهم ولم يجدوا سبيلا للمفر ، ومات منهم ثلاثة عشر ألف مقاتل ، واستولى الملك على مدينة كاسل ، ثم جال في الفلاندر بأقطارها ، وهدم عدّة من أسوار أمصارها ، ورجع / مرتحلا لبلده كثيرة البضاعة ثم خلع الفلاندر ما كان لهم معه من الطاعة وأمدهم ملك الانقليز بالجيوش ، وزاد بنفسه إلى كامبري فحاصرها مظهرا للفشوش ، ثم تلاقت مراكب الفرانسيس مع مراكب الانقليز واشتد القتال بينهما لأجل التحويز ، فهزمت مراكب الفرانسيس لقلتها هزيمة شنيعة ، وبقيت بيد الانقليز مائتا اسطول بقاء مطيعة وذلك سنة سبع وخمسين من الثامن (128) ثم حصلت المهادنة ، وتجددت سنة ثلاث وستين منه (129) العداوة المباينة وفي هذه الفتنة استعمل الانقليز المدافع ، فكانت من أعظم الصواعق التي تدافع. ومات فيليب السادس سنة سبع وستين من الثامن التزاما ، بعد ما ملك اثنين وعشرين عاما.
الملك جان الجميل
وحادي خمسينهم ، ابنه جان الملقب لبون ومعناه سليم القلب من الظنون ، تولى سنة سبع وستين وسبعمائة (130) ومات بالانقليز سنة إحدى وثمانين من
__________________
(128) الموافق 1356 م.
(129) الموافق 1361 ـ 1362 م.
(130) الموافق 1365 ـ 1366 م.

المذكور ، بعد ما ملك أربعة عشر سنة في المسطور. ومن خبره أنه كان ذا شجاعة وكرم ، غير أنه كان سريع الخفة وللرأي غير محتكم فاشتدت الفتنة في أيامه وضاق بالعباد الحال ، فجددت الانقليز المحاربة فجددها معهم بالاستعجال وجهز جيشا فيه ستون ألف مقاتل ، وبادر بالارتحال من غير التفات في ذلك لقول قائل ، وذلك سنة ثلاث وسبعين من المذكور فكان الاجتماع بنواحي بواط وأحاط بها كالحلقة ولما رأى رايس (كذا) الانقليز قوة الجيوش طلب الأمان لدفع المشقة ، فأبى جان وشرع في القتال فكانت الدائرة عليه ووقع في الوبال ، فأخذ أسيرا نادما للرأي يلفا ، وهزم جيشه وقتل منه إحدى عشر ألفا ، فعظم قدره سلطان الجيوش وبعثه لأبيه ، فسجنه وبقي في السجن أربعة أعوام بالتنبيه. وأقامت دولته ابنه شارل للتصرف في الملك ، ليزيل مائة من الحلك. وتشتت عليهم القتال من كل ناحية ، وقامت عليهم أهل كل ضاحية ، ثم حصلت المهادنة بين الانقليز والفرانسيس سنة سبع وسبعين من الثامن بالبيان (131) وألزم الملك جان بعد إخراجه من السجن بدفع الأموال وتسليم بعض الأوطان ، ثم هرب بعد ذلك أحد ولديه المرهونين مما فيه من الهوان / وذلك سنة إحدى وثمانين من السابق ، ولما بلغه الخبر قال الملوك أوفى باللائق فرجع فورا للانقليز وسلّم إليهم نفسه ، وأزال عنه من فرار ولده بخسه ظنا منه أنهم يردونه لمحله ، ولم يدر أنهم يسجنونه بمحلّه ، وقال إذا كانت النية من الأرض منفية فيحق أن توجد في قلوب الملوك ذوي الهمم العلية.
الملك شارل الخامس
وثاني خمسينهم ابنه شارل الخامس الملقب لساج ، ومعناه الحكيم بالأصول والنتاج. تولى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة (132) وتوفي سنة سبع وتسعين من المسطور ، بعد ما ملك ستة عشر عاما في المشهور. ومن خبره أنه كان من أفاضل الملوك الفرانسوية في صحيح الأقوال ، فشرع من حينه في
__________________
(131) الموافق 1375 ـ 1376 م.
(132) الموافق 1379 ـ 1380 م.

إصلاح الأحوال ، لكون الملك في ولاية أسلافه حصل في الضعف والاختلال واشتدت في وقته الفتنة ، وانتقض ما كان بينهم وبين الانقليز من الهدنة فحصلت بين الفريقين الحروب العظيمة ، والمقاتلة الجسيمة ، وكان رايس (كذا) جيوشه بطلا اسمه دوكيكلين مهمى التقى بأعدائه إلا ويصيرهم منهزمين ، وانتزع من أيديهم الأوطان الفرانسوية التي استولوا عليها في الفارط ، حتى أخذهم منه البأس الشديد القاحط ، فجعله لذلك أمير أمراء الجيوش بجعله لأعدائه كالعهن المنفوش ، ولما مات هذا الشجاع وهو ابن ست وعشرين سنة في السلوك ، دفنه شارل في سانداني مقبرة الملوك. وهذا الملك شارل هو الذي جعل في وقته القانون الباقي بينهم التزاما ، بأنه يحقّ للملك التصرف في ملكه إذا بلغ في عمره أربعة عشر عاما.
الملك شارل السادس
وثالث خمسينهم ابنه شارل السادس ، تولّى يوم موت أبيه وهو سنة سبع وتسعين من القرن الثامن (133) وهو ابن اثنا عشر عاما. لا غيرها التزاما ، وتوفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة مبيّنة (134) ، بعد ما ملك اثنين وأربعين سنة. ومن خبره أن أعمامه الثلاثة وخاله تنازعوا فيمن ينوب منهم عنه لما رأوه صغيرا وخشوا (كذا) أن ينزع الملك منه. ثم اتّفقوا على نصب عمه دنجو للتصرف عليه ، فنهب الخزنة واشتدّ ظلمه وبغضته الرعية ، ولم يملّ أحد منهم إليه / ففرّ هاربا للنبوليطان وبقي الأمر شورى بين الأقارب بالتبيان وذلك سنة تسع وتسعين من الثامن (135) بالتحصيل ، ثم خرج عن طاعته الفلاندر وأميرهم در تفيل فبادر شارل لقمعهم وجهّز الجيش الحفيل ، وأمّر عليه أوليفي الكونطابل والتقى الجمعان بنواحي روزبك الحاصل ، فاشتد القتال إلى أن هزمت الفلاندر بكبيرهم وصغيرهم ، ومات منهم نحو الخمسة وعشرين ألفا بأميرهم. ولما قتل صاحبه
__________________
(133) الموافق 1394 ـ 1395 م.
(134) الموافق 1435 ـ 1436 م.
(135) الموافق 1396 ـ 1397 م.

أوليفي اشتد غضبه على قاتله وأراد عقابه ، وهو مستقر بالبرطانية يرتجي جوابه ، فزحف له بجيوشه سنة تسع من القرن التاسع (136) ولما وصل لغابة دومان ، وهو مع جيشه في أمن وأمان ، خرج له رجل عاري الرأس غير متنعل ليس عليه إلّا قميص به مستور ، فهجم عليه وقبض لجام فرسه وقال أيها الملك ارجع خلفك ولا تزد أمامك خطوة فإنك في هذا اليوم مغدور ، وإن خالفت هلكت لا محالة ، وتبقى جثتك مثالة ، فذهل الملك من ذلك ودخله الخوف الشديد ، وزال من حينه عقله السّديد ، وكان سابقا قد أصابه الاختلاط ، لكنه يأتي ويذهب بالنشاط. ولما أصيب في عقله تولى النظر في الملك في موضعه دوبيري ثم أنه رجع إليه عقله وجعل أخاه دورليان هو المتصرف في الملك بالتصييري ، ثم بعده ابنه جان وقتل ابن عمه دورليان سنة أربع وعشرين من القرن التاسع بالتبيان (137) وفي أيام شارل اخترع اللعب بورقة الكاغط لتسليته لما أصابه اختلال عقله ببليته.
الملك شارل السابع
ورابع خمسينهم ابنه شارل السابع ، المشهور الملقب لوفيكتوريو ، ومعناه بلغتهم المنصور. تولى عام تسع وثلاثين وثمانمائة (138) ومات سنة ثمان وسبعين من المذكور ، بعد ما ملك تسعا وثلاثين سنة في المشطور. ومن خبره أنه كان ذا شجاعة عجيبة وأخلاق لطيفة غريبة ، لكنه مال في أيامه للزهو والانطراب ، وغفل عن ملكه فلم يستيقظ له حتى استولى الانقليز على كثيره بغير الارتياب. وكان القتال بين الفريقين فهزمت جيوش شارل بنواحي فيرنوايل سنة إحدى وأربعين من التاسع في صحيح المقايل ، فجاءته يوما امرأة من / جيشه يقال لها جان دارك ، ابنة تسعة عشر سنة وكانت راعية فقالت له إن نصرك على عدوك لا يكون إلّا على يدي فاجعل أذنك لي واعية ، فوافقها وذهبت معه للحروب ، وتقلدت بآلة الحرب فصارت عارفة للدروب ، وذلك سنة ست وأربعين (139) من المذكور فصار
__________________
(136) الموافق 1406 ـ 1407 م.
(137) الموافق 1421 م.
(138) الموافق 1435 ـ 1436 م.
(139) الموافق 1442 ـ 1443 م.

الظفر لها بالعدو في كل حرب ، وحلّ بشارل ما لا يوصف من فرح وطرب وأطردت الانقليز من افرانسا قهرا ، وأبعدتهم منها قسرا ، ثم أصيبت بجرح في الميدان فتمكن منها الانقليز وذهبوا بها إلى رايسهم (كذا) السلطان ، ففرح الانقليز بأسرها وتزايدوا على رايتها ، وكيف بها حتى حصلت في بليتها ، فحكموا أولا بسجنها مدة عمرها حكموا ثانيا بحرقها فأحرقوها بالنار ، قائلين أنها ساحرة ومن الروافض الفجار ، وذلك سنة ثمان وأربعين من المذكور (140) وبقي شارل مع الانقليز في المحاربة والمقاتلة والمضاربة إلى أن نزع لهم ما عدا كالي وحصل الهناء والعافية في ملكه ورعيته بالأيام والليالي ، ورتب للخدمة العسكرية ، ولم يدعهم كما في السابق مهملين الأوامر ، بحيث صيّرهم لا يفارقون أمكنتهم ما داموا في الخدمة ومهمى أذن لهم تقدموا للزدمة ، وجعل على الرعية اللزمة التي يستعين بها على رواتب الجيوش ، ولا يدعهم كالعهن المنفوش ، واخترع في وقته جان كوتنبرك (141) الألماني آلة الطباعة ، ثم اخترع النقش على النحاس والسلاح في غاية الصناعة ، ثم إدخال الزيت في ألوان التصوير وصناعة الورق المستعمل من القماش بالتحرير وذلك سنة سبع وستين من المذكور (142) ، وإلى الله عاقبة الأمور.
الملك لويس الحادي عشر
وخامس خمسينهم ابنه لويز الحادي عشر ، تولى سنة ثمان وسبعين وثمانمائة (143) فيما اشتهر ، ومات سنة تسعمائة مبينة ، بعد ما ملك اثنين وعشرين سنة ، ومن خبره أنه لما تولّى شرع في عزل أهل الخدمة وأصدقائه ، وصيّرها لذوي الأقدار الوضيعة بارتقائه ، فشقّ ذلك على الأعيان والأمراء وخلعوا الطاعة وراموا حرابته استطاعة ، واجتمعت جيوشهم بجيوش لويز بمولنيزي واشتد القتال وكثر
__________________
(140) الموافق 1444 ـ 1445 م.
(141) يقصد جان قوتنبرق.
(142) الموافق 1462 ـ 1463 م.
(143) الموافق 1473 ـ 1474 م.

القتل / من الفريقين في الرجال وذلك سنة اثنين وثمانين من التاسع بالمعاينة ، وبعد ذلك حصل بين الفريقين المهادنة ، ثم تمكن منه شارل سنة خمس وثمانين من المذكور ، وسجنه ثم حصل الحرب بينهما سنة تسع وثمانين من المسطور ، وحصر (كذا) شارل مدينة بوفي ولم يستول عليها ، لشدة مقاتلة النساء عليها ، ثم حصلت المحاربة بينه وبين النامسة (144) وطالت أربعة أعوام ، وحصل الصلح بالمجانسة وقتل من رعيته ما يراهق أربعة آلاف فضلا عن الأمراء والأعيان الضراف ، وضم إلى افرانسا سبعة عشر وطنا ، وأزال عن افرانسا ما كان ضعفا ووهنا ، وجعل التأويل باختراعه لإرسال المكاتب مع البريد ، واخترع علامة الافتخار لذي الشجاعة وغيرها مما يحصل به الفوز بالمزيد ، وشرعت افرانسا في طبع الكتب سنة سبع وثمانين من التاسع بالتفريد (145).
الملك شارل الثامن
وسادس خمسينهم ابنه شارل الثامن ، تولى سنة تسعمائة (146) وهو ابن ثلاثة عشر عاما ، ومات سنة خمسة عشر وتسعمائة بعد ما ملك خمسة عشر عاما. ومن خبره أنه كان خميل الذكر جاهل العلم ، فتولت التصرف عليه أخته آن في الحكم ، فقام عليها الدوك دورليان وأراد التصرف عليه في السر والإعلان ، فأجمعت رؤساء المملكة ، واتفقوا على تصرفها للمسلكة وذلك سنة واحد من القرن العاشر المارّ واتفق دورليان ، مع أمير البرطانية (كذا) على مقاتلتها وجهّزا معا الجيوش لوجاهتها (كذا) وشرعا في الرحلة سنة خمس من العاشر المذكور كثير البضاعة ، وكان رايس (كذا) جيشها لا تريمواليو المشهور بالشجاعة ، فكان القتال الشديد بينهما بحسب الاستطاعة ، وهزم دورليان (كذا) ثم تقبّض عليه وبعثه لشارل. فسجنه وتركه مدة في السجن ثم خلّ سبيله بعد ما أوهنه فرجع إليه وصار من أحسن خدامه ، والقائم بأحواله بأحسن قيامه ، وتزوج شارل بابنة أمير
__________________
(144) يقصد النمسا.
(145) الموافق 1482 ـ 1483 م.
(146) الموافق 1494 ـ 1495 م.

البورطانية (كذا). فكان مهرها وطن البورطانية. وفي سنة اثنا عشر من المارّ جهز الجيوش لوطن النابوليطان فحاربه أربعة أشهر واستولى عليها بالبيان ، ثم اتحد البابّ (كذا) وملك النامسة (كذا) والأندلس على ترحيله ، فرحل قاصدا مملكته في ثمانية / آلاف مقاتل بتمهيله ، والتقى بجيش المتحدين بفرنو وصفا وهم أربعون ألفا ، فاشتد بينه وبينهم القتال ، وتقابلت مع بعضها الرجال ، ودام ذلك إلى أن هزم المتحدين هزيمة شنيعة ، ودخل مملكته في حالة مرضية منيعة وبموته انقرض الفرع الثاني من الطبقة الثالثة ، وتولى الفرع الثالث منها بالماثلة.
الملك لويس الثاني عشر
وسابع خمسينهم لويز الثاني عشر ، تولى سنة خمسة عشر وتسعمائة (147) ومات سنة اثنين وثلاثين من العاشر فيما اشتهر ، بعد ما ملك سبعة عشر سنة ، فتأسّفت عليه رعيته كأنه درة مثمنة. ومن خبره أنه كان شديد الحلم والرفق بالرعية فرأت منه ما لا يوصف من الخبرات السنية ، وكان متزوجا بابنة لويز الحادي عشر فطلّقها ، وتزوّج بحليلة شارل الثامن سنة ستة عشر من العاشر فاعتزم بها وحلّقها ، فضمّ لمملكته وطن البورطانية فصارت فرعان من فروع المملكة الفرانسانية (كذا) ثم جهّز جيوشا لنظر تريفلس بكل ما كان لفتح النبوليطانية والميلانيز أرض الطليان ، وذلك في السنة المارة فدخل أرض الطليان واستولى على جنوة والملانيز ، فرام الملك نظير ذلك ورحل من باريز ، فقام سفروص وأنشأ الحرب وأطردهم عن ملكه ، فسمع لويز وأرسل جيشا لقمعه وإدخاله في سلكه ، وريّس عليه لا تريموليو فرحل سنة سبعة عشر وتسعمائة ، وأنشأ الحرب ثم استولى على الميلانيز ، وتقبّض بسفورص فأرسله فورا إلى السلطان لويز ، فسحنه إلى أن مات به ثم استولى على النبوليطان سنة ثمانية عشر من العاشر بالبيان ، وحصل الحرب بينه وبين ملك الأندلس فكانت الدائرة عليه ، وهزمت جيوشه بما لديه ، ولما سمع لويز بذلك ازداد حزنه ، ولازمه ضعفه ووهنه وقال خدعني ملك الأندلس مرتين ، ولم نشعر مع نفسي بلا مين ، فسمع مقاله
__________________
(147) الموافق 1509 ـ 1510 م.

ملك الأندلس وقال بل خدعته أزيد من عشر مرات ولم يشعر بالخديعة وهو في جهله بغمرات ، ثم اتحد مع الباب وملك الأندلس والنامسة (كذا) وغيرهم من أمراء الطليان ، على حرب البنادقة وإزالة شوكتهم / مع الطغيان ، فذهب لهم بجيوشه وحاربهم فهزمهم بنواحي إيناديل ثم برافين وقامت الطليان على الفرانسيس للتغيير والتبديل ، فأطردوهم من الميلانيز ثم انعقد الصلح بين لويز والبنادقة واتحدا على الذهاب للملانيز ، فقصدهم بجيوشه واستولى عليها ثم اتحدت عليه الانقليز والبابّ (كذا) والنامسة (كذا) والملانيز وبجيوشهم أطردوه عليها ، وهزم جيشه بما لا يوصف ولا يعلم ولا يعرف ، وذلك سنة ثلاثين من القرن العاشر المحبوب ، ولمّا تراكمت عليها المصائب والكروب المفضية إلى الفرار ، والهروب ، عقد الصلح معهم سنة إحدى وثلاثين من المذكور ، على شرط أن يتزوج بماري أخت أنري الثامن من ملوك الانقليز فرضي بالمسطور. وبموته انقرض الفرع الثالث الشائع وتولى الملك من الطبقة الثالثة الفرع الرابع.
الملك فرانسوا الأول : FRANC ? OIS.I
وثامن خمسينهم صهره افرانصو الأول ، تولى سنة اثنين وثلاثين وتسعمائة (148) وهو ابن إحدى وعشرين سنة في المسطور ، وهو من نسل الدوك دورليان المذكور ، وتوفي سنة أربع وستين من القرن العاشر المشهور (149). ومن خبره أنه كانت له اليد في سائر الفنون لكنه يحب الفتن بلا قياس ، ولا يراعي مصالحه ولا مصالح الناس ، ففي سنة توليته جهز جيشا وأخذ في الرحلة لأرض الميلانيز ، ووقع المصاف بمارينيان محل التنجير ، واشتد الحرب يومين وظهر على أعدائه ، وقتل عشرة آلاف مقاتل وهو في التقدم بمن ورائه فجرح خمس جراحات ، ولم يلتفت لها بصراحات ، فارتحل أمير الميلانيز وأذعن بالطاعة ، وتوجّه لافرانسا واستقر بها لعدم الاستطاعة ، فرجع افرانصوا وأبقى بمحله دوبوربون الكنطابل أميرا على الميلانيز ومعه ستة عشر ألفا من عسكره للتناجيز ،
__________________
(148) الموافق 1525 ـ 1526 م.
(149) الموافق 1556 ـ 1557 م.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

بناء شخصية  الأطفال   ...